الجمعة، 10 أبريل 2015

الفضائيات التي تتحرك بـ"الريموت الميري"... وما خفي هو الأخطر


"مذيع" القاهرة الناس
ربما لا يعلم بأنه ترس في ميكنة القمع الرسمي 
هذا المذيع ـ واحد من سدنة مساندة القمع البوليسي ومساعدة السلطة  
على التهـــرب من مساءلتهـــا.



مذيع "القاهرة والناس".. وما خفي هو الأخطر! الضجة المثارة حاليًا بين "مذيع" مثير للجدل في فضائية "القاهرة والناس" وبين المؤسسة الدينية، يُخشى أن تكون مقدمة لإجراءات قمعية متوقعة. أنا ـ حتى الآن ـ ما زلت متوجسًا من ظاهرة "المذيع".. الذي دفع به على شاشة فضائية مؤيدة للسيسي. فالفضائية ليست بعيدة عن الفضائيات التي تتحرك بـ"الريموت الميري"، وسبق أن تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لمقطع فيديو، يظهر أحد أشهر مذيعي الفضائية، وهو "يرطرط" بكلام خطير، بيّن من خلاله بأنه تلقى "توصية" السيسي للهجوم على "أردوغان" وليس على "أوغلو".. هو المقطع الذي سبق التسريبات المنسوبة إلى مكتب السيسي وكشفت عن تحول الإعلام الخاص بالكامل إلى أذرع تابعة للمؤسسات الصلبة.
هذا استهلال مهم، لأنه يطرح سؤالاً بشأن ما إذا كانت "صدمة" القاهرة والناس، لم تكن من صنع القابض على "الريموت" خلف أبواب غرف السيادة السرية. المشكلة أن السلطة غير مدركة خطورة الأزمة على شرعيتها، فهي ربما تكون قد تستغل لفرض المزيد من القيود على حرية الرأي.. بزعم أنها ـ أي تلك الحرية ـ انتهكت "المقدس الديني".. وأن تحجيم هذه الحرية، مطلب شعبي خوفًا على الدين من الفتن! هذه "اللعبة"، قد تستفيد منها "الدولة القمعية" العميقة، في تكميم الأفواه، وفرض قيود أكثر تشددًا على حرية الصحافة، ومحاصرة المد المناهض والناقد لأداء السلطة.. مسنودة ـ كما تعتقد ـ بغطاء شعبي مذعور من "جرأة" حرية الرأي على الدين.. غير أن ثمة وجهًا آخر من الأزمة، قد يورط السلطة في مشكلة أكبر: فمَن يصدق أنها ليست طرفًا فيما يقدمه مذيع القاهرة والناس من شتائم ونقد جارح، لكل ما حمل رمزية شكلت الضمير الديني للمسلم المصري على مدى 1400 عام.. فيما بات من المستقر عليه، بأن الفضائية، مثل بقية الفضائيات الخاصة، جزء من الإعلام الرسمي المعبر عن رأي وسياسات "الاتحادية"؟!
وبمعنى آخر: من يعفي السلطة من مسؤوليتها المباشرة من التجريح الذي تقدمه "القاهرة والناس" لما يعتقد المصريون بأنه جزء من الدين وليس مفسرًا له؟!
الأزمة ـ إذن ـ تهدد السلطة بوصفها "الصانعة" لها.. ولكن الأخطر أنها تهدد بشكل مباشر ما تبقى من هامش ـ رغم ضآلته ـ للحريات.. لذا فإن التعاطي معها يحتاج إلى رصانة والتحوط من الانزلاق نحو "الشرك" لاصطياد الصحفيين والكتاب وصناع الرأي، وتحويلهم إلى جزء من الحملة على "القاهرة والناس".. و"الشكوى" من حرية الرأي "الزائدة".. لأنه لا يوجد الآن حرية رأي حقيقية، بل حرية "رأي الدولة وحدها".. ثم تستثمر السلطة هذه الشكوى لتبرير ـ على الأقل ـ قمعها للحريات أمام الرأي العام الدولي، بوصفه مطلبًا شعبويًا ونخبويًا أيضًا. "مذيع" القاهرة الناس.. ربما لا يعلم بأنه ترس في ميكنة القمع الرسمي، وأنه يُحرق لحرق نضال عقود طويلة من أجل إخضاع السلطة للنقد، ولرقابة صحافة وإعلام حر ومحترم وغير مخترق أو فاسد.. إنه ـ أي هذا المذيع ـ واحد من سدنة مساندة القمع البوليسي.. ومساعدة السلطة على التهرب من مساءلتها. محمود سلطان



ليست هناك تعليقات: