لماذا حجبت مصر والجامعة العربية
مقعد سوريا عن المعارضة للمرة الثانية؟
للعام الثاني على التوالي، حجبت الجامعة العربية مقعد سوريا (المجمدة عضويتها) عن المعارضة السورية لأسباب تتعلق برفض دول عربية، منها مصر والجزائر، تسليم المقعد للمعارضة، والرغبة في إعادة حكومة بشار الأسد، ولأسباب أخرى تتعلق بخلافات المعارضة ورفض ائتلافات سورية معارضة (من داخل سوريا) تسليم المقعد للمعارضة الموجودة خارج سوريا.
وسبق أن تم إعطاء هذا المقعد للمعارضة في القمة العربية بالدوحة عام 2013، وجلس رئيس الائتلاف السوري المعارض آنذاك معاذ الخطيب على مقعد سورية، وعندما جاءت قمة الكويت في عام 2014، وبدأت تظهر اعتراضات عربية ومن معارضة الداخل السورية، حدثت تغيرات طفيفة، ولم يجلس رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا على مقعد سورية، إلا أنه شارك في القمة وألقى كلمة، وكان من قرارات القمة دعوة الائتلاف لحضور اجتماعات الجامعة العربية، وهو ما لم يحدث في القمة الحالية التي تستضيفها مصر.
حيث أكد رئيس اللجنة القانونية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هيثم المالح، أن “الائتلاف لم يتلق دعوة حتى الآن من القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربية التي تنطلق (اليوم) السبت”، وأشار إلى أن الائتلاف أرسل منذ أيام مذكرة للجامعة العربية بهذا الشأن، غير أنه لم يتلق ردًا.
وشدد “المالح” على أنه في حال عدم حضور الائتلاف للقمة العربية، فإن القاهرة تكون قد خالفت قرارات القمة العربية. فيما قال “أحمد رمضان” عضو الائتلاف ورئيس حركة العمل الوطني من أجل سورية على حسابه على “تويتر” إن: “مصر رفضت دعوة الائتلاف الوطني السوري لحضور القمة العربية مستغلة انشغال السعودية ورفعت علم النظام مكان علم الثورة!”.
مقعد سوريا شاغر وليبيا لجناح “حفتر”
وقد أكد استبعاد المعارضة السورية، السفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي قال إن “مقعد سورية سيبقى شاغرًا خلال القمة”؛ بيد أنه قال إن المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المنحل سيشارك في القمة، وهو ما أثار تساؤلات حول وجود أسباب سياسية لدى الدولة المضيفة (مصر) لعدم دعوة المعارضة السورية، التي أوقفت التعاون معها منذ انقلاب 3 يوليو، ومنعت أعضاء منها من دخول القاهرة، فيما سعت لإعطاء جناح الجنرال خليفة حفتر في ليبيا الذي يمثل الانقلاب على الثورة الليبية مقعد ليبيا، برغم أن هذا البرلمان غير شرعي بحكم من المحكمة الدستورية الليبية.
وفي ختام الاجتماع النصف السنوي لوزراء الخارجية العرب، سعي الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لإعطاء مبرر قانوني قائلا: “إن الجامعة تنتظر اكتمال مؤسسات المعارضة السورية لتسليمها مقعد دمشق الذي ما زال شاغرا منذ العام 2012″.
فخلال قمة الكويت مارس 2014، قالت مصادر في الجامعة العربية إن الاجتماع الوزاري تسلم معارضة من الجزائر لتسلّم المعارضة السورية، ممثلة بـ”أحمد الجربا” رئيس الائتلاف المعارض مقعد سوريا في القمة العربية لـ”أسباب قانونية”.
كما تسلمت الجامعة خطابا من “المنسق العام لهيئة التنسيق السورية المعارضة” حسن عبد العظيم، “معارضة الداخل” للأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، أعلن فيها رفض الهيئة “معارضة الداخل” منح الائتلاف الوطني “معارضة الخارج” مقعد سوريا بجامعة الدول العربية، وطلب أيضا عدم منح المقعد للحكومة السورية، وأن يبقى شاغرا حتى يتم تشكيل حكومة انتقالية تتولى السلطة في سوريا.
وأورد عبد العظيم 8 أسباب تفصيلية لرفض الهيئة في الرسالة، حيث قال إن الائتلاف لا يمثل الدولة السورية، كما أنه لا يمثل جميع قوى المعارضة، بل قسما صغيرا منها، وأنه قد فقد كثيرا من حاضنته الشعبية، ولم تعد أغلبية قوى الثورة والمعارضة تعتبره ممثلا لها.
وأضاف حسن عبد العظيم، ضمن أسباب الرفض، أن اعتراف بعض دول الجامعة العربية بالائتلاف لا يعطي له الحق لشغل مقعد سوريا، وقال مخاطبا العربي: “نحن نعلم كما تعلمون الظروف والحيثيات التي قام عليها هذا الاعتراف”، كما أشار الى أن الائتلاف لم يتخل عما أسماه (خيار العنف) الذى دمر سوريا ومزق وحدة شعبها وهو يتحمل قسطا من المسؤولية في ذلك، وأنه ما دام رفض جميع المبادرات السلمية لحل الأزمة السورية ومن ضمنها مبادرتا جامعة الدول العربية الأولى والثانية، ولم يعترف ببيان “جنيف 1″ إلا في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “جنيف 2″، ولا يزال يرفض وحدة المعارضة وتشكيل وفد موحد يمثلها في مفاوضات جنيف بحسب نص بيان “جنيف 1″، بل رفض جميع مساعي الجامعة العربية في هذا الصدد.
>
وأضاف قائلا: إن السماح للائتلاف بشغل مقعد سوريا في الجامعة سوف تكون له آثار سلبية على اللقاء التشاوري مع قوى المعارضة المختلفة من أجل توحيد الصفوف وتشكيل وفد مشترك يتمتع بقاعدة تمثيلية واسعة، وذي مصداقية.
المقعـــد الحـــائر
وكانت مصر قد أيدت في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، إعطاء مقعد سوريا إلى المعارضة السورية التي اعترف بها، ودعا الرئيس مرسي في قمة الدوحة (رقم 24) بدعم المعارضة السورية، ولكن في أعقاب الانقلاب على الرئيس مرسي واتهام السلطة الجديدة بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي للمعارضة السورية واللاجئين في مصر بدعم مظاهرات الإخوان ضده، بدأت حالة عداء بين مصر والمعارضة.
وعندما حضرت وفود من المعارضة إلى القاهرة لعقد لقاءات مع الجامعة العربية جرى احتجاز بعضهم في مطار القاهرة ومنعهم من الدخول، بدعوى إهانة مصر.
وفي التحضير لقمة الكويت (رقم 25) في مارس 2014، طرحت هذه القضية على الدورة 141 للقمة العربية في الكويت؛ ولكن تم تأجيلها بسبب معارضة مصر والجزائر، والخلاف حول أحقية الائتلاف في شغل المقعد السوري في ظل عدم سيطرته على الأراضي السورية، حسب مصادر دبلوماسية عربية حينئذ.
ومع مجيء القمة الحالية في شرم الشيخ التي تبدأ اليوم السبت (وهي رقم 26) أصبح مقعد سوريا في الجامعة العربية، هو الكرة الحائرة في ملعب القمة التي تتسلم مصر رئاستها لهذه الدورة، وتم حجب المعارضة تماما وعدم دعوتها لا لتسلم مقعد سوريا كما حدث في قمة الدوحة 2013، ولا للمشاركة بكلمة بدون مقعد كما حدث في قمة الكويت 2014.
ففي قمة الدوحة أعلن الائتلاف السوري الوطني المعارض أن وزراء الخارجية العرب قرروا في اجتماعهم التحضيري لقمة الدوحة 2013، منح الائتلاف مقعد سوريا ودعوتهم لشغله في القمة العربية.
وعندما انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة يوم 26 مارس 2013 أعمال القمة العربية العادية الرابعة والعشرين، ألقي رئيس الائتلاف السوري المستقيل أحمد معاذ الخطيب كلمة أمام القادة العرب، وفي قمة الكويت 2014 سمح لرئيس الائتلاف بالحضور دون الجلوس على مقعد سوريا وإلقاء خطاب.
ولكن في القمة الحالية التي تقودها مصر، لم توجه الدعوات من الأصل لأي معارض سوري، وأكد مصدر عربي دبلوماسي شارك في الاجتماع الوزاري أنه لم يتم اتخاذ قرار حول مسألة منح مقعد سوريا للمعارضة، مشيرا إلى أن الوزراء أكدوا على الالتزام بقرار مجلس الجامعة الصادر في السادس من مارس 2014 بدعوة الائتلاف السوري المعارض لتشكيل هيئة تنفيذية لشغل مقعد سوريا في القمة؛ إلا آنه يوجد أصوات تطالب بعودة نظام دمشق على مقعد الجامعة، لذلك أعلنت الجامعة العربية أن مقعد سوريا سيكون شاغرا خلال جلسات قمة شرم الشيخ لحين الوصول لاتفاق محدد.
وكتب خالد خوجة رئيس الائتلاف الوطني السوري الحالي على حسابه على “تويتر” يقول: “من المؤسف أن يستثنى الائتلاف من اجتماعات الجامعة العربية للمرة الثانية بعد استلامه مقعد سوريا كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري”.
وكان وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل قد طالب في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية عام 2014 بتسليم المقعد للائتلاف “لتكون رسالة قوية للمجتمع الدولي بمساندة الائتلاف”، إلا أن الجزائر والعراق ومصر عارضوا القرار باعتبار أنه مخالف للقانون الدولي.
وظل مقعد سوريا في هذه القمة (الكويت) فارغا، في ظل غياب ممثل الحكومة السورية ورغم حضور رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا، الذي سمح له بإلقاء خطاب، ولكن في قمة شرم الشيخ المصرية لم يتم دعوة المعارضة من الأساس برغم تأكيد اجتماعات وزراء الخارجية العرب سابقا على حضور المعارضة.
وكان الرئيس السوري قد اتّخذ موقفا معاديا جدا للجامعة منذ السنة الأولى لثورات الربيع العربي، ووصفها بأنها “بحاجة إلى شرعية”، وقال تعليقا على تجميد عضوية بلاده بسبب قتلها للمدنيين، إنها “لا تعطي شرعية ولا تسحبها”، وإن ما تقوم به “مسرحيات ليست لها أية قيمة بالنسبة إلينا”.
كما وصفها بأنها “مجرد مرآة لزمن الانحطاط العربي”، وقال إنها “تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا”، ووصف ما تقوم به بأنه “قمة الانحطاط”، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بأن وضع سوريا في كفة والجامعة العربية في كفة مقابلة وقال “إن الجامعة بلا سوريا تصبح عروبتها معلقة”.
ويقول دبلوماسيون عرب أنه لا يمكن إلقاء اللوم على الدول العربية في تعطيل تسلم المعارضة مقعد سوريا، فالأمم المتحدة لم تسلم المقعد للمعارضة، وكذلك المنظمات الدولية العديدة التابعة لها، كما لم تسمح غالبية دول العالم، العربية والأجنبية باستلام المعارضة لسفارة بلادها بشكل رسمي ولم تعترف لها بتسيير الشؤون القنصلية، فالأمر مرتبط بقرار دولي لم ينضج بعد.
لكن المعارضة السورية تؤكد على أهمية الجامعة العربية في حل الأزمة، وأنها هي التي ستفرض اعتراف العالم بها، وقد حاولت أن يبقى الحل محصورا بيد الجامعة قبل أن ينتقل إلى يد المجتمع الدولي، واقترح سوريون أن ترسل الجامعة العربية قوات حفظ سلام إلى سوريا أو قوات ردع، لكن بنية الجامعة وطبيعة قراراتها لا تتيح لها المجال للعب مثل هذا الدور طالما لم تحظ بموافقة جميع الأطراف بمن فيها النظام السوري، وهو الأمر الذي شل قدرتها على لعب أي دور حاسم.
كما أن انهيار الربيع العربي، وعودة أنظمة قديمة في دول عربية شهدت ثورات، جعل مكاسب المعارضة السورية التي ظهرت من رحم ثورات الربيع العربي، تتقلص، وأنظمة جديدة معادية للتيار الإسلامي (حالة مصر) تصنفها باعتبار “إخوان” أو “تيار إسلامي”، وتطالب بإعادة المقعد للحكومة السورية والسعي لرعاية مفاوضات سلام لا تستبعد “الأسد” بعدما كان مستبعدا عقب الثورات العربية من أن دور في سوريا المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق