الجمعة، 30 مايو 2014

عمر حاذق من محبسه: إذا مت فلن يدفنوا حلمي ولا حريتي .



في لحظـة مظلـمة مؤلمـة



اذا مت فلن يدفنوا حلمي ولا حريتي ولا العدالة التي دافعت عنها
 ... أحبكم يا أخوتي في محبة هذا الوطن ...

"إذا مت لا تدفنوني" بهذه الكلمات عنون الشاعر عمر حاذق المحبوس حالياً بتهمة انتهاك قانون التظاهر رسالته الأخيرة التي كتبها لأسرته من زنزانته بسجن برج العرب.
وهذا العنوان هو أيضًا عنوان آخر قصائده والتي في بداية عام 2012 قبل أن يحصل على إجازة قصيرة من الشعر والانغماس في كتابة القصص والروايات على حد قوله.
وقال حاذق في رسالته "هذا العنوان ليس تشاؤماً ولا "نقاً" على حياتي، بل هو مقطع صغير وعنوان آخر قصيدة كتبتُها في بدايات 2012 قبل أن آخذ إجازة قصيرة من الشعر وأنغمس في كتابة القصص والروايات، لا أذكر الآن نص القصيدة، أرجو من أسرتي نسخها في أخر الرسالة، روح القصيدة متفائلة قوية ، فإذا مت لا تدفنوني لأن جسدي سيهرب من باطن الأرض ويلهو مع الاطفال ويلاعبهم مباراة كرة قدم لأنه سيظل عاشقاً للحياة".
ويذكر حاذق أن القصيدة نشرت بالمصري اليوم، فقد كتبها في لحظة مظلمة مؤلمة بعد أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وستاد بورسعيد  قائلاً "أحب هذه القصيدة وأعتز بها، تذكرتُها هذه الأيام مع فجيعتي في وفاة والد اسلام رحمه الله، لكن إسلام الآن افضل كثيراً".
ويكمل حاذق رسالته قائلاً: "حين أتذكر دخول إسلام علي زنزانة محكمة المنشية يوم 2/12/2013 ، مرعوباً مضروباً باكياً نازفاً منهاراً، وأقارنه بقدرة اسلام الآن على تلقي الصدمات وتحملها وحرصه على طمأنة أهله في الزيارة وتماسكه ورجولته رغم انه طفل كبير، حين أقارن بين ( الاسلاميْين ) أندهش وأشعر بفخر كبير لأنني مسجون مع رجل مثل اسلام، مع طفل جعلته المحنة رجلاً، أقول انني أتذكر قصيدتي في هذا الوقت مرة أخرى بعد أن أخبرتني أسرتي بتفاعل إخوتي الأحرار مع خبر فصلي من عملي ، مكتبة الاسكندرية ، المسبب في خطاب الفصل بأن " جرائمي " مخلة بأمن الدولة من الداخل (طلعت جامد أوي يا جدعان J بيقولولك من الداخل كمان)... الحق أنني كنت على يقين من إقدام ادارة المكتبة على ذلك، لأن لي تاريخ طويل معها والحمد لله.
اما الذي حرضني على الكتابة لكم يا أخوتي في محبة هذا الوطن، فهو التعليقات الحزينة الحنون التي وصلتْني منكم، أردت بعد قراءتها أن أقول لكم شكراً من قلبي ، لأنني قبل سجني لم أجد صداقة حقيقية كصداقتكم، أردت أن أتحدث إليكم لأحكي لكم أموراً أدهشتْني حين تأملتها، في ليلة عيد الفطر، سنة 2011 أصرتْ شؤون العاملين على إخطاري بعدم تجديد تعاقدي.
ليلتها حزنت حزناً بالغاً وخفت كثيراً من مستقبلي في ظل ركود اقتصادي شديد وندرة تخصصي ثم فكرت في الأمر مرة أخرى وتماسكت وقررت أنني أدفع ثمناً زهيداً لنقدي إدارة المكتبة وكتابتي ضدها وهذا فرض علي.
اتخذت إجراءات التظلم فرُفضت برسالة رسمية، رددت عليها بإيميل أحتفظ به حتى الآن، قلت له إنني "أنصحك نصيحة مخلصة وأنا خارج المكتبة وأنت لا تملك لي نفعاً ولا ضراً : لا تحاول أبداً أن تروض شاعراً فالشاعر يروض العالم أجمع ولا يروضه أحد"، الآن أضحك كلما تذكرتُ نصيحتي لأنني بعدها بيوم ثار زملائي لأجلي وتم إعادتي لعملي بالمكتبة.
لا أدري كيف غيرني السجن هذا التغير كله. حين عرفتُ خبر فصلي وسببه لم أحزن ولم أشعر لحظه أنني قلق أو خائف من المستقبل بل أكثر من ذلك لم أشعر بكراهية أو غضب تجاه أحد بالمكتبة رغم أنني سأدافع عن حقي بالطرق المشروعة كلها . 
لن يروضني أحد أبداً إن شاء الله ( إلا لو اتجوزت لا سمح الله J ) لكن قناعةً ما تترسخ داخلي منذ سنين ، فجأة طبع السجن هذه القناعة ورسخها في نفسي بشكل نهائي وسريع : في حياة كل إنسان جهاز مفاهيمي ، أعني جهازاُ يحدد له ما هو جميل وقبيح ، مهم وثانوي ، حقيقي وزائف ، يسميه الفلاسفة ( منظومة القيم ) . في حياتنا يفرض المجتمع تسلسلاً زائفاً لهذه القيم .
يصنع لنا القطيع أولويات زائفة نلهث وراءها دون أن نسأل أنفسنا عما نريد نحن وما ينبغي أن نريده ، عن ارادتنا الشخصية الحرة واختياراتنا .
سأعيش في هذه الدنيا عمراً مكتوباً ومقدراً قبل ولادتي . عاش ملايين الناس وماتت اجسادهم ولم يغن عنهم شيئا ما لهثوا خلفه من احلام رسمها الاخرون لهم . رأيت ناساً كثيرين في المكتبة يقاتلون قتالاً طويلاً ليترقوا ، لتزيد رواتبهم . رأيت ناساً كثيرين يغتابون زملائهم ومديريهم من وراء ظهورهم ثم يجاملونهم في وجوههم .
القليلون الذين ظننتهم أصدقاء حقيقيين لي صدمني معظمهم صدمات أليمة . اذا كنت أنا أيضا سأعيش عمراً ثم يموت جسدي ، فلن يبقى مني إلا ما هو جميل ومنحاز للعدالة والصدق والدفاع عن هذا الوطن الذي تصادر فيه مقرات من لا مقرات لهم مثل حركة 6 إبريل !! .
اذا فكرتم معي في ذلك لن تشعروا بكآبة ولا انكسار ، لأنه في تلك الأوقات المظلمة تكون لنا فرصة أن نعيش حياتنا بنورنا الخاص ، بما لدينا من إنحياز للحريه والحب ، في الساعات الأشد ظلمة التي يبدو أننا مقبلون عليها ، يكون الشعاع الصغير من الأمل متألقاً هادياً ، شباب وبنات لا أعرفهم كتبوا لي كلاماً ما أروعه ، واقترح بعضهم حلولاً تدخل البهجه على قلبي بعد فصلي من المكتبة ... أقول لكم أنتم الأصدقاء الحقيقيون الذين افتقدتهم فعشت وحيداً معزولاً تقريبا ، ثم دلني السجن عليكم فشكراً للسجن ولكم والحمد لله دائما .
فور تنحي مبارك يوم 11 فبراير ، احتفلنا ... ثم لاحظتُ شاباً يجلس وحيداً على سور الكورنيش يبكي بكاء مُراً . سألناه فقال أنه يبكي صديقاً عزيزاً استشهد في الثورة فتذكره لحظة التنحي ، شعر أن حلمه قد تحقق . أعرف أن القيمة الحقيقية لحياتنا لا يحددها إلا مقدار انحيازنا لهذه اللحظات ، لهذه القيم الجوهرية العظيمة ."
وينهى حاذق رسالته بالتعبير عن حبه لقصيدته قائلاً "اذا مت فلن يدفنوا حلمي ولا حريتي ولا العدالة التي دافعت عنها . أحبكم يا أخوتي في محبة هذا الوطن."
عمر حاذق
سجن الغربانيات
1/5/2014
؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛




ليست هناك تعليقات: