الاثنين، 16 مارس 2015

على من نطلق الرصاص؟.



على من نطلق الرصاص؟
 إلى أن نصل إلى إجابة على هذا السؤال الصعب
 سيبقى العـــرب يطلقــون الرصـــاص على العــــــرب.


خرج علينا رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في لحظة صدق قبل أيام، بتصريحاتٍ عبرت عن الرؤية الحقيقية للمشروع الصهيوني في فلسطين، يقول فيها إن الحديث عن حل الدولتين لم يعد قائماً، وإنه لن تكون هناك انسحابات من الضفة الغربية بعد اليوم. وجاءت هذه التصريحات في زخم الانتخابات الإسرائيلية، وعقب عودته من زيارة لواشنطن، بدعوة من رئيس مجلس النواب الأميركي، على غير هوى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وكلمته المسرحية التي ألقاها أمام الكونغرس، على مدى 40 دقيقة، تحدث فيها كزعيم وراعٍ للشرق الأوسط، وباعتبار إسرائيل المسؤولة عن أمن المنطقة واستقرارها، وشارك أيضاً في المؤتمر السنوي الذي تنظمه "إيباك" أهم منظمات اللوبي اليهودي في أميركا.
وعاد إلى فلسطين المحتلة، لاستكمال حملته الانتخابية، وأطلق هذا التصريح الذي يعني أن إسرائيل لن تقبل بإقامة دولة فلسطينية، ولن تتخلى عن مشروعاتها الاستيطانية في الضفة الغربية، ومشروعاتها لتهويد القدس، والتي قال نتنياهو، في كلمته أمام الكونغرس، إنها العاصمة الأبدية للدولة العبرية، وهذه، بحسبه، الدولة الوحيدة لليهود في العالم. وقد يذهب بعضهم إلى أن تلك التصريحات ما هي إلا مزايدات انتخابية، يطلقها نتنياهو في إطار تعرضه لمنافسة شديدة، ومعركة انتخابية قد تنتهي بخسارة فادحة لحزبه!
 لكن تجربتنا الطويلة، والمريرة، مع العدو الإسرائيلي تجعلنا نتوقف كثيراً أمام هذه التصريحات، ونتعامل معها بأعلى قدر من الجدية، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بالمسألة الفلسطينية، وأيضاً، لا يمكن الفصل بين هذه التصريحات والمتغيرات الحادة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وخصوصاً دول الطوق المحيطة بإسرائيل، ومواقفها.
في ما يتعلق بالعدو الإسرائيلي، لا شك أن هناك انتخابات تحوطها صراعات سياسية شرسة، وتتسع لمزايدات كثيرة بين أحزاب وكتل سياسية تختلف، بطبيعتها، على كل شيء، لكنها تتفق على أمر واحد، هو ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، في إطار المشروع الصهيوني، وأنه لابد من تهويد القدس وتوسيع الاستيطان في الضفة، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد مجموعة سكان عرب، في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ويمكن منحهم قدراً من الإدارة الذاتية. وفى النهاية، القضاء على فكرة "الدولة الفلسطينية"، وبالتالي، التصفية النهائية للقضية الفلسطينية. وفى سبيل تحقيق ذلك، هم ليسوا في عجلة من أمرهم، لكنهم يلقون الأفكار المسمومة، ويتركونها تتفاعل، حتى تترسخ وتصبح أمراً واقعاً. وليس أنسب من أجواء الانتخابات لطرح تلك الأفكار حتى تبدو، للوهلة الأولى، وكأنها "مزايدات" انتخابية، ثم تتحول إلى توجه عام لكل القوى السياسية، ما يدفعنا، بالضرورة، إلى التعامل مع تلك الأفكار المطروحة في التصريحات بحذر شديد.
وقد أشارت السلطة الفلسطينية، على لسان وزير الخارجية فيها، رياض المالكي، إلى خطورة هذه التصريحات وجديتها، وإلى أنها لم تأت من فراغ. ولكن، سبقتها إجراءات عديدة، وذلك في كلمته في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب. ومن المفارقات المثيرة، أن السلطة الفلسطينية التي يمثلها رياض المالكي بدأت، في التوقيت نفسه، حملة اعتقالات واسعة لأعضاء حركة المقاومة الإسلامية، حماس، ومؤيديها في الضفة الغربية. وسبق ذلك بأسابيع صدور أحكام من القضاء المستعجل في مصر بإلزام الحكومة بإدراج "حماس" منظمة إرهابية.
والأسئلة التي تطرح بشدة: 
هل لا زالت قضية فلسطين تحتل مكانتها، 
باعتبارها قضية العرب المركزية الأولى؟
وهل الصراع العربي - الإسرائيلي لا يزال قائماً؟
بمعنى آخر، هل لازالت إسرائيل تمثل "العدو" بالنسبة للعرب؟
والسؤال الأهم: هل لا زال هناك من الجيوش العربية من تتضمن عقيدتها العسكرية قتال العدو الإسرائيلي، أو ردعه، في إطار الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة، ليس على حدود أرضه التاريخية، ولكن على حدود 4 يونيو/حزيران 1967 التي قبل بها الفلسطينيون في إطار اتفاق أوسلو، والقبول العربي المتمثل في المبادرة العربية للسلام، والقبول الدولي المتمثل في خارطة الطريق والرباعية الدولية؟ أم إن تلك الجيوش التي تنفق دولها مئات مليارات الدولارات سنوياً على تجهيزها وتسليحها، من مقدرات الشعوب العربية الفقيرة، قد تحولت عقائدها العسكرية إلى الحرب على العدو الجديد، عدو القرن 21 الذي هو "الإرهاب"؟
هناك إجابة من الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، في افتتاح دورة مجلس وزراء الخارجية العرب، حين قال إن الحاجة أصبحت ملحة لإنشاء قوة عسكرية عربية أمنية مشتركة لمواجهة الإرهاب، وقادرة على التدخل السريع، في إطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وضعت في العام 1950، حيث لم يكن هناك تهديد مشترك للدول العربية سوى العدو الإسرائيلي. وهذا يعني، ببساطة، تغيير جوهر الاتفاقية من الدفاع المشترك ضد العدو الذي هو إسرائيل الى الحرب المشتركة ضد العدو الجديد، وهو الإرهاب، ما يتطلب بالضرورة تطوير العقائد العسكرية للجيوش؟
"لا يمكن تجاهل الخطر الأكبر الذي يتهدد هوية شعب من شعوب الأمة العربية"
بالقطع، لا يمكن التقليل من خطر الإرهاب، المتمثل في الجماعات والتنظيمات التي تحمل أفكاراً شديدة التطرف، تسعى إلى فرضها بالعنف وقوة السلاح، وتختلف في طبيعة تكوينها، وتنظيمها، وأهدافها، من دولة إلى أخرى، ولا يمكن التقليل من أهمية التعاون والتنسيق لمواجهة هذه الموجة من الإرهاب. ولكن، لا يمكن تجاهل الخطر الأكبر الذي يتهدد هوية شعب من شعوب الأمة العربية، ويكاد يمحوها تماماً، بعد أن استولى على أرضه، وسيطر على مقدراته ومقدساته، وهو الشعب الفلسطيني، ويرفع العصا الغليظة في وجه كل العالم العربي، بل ويسعى إلى فرض وصاية على المنطقة العربية كلها، بل ويتحدث باسمها، كما حدث في كلمة نتنياهو أمام الكونغرس، وهو يحذر من تمدد إيران وسيطرتها على أربع عواصم عربية. 
وأيضاً، لا يمكن تجاهل خطر التمدد الفارسي، وهو إرهاب لا يقل عن الإرهاب الإسرائيلي، إذ يستهدف هدم فكرة الكيان العربي، من أساسها، كما جاء في جديد تصريحات علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بشأن عودة الإمبراطورية الفارسية، وعن بغداد عاصمة تلك الإمبراطورية، وعن تحرير الإسلام من العروبة، والوهابية، وخطر العثمانية الجديدة.
ويبقى السؤال: على من نطلق الرصاص؟
هل نطلقه على الإرهاب الذي يهدد نظم الحكم العربية، كما يطالب أمين عام جامعة الدول العربية، أم على إرهاب دولة الاحتلال والاغتصاب والحصار وانتهاك المقدسات، إسرائيل؟ أم نطلق الرصاص على إرهاب فارسي، وجد الظروف مهيأة لتحقيق حلم قديم منذ الصراع الفارسي الصفوي مع الخلافة العثمانية حول الهيمنة على العالمين، العربي والإسلامي؟
إلى أن نصل إلى إجابة على هذا السؤال الصعب، سيبقى العرب يطلقون الرصاص على العرب.
عادل سليمان




ليست هناك تعليقات: