الإجهاز على التيارات الإسلامية
واستنساخ
تجربة 30 يونيو المصرية
تجربة 30 يونيو المصرية
يبدو أنّ التكهّنات بشأن قرب تدخل عسكري مصري في ليبيا لأسباب “ظاهرها” مواجهة خطر “الإرهابيين” أو “داعش”، كما تقول الصحافة الرسمية المصرية، و”باطنها” هو الإجهاز على التيارات الإسلامية واستنساخ تجربة 30 يونيو/ حزيران المصرية هناك، وربما الاستفادة من دعم نفطي من بترول ليبيا في تحسين أحوال مصر… يبدو أنها تكهنات لها جذور من الحقيقة في ظل تعاظم المؤشرات على قرب أو نية هذا التدخل.
إلّا أن خبيرًا عسكريًّا سابقًا وآخر دبلوماسي استبعدوا لـ “التقرير” هذا التدخل بصورة فردية من جانب مصر، ويرجحون قصر التدخل على قيام مصر بضربات جوية فقط لقوات (غرفة عمليات عملية فجر ليبيا) التي تضم مجموعات مختلفة من ثوار ليبيا أغلبها من المنتمين للتيارات الإسلامية، أو الانتظار لتدخل شامل تقوم به قوات أوروبية وعربية (الجزائر تحديدًا) ضد ثوار ليبيا .
وقال الخبيران –اللذان فضّلا عدم ذكر اسمهما- إنّ التوقعات ترجح أيضًا سيناريو شبيهًا بما حدث في مصر يوم 30 يونيو/ حزيران 2013 قبل عزل الرئيس مرسي والتيار الإسلامي، أي فكرة “التفويض” التي طلبها السيسي للقيام بالتخلص من الإخوان. والسيناريو المقترح لليبيا هنا هو الاستعانة بالبرلمان الليبي الجديد الذي ظهرت مؤشرات على خلافات بينه وبين ثوّار غرفة عمليات ليبيا الذين هزموا قوات حفتر.
إذ إنّ برلمان ليبيا الجديد انعقد على أطراف ليبيا في طبرق قريبًا من الحدود الليبية المصرية، وليس في العاصمة طرابلس أو المدينة الثانية بنغازي، وهي مناطق تحت حماية الحكومة المصرية نسبيًّا لقربها من الحدود وتساند حفتر وتقف ضد الثوار .
كما إنّه تمّ اختيار المستشار (عقيلة صالح قويدر) الذي تقلَّد عدة مناصب قضائية في عهد نظام القذافي ليكون رئيسًا للبرلمان، ويعتبره البعض في ليبيا أحد رجال القذافي ومن دعاة التقسيم الفيدرالي، ويرون أن توليه ونقل البرلمان خارج سيطرة ثوار ليبيا هو عودة صريحة للثورة المضادة.
ولهذا وجّه المجلس الأعلى لثوار ليبيا إنذارًا لأعضاء البرلمان في طبرق يتعهد فيه بتحويل قرارات مجلس النواب الغائب عن عاصمتيْ الدولة والثورة طرابلس وبنغازي “لمجرد حبر على ورق وعزله في حال استمر في التخندق مع انقلابيي حفتر”.
ولو حاولنا أن نرصد هذه المؤشرات للتدخل المصري سنجد ما يلي:
1- كانت مفاجأة كبيرة أن يؤكّد مصدر رسمى رفيع لجريدة «الشروق» المصرية الخاصة أنّ البيان الذى أصدره عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور حول “ضرورة بناء تحالف وطنى” واسع وبناء إجماع شعبى لدعم أيّ قرار محتمل بالتدخل العسكرى لمواجهة الأخطار القادمة عبر الحدود الغربية فى ليبيا صدر بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية والرئيس السيسي، ما يعني أن هناك سعيًا حقيقيًّا للتدخل ولكنه ينتظر خلق حالة من القبول الشعبي (أولًا)، والتنسيق مع قوى ذات مصلحة مشابهة للتغطية على هذا التدخل مثل الطرف الأوروبي (ثانيًا)، والذي يخشي من آثار الفوضى في ليبيا على زيادة الهجرة إلى أوروبا وتصدير العنف أيضًا إلى أوروبا.
2- قبل هذا ألمحَ الرئيس السيسى في مؤتمر صحفيّ مشترك مع رئيس وزراء إيطاليا للتدخل بقوله: “نتابع ما يدور فى ليبيا ونحضر حساباتنا لمواجهته”، وقال إنّ مصر قادرة على حماية حدودها مع ليبيا. وفي إشارة لأنه تلقى تفويضًا من المصريين بمحاربة الإرهاب داخل وخارج مصر قال السيسي: “ده بيفكرنا بالتفويض اللي طلبته من المصريين قبل كده لمواجهة أي عمل إرهابي محتمل”. وخلال المؤتمر، قال السيسي ردًّا على سؤال حول استعداد مصر لإمكانية استخدام طائرات ليبية استولى عليها المسلحون هناك في عمل إرهابيّ ضد مصر: “إحنا مستعدين جدًّا لأي احتمال زي ده، ومش من دلوقتي بس لكن من وقت… وأنا في الجيش من أيام سقوط نظام القذافي”.
3- وتزامن ما سبق مع كشف مراسلة صحيفة “المصري اليوم” في رئاسة الجمهورية أن تصريحات السيسي كانت مرتبة، وأن مسؤولي الإعلام بالرئاسة اختاروا ثلاثة صحفيين من الأهرام والوكالة المصرية للأنباء وإعلامي بالتلفزيون لإلقاء ثلاثة أسئلة محددة سلفًا، وأن السيسي كان ينادي على اسم الصحفي بالاسم كي يسأله السؤال المقرر وكانت كلها أسئلة حول المخاطر القادمة من ليبيا.
4- أيضًا لوحظ أن هناك حالة تمهيد نيراني إعلامي وتلفزيوني من جانب وسائل إعلام النظام الرسمية والخاصة عبر تضخيم مخاطر ما يجري في ليبيا ونشر العديد من الأخبار المضخمة حول تحذيرات مصرية من احتمالات خرق طائرات ليبية المجال الجوي المصري، وتحصين أجواء مصر ضد قيام “إرهابيين” ليبيين بخرق الأجواء بطائرات ليبية وقعت في يدهم، وحديث الإعلام المصري عن طرد المصريين من ليبيا والاعتداء عليهم ونهب الميليشيات الإسلامية لأموالهم، ومقتل عشرات المصريين رميًا بالرصاص من خلال استهدافهم من قبل المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية ذات الصلة بتنظيم القاعدة و”تنظيم دولة الخلافة الإسلامية بمصر” في ليبيا، بخلاف حوارات صحفية مع “حفتر” وأنصاره تدعو مصر للتدخل علنًا في ليبيا وتعتبره “تفويضًا”، ودعوة صحفيين وإعلاميين موالين للنظام، مثل أحمد موسى ومصطفى بكري، لقصف ليبيا، والزعم أن زعيم القاعدة أيمن الظواهري كان في ليبيا، وأن ما يسمّى بالجيش المصري الحر، الذي يتكون من كتائب الجهاديين تحتشد على الحدود الليبية لغزو مصر وبث الفوضي.
5- الحادثة التي وقعت على طريق (الإسكندرية – مطروح) مساء الثلاثاء 5 أغسطس/ آب، عندما قتل مسلحون ضابطًا وأرعة جنود شرطة وأحرقوا سيارتهم، وما تلاها من قيام كمين شرطة آخر بإطلاق النار على سيارة مشابهة لسيارة الجناة اعتقادًا منه أنهم الجناة، وقتل 4 أبرياء فيها تبيّن أنهم مصريون وليبيون. كشفت –بحسب ما نشرته جريدة الأهرام الرسمية نقلًا عن منصور قوية العقاري نائب مجلس الشعب السابق وعبد السلام راغب نائب مجلس الشورى السابق– أن من لقوا مصرعهم على يد قوات الشرطة في كمين مدينة العلمين هو رجل الأعمال المعروف في المدينة (مساعد العقاري) وكان يرافقه اثنان من ليبيا وهما العميد حسين مفتاح عمر أشكال أحد ضباط كتائب جيش القذافي (من قوات حفتر)، وابن عمه سالم أشكال، وآخر من محافظة مطروح، ما يثير تساؤلات حول أسباب وجود هذا الضابط الليبي من قوات حفتر في مصر، وهل وجوده هو جزء من التنسيق العسكري بين قوات حفتر وجيش مصر. ولهذا السبب، سارع النائب العام المصري بحظر نشر أي خبر عن الحادث في الصحف كي لا تنشر الصحف مزيدًا من التفاصيل التي تكشف وجود منسقين لقوات حفتر داخل مصر. علمًا أنّ حادثة قتل 23 جنديًّا من الجيش في منطقة الفرافرة قرب مطروح أيضًا فسّرت من جانب نشطاء مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي على أنّها “مدبرة” لإعطاء الجيش المصري مبررًا للتدخل في ليبيا بدعوى مواجهة الإرهاب الذي يجري تصديره لمصر، وشجّع هذه التكهنات إخفاء جثث الجنود وسرعة دفنها دون تشريح يبين سبب الوفاة، واستغراب خبراء عسكريين في الفضائيات المصرية عدم وجود مروحيات مصرية في الأجواء لمدة ساعة كاملة هي مدة القتال في المعسكر، لصدّ هؤلاء المعتدين على الجنود المصريين.
6- بات من المؤكد أن اللواء خليفة حفتر موجود حاليًا فى مصر بعد أن تعرّض لهجمات متتالية فى ليبيا وهزيمة قواته في بني غازي، وهو أمر أكدته مصادر دبلوماسية غربية بالقاهرة لـ “التقرير” ، كما أكدته صحف مصرية نقلت عن مصدر رسمى مصرى قوله إنّ حفتر “طلب القدوم لمصر لأن حياته أصبحت مهددة فى ليبيا وتمت الاستجابة لطلبه”، وقال إن هذه الاستضافة مؤقتة ولن تستمر طويلُا، رافضُا الربط بين هذا الأمر وما يُتوقع من تحركات قادمة إزاء ليبيا، والتي قال عنها إن مصر على علم تامّ بها، ولو تم الربط بين الحادثة السابقة ووجود حفتر في مصر؛ فهذا يؤكد أن هناك تنسيقًا مصريًّا ليبيًّا يجري بالفعل حول ليبيا.
7- زيارة رئيس وزراء إيطاليا –الدولة الاستعمارية التي احتلت ليبيا سابقًا ولها اهتمام بما يجري هناك–، وكذا زيارة رئيس وزراء مصر لواشنطن لحضور القمة الأفريقية الأمريكية وما تردّد من معلومات حول تركيز لقاءات محلب هناك على ما يجري في ليبيا؛ كلها مؤشرات على تنسيق مصري إيطالي أفريقيّ أمريكيّ للتدخل في ليبيا أو توجيه ضربات لقوات الثورة الليبية الإسلامية. وقد نشرت وكالة رويتر تصريحات لمصادر عسكرية غربية وأخرى عربية تؤكّد “أنّه يجرى حاليًا بحث التدخل العسكري في ليبيا تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي للتصدي للوضع المتدهور والمنفلت فى ليبيا والذى ينذر بتفاعلات وتوترات إقليمية فى شمال إفريقيا سيكون لها تأثيرات على جنوب أوروبا وحوض المتوسط إجمالًا”. كما قال وزير خارجية الإمارات إنه يؤيد تدخلًا عسكريًّا في ليبيا تقوده أمريكا وقوات برية عربية (مصر والجزائر تأتيان على رأس دول الجوار القادرة على لعب دور مؤثر في ليبيا ولديهما قلق مشترك مما يجري).
8- قالت صحيفة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية في عددها الصادر يوم 3 أغسطس/ آب إن هناك تنسيقًا يجري فعلًا بين الجزائر ومصر من أجل تدخّل وشيك في ليبيا بهدف محاربة “الجماعات الإرهابية”، وأشارت إلى استعداد جزائري مصري للتدخل لمواجهة إمكانية ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، خاصّة بعد هزيمة الحليف حفتر وهروبه إلى مصر واحتلال مواقع لموالين للواء المتقاعد. وقالت إنه تمّ تكوين لجنة أمنية استخباراتية مكونة من ضباط استخبارات من الجزائر ومصر ينسقون للتعامل مع أيّ تهديد أمنيّ مع ضرورة العمل على تهدئة الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، وإنه “انتقل أخيرًا عددا من ضباط الاستخبارات الجزائريين إلى مصر بأمر شخصي من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أجل التنسيق بين البلدين لتعاون استراتيجي أمني حول الملف الليبي”.
وقبل هذا، كشفت صحيفة “الخبر” الجزائرية في 7 يوليو/ تموز الماضي أنّ مسؤولين من أجهزة المخابرات المصرية والتونسية والجزائرية اجتمعوا في بداية الشهر نفسه لدراسة تقارير أمنية غربية تحذر من انتقال تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش سابقًا) إلى ليبيا وسبل مكافحته.
9- العديد من الأحزاب والقوى السياسية (كرتونية في أغلبها وبلا تأثير) التي ظهرت عقب 3 يوليو/ تموز بدأت تطالب السيسي بقوة بالتدخل في مصر وضرب القوى الثورية الليبية التي هزمت قوات حفتر، مثل (تيار الاستقلال) الذي طالب “السيسي” بالتدخّل العسكري العاجل في ليبيا “لمواجهة الإرهاب” بدعوى أنه “يهدد الأمن القومي المصري ويعمل على بناء قاعدة تابعة للتنظيم الدولي لتفتيت المنطقة”.
10- سبق أن كشف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في معرض تعليقه على محاولة حفتر الانقلابية في مقالته التي نشرها موقع “هافينغتون بوست” 14 مايو/ أيار 2014 عن دور مصري إماراتي متعدد الجنسيات في انقلاب حفتر، وأشار لاستضافة المخابرات العامة المصرية وفدًا عسكريًّا من دولة الإمارات، وتساءل هيرست: هل ضغطَ الإماراتيون على عبد الفتاح السيسي لتحقيق وعوده بالتدخل في ليبيا؟ وبحسب هيرست، كانت قنوات التلفاز والمواقع الحكومية في السعودية والإمارات وراء نشر قصة أن هدف حفتر هو محاربة التطرف، وانعدام القانون واستعادة سلامة الدولة الليبية، كما قال موقع الإمارات 24 إن “قوات حفتر قصفت معسكرات الميليشيات في محاولة لاستعادة شرعية الدولة الليبية”.
وقالت قناة العربية إنّ “عملية الكرامة التي أشرف عليها حفتر كان الغرض منها تطهير بنغازي من التكفيريين”. وأشار “هيرست” إلى أن السيسي استغلّ الفرصة في كل مقابلة مع وسائل الإعلام الغربية لتقديم نفسه باعتباره رجلَ المرحلة في مكافحة الجهاديين، منها قوله لمجموعة من الصحفيين الأمريكيين، بمن في ذلك جوديث ميلر من فوكس نيوز، إن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة لم يُنهيا المهمة بخلع القذافي في ليبيا، وتركوا فراغًا ملأه الإسلاميّون، كما قال لرويترز إنّه على الولايات المتحدة مساعدته في محاربة الجهاديين أو المخاطرة برؤية تشكّل أفغانستان أخرى في الشرق الأوسط.
قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق