السبت، 16 أغسطس 2014

مبارك ميكس..كل أكذوبة والعكس.



خطـــاب رئيس جمهــــورية
 ... لا متهـــم مُـــدان ...


اتسم خطاب مبارك بتجاوزه شكل المرافعات المعروفة، منتقلا في خطابه للحديث لجماهيره (باعتباره رئيس جمهورية وليس باعتباره متهما مدانا)، متناسيا القضاة إلا من عبارات ستة على سبيل الحصر تضمنها حديثه، منها 3 مرات توجه فيها بالنداء للهيئة القضائية. وبخلاف ذلك، توجه مبارك لأنصاره بحديث عاطفي، تضمن بيانا بقائمة إنجازات موهومة، حرصنا على أن نحللها لجمهور مصر العربية في السطور التالية.
خطاب رئيس جمهورية لا متهم مدان
أولى لم يوجه مبارك حديثه للمحكمة، واكتفى فيما يتعلق بمرافعته عن نفسه بست عبارات موجهة لهيئة القضائية، فقد توجه مبارك للقضاة بستة عبارات، منها 3 عبارات تضمنت نداء للهيئة القضائية نفسها، أما العبارة الرابعة، فتمثلت في جملة واحدة تضمنت نفيا لثلاث تهم، قال فيها إنني "لم أكن يوما لآمر بقتل المتظاهرين، ولم أكن يوما لآمر بإحداث فوضى، ولم أسع يوم لإحداث فراغ أمني".
أما بقية مرافعته فلم تكن سوى خطاب صادر عن "رئيس الجمهورية" إلى قطاع من الشعب لديه استعداد لنسيان جرائمه بمجرد أن يرى عيناه تنتوي ذرف بعض الدموع. ولعلنا لم ننس ذكرى خطابه الثاني بعد أحداث يناير، حين كاد أن يبكي، فبكت معه الإعلامية منى الشاذلي في قناة رجل الأعمال أحمد بهجت، أو في تفاعل الإعلامي يسري فودة معه في قناة رجل الأعمال نجيب ساويرس حين قال: "ما يخرج من القلب لا يدخل إلا إلى القلب".
تواضع الديكتاتور الذي نسي دولة القانون
كان من أهم ما تضمنه الخطاب هو نزعة التواضع المغلفة بغلاف الإيمان، أنا بشر، وقراراتي خالفت تطلعات مواطني بلدي، والكمال لله وحده.. إلخ. والمشكل في الحديث أن الرجل يتحدث من داخل القفص بمنطق الديكتاتور. فتجده يقول: "قراراتي"، "كنت حريصا على مصلحة وطني"، بالإضافة لعدد من العبارات استحضر فيها معاني النقص البشري في مواجهة الكمال الذي هو صفة خالصة لله جل وعلا.
غاب عن الرجل؛ أو ما تبقى منه بعد خلعه، ربما لطول عهده بالحكم الفردي المستبد، أنه رفض أن تتحول مصر لدولة قانون، وأن يكون فيها برلمان مسؤول؛ يتضمن معارضة حقيقية وخبراء قادرين على أن يناقشوا بجدية ما كان يذهب إليه في بعض الأحيان من حماقات انتهت بمصر مدينة داخليا بقرابة تريليون جنيه؛ بالإضافة لدينها الخارجي. بل كان همه خلال فترة حكمه أن يسفه المعارضة، وأن يزيد في إضغافها، أما تلك القوى التي كانت تستعصي على مخططاته فكان ينسبها للشيطان ويعبئ الناس ضدها وضد حقوقها.
تصدى لإسرائيل فصار كنزها الإستراتيجي
من أهم ما جعلني أتبسم من مرارة المشهد أيضا ذاكرته الضعيفة. فالرجل يتحدث عن تصديه لمناورات إسرائيل، ورفضه زيارتها، ووقوفه لها ولمكائدها، ونسي أنه بالفعل استلم سيناء منقوصة السيادة، وأنه زار إسرائيل في تشييع جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.. وسوف أقفز على مئات الوقائع التي تبرز موقع إسرائيل الأثير في نفسه، حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلي قال في حقه إبان إحدى سفراته للعلاج إنه "كنز إسرائيل الإستراتيجي"، بل إن أحد أكثر الحاخامات تشددا ضد مصر ووالفلسطينيين والعرب قال إنه "يصلي لأجل شفائه.
البنية التحتية والفوقية أيضا
استوقفني ضاحكا أيضا حديثه عن البنية التحتية التي طورها، والتي أعقبها في مرافعته بحديثه عن تجنيب مصر التورط في مغامرات غير محسوبة. وما أضحكني في هذا الصدد أمران؛ أولهما أنه كان دوما يبرر تردده في سياسته الخارجية بخوفه على الكباري والمنشآت، وهذا أمر لا يمكن لومه عليه، فهذه رؤيته للأمن القومي برغم أن إسرائيل كانت تنتهك المجال الجوي المصري في عهده بضع مرات في اليوم بطائرات عسكرية، وأحيانا كانت تتدخل لضرب أهداف "إرهابية" على الأرض المصرية التي كانت سيادة مصر عليها منقوصة.
لكن الثانية التي أضحكتني هي المخاتلة والخداع في خطابه بشأن البنية التحتية. فقد كان ثمة سؤال يبرز لدي عندما يتحدث عن البنية التحتية؛ ألا وهو: هل تكلفة ما تحملته مصر من نفقات يكافئ البنية التحتية التي حصلت عليها، والتي أذاقت المصريين الأمرين في كافة المجالات؛ طرقا أو صرفا صحيا.. إلخ. والذي أثارني اليوم في مرافعته أنني يمكن بأريحية أن أقارن فترة الخمسة عشر عاما من حكم الحرية والعدالة لتركيا، أو فترة حكم مهاتير محمد في ماليزيا لنكتشف حجم المأساة التي كنا نعيشها، سواء على مستوى البنية التحتية أو حتى على مستوى تكاليف هذه البنية التحتية.
إسقاط الديون.. أحاديث وشجون
كان أيضا مما أضحكني حديث الرجل تفوهه عن نجاحه في إسقاط الديون، وهو حديث يتوجه به لأناس لا ذاكرة لهم. ومن نسي فلنذكره. من أسقط الديون هم المصريون وليس مبارك. كان مقبولا أن ننسب له هذا الإنجاز إن نجح بدبلوماسيته أو بسياسته الخارجية في إسقاطها، لكن الحقيقة غير ذلك. فعملية إسقاط الديون كان ثمنا لعملية قام فيها بتوجيه الأوامر لجنوده بالمشاركة في حرب الخليج الثانية عندما قام طاغية آخر "صدام حسين" باحتلال دولة عربية شقيقة، واستحت الولايات المتحدة أن تخوض بمفردها حربا مدفوعة التكاليف ضد العراق وهو ما كان سيؤثر على نظرة الناس لها ولدخولها بقواتها في أراض الحرمين، فطلبت غطاء مصريا في ذلك الوقت، وكان مقابل المشاركة إسقاط الديون العسكرية التي بلغت 9 مليار دولار آنذاك.
ما يؤلمني أن جنودنا اضطروا لقتل أشقاء لهم، عملوا معهم في بناء العراق سنين طويلة. وكان نظامهم قد نسي أن جنود العراق المغدورين كانوا يخرجون للحرب مكرهين، ومن كان يمتنع كان يقتل.
وإن أراد مبارك أن نذكره بما هو أسوأ في حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، فإننا نذكره بمؤتمر صحافي أذاعه صدام حسين قبل انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بشهور قلائل، حين قال: أتريدون أن تعرفوا من الخائن في أمتنا، ثم قاد الإعلاميين لمعرض غنائم عسكرية غنموها من إيران، مركبات ومدرعات عليها العلم المصري. كان الرجل متعجلا في بيع مركباتنا لإيران فنسي أن يطمس العلم المصري عليها. وإثر ذلك قام بعض العراقيين بمذبحة شعواء ضد العمال المصريين البسطاء في العراق.


قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا



ليست هناك تعليقات: