إذا ظـن العـــالم أن الإسلاميين في مصـر متطرفـــون
فليستعـدوا لمفاجـأة حقيقيـة!
صعود الشباب الذين “لم ينغمسوا في الإخوان لفترة طويلة بما فيه الكفاية ليتشبعوا بأخلاق عدم المواجهة، يرون الثورة على أنها طبيعية أكثر من ردود الأفعال الأخرى” بحسب شادي حميد.
نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تحقيقا أجرته الصحفية أروى إبراهيم بشأن الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين المصرية بخصوص السلمية التي تتبناها الجماعة، والسجالات داخل التنظيم بشأن المنهج الذي تتعامل به الجماعة مع النظام العسكري الحاكم في مصر.
ويروي التحقيق ما تقوله الصحفية المصرية أسماء شكر من “إننا لا نحتاج إلى إصلاح، ولكن إلى ثورة”، في تلخيص للتدافع المستمر داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين.
فمنذ صيف 2013، شحذ السيسي أدواته القمعية وأسلحته كلها ضد الإخوان المسلمين، في الوقت نفسه الذي تتسع فيه الفجوة بين الأجنحة الإصلاحية والثورية في الجماعة، وهو ما أدى إلى تحول جذري في النهج الذي تلتزمه جماعة الإخوان المسلمين للتغيير منذ عقود.
جوهر هذا التغير في النهج يكمن في اضطرابات التسلسل القيادي وعملية إعادة الهيكلة، التي شهدت تصعيد الشباب في أدوار قيادية، وهو ما أحضر إلى الصف الأول أفكاراً أكثر ثورية، وربما حتى أفكاراً أكثر تطرفاً في تحدي الوضع القائم في مصر.
وأورد التقرير المفصل شيئاً من تاريخ الإخوان المسلمين، التي أنشأها الأستاذ حسن البنا في عام 1928 في مدينة الإسماعيلية المصرية، التي تحولت إلى أكثر الجماعات الإسلامية شعبية وتأثيراً، باستثناء وحدة عسكرية عُرفت باسم النظام الخاص أُنشئت للقتال في فلسطين عام 1948، ولمقاومة المستعمر البريطاني في مصر، لم تمارس الجماعة أي عنف واستمرت في ترسيخ مبدأ مقاومة السلطات بشكل سلمي على مدار تاريخها. استفادت الجماعة من مشاركتها في الهيئات الطلابية والجمعيات المهنية وممارسة العمل الخيري في نشر أفكار الجماعة في المجتمعات، وكان مكتب إرشاد الجماعة الذي يتكون في غالبه من كبار السن، يعتمد لعقود منهج “الإصلاح من داخل النظام” شعاراً للتغيير المتدرج.
لكن عقب الإطاحة بالحكومة الأولى والوحيدة للحركة الإسلامية في انقلاب عسكري دموي في يوليو 2013، وفشل الثوار في مجابهة عسكرة الدولة، أصبح الإخوان “الذين لا يعرفون كيف يقومون بالثورة جيداً” وفقاً لما يقوله شادي حميد، الباحث في معهد بروكنغز، قادرين على أن يقوموا بها!
ونقلت أروى إبراهيم في تقريرها عن يحيى حامد، مساعد الرئيس السابق محمد مرسي، أن العمل الثوري على الأرض الآن يقوده شباب تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين. يحيى حامد ذاته يبلغ من العمر 36 عاماً، ويُعد أحد الشخصيات البارزة التي صعدت من الشباب في الفترة الأخيرة.
وبينما يقبع قادة الإخوان المسلمين في السجون أو ينتشرون في المنفى في عواصم العالم لأول مرة في تاريخ الجماعة الطويل، يقود أعضاء الجماعة الثوريين المقاومة على الأرض.
صعود الشباب الذين “لم ينغمسوا في الإخوان لفترة طويلة بما فيه الكفاية ليتشبعوا بأخلاق عدم المواجهة، يرون الثورة على أنها طبيعية أكثر من ردود الأفعال الأخرى” بحسب شادي حميد.
وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من هذا الاتجاه الثوري الذي أُسس حديثاً هم من بين الأعضاء الأصغر سناً في جماعة الإخوان، إلا أن الانقسام لا يمكن اعتباره انقساماً جيلياً، كما أنه ليس مقصوراً على الإخوان المسلمين فحسب؛ فقد حاول بعض من كبار أعضاء الجماعة اللحاق بركب التغيير، في حين طالبت جماعات إسلامية أخرى بهذا التغيير المنهجي منذ فترة طويلة.
عمرو دراج، الوزير السابق في حكومة مرسي، البالغ من العمر 56 عاماً يقول وهو يحتسي قهوته في قلب ميدان تقسيم في اسطنبول، إن “الدرس الرئيسي الذي تعلمته هو أن التغيير التدريجي لم يعد ناجعاً”.
وتابع “كنت أحاول أن أصلح من داخل النظام، لكن بعد الانقلاب أدركت أنه ليس هناك مجال للمصالحة مع الجيش”، ونهض متجهزاً لاجتماع في منتصف النهار مع منظمة حقوق إنسان عالمية.
رئيساً للعلاقات الدولية في حزب الحرية والعدالة ، يشارك دراج الذي يعيش في اسطنبول بنشاط في اجتماعات مستمرة مع المنظمات غير الحكومية، والبرلمانيين الدوليين عبر منصات إقليمية ودولية مختلفة، في محاولة لإقناع الحكومات والمؤسسات الدولية بأن “دعم الانقلاب ليس في صالحهم”.
ومع وجود العديد من أحزاب المعارضة، وغالبيتها أحزاب إسلامية، في المجلس الثوري الذي يعقد اجتماعاته في اسطنبول، فإن حزب الوطن السلفي بالإضافة إلى الحزب الأكثر ليبرالية، حزب الوسط، يتبادلان ويشاركان بأفكار جديدة وثورية لمقاومة الانقلاب في الأشهر الأولى التي أعقبته.
ومع ذلك، فإن الحرس القديم في تلك الأحزاب والجماعات، ممثلاً في الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين محمود حسان، عادة ما يفوز في النقاشات الداخلية، وهو ما يقمع إمكانية فتح آفاق جديدة وأفكار مستقبلية بحسب شادي حميد.
ويقول تقرير ميدل إيست آي إن التسامح مع هذا النهج داخل الإخوان يتلاشى بسرعة، ولذلك فقد خضعت الجماعة في النهاية لإرادة الأعضاء الفاعلين الذين يؤيدون التصعيد مع حكومة السيسي.
تقول تقارير إن محمود حسين، الذي رفض مقابلة ميدل إيست آي عندما طلبت منه أروى إبراهيم ذلك، تم إعطاؤه مهام أخرى بعد تصاعد المعارضة ضد لهجته غير التصادمية مع النظام.
وعلاوة على ذلك، ساعدت لامركزية الجماعة أعضاءها على اتخاذ العديد من القرارات دون العودة إلى القيادة للتشاور، حيث تدير لجان الشباب المنتخبة حديثاً الأزمات والتعبئة والحشد على الأرض.
يقول عمار البلتاجي، أحد المصريين في اسطنبول، إنه “إذا ظن العالم أن الإسلاميين في مصر متطرفون، فليستعدوا لمفاجأة حقيقية!”. مشيراً إلى نهاية الوقت الذي كان فيه زعماء الإسلاميين مستعدين للتعايش مع الحكومة.
ويتابع البلتاجي بتصميم لكن بلهجة هادئة: “هؤلاء القادة لم يعودوا موجودين”. والد عمار، محمد البلتاجي، أحد القيادات في جماعة الإخوان المسلمين، هو الآن مسجون جنباً إلى جنب مع القيادات الأخرى للإخوان، بما في ذلك عصام العريان وعصام الحداد، الذين عُرفوا باسم طليعة السبعينيات، والذين يشتهرون بالتأسيس الثاني للإخوان المسلمين. قاد هؤلاء القادة الإخوان إلى تحقيق فوز في الانتخابات البرلمانية عام 2005 بـ88 مقعداً.
ونقل تقرير ميدل إيست آي استراتيجية الإخوان التي يشارك في طرحها دراج والبلتاجي، الذي استُشهدت أخته أسماء ذات السبعة عشر عاماً، في فض اعتصام رابعة العدوية في أعقاب انقلاب 2013. الاستراتيجية تقوم على مرحلتين من المقاومة، إذا فشلت الأولى، فإن الثانية ستكون محتومة.
يقول البلتاجي “إننا نعطي فرصة للدولة لتدمر نفسها ذاتياً”، في إشارة إلى ما أمل فيه الإخوان منذ فترة طويلة وهو انهيار الدولة المصرية بسبب الانهيار الاقتصادي والفشل في تحقيق الأمن أو الإنتاج.
فرغم ملايين الدولارات التي يتم ضخها في شكل مساعدات من دول الخليج، تشير التقارير الأخيرة إلى أن الاقتصاد المصري يمر بظروف قاسية، مما يؤشر على وقوف الدولة على حافة الانهيار.
مستفيدة من هذا الوضع، حافظت جماعة الإخوان على التدفق المستمر من الاحتجاجات والمسيرات على الأرض لرفع مستوى الوعي بما يعتبرونه محنة الوطن بأكمله.
ولأن الحراك على الأرض يُدار من الشباب الذين نشأوا مع المناضلين الثوريين اليساريين والليبراليين، ودعوا قياداتهم منذ 2007 للعمل سوياً مع المجموعات الأخرى، خلاف الإخوان، فإن حازم قنديل، الباحث في كامبريدج يرى أن هناك أملاً في تعاون بين أصحاب الأفكار المختلفة.
هذا الأمر ظهر بوضوح في حرم الجامعة حيث يتوحد الطلاب، سواء كانوا إسلاميين أم غير إسلاميين سوياً ضد الحكومة العسكرية.
يقول عمار، الذي سافر إلى اسطنبول قبل ثلاثة أشهر فقط، إن هناك نجاحاً واضحاً نسبياً للاستراتيجية التي يتبناها الإخوان، باعتبار أن القاعدة الشعبية من الفقراء والشباب والحركات العمالية، ينضمون ويدعمون الثوار على الأرض.
وفي حين أن البلتاجي يعتقد أن تسليح الثوار أنفسهم بالدعم الشعبي هو أفضل بديل لاستخدام العنف المسلح، يرى أيضاً أن الغضب المستعر بين جماهير الشعب المصري بسبب فشل عبدالفتاح السيسي، يزداد باستمرار لكنه ليس كافياً بعد لتجديد الانتفاضة الشعبية.
يخشى عمار أن المرحلة المقبلة، التي بدأت تباشيرها بالفعل، -مع لجوء الشباب لتدابير “تصعيدية”- قد تكون أكثر عنفاً في مواجهة القمع المتزايد من الدولة.
وفي حين أن الإخوان، الذين وفقاً لحميد “لن يدعموا اللجوء للعنف على غرار تنظيم القاعدة” لم يتبنوا أي عمليات أو هجمات، إلا أن هناك تصاعداً واضحاً في أعمال التخريب والعنف، ضد أفراد الشرطة والبنية التحتية في مصر على مدى الأشهر القليلة الماضية.
السؤال بدلاً من ذلك حسب حميد هو، عما “إذا كان العنف على المستوى المنخفض يُنظر إليه على أنه حق في الدفاع عن النفس من وجهة نظر الجماعة”. ويمكن أن تشمل التدابير التصعيدية، بحسب محللين وأعضاء، أعمال التخريب وغيرها مثل إحراق مقار الشرطة أو محطات المواصلات أو مكاتب الحكومة أو الحافلات العامة ومحطات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى إغلاق الطرق الحيوية واستخدام قنابل المولوتوف.
وينتقل التقرير إلى التصريحات الأخيرة للإخوان المسلمين، التي تزامنت مع زيادة الإحباط بين الأصوات الثورية، والتي أوضحت أن التدابير القادمة يُحتمل أن تصبح أكثر عنفاً.
ففي بيان صدر باللغة العربية في 27 يناير الماضي، دعا الإخوان أعضاءهم لإعداد أنفسهم “مادياً وروحياً” للقتال من أجل الحرية وحمايتها.
ونقل البيان عن مؤسس الجماعة حسن البنا قوله، إن الحق يجب أن تحميه القوة. وانتهى البيان “يجب على الجميع إدراك أننا مقبلون على مرحلة جديدة. علينا أن نجمع قوانا، وأن نستحضر معاني الجهاد، وأن نعد أنفسنا وأسرنا وأولئك الذين يدعموننا لجهاد طويل الأمد، وأن نرنو إلى الوصول إلى منازل الشهداء”.
وعلى الرغم من اللغة القوية التي يمكن أن ينظر إليها الكثيرون على أنها دعوة للجهاد، فسر العديد من أعضاء الجماعة البيان بمنزلة دعوة لحماية أنفسهم، وليس البدء بالعنف. وفي الوقت نفسه صفق الشباب للبيان الذي رأوه نقطة تحول كبيرة عما كان عليه الحال في الخطاب الهادئ السابق للجماعة.
تعارض مع هذا البيان بيان آخر نُشر في وقت لاحق بعدة أيام فقط على الموقع الإنجليزي للجماعة “إخوان ويب”، حيث دعا إلى نبذ العنف وأكد التزام التنظيم بالسلمية، وهو ما يمكن تفسيره على أنه استمرار للتصارع داخل صفوف التنظيم.
أولئك الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين يجب أن يتبنوا نهجها السلمي وطريق عملها غير العنيف، ولكن إذا كانت هناك دعوة منهم لخط مختلف من العمل، فإن الجماعة لن تقبلهم، بغض النظر عما يقولونه أو يفعلونه”.
وخلافاً للبلتاجي، الذي يعتقد أنه لا يزال هناك وقت وأمل لانتفاضة بين الجماهير، تقول شكر التي باعت منزلها في القاهرة وحزمت حقائبها في تسعة أيام، بعد أن بحثت عنها أجهزة الأمن المصرية لنشرها صوراً لفض اعتصام النهضة، تعتقد أن الشباب يحتاجون إلى قيادة انقلاب كامل في بنية الدولة.
تقول: “نحن لسنا بحاجة إلى القانون، نحن بحاجة إلى محاكم ثورية. لا نحتاج للدبلوماسية، نحتاج للشفافية”.
رئيسةً لقسم الإعلام في منظمة غير حكومية في اسطنبول، تعمل أسماء على رفع مستوى الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة المصرية ضد المعارضة. ورغم ذلك، فإن تركيزها الحقيقي ينصب على إعداد مبادرة تدعو للوحدة بين الشباب إذا لم يلبي القادة طموحاتهم في تغيير جذري.
هناك من يركزون أكثر على هذا التوجه، حذيفة فتوح الذي يبلغ من العمر 26 عاماً يعتقد أن حكومة مرسي كان يجب أن تقوم بعملية تطهير كامل لأجهزة الدولة، ويتابع مؤكداً “إنها مسألة وقت فقط حتى تحارب الثورات ضد العنف الموجه ضدها”.
ويقول حذيفة معارضاً الشعار الشهير الذي قاله مرشد الجماعة محمد بديع “سلميتنا ليست أقوى من الرصاص”.
“الشرطي الذي يقتل متظاهراً أو يغتصب فتاة، يجب أن يتم التعامل معه على الفور” يكرر حذيفة.
حذيفة اسمه الرسمي حذيفة أبو الفتوح، ويعيش الآن في اسطنبول بعد أن لوحق من أمن الدولة، التي نهبت شركة إعلاناته لطبعها ونشرها ملصقات رابعة. قام حذيفة بتغيير اسمه للنأي بنفسه عن عمه عبد المنعم، الذي كان في طليعة شباب الإخوان في السبعينيات، والذي انشق عن الجماعة ليترشح مستقلاً للرئاسة في 2012.
ظل العنف، مع ذلك، دعامة أساسية لجماعات عدة غير الإخوان. ففي شمال سيناء، كان عدد من بين الهجمات التي تعرض لها الجيش والشرطة قد تم تبنيه من ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي القاهرة تقول جبهة المقاومة الشعبية إنها مسؤولة عن سلسلة من التفجيرات.
تسببت هذه الهجمات في تصعيد حملة السيسي ضد ما يسميه “الإرهاب الإسلامي المتفشي”، ولتي يقول العديد من المراقبين إنها قد استخدمت لمواصلة قمع جميع أطياف المعارضة.
ويتفق محللون ونشطاء أنه في غياب أي علامة على الانفتاح في الحريات أو الإصلاح من أجهزة الدولة، فإن ذلك سيدفع الجناح الثوري داخل جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضة بشكل عام إلى تبني وسائل أكثر عنفاً.
(نون بوست)
نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تحقيقا أجرته الصحفية أروى إبراهيم بشأن الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين المصرية بخصوص السلمية التي تتبناها الجماعة، والسجالات داخل التنظيم بشأن المنهج الذي تتعامل به الجماعة مع النظام العسكري الحاكم في مصر.
ويروي التحقيق ما تقوله الصحفية المصرية أسماء شكر من “إننا لا نحتاج إلى إصلاح، ولكن إلى ثورة”، في تلخيص للتدافع المستمر داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين.
فمنذ صيف 2013، شحذ السيسي أدواته القمعية وأسلحته كلها ضد الإخوان المسلمين، في الوقت نفسه الذي تتسع فيه الفجوة بين الأجنحة الإصلاحية والثورية في الجماعة، وهو ما أدى إلى تحول جذري في النهج الذي تلتزمه جماعة الإخوان المسلمين للتغيير منذ عقود.
جوهر هذا التغير في النهج يكمن في اضطرابات التسلسل القيادي وعملية إعادة الهيكلة، التي شهدت تصعيد الشباب في أدوار قيادية، وهو ما أحضر إلى الصف الأول أفكاراً أكثر ثورية، وربما حتى أفكاراً أكثر تطرفاً في تحدي الوضع القائم في مصر.
وأورد التقرير المفصل شيئاً من تاريخ الإخوان المسلمين، التي أنشأها الأستاذ حسن البنا في عام 1928 في مدينة الإسماعيلية المصرية، التي تحولت إلى أكثر الجماعات الإسلامية شعبية وتأثيراً، باستثناء وحدة عسكرية عُرفت باسم النظام الخاص أُنشئت للقتال في فلسطين عام 1948، ولمقاومة المستعمر البريطاني في مصر، لم تمارس الجماعة أي عنف واستمرت في ترسيخ مبدأ مقاومة السلطات بشكل سلمي على مدار تاريخها. استفادت الجماعة من مشاركتها في الهيئات الطلابية والجمعيات المهنية وممارسة العمل الخيري في نشر أفكار الجماعة في المجتمعات، وكان مكتب إرشاد الجماعة الذي يتكون في غالبه من كبار السن، يعتمد لعقود منهج “الإصلاح من داخل النظام” شعاراً للتغيير المتدرج.
لكن عقب الإطاحة بالحكومة الأولى والوحيدة للحركة الإسلامية في انقلاب عسكري دموي في يوليو 2013، وفشل الثوار في مجابهة عسكرة الدولة، أصبح الإخوان “الذين لا يعرفون كيف يقومون بالثورة جيداً” وفقاً لما يقوله شادي حميد، الباحث في معهد بروكنغز، قادرين على أن يقوموا بها!
ونقلت أروى إبراهيم في تقريرها عن يحيى حامد، مساعد الرئيس السابق محمد مرسي، أن العمل الثوري على الأرض الآن يقوده شباب تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين. يحيى حامد ذاته يبلغ من العمر 36 عاماً، ويُعد أحد الشخصيات البارزة التي صعدت من الشباب في الفترة الأخيرة.
وبينما يقبع قادة الإخوان المسلمين في السجون أو ينتشرون في المنفى في عواصم العالم لأول مرة في تاريخ الجماعة الطويل، يقود أعضاء الجماعة الثوريين المقاومة على الأرض.
صعود الشباب الذين “لم ينغمسوا في الإخوان لفترة طويلة بما فيه الكفاية ليتشبعوا بأخلاق عدم المواجهة، يرون الثورة على أنها طبيعية أكثر من ردود الأفعال الأخرى” بحسب شادي حميد.
وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من هذا الاتجاه الثوري الذي أُسس حديثاً هم من بين الأعضاء الأصغر سناً في جماعة الإخوان، إلا أن الانقسام لا يمكن اعتباره انقساماً جيلياً، كما أنه ليس مقصوراً على الإخوان المسلمين فحسب؛ فقد حاول بعض من كبار أعضاء الجماعة اللحاق بركب التغيير، في حين طالبت جماعات إسلامية أخرى بهذا التغيير المنهجي منذ فترة طويلة.
عمرو دراج، الوزير السابق في حكومة مرسي، البالغ من العمر 56 عاماً يقول وهو يحتسي قهوته في قلب ميدان تقسيم في اسطنبول، إن “الدرس الرئيسي الذي تعلمته هو أن التغيير التدريجي لم يعد ناجعاً”.
وتابع “كنت أحاول أن أصلح من داخل النظام، لكن بعد الانقلاب أدركت أنه ليس هناك مجال للمصالحة مع الجيش”، ونهض متجهزاً لاجتماع في منتصف النهار مع منظمة حقوق إنسان عالمية.
رئيساً للعلاقات الدولية في حزب الحرية والعدالة ، يشارك دراج الذي يعيش في اسطنبول بنشاط في اجتماعات مستمرة مع المنظمات غير الحكومية، والبرلمانيين الدوليين عبر منصات إقليمية ودولية مختلفة، في محاولة لإقناع الحكومات والمؤسسات الدولية بأن “دعم الانقلاب ليس في صالحهم”.
ومع وجود العديد من أحزاب المعارضة، وغالبيتها أحزاب إسلامية، في المجلس الثوري الذي يعقد اجتماعاته في اسطنبول، فإن حزب الوطن السلفي بالإضافة إلى الحزب الأكثر ليبرالية، حزب الوسط، يتبادلان ويشاركان بأفكار جديدة وثورية لمقاومة الانقلاب في الأشهر الأولى التي أعقبته.
ومع ذلك، فإن الحرس القديم في تلك الأحزاب والجماعات، ممثلاً في الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين محمود حسان، عادة ما يفوز في النقاشات الداخلية، وهو ما يقمع إمكانية فتح آفاق جديدة وأفكار مستقبلية بحسب شادي حميد.
ويقول تقرير ميدل إيست آي إن التسامح مع هذا النهج داخل الإخوان يتلاشى بسرعة، ولذلك فقد خضعت الجماعة في النهاية لإرادة الأعضاء الفاعلين الذين يؤيدون التصعيد مع حكومة السيسي.
تقول تقارير إن محمود حسين، الذي رفض مقابلة ميدل إيست آي عندما طلبت منه أروى إبراهيم ذلك، تم إعطاؤه مهام أخرى بعد تصاعد المعارضة ضد لهجته غير التصادمية مع النظام.
وعلاوة على ذلك، ساعدت لامركزية الجماعة أعضاءها على اتخاذ العديد من القرارات دون العودة إلى القيادة للتشاور، حيث تدير لجان الشباب المنتخبة حديثاً الأزمات والتعبئة والحشد على الأرض.
يقول عمار البلتاجي، أحد المصريين في اسطنبول، إنه “إذا ظن العالم أن الإسلاميين في مصر متطرفون، فليستعدوا لمفاجأة حقيقية!”. مشيراً إلى نهاية الوقت الذي كان فيه زعماء الإسلاميين مستعدين للتعايش مع الحكومة.
ويتابع البلتاجي بتصميم لكن بلهجة هادئة: “هؤلاء القادة لم يعودوا موجودين”. والد عمار، محمد البلتاجي، أحد القيادات في جماعة الإخوان المسلمين، هو الآن مسجون جنباً إلى جنب مع القيادات الأخرى للإخوان، بما في ذلك عصام العريان وعصام الحداد، الذين عُرفوا باسم طليعة السبعينيات، والذين يشتهرون بالتأسيس الثاني للإخوان المسلمين. قاد هؤلاء القادة الإخوان إلى تحقيق فوز في الانتخابات البرلمانية عام 2005 بـ88 مقعداً.
ونقل تقرير ميدل إيست آي استراتيجية الإخوان التي يشارك في طرحها دراج والبلتاجي، الذي استُشهدت أخته أسماء ذات السبعة عشر عاماً، في فض اعتصام رابعة العدوية في أعقاب انقلاب 2013. الاستراتيجية تقوم على مرحلتين من المقاومة، إذا فشلت الأولى، فإن الثانية ستكون محتومة.
يقول البلتاجي “إننا نعطي فرصة للدولة لتدمر نفسها ذاتياً”، في إشارة إلى ما أمل فيه الإخوان منذ فترة طويلة وهو انهيار الدولة المصرية بسبب الانهيار الاقتصادي والفشل في تحقيق الأمن أو الإنتاج.
فرغم ملايين الدولارات التي يتم ضخها في شكل مساعدات من دول الخليج، تشير التقارير الأخيرة إلى أن الاقتصاد المصري يمر بظروف قاسية، مما يؤشر على وقوف الدولة على حافة الانهيار.
مستفيدة من هذا الوضع، حافظت جماعة الإخوان على التدفق المستمر من الاحتجاجات والمسيرات على الأرض لرفع مستوى الوعي بما يعتبرونه محنة الوطن بأكمله.
ولأن الحراك على الأرض يُدار من الشباب الذين نشأوا مع المناضلين الثوريين اليساريين والليبراليين، ودعوا قياداتهم منذ 2007 للعمل سوياً مع المجموعات الأخرى، خلاف الإخوان، فإن حازم قنديل، الباحث في كامبريدج يرى أن هناك أملاً في تعاون بين أصحاب الأفكار المختلفة.
هذا الأمر ظهر بوضوح في حرم الجامعة حيث يتوحد الطلاب، سواء كانوا إسلاميين أم غير إسلاميين سوياً ضد الحكومة العسكرية.
يقول عمار، الذي سافر إلى اسطنبول قبل ثلاثة أشهر فقط، إن هناك نجاحاً واضحاً نسبياً للاستراتيجية التي يتبناها الإخوان، باعتبار أن القاعدة الشعبية من الفقراء والشباب والحركات العمالية، ينضمون ويدعمون الثوار على الأرض.
وفي حين أن البلتاجي يعتقد أن تسليح الثوار أنفسهم بالدعم الشعبي هو أفضل بديل لاستخدام العنف المسلح، يرى أيضاً أن الغضب المستعر بين جماهير الشعب المصري بسبب فشل عبدالفتاح السيسي، يزداد باستمرار لكنه ليس كافياً بعد لتجديد الانتفاضة الشعبية.
يخشى عمار أن المرحلة المقبلة، التي بدأت تباشيرها بالفعل، -مع لجوء الشباب لتدابير “تصعيدية”- قد تكون أكثر عنفاً في مواجهة القمع المتزايد من الدولة.
وفي حين أن الإخوان، الذين وفقاً لحميد “لن يدعموا اللجوء للعنف على غرار تنظيم القاعدة” لم يتبنوا أي عمليات أو هجمات، إلا أن هناك تصاعداً واضحاً في أعمال التخريب والعنف، ضد أفراد الشرطة والبنية التحتية في مصر على مدى الأشهر القليلة الماضية.
السؤال بدلاً من ذلك حسب حميد هو، عما “إذا كان العنف على المستوى المنخفض يُنظر إليه على أنه حق في الدفاع عن النفس من وجهة نظر الجماعة”. ويمكن أن تشمل التدابير التصعيدية، بحسب محللين وأعضاء، أعمال التخريب وغيرها مثل إحراق مقار الشرطة أو محطات المواصلات أو مكاتب الحكومة أو الحافلات العامة ومحطات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى إغلاق الطرق الحيوية واستخدام قنابل المولوتوف.
وينتقل التقرير إلى التصريحات الأخيرة للإخوان المسلمين، التي تزامنت مع زيادة الإحباط بين الأصوات الثورية، والتي أوضحت أن التدابير القادمة يُحتمل أن تصبح أكثر عنفاً.
ففي بيان صدر باللغة العربية في 27 يناير الماضي، دعا الإخوان أعضاءهم لإعداد أنفسهم “مادياً وروحياً” للقتال من أجل الحرية وحمايتها.
ونقل البيان عن مؤسس الجماعة حسن البنا قوله، إن الحق يجب أن تحميه القوة. وانتهى البيان “يجب على الجميع إدراك أننا مقبلون على مرحلة جديدة. علينا أن نجمع قوانا، وأن نستحضر معاني الجهاد، وأن نعد أنفسنا وأسرنا وأولئك الذين يدعموننا لجهاد طويل الأمد، وأن نرنو إلى الوصول إلى منازل الشهداء”.
وعلى الرغم من اللغة القوية التي يمكن أن ينظر إليها الكثيرون على أنها دعوة للجهاد، فسر العديد من أعضاء الجماعة البيان بمنزلة دعوة لحماية أنفسهم، وليس البدء بالعنف. وفي الوقت نفسه صفق الشباب للبيان الذي رأوه نقطة تحول كبيرة عما كان عليه الحال في الخطاب الهادئ السابق للجماعة.
تعارض مع هذا البيان بيان آخر نُشر في وقت لاحق بعدة أيام فقط على الموقع الإنجليزي للجماعة “إخوان ويب”، حيث دعا إلى نبذ العنف وأكد التزام التنظيم بالسلمية، وهو ما يمكن تفسيره على أنه استمرار للتصارع داخل صفوف التنظيم.
أولئك الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين يجب أن يتبنوا نهجها السلمي وطريق عملها غير العنيف، ولكن إذا كانت هناك دعوة منهم لخط مختلف من العمل، فإن الجماعة لن تقبلهم، بغض النظر عما يقولونه أو يفعلونه”.
وخلافاً للبلتاجي، الذي يعتقد أنه لا يزال هناك وقت وأمل لانتفاضة بين الجماهير، تقول شكر التي باعت منزلها في القاهرة وحزمت حقائبها في تسعة أيام، بعد أن بحثت عنها أجهزة الأمن المصرية لنشرها صوراً لفض اعتصام النهضة، تعتقد أن الشباب يحتاجون إلى قيادة انقلاب كامل في بنية الدولة.
تقول: “نحن لسنا بحاجة إلى القانون، نحن بحاجة إلى محاكم ثورية. لا نحتاج للدبلوماسية، نحتاج للشفافية”.
رئيسةً لقسم الإعلام في منظمة غير حكومية في اسطنبول، تعمل أسماء على رفع مستوى الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة المصرية ضد المعارضة. ورغم ذلك، فإن تركيزها الحقيقي ينصب على إعداد مبادرة تدعو للوحدة بين الشباب إذا لم يلبي القادة طموحاتهم في تغيير جذري.
هناك من يركزون أكثر على هذا التوجه، حذيفة فتوح الذي يبلغ من العمر 26 عاماً يعتقد أن حكومة مرسي كان يجب أن تقوم بعملية تطهير كامل لأجهزة الدولة، ويتابع مؤكداً “إنها مسألة وقت فقط حتى تحارب الثورات ضد العنف الموجه ضدها”.
ويقول حذيفة معارضاً الشعار الشهير الذي قاله مرشد الجماعة محمد بديع “سلميتنا ليست أقوى من الرصاص”.
“الشرطي الذي يقتل متظاهراً أو يغتصب فتاة، يجب أن يتم التعامل معه على الفور” يكرر حذيفة.
حذيفة اسمه الرسمي حذيفة أبو الفتوح، ويعيش الآن في اسطنبول بعد أن لوحق من أمن الدولة، التي نهبت شركة إعلاناته لطبعها ونشرها ملصقات رابعة. قام حذيفة بتغيير اسمه للنأي بنفسه عن عمه عبد المنعم، الذي كان في طليعة شباب الإخوان في السبعينيات، والذي انشق عن الجماعة ليترشح مستقلاً للرئاسة في 2012.
ظل العنف، مع ذلك، دعامة أساسية لجماعات عدة غير الإخوان. ففي شمال سيناء، كان عدد من بين الهجمات التي تعرض لها الجيش والشرطة قد تم تبنيه من ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي القاهرة تقول جبهة المقاومة الشعبية إنها مسؤولة عن سلسلة من التفجيرات.
تسببت هذه الهجمات في تصعيد حملة السيسي ضد ما يسميه “الإرهاب الإسلامي المتفشي”، ولتي يقول العديد من المراقبين إنها قد استخدمت لمواصلة قمع جميع أطياف المعارضة.
ويتفق محللون ونشطاء أنه في غياب أي علامة على الانفتاح في الحريات أو الإصلاح من أجهزة الدولة، فإن ذلك سيدفع الجناح الثوري داخل جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضة بشكل عام إلى تبني وسائل أكثر عنفاً.
(نون بوست)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق