الأحد، 29 يونيو 2014

الشهيد سيد قطب يكتب للشعب بمناسبة شهر رمضان: " شبان وشيوخ "



"بدء المعركة.. الضمير الأدبي في مصر.. شُبّان وشيوخ"



لم تَعُد المسألة مسألةَ أشخاص لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر،
 بل انتهتْ إلى أن تكون مسألةَ مباديء واتجاهات. 
بل مسألةَ ذِمَمَ وضمائر. 
تتناول جوهر القضايا الوطنية والإجتماعية والإنسانية كذلك . 
 ربما كانت حياة سيد ملهمة لثورة طال انتظارها وستكون إن شاء الله.

افتَرَقَتْ طريقُ الشيوخ وطريقُ الشبان افتراقًا ،لا علاقةَ له بالأشخاص،  إنما علاقتُه بالنظْرة إلى الضميرِ [...](1)، وإلى الوطن والمجتمع والإنسانية، فهو خلافٌ على الصَّميم، والأشخاصُ فيه مجردُ رموز.
 ومع هذا كُلّه، فقد كنتُ أستبقي المعركة – على علمي بأنها آتيةٌ لا ريبَ فيها – أستبقيها توقيرًا لأساتذةِ الجيل – مهما يكن من انحرافهم الواضح في السنوات الأخيرة – وأستبقيها للمَوَدَّةِ التي تربطُ الجيلينِ، لولا أن [الشيخ](2) الدكتور [برهامي](3) قد تعجل المعركةَ [...](4).
و اللهُ يعلمُ كم يعزُّ عليَّ أن أواجهَ [الشيخ](5) – وأن أواجه معه أساتذَتَنا الشيوخ – بغير ما يودُّ، ويودّون، ولكنها الحقيقةُ الواقعة، التي لم يعُدْ هناك مجال لإخفائِها أو المغالطة فيها !!
إنَّ هذا الجيلَ من الشيوخ قد تخلّى عن أمانته. لا لذلك الجيل من الشبانِ فحسب، ولكن للوطن، وللمجتمع، وللإنسانية، وأخيرًا للضميرِ [الإسلامي] (6) كله .
و إنها لتهمةٌ غليظة، وإنني لأَكرهُ الناس لإطلاقِها، وإنني لأَشدُّ جيل الشباب توقيرًا لجيل الشيوخ. ولكنها الحقيقةُ القاسية، التي لا يُغني فيها التحرُّجُ ولا التوقير! وتلك هي حقيقةُ الخلافِ بين الجيليْن، ويا سيِّدي الدكتور..
لا يقولُ الشباب للشيوخ: افسحوا لنا الطريق إلى [المشيخة والتَصَدُّر والرياسة](7)، ولا ينفُسون عليهم الشهرةَ ولا المال ولا الجاه، كما اعتقدتَ يا [شيخي](8)..

سيد قطب تجديد أم انحراف؟


و لكنهم يقولون لهم: لقد تخلَّيتُمْ عن الأمانةِ التي وضعْناها في أعناقكم، والتي [و ضعَتها في أعناقكم الأمة بأسرها شرقًا وغربًا] (9) وذلك بحكم سنكم وشُهرَتِكُم و[علمكم](10)!
لقد [قامت ثورة يناير](11) وكان لدينا فيها قضايا [عديدة] (12) معلَّقة، ولكنكم بدلَ أن تُبصِّرونا بقضايانا، انصرفتم إلى الدعايةِ [لحكم العسكر](13) في [الفضائيات والمؤتمرات والصُّحف](14) – ولم يبقَ منكم أحد لم يَشْترك في هذا الإثم والخطأ - لأن [المصالح الحزبيّةَ](15) كانت تسيلُ من [العسكر] (16) في جيوبكم سيْلًا. فآثرْتُم لذائذَكم الخاصة، وتَخليتُم عن الواجب [الشرعي](17) في أحرج الظروف !
بعدما [حلَّ الربيعُ العربيُّ](18) ونهضت الشعوبُ العربية في كل مكان [لتواجه الطواغيت](19) وتطالِبَ بحقِّها، وجدَتْكُم في المؤخَّرة لا في المقدمة، وجدَتْكُم  في أوكارِ الحزبية، لا في الميدانِ [الثوري] (20)، والأحزابُ في مصر [وُلدت ميّتة](21)، ولكنكم نطقتُم بلسانها، وكنتم أبواقَها، وتقلَّب بعضكم بين عهد وعهد في الرأي والاتجاه تقلُّبَ الأُجَراء .
في مصر ظلمٌ اجتماعي صارخ، فيها أُناسٌ بمرتبةِ الحيوان والعبيد، بل فيها أُناسٌ لم يصِلوا إلى مرتبة الحيوان والعبيد. وأنتم قادةُ الفكر وحَمَلةُ الأمانة، فهيّا ناضِلوا لتحقيق العدالةِ الاجتماعية، لأنها حاجةٌ نفسية وحاجةٌ إنسانية .
فماذا صنعتم يا سِّيدي ؟ قلةٌ منكم استجابتْ في تخاذُلٍ لهذا، وكثرةٌ منكم أصمَّتْ أُذُنَيْها عن كل هُتاف. وبعضكم يا سيِّدي راحَ يُصاب بتشنُّجات هستيريَّة مضحِكة، كلّما ارتفع صوتٌ يطالبُ بالعدالةِ الاجتماعية! هذا البعضُ يرتعشُ رعشاتٍ هستيرية من [الأناركيّة](22)! ونحن معه نكْرَهُ [الأناركيّة](23).. . ولكنَّا مع ذلك نطلبُ «العدالةَ الاجتماعية» لأنها حاجةٌ روحية وإنسانية.
إن كثرتَكُم تندفعُ وراءَ أُرُستقراطيةٍ مُصطَنَعة، تتظاهَرُ بها، ووراء  رخاءٍ مادي، ينالُه مِنْ ذوي السُلطان والثراء، ووراءَ راحةٍ مسترخية لذيذة، تطلبُ شهوات اليوم، ولا تحفلُ بالملايين من الجياعِ العراةِ المناكيد
لقد حمَلْنا لكم في أنفسنا شعورَ التوقير والتكريم، حينما كنتم تواعدونَنا فنلقاكم في [مساجد طهورة رائقة](24).
ولكنكم في [شهور الثورة](25) وبعدَ [انقلابكم على الثورة أيضا](26) رحتُم تواعدوننا في مواخير. هجرتم [قنواتكم](27) ورضيتُم [قنوات الفُلول](28).. وواعدتمونا هناك، حيث لقيناكم، وبجواركم الإفخاذُ العارية، والموضوعات القذرة، والغرائز المنحلَّة:
فريقٌ منكم – وهو القليل – نذهبُ إلى موعده، فنجده صاحيًا في وسْط المخمورين، ويُلقي دروسَه الجادَّة بين المخمورين المُعربِدين .
و الكثيرُ منكم، نذهبُ إلى موعده، فإذا هو مخمورٌ مع المخمورين، معربدٌ مع المعربدين، يتحدَّثُ بلغة الماخور الذي استأْجَره، وينزلُ إلى لهجته في الحديث وإيماءتِه في الإلقاء !!
لماذا تفعلونَ هذا ؟ ألأنكم مضطَرُّون للعيش ؟ كلّا. [فالقنوات الإسلامية الكثيرة](29) كانت ترزقكم رزقًا معقولًا، والكتبُ القيمة الطريفة كانت تكفلُ لكم الحياةَ الكريمة. ولكنه الترفُ الرخيص، واللذةُ الشهية، والرخاوةُ المترهِّلة، التي تستعبدكم للمواخيرِ وأصحاب المواخير!
إننا لم نجدْ عندكُمُ الضميرَ [الإسلاميّ](30)، الذي كنا نتخيلُه في [المشايخ](31) الموقَّرين. فأنتم لا تحاوِلون أن تُبرزوا على المسرح إلا أذيالَكم وبطانَتكم، والذين يؤدّون لبعضكم خدماتٍ شخصية قد لا يؤديها الرجلُ الشريف !.. . وإننا معذورون إذا شكَكْنا في شهادتِكم لبعض الناس، وفي إغفالِكم لبعض الناس !
و إننا سننصرفُ عن أحكامكم، فلا نحترمُها، لأننا نعلم ما وراءَها من خبيء! وإننا سنرى آراءً مستقلةً لنا في الحكم على الأشخاص والأعمال ؟
تلكَ يا سيّدي خلاصةٌ مخَتصَرة لحقيقةِ الخلافِ بين الشبان والشيوخ. عرضتُها عرْضًا سريعًا خاطفًا، غُفْلًا من الأسماءِ والأشخاص، لأنَّ القضيةَ أكبرُ من الأسماء والأشخاص !
و معذرةً يا سيِّدي الدكتور، عما يكون قد أفلتَ من قلمي من عبارةٍ قاسية، أو كلمةٍ غليظة. فاللهُ يعلمُ كم جاهدْتُ نفسي، لأَعرض القضيةَ هذا العرضَ الهادىءَ البريء !!
[انتهى ما كتبة سيد]
***
بالتأكيد لستُ أنا كاتب هذه المقالة كما قد يُخيُّل لك أخي القاريء!!.. فلستُ صاحب ذلك القلم المنجنيق ولا الرمح الرشيق!!.. إن المقالة للأستاذ سيّد قُطب رحمه الله!!.. كتبها في يوليو 1947 بعد الحرب العالمية الثانية – وهو بعدُ في شرخ الشباب - وسمّاها: "بدء المعركة: الضمير الأدبي في مصر: شُبّان وشيوخ" نشرها في مجلة العالم العربي، العدد الرابع، ص 52-54!!.. كتبها في طليعة هجومٍ كاسحٍ شنّه على شيوخ الأدباء حينها ؛ الذين باعوا ضميرهم وسلكوا مسلك الحكومات عميلة الاستعمار وساروا في ركابها فهم بحمدها يُسبِّحون!!..
لقد قرأتُ مقالة سيّد فإذا بعض كلماته تُترجَم في ذهني تلقائيا لكلماتٍ نتداولها اليوم..  وإذا الطامّة هي هيَ وإن اختلفت الشخوص وتبدّلت الصُّور وتغيَّرت الأيديولوجيا..  فاستبلدتُ بعض كلماته بكلماتنا اليوم كما رنّت بعقلي وأثبتُّ الأصل في الهامش ؛ لتقرئوا معي ما كتبه سيّد وهو يعلنُ انفصاله عن شيوخه بائعي الذِّمم والضمائر عبيد الاستعمار!!.. لربما وجدتم إخوتي القرّاء ما وجدتُ وما كان قد وجدَه سيِّد..  ولربما سَلَكْنا مسلك سيِّد في التحرُّر من أسر عبيدِ العسكر!!.. عفوًا..  عبيد الاستعمار!!..
و من الجدير بالذكر معرفة أن سيد هو صاحب مصطلح «العدالة الاجتماعية» وهو أول من استخدمه للدلالة على حقوق الشعب بدلا من مصطلح «الاشتراكية» ذي الدلالات البعيدة عن الإسلام.. وعلى هذا فسيد معنا منذ البداية ويمثل مفهومه الذي ابتكره أحد ثلاثة أركان لثورة يناير مبتورة الأهداف والثمرة! بل التي لم تبدأ بعد: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».. بل ربما كانت حياة سيد ملهمة لثورة طال انتظارها وستكون إن شاء الله.



قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا



ليست هناك تعليقات: