الأحد، 18 يناير 2015

صحفي أيرلندي يروي تفاصيل 10 ساعات تعذيب بقسم الجيزة.



أقسام التعذيب الأكثر وحشية في مصر.



"داخل مركز الشرطة المتهالك، ساد جو من العجز واليأس .. بمجرد دخولك المركز لن تستطيع أبدا رؤية ضوء النهار مرة أخرى، فقد ركلني أفراد الشرطة حتى أدخلوني الزنزانة، وبدأ البلطجية الذين يرتدون الملابس المدنية في توجيه اللكمات والركلات لي وللطلاب المرعوبين الآخرين".
 جاء ذلك في سياق مقال للصحفي الأيرلندي كونور شيلز، بمجلة "ذا ويك" الأمريكية"، روى خلاله خبرته مع التعذيب داخل قسم شرطة الجيزة.
وإلى نص المقال:
 بالنظر إلى الوراء، اكتشف أنني كنت ساذجًا للغاية.
خلال عملي كصحفي لمدة عام في مصر، كتبت عددا لا يحصى من الأخبار حول الإعدامات الجماعية والمحاكمات الصورية وتحوُّل الدولة من ثورة الأمل إلى الديكتاتورية الشعبية، ومع ذلك ظننت أن الأوضاع بالنسبة لي على ما يرام بصفتي صحفي أجنبي في مصر ما بعد الثورة.
 في يوم الأربعاء الموافق 22 أكتوبر، وفي ذروة الاحتجاجات الطلابية المناهضة "للانقلاب" التي اجتاحت الجامعات المصرية، ذهبت لالتقاط بعض الصور من المظاهرات الملتهبة في جامعة القاهرة، لكن ما حدث في الساعات اللاحقة غيرت حياتي للأبد.
عندما وصلت إلى مكان الحادث، طوقتني الشرطة السرية لاشتباهها بأنني سوري، حيث تستهدف الشرطة المهاجرين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا ويطلبون اللجوء إلى مصر، فأخبرتهم أنني أيرلندي، لكنهم كانوا قد بدأوا بالفعل في تفتيش جميع متعلقاتي الشخصية بما فيها كاميرتي.
 فتشوني أنا وطالبين بريئين كانا يرتديان ملابس أفغانية تقليدية ثلاث مرات، قبل أن يقتادونا إلى عربة شرطة منتظرة كان بداخلها 15 أو 16 شابا آخر، وتجاهل الضباط مناشداتي للاتصال بأحد، مؤكدين أن كل شيء سيتم تسويته في مركز للشرطة لم يفصح عنه.
في ذلك الوقت، لم أستطع فهم لماذا كان هؤلاء الشباب في عربة الشرطة يتشنجون حول ما ادعت الشرطة أنه مجرد إجراء شكلي، لكنني اكتشفت ذلك بعد خمس دقائق، عندما وصلنا إلى قسم شرطة الجيزة، حيث كان بانتظارنا حوالي عشرة من عناصر الشرطة خارج القسم، الذي يشتهر بأنه أحد أقسام التعذيب الأكثر وحشية في مصر.
بدأ الشرطيون في ضربي أنا وزملائي المعتقلين على الفور أثناء اقتيادنا إلى الداخل، وتعرضت لأسوأ أنواع الضرب، لكن هؤلاء المصريين غير محظوظين لتعرضهم للعنف الوحشي على أيدي أبناء جلدتهم، كما تلقوا الركلات القاسية من قِبل جنود في نفس أعمارهم تقريبا، والذين كان من الممكن أن يكونوا زملائهم في الدراسة.
داخل مركز الشرطة المتهالك، ساد جو من العجز واليأس - شعور بأنه بمجرد دخولك القسم لن تستطيع أبدا رؤية ضوء النهار مرة أخرى، حيث ركلني العساكر حتى أدخلوني الزنزانة، وبدأ البلطجية الذين يرتدون الملابس المدنية – والذين أكدوا لي قبلها أن كل شيء سيكون على ما يرام – في توجيه اللكمات والركلات لي أنا والشباب المرعوبين الآخرين.
بصفتي رجل غربي، نشأت على الأفلام التي شاهدنا فيها حق المعتقلين في التزام الصمت وإجراء مكالمة هاتفية، لكن بدا أنه لا يوجد قانون في مصر، فبمجرد دخولك قسم الشرطة، يتم انتزاع كافة حقوقك، ومعاملتك بطريقة غير آدمية، وتصبح مجرد لعبة للضرب والاستجواب والتهديد من أجل تسلية رجال الشرطة.
توسلت لرجال الشرطة لإيقاف الضرب، وبعدها بدقائق، عزلوني أنا واثنين آخرين غير مصريين عن بقية مجموعة المعتقلين، وخلال الساعات اللاحقة، تناوب الشرطيون على ضرب بقية المعتقلين في الزنزانة الجماعية، ثم جرّوني إلى غرفة منفصلة، صُدمت حينما وجدت نفسي وحيدا مع الرجل الذي ضربني في السابق.
وفيما يبدو أنها أول الألعاب النفسية التواء في هذا اليوم، سألني ما إذا كان شخصا قد ضربني، فتجاهلت الآلام التي أشعر بها في جسدي، وأجبت بالنفي، وحينها ابتسم باتسامة متكلفة، بعدما لاحظ الرعب الظاهر على وجهي.
منذ البداية، قلت الحقيقة لقسم الشرطة حول دوافعي وأسباب وجودي في مكان الحادث، كنت صادقا تماما، لكن هذا لا يهم بالنسبة لهم، فكانوا مصرّين على أنني كاذب، فواجهوا الأكاذيب التي تصوروها - حول جنسيتي وعدم قدرتي على التحدث باللغة العربية بطلاقة ومناشدات البراءة – بالتهديدات بأنهم سيضعوني مرة أخرى في الزنزانة مع عناصر الشرطة التي تضرب المعتقلين، أو التلميح بتعذيبي لتصورهم أنني أخادعهم.
في غضون ذلك، توسلت من الضابط بأن يسمح لي بأن أرد على هاتفي لأخبر المتصل بمكاني، فابتسم بصورة متكلفة ورفض الاعتراف أنه حتى يسمع رنين الهاتف.
ومن وقت لآخر، كان يدخل علينا بعض الضباط بزي مدني ليبدون تعليقات حول عدم قدرتي على أن أكون صحفيا داخل مصر، أو يقترحون بأنه ينبغي أن أمارس عملي الصحفي من داخل زنزانة، وحينها ابتسموا ابتسامة عريضة وقالوا لي إنني سأظل داخل الزنزانة لفترة طويلة، في تلميح إلى ولع مصر باحتجاز الصحفيين الأبرياء مثل صحفيي قناة الجزيرة الثلاثة بيتر جريست ومحمد فهمي وباهر محمد.
استمر وابل من الأسئلة لعدة ساعات أثناء تجوبهم حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي للعثور على أصدقاء لي بأسماء عربية، وسخروا مني، واتهموني بالكذب، وتوعدوا ببقائي طويلا في السجن، وخلال هذه الفترة، ظللت في حالة من الذعر التام، متسائلاً في نفسي ما تحمله لي هذه التهديدات، بالنظر إلى الموضوعات الصحفية المحظورة في مصر التي كتبتها وحرصت على تغطيتها، بدءا من الإلحاد إلى الشذوذ الجنسي وكل شيء بينهما.
في نهاية المطاف، نقلوني إلى غرفة حجز منفصلة أخرى مع فتاة من السعودية، كانت الفتاة المرعوبة في زيارة لمصر واعتقلتها قوات الشرطة أثناء انتظارها الأتوبيس بالقرب من الجامعة، وتبادلنا أرقام الهواتف للتأكد من خروجنا بأمان من السجن، وقالت الشرطة لها إن سبب اعتقالها هو تلف أحد زوجي الحذاء الذي ترتدينه؛ ربما خلال ركوضها من رجال الشرطة، لكن كلانا يعرف السبب الحقيقي، فقد كانت ترتدي النقاب الذي يغطي جميع جسدها من منبت الشعر إلى أخمص القدم، ولم أتمكن من التواصل معها منذ ذلك الحين، ولا أعرف مكان وجودها الآن.
بعد مرور بعض الوقت، تم نقلي إلى مكتب ضابط أعلى رتبة، كان يرتدي زيا منمقا، وتحدث الإنجليزية بطلاقة، ورغم تأكيده لي على علمه ببراءتي، إلا أنه أخبرني بأنه سيفرج عني "على سبيل المجاملة" إذا ما جاوبت على أسئلته، والتي شملت:
لماذا جئت إلى مصر؟ 
ما نوع الموضوعات التي كتبتها عن مصر؟ 
من هم أصدقائي في مصر؟ إلخ.
كانت هذه الفترة جزءا من المحنة التي أزعجتني بشدة، فبينما كنت أجلس في مكتب مريح مزود بشاشة عرض تليفزيونية،
  كنت أسمع صرخات الشباب الذين جئت معهم، فكان الشرطيون يجرّوهم وهم معصوبي العينين إلى غرفة حيث يتلقون الضرب الوحشي، ويسبونهم باستمرار، ويكهربوهم.
كنت التوي على الكرسي بينما كان ضابط الشرطة يتحدث في الهاتف الخلوي الخاص به، ويشاهد التلفاز، ولم يكترث بصرخات المعتقلين، فكان هذا جزء من حياته اليومية، وكان شعوري بالضيق واضح جدا لدرجة أنه استدعى ضابط آخر لإخراجي، وفي النهاية تم استدعاء صديق مصري لي لإحضار جواز سفري إلى الشرطة.
في البداية، نفى الضباط لأصدقائي ولزملائي في العمل احتجاز أي معتقل داخل قسم الشرطة، وبعدها وافقوا على أخذ جواز سفري، وسمحوا لصديقي المصري بالدخول.
بعد 10 ساعات، أُطلق سراحي، وحينها غمرني شعور بالارتياح، لأنهم سمحوا لي بمغادرة قسم الشرطة القذر، كانت قواي قد خرت وانكسرت، لكنني كنت حرا، اكتشفت بعدها أن الشابين الذين اعتقلا معي أُرسلا إلى مكتب النائب العام لمواجهة محاكمة جماعية.
أعرف أن كل الأشخاص الذين اُعتقلوا معي ضحايا أبرياء
 لكن في صباح اليوم التالي، علمت أن الشرطة فتحت قضية تدعي
 أنني جاسوس كنت أحاول إرسال صور عن مصر إلى الخارج،
وبعد كثير من الجدل القانوني، أُغلقت القضية،
وأصبحت حرا لمغادرة البلاد.

اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك 
وحب كل عمل يقرب اليك




؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: