داعش ودولتهــا الإســلامية.. لمـــاذا الآن؟
"واقع جديد سيفرض نفسه في معادلة الشرق الأوسط الجديد
الذي سيضم إلى جانب نموذج الدولة "اليهودية"
أيضاً نموذج الدولة "الإسلامية""
باتت الدولة الإسلامية أقرب إلى الحقيقة،
والاعتراف الدولي بهــا بدأ بغض الطرف عنهــا.
وسط انشغال العالم بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتطور النوعي المثير الذي أحدثته المقاومة الفلسطينية في مسارات الصراع والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني تحت النار، والذي يتكلل بانتصارٍ، يحتاج منا إلى وقفات عميقة لتدبره بعد استيعابه، وسط ذلك كله، تأتي المفاجأة من الجانب الآخر على أرض العراق والشام، حيث تكتسح ميليشيات تنظيم داعش الموصل، وكل مناطق عشائر السنة العرب شمالي وشمالي غربي العراق، وتفر أمامها جيوش نوري المالكي، التي أعدها الأميركيون، وكذا قوات البشمركة التي يعتز بها الأكراد! وتعلن قيام الدولة الاسلامية ومبايعة خليفة لها! وتستمر في تمددها في أرض الشام.
قد يستدعى ذلك إلى الأذهان كيف قامت الدولة العبرية قبل 66عاماً؟ قد تبدو المقارنة بين دولة إسرائيل وداعش "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، والذي أعلن من الموصل قيام الدولة الإسلامية، ويسعى إلى إعلانها في الأراضي السورية في المنطقة التي تمثل امتدادات دولتهم في العراق، والممتدة من البوكمال على الحدود العراقية السورية وحتى حلب، ليكون هذا شكل الدولة الجديدة في المنطقة، والتي اتخذت لنفسها اسم "الدولة الإسلامية"، واختارت لنفسها نظام الخلافة الإسلامية، وبايعت أول خليفة، وهو أبو بكر البغدادي، وتعلن أنها سترتكز على قاعدتها في العراق والشام، لتنطلق لتحرير باقي أرض الإسلام في بلاد الحرمين والقدس.
قد تبدو هذه المقاربة غريبة، بل قد تُقابل بالرفض من حيث المبدأ! ولكن، دعونا نتمهل قليلاً، ونتأمل أوضاع كل من الكيانين/ الدولتين، بشيء من التدقيق والتجرد! ولنبدأ بكيان الدولة الإسرائيلية الذي انطلق من فكرة دينيةٍ، أطلقها حاخامات يهود في القرنين، الثامن عشر والتاسع عشر، تدّعي أن اليهودية ليست فقط ديناً، بل أيضاً قومية، ومن حق اليهود، كقومية، أن يكون لهم وطن مثل غيرهم من القوميات، خصوصاً وأنهم مشتتون في دول عديدة، خصوصاً دول أوروبا غربها وشرقها، ومن دون دخول في تفاصيل كثيرة ومتشابكة، نشأ ما يعرف بالمسألة اليهودية، والتي تحولت إلى عبء على الغرب ودوله التي كانت تحكم العالم، وأصبحت فكرة قيام وطن قومي لليهود مطروحة، بل ومقبولة.
ولأن الحركة اليهودية العالمية تمكنت من إطلاق المؤتمر اليهودي الأول في بازل في سويسرا عام 1898، برئاسة ثيودور هيرتزل، واستقرت على اختيار فلسطين وطناً قومياً لليهود، استناداً إلى دعاوى تاريخية قديمة، بأن تلك هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب بني إسرائيل في عهد النبي موسى عليه السلام، وأنشأوا وكالة يهودية، تعمل لتحقيق هذا الهدف الذي وجدت فيه القوى الاستعمارية، في ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا، ومعهما باقي أوروبا وأميركا وروسيا، حلاً للمشكلة اليهودية التي كانت تزعج الجميع، وأيضاً تحقيقا لأهدافهم في السيطرة المستدامة على منطقة الشرق الأوسط، عبر وكيل دائم في قلبها. وفى عام 1917، دخل الجنرال اللنبي بيت المقدس على رأس القوات البريطانية، واتخذت بريطانيا العظمى قراراً بوضع فلسطين تحت الانتداب، وإصدار وعد باسم وزير خارجيتها، بلفور، بحق اليهود في إقامة وطنهم القومي على أرض فلسطين، والباقي معروف.
نشأ كيان هو دولة إسرائيل التي ترفع الآن شعار "يهودية الدولة"، أي دولة لليهود فقط! وتصر على أن نطاق تلك الدولة كل أرض فلسطين التي تعتبرها أرض إسرائيل التاريخية، أو التوراتية. المهم أن العالم الغربي الشهير بالعالم "الحر" تخلص من موضوع المسألة اليهودية بإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم العربي، بتنوعاته العرقية والمذهبية.
"واقع جديد سيفرض نفسه في معادلة الشرق الأوسط الجديد الذي سيضم إلى جانب نموذج الدولة "اليهودية" أيضاً نموذج الدولة "الإسلامية""
وبالعودة إلى موضوع داعش والدولة الإسلامية، نجد أنفسنا أمام تيار ديني إسلامي راديكالي، يعتبر الاسلام السني السلفي الجهادي، ليس فقط توجهاً دينياً، ولكن، أيضاً، هوية يرى أن من حقه أن يُقيم دولته الإسلامية على نهج الخلافة، واختار قلب الشام لإقامة دولته، استناداً إلى أحاديث وروايات السلف أن دولة الخلافة ستقوم في بلاد الشام، وهو الركن العقائدي للدولة الإسلامية، وطلبت الدولة الجديدة من المسلمين والتنظيمات والحركات. الإسلامية الانضواء تحت رايتها، ومبايعة خليفتها الجديد.
إذن، نحن أمام إرهاصات دولة إسلامية، لا تعتبر أن الإسلام دين فقط، بل هوية أيضاً. وبالتالي، يصبح من حق، بل وواجب، المسلمين أن يجاهدوا من أجل إقامة الوطن القومي المتمثل في هذه الدولة الإسلامية. وتلك الفكرة كانت أساس الدعوة التي تبلورت في تنظيم داعش، عبر سنوات من الجهاد، وعدة مراحل من التطور، حتى وصلت إلى فرض سيطرتها على مناطق من أراضي الشام وفي العراق، وأعلنت قيام الدولة الإسلامية، وتحدت الدولة في العراق وإقليم كردستان وفي سورية، بالإضافة إلى تحديها باقي التنظيمات، حتى التي تقاتل نظام بشار الأسد!
قد يستدعى ذلك إلى الأذهان كيف قامت الدولة العبرية قبل 66عاماً؟ قد تبدو المقارنة بين دولة إسرائيل وداعش "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، والذي أعلن من الموصل قيام الدولة الإسلامية، ويسعى إلى إعلانها في الأراضي السورية في المنطقة التي تمثل امتدادات دولتهم في العراق، والممتدة من البوكمال على الحدود العراقية السورية وحتى حلب، ليكون هذا شكل الدولة الجديدة في المنطقة، والتي اتخذت لنفسها اسم "الدولة الإسلامية"، واختارت لنفسها نظام الخلافة الإسلامية، وبايعت أول خليفة، وهو أبو بكر البغدادي، وتعلن أنها سترتكز على قاعدتها في العراق والشام، لتنطلق لتحرير باقي أرض الإسلام في بلاد الحرمين والقدس.
قد تبدو هذه المقاربة غريبة، بل قد تُقابل بالرفض من حيث المبدأ! ولكن، دعونا نتمهل قليلاً، ونتأمل أوضاع كل من الكيانين/ الدولتين، بشيء من التدقيق والتجرد! ولنبدأ بكيان الدولة الإسرائيلية الذي انطلق من فكرة دينيةٍ، أطلقها حاخامات يهود في القرنين، الثامن عشر والتاسع عشر، تدّعي أن اليهودية ليست فقط ديناً، بل أيضاً قومية، ومن حق اليهود، كقومية، أن يكون لهم وطن مثل غيرهم من القوميات، خصوصاً وأنهم مشتتون في دول عديدة، خصوصاً دول أوروبا غربها وشرقها، ومن دون دخول في تفاصيل كثيرة ومتشابكة، نشأ ما يعرف بالمسألة اليهودية، والتي تحولت إلى عبء على الغرب ودوله التي كانت تحكم العالم، وأصبحت فكرة قيام وطن قومي لليهود مطروحة، بل ومقبولة.
ولأن الحركة اليهودية العالمية تمكنت من إطلاق المؤتمر اليهودي الأول في بازل في سويسرا عام 1898، برئاسة ثيودور هيرتزل، واستقرت على اختيار فلسطين وطناً قومياً لليهود، استناداً إلى دعاوى تاريخية قديمة، بأن تلك هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب بني إسرائيل في عهد النبي موسى عليه السلام، وأنشأوا وكالة يهودية، تعمل لتحقيق هذا الهدف الذي وجدت فيه القوى الاستعمارية، في ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا، ومعهما باقي أوروبا وأميركا وروسيا، حلاً للمشكلة اليهودية التي كانت تزعج الجميع، وأيضاً تحقيقا لأهدافهم في السيطرة المستدامة على منطقة الشرق الأوسط، عبر وكيل دائم في قلبها. وفى عام 1917، دخل الجنرال اللنبي بيت المقدس على رأس القوات البريطانية، واتخذت بريطانيا العظمى قراراً بوضع فلسطين تحت الانتداب، وإصدار وعد باسم وزير خارجيتها، بلفور، بحق اليهود في إقامة وطنهم القومي على أرض فلسطين، والباقي معروف.
نشأ كيان هو دولة إسرائيل التي ترفع الآن شعار "يهودية الدولة"، أي دولة لليهود فقط! وتصر على أن نطاق تلك الدولة كل أرض فلسطين التي تعتبرها أرض إسرائيل التاريخية، أو التوراتية. المهم أن العالم الغربي الشهير بالعالم "الحر" تخلص من موضوع المسألة اليهودية بإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم العربي، بتنوعاته العرقية والمذهبية.
"واقع جديد سيفرض نفسه في معادلة الشرق الأوسط الجديد الذي سيضم إلى جانب نموذج الدولة "اليهودية" أيضاً نموذج الدولة "الإسلامية""
وبالعودة إلى موضوع داعش والدولة الإسلامية، نجد أنفسنا أمام تيار ديني إسلامي راديكالي، يعتبر الاسلام السني السلفي الجهادي، ليس فقط توجهاً دينياً، ولكن، أيضاً، هوية يرى أن من حقه أن يُقيم دولته الإسلامية على نهج الخلافة، واختار قلب الشام لإقامة دولته، استناداً إلى أحاديث وروايات السلف أن دولة الخلافة ستقوم في بلاد الشام، وهو الركن العقائدي للدولة الإسلامية، وطلبت الدولة الجديدة من المسلمين والتنظيمات والحركات. الإسلامية الانضواء تحت رايتها، ومبايعة خليفتها الجديد.
إذن، نحن أمام إرهاصات دولة إسلامية، لا تعتبر أن الإسلام دين فقط، بل هوية أيضاً. وبالتالي، يصبح من حق، بل وواجب، المسلمين أن يجاهدوا من أجل إقامة الوطن القومي المتمثل في هذه الدولة الإسلامية. وتلك الفكرة كانت أساس الدعوة التي تبلورت في تنظيم داعش، عبر سنوات من الجهاد، وعدة مراحل من التطور، حتى وصلت إلى فرض سيطرتها على مناطق من أراضي الشام وفي العراق، وأعلنت قيام الدولة الإسلامية، وتحدت الدولة في العراق وإقليم كردستان وفي سورية، بالإضافة إلى تحديها باقي التنظيمات، حتى التي تقاتل نظام بشار الأسد!
وهنا، تنشأ أسئلة، من قبيل ما إذا كانت تلك الدولة ستكتمل؟ ومتى؟ وما مستقبلها؟
ثم، وهو الأهم، ما هي انعكاسات قيام وتكريس هذه الدولة في قلب الشرق الأوسط، وخصوصاً في منطقة الشام سورية والعراق؟
ولماذا الآن بالتحديد؟ بالنسبة لاحتمالات استكمال ركائز الدولة الإسلامية تبدو به مؤكدة، مع تمكنها من فرض سيطرتها من دون منازع، أو مقاومة حقيقية، سواء من الحكومة العراقية التي فرت قواتها أمام زحف داعش، أو من قوات البشمركة الكردية، ورفض أميركا التدخل أو الدعم.
إذن،
باتت الدولة الإسلامية أقرب إلى الحقيقة، والاعتراف الدولي بها بدأ بغض الطرف عنها،
بل والتعامل معها عبر شركات ومؤسسات غير حكومية خاصة في مجال البترول.
هذا واقع جديد سيفرض نفسه في معادلة الشرق الأوسط الجديد الذي سيضم إلى جانب نموذج الدولة "اليهودية" أيضاً نموذج الدولة "الإسلامية".
هل هناك من لا يزال يقول إن انقلاب 3 يوليو في مصر، وعزل أول رئيس مصري منتخب قادم من تيار الإسلام السياسي الديموقراطي، ونسف أول تجربة ديموقراطية في المنطقة، وهي في مهدها، إنه كان إسقاطاً لمشروع الشرق الاوسط الجديد؟
أم كان حافزاً لأميركا لتطوير خططها، والإسراع بمعدلات التنفيذ؟
قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق