السبت، 28 يونيو 2014

ما معنى كلمة “مسلمون معتدلون” ولماذا يستخدمها الغرب؟.


صناعة الإسلاموفوبيا



ناثان لين*- نيو ريبابليك
في ندوة الأسبوع الماضي لمؤسسة “هيراتيج فوينداشن” حول هجمات عام 2012 في بنغازي كان أحد المتحدثين هو بريجيت غابرييل، الذي وصف نفسه بأنه “محلل الإرهاب” مع قائمة طويلة من العبارات المسيئة للإسلام والعرب. وعندما اعترض أحد الحضور، وهو سابا أحمد، الطالب في كلية الحقوق بالجامعة الأمريكية، وأوضح أنه ليس كل المسلمين إرهابيين، رد غابرييل بأن الغالبية السلمية لم تكن مؤثرة في 11 سبتمبر 2001، كما إن الألمان السلميين لم يكونوا ذوي تأثير خلال المحرقة.
وكثيرا ما نجد في شريط الأخبار حديثا حول صمت “المسلمين المعتدلين” في هذا العصر أمام التطرف الإسلامي. لكن أحدا على طرفي النقاش لم يشكك في شرعية عبارة “المسلمين المعتدلين” في حد ذاتها.
طوال السنوات التي قضيتها في الكتابة ودراسة ظاهرة الخوف من الإسلام “الإسلاموفوبيا”، طالما أزعجتني تلك العبارة. فالمسلمون وغير المسلمين على حد سواء مطلوب منهم الاعتدال، ولكن عادة ما يطالَب المسلمون وحدهم بأن يثبتوا أنهم كذلك. وما يزعجني ليس أنه لا يوجد “مسلمون معتدلون”، فهم موجودون بالتأكيد. ولكن المشكلة غير المعترف بها هو كيف نفهم نحن معنى المسلم المعتدل؟
على سبيل المثال، قال بريجيت غابرييل لوكالة الأخبار اليهودية الاسترالية في عام 2008، إن “كل مسلم يمارس الإسلام هو مسلم راديكالي”، بمعنى أن “المعتدلين” يجب أن يكونوا فقط أولئك الذين لا يمارسون دينهم.
سام هاريس، كتب أن: “المسلمين المعتدلين” هم أولئك الذين يعبرون عن شكوكهم في الأصول الإلهية للقرآن والذين يدركون بالتأكيد أن كل الكتب المقدسة مرشحة الآن للإلقاء في المرحاض”.
ثم هناك الكاتب المحافظ جون هوكينز، الذي عدّد السبعة معايير التي يجب أن يستوفيها المسلمون حتى يعتبروا “معتدلين”، في حين تساءلت باميلا جيلر بطريقة نموذجية، “ما الفرق؟ المعتدل اليوم هو قاتل جماعي في الغد”.
لكي نكون منصفين، ليس فقط المخابيل من يقولون ذلك. فصحف كثيرة مثل النيوزويك، والإن بي آر، وول ستريت جورنال، ورويترز، وغيرهم كثيرا ما استخدموا هذه العبارة لوصف المسلمين الذين يتوافقون مع شكل معين مفضل لديهم. بل إن كثيرا من المسلمين أنفسهم قد انجروا لهذا التقسيم، لينأوا بأنفسهم عن ما يسمى الراديكاليين والمتطرفين، ولطمأنة جنون العظمة لدى غير المسلمين، فيقولون بعبارة أخرى، “أنا لست هذا النوع من المسلمين”.
والسؤال: كيف لنا أن نتحدث عن الكثير من المسلمين وكأننا نتحدث عن نوع من الطعام، بدون وجود مواصفات واضحة موضوعية يتم قياسها، وليس مجرد التفضيلات الشخصية لدينا؟ فنبدو وكأننا نبحث عن النوع اللطيف الذي يبدو: ليس حارا جدا في ممارساته الدينية حتى لا تحرقنا، وليس باردا جدا بحيث يميّع التنوع الديني لدينا تماما.
فكرة “الإسلام المعتدل” أو “المسلم المعتدل” هي حالة من الكسل الفكري، لأنها تقسم العالم إلى معسكرين: معسكر المسلمين “الجيدين” ومعسكر المسلمين “السيئين”، كما لاحظ الأستاذ في جامعة كولومبيا محمود ممداني. (سابا أحمد نفسه استخدم كلمة “سيئ” في تصريحاته في الندوة).
وبناء على ذلك، ينظر إلى جميع المسلمين بأنهم “سيئون”، أو يحتمل أن يكونوا متطرفين حتى يثبت أنهم “جيدون”، أو في هذه الحالة “معتدلون”.
نحن بالتأكيد لا نقضي وقتنا في البحث عن “المعتدلين” المسيحيين أو اليهود، بل نعتقد أن المعمدانيين ويستبورو، ورابطة الدفاع اليهودية، وغيرها هي مجرد انحرافات. وبالتأكيد، فالمسلمون يعطوننا الكثير من الأمثلة السيئة، ولكنه سيظل خطؤنا إذا سمحنا لتلك الأمثلة بالتأثير على قدرتنا على التفكير المنطقي الأساسي.
خلال الندوة، قال غابرييل إن “15-25 في المئة” من المسلمين في العالم هم من المتطرفين، وإن ما تبقى من “المعتدلين” هم “غير معتد بهم” (ولا أحتاج لشرح أن الأغلبية في مجموعة معينة هي التي تجعل الأقلية غير مؤثرة، وليس العكس).
فلو بنينا على الطرف الأدنى من هذا النطاق، وهو 240 مليون من سكان العالم الإسلامي البالغ عددهم 1.6 مليار مسلم – وهو ما يعادل كل المسلمين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أو ما يقرب من ستة أضعاف عدد المسلمين في القارة الأوروبية بأسرها. أين هي أمثلة هذا التطرف المفترض الواسع النطاق؟ وحتى إذا ارتكب مجرد 1 في المئة من سكان العالم الإسلامي ال 1.6 مليار العنف، لماذا لم نر 16 مليون هجوما من الهجمات العنيفة؟
وهو ما يثبت أن “الاعتدال” هو مجرد فخ، على أي حال. فالطريقة الوحيدة لتحديد ذلك هي تلبية المعايير المنصوص عليها من قبل الشخص الذي يحكم. فهو يمثل لغابرييل وغيره، دعم السياسات الخارجية الغربية في الشرق الأوسط، والإشادة بالمساعدات العسكرية لإسرائيل، وحتى رفض بعض المبادئ الإسلامية. وهذا هو السبب في تكريم شخصية مثل زهدي جاسر، المقرب من الحزب الجمهوري ونجم الشاهد بيتر كينغ في جلسات الاستماع حول “التطرف”، في حين سخروا من سابا أحمد.
هذه هي المشكلة مع هذا التعبير “المسلم المعتدل”، والذي هو في الحقيقة تعبير هراء، فهو يقوي النشطاء المناهضين للمسلمين في الاعتبار أن الدرجة التي يتمسك بها المسلم بعقيدته الدينية تدل على احتمالات كونه إرهابيا محتملا. وبالتالي، هل سيصبح “المعتدلون” إذا تطرقوا إلى عالم الصلوات اليومية، أو البقاء بعد الظهر يوم الجمعة في المسجد، أو لا سمح الله، في رمضان، هل سيعتبرون متجهين نحو التطرف؟ إن هذا النحو من التفكير يستند على فكرة لا أساس لها بأن التمسك بالعقيدة الدينية يستتبع بالضرورة أن يتصرف المسلمون بشكل سيئ. وهو يعني أيضا أن “الاعتدال الديني” ينطوي على تقبل نمط سياسي معين.
أخيرا، فإن دعوة “المسلمين المعتدلين” لإدانة العنف أو الأعمال السيئة، تفترض أن أي شخص لا يدين هو إرهابي مختبئ. إنها تعطي مصداقية لفكرة أن من يطرحون السؤال “أين المسلمين المعتدلين” يصلحون لأن يحكموا ما هو من الإسلام حقا و ما هو لا.
من أجل التوصل إلى واقع أكثر سلما وإنصافا في مجتمعنا، يجب علينا أن نحرر أنفسنا من فكرة أننا السلطات القائمة على التقاليد الدينية للآخرين وأنه يحق لنا وصف الكيفية التي يجب تفسيرها بها من أجل أن تكون موضع ترحيب منا. فالتنوع في التقاليد الدينية هو أمر على نفس القدر من الأهمية في النسيج التعددي الأمريكي. ودفع المسلمين بيننا للتواؤم مع الشكل الذي نفضله نحن لن يوصلنا لشيء.
*ناثان لين، هو مدير الأبحاث في مركز جامعة جورجتاون للتفاهم المسيحي الإسلامي. وهو مؤلف ثلاثة كتب، صناعة الإسلاموفوبيا، كيف يصنع اليمين الخوف من المسلمين. وكتابه القادم، تغيير الشرق الأوسط.

مصدر المقال نيو ريبابليك: 

قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
 قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا





ليست هناك تعليقات: