الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

ما وراء دخول داعش على خط الصراع في مصر؟.


تـوازن الرعـــب




إذا طالت فترة البطش والطغيان من الانقلابيين في مصر فقد يتراجع تأثير أنصار السلمية أقوى من الرصاص وهم الأغلبية الآن، في حركة الرفض والتظاهرات. ولكن دخول داعش على خط الصراع، بقطع النظر عن حقيقته، لن يخدم إلا الخط الدموي الاستئصالي في المؤسسة العسكرية. رفض الشباب الثائر إلى الآن تبني خيار المواجهة المسلحة يبدو أنه أفشل محاولات من دوائر استخبارية لعسكرة حركة الرفض ومن ثم إعلان الحرب الشاملة. 
 الاستخبارات تدرك أن المواجهة المسلحة تمكن من تسويغ سياسة الأرض المحروقة وهو ما يتمناه الخط الاستئصالي داخل الجيش.. فلما لم ينجحوا في عملية الاستدراج، برز تمدد داعش الغامض والمريب باعتماد شكل جديد في التوسع وهو الولايات بدلا من المركزية الجامدة، فوافق هوى الانقلابيين والمتربصين والمتآمرين في تسويق بضاعة الأمن والسحق ومحاربة الإرهاب وأنه لا حكم إلا للحديد والنيران والدبابات.
 ومن كان يفكر من الثوار المصريين بالمواجهة المسلحة بعد أن ظهر له أن العسكر لن يردعه إلا توازن الرعب ونقل الخوف إلى معسكراته ومعاقله، قد يعيد النظر في الأمر بعد دخول داعش على الخط، لأن الأوراق ستختلط وستفسد عليه داعش، الحقيقية أو المصطنعة، قضيته وخياراته. ذلك أن الأمر استقر، على امتداد التجارب المريرة، أنه إذا أردت تخريب ثورة فأسهل طريق لهذا هو استدعاء النسخ الأكثر تطرفا وغلوا في القاعدة. 
 ومهما تفلسفنا وغرقنا في التقديرات والتأملات، فهذا العسكر الدموي الانقلابي، المؤثرون في القرار تحديدا، لن يضع السلاح عن عاتقه حتى وإن هدأ كل الشعب. كل العقلاء يدركون أن هذا العسكر الانقلابي لن يتنازل ولن يتراجع ولن يعود إلى ثكناته إلا مدفوعا إلى ذلك دفعا ومُرغما مُكرها.
 وثمة شكوك في قدرة السلمية على الدفع به بعيدا عن الحكم، وتوازن الرعب أقدر على هذه المهمة، لكنه غير مضمون العواقب، والأهم من هذا أن داعش والاختراق سيُفقدانه التأثير ويربكانه ويخلطان أوراقه ويسوَدان سجله ومشواره. استمرار التظاهر وما تحمله الثوار، والإسلاميون منهم دفعوا الضريبة الأكبر، قد يفوق طاقة الإنسان على التحمل، هو الخط العام للثورة على الانقلاب.
 استمرار هذا الزخم الثوري مع كل هذا الصمت العالمي والتربص الإقليمي والتنكيل الدموي للانقلابيين نغص على العسكر حكمه وأفسد عليه الكثير من خططه، وليس أمامه إلا الاستمرار في هذا الاندفاع الثوري الواثق حتى وإن ظهر للكثيرين أنه لن يتمكن من ردع العسكر الذي يحتكر قوة الحديد والنار. العسكر لن يتراجع بالسلمية أقوى بالرصاص ولن يردعه إلا توازن الرعب لكن إذا أمكن ضبطه والتحكم في مساره، وهذا يتعذر إلى حد كبير.
لكن السلمية أقوى من الرصاص، وإن كانت لا ترقى إلى مستوى توازن الرعب، لكنها تجهد الانقلابيين وتطاردهم في الداخل والخارج وتنغص عليهم حكمهم وتحرجهم شعبيا وتؤلب عليهم الرأي العام تدريجيا. في الجزائر بعد انقلاب 1992 خدمت المواجهة المسلحة قضية الثائرين الرافضين لحكم العسكر في السنتين الأولى والثانية فقط، حتى العام 1994. لكن بعد ظهور داعش الجزائر، الجماعة الإسلامية المسلحة بقيادة جمال زيتوني ثم عنتر زوابري، قضى الانقلابيون على كل الأصوات الثائرة الحرة بعدها فلو واجه الغنوشي برابرة انقلابيين دمويين استئصاليين مثل الذي ابتُليت به مصر، قبل مرسي وبعده، لكان مطاردا متخفيا أو مسجونا منكلا به أو هاربا خارج الحدود. يبقى أمامهم الكثير، تصويبا وتوسيعا وتصحيحا واستدراكا، بعيدا عن هيمنة وسيطرة تيار ثوري، أيا كان، فهذا لا مراء فيه. عملية التصويب هذه أثارت جدلا كبيرا وقتلت بحثا وتنظيرا وكتابة، وكل يريد أن يتبنى الخط الثوري فكرته ويرى رأيه، وهذا متعذر، إذ التصحيح معاناة وتعثر ونهوض ونضال دائم ومستمر واحتكاك وتلاحم وهكذا وليس عملية حسابية ومعادلة رياضية تتطلب تفكيرا مجردا. 
 طرق استنزاف شرطة الانقلابيين وعسكريين هذا متروك لإبداعات الثوار واجتهاداتهم وما يقدرون عليه والاستنزاف وقود الثورات. موقع الإخوان من كل هذا ومدى قابلية قياداتهم للتكيف المرن مع تطورات الزمن الثوري وإذا ما غيرت الأحداث في منطق تفكيرهم وأدائهم، فسيتبين أمره. لكنهم إلى الآن هم في طليعة الزخم الثوري ويتحملون من العنت والقهر والتشريد ما لا طاقة للكثيرين به، ولم يظهر منهم إلى الآن أي رغبة في تنازل مذل.


ليست هناك تعليقات: