الجمعة، 2 مايو 2014

الإخوان المسلمون بين الإنصاف والتجنّي.



الثورة والتوافق السياسي


لن يكون ثمة أمل بتغييرٍ من دون إدراك الجميع 
بأن ضرب "الإخوان" ومحاولة سحقهم لم يكونا إلا لكسر العمود الفقري
 لأي ثورة شعبية أخرى آتية.
 ومن ثمّ، يصبح الحفاظ على "الإخوان" وقوتهم
 مصلحة لروحية الثورة، وأي أمل بتغيير مستقبلي،
 ضرورة أن يدرك "الإخوان" في المقابل، 
بأن الثورة والتوافق السياسي في هذه المرحلة 
أولوية مقدمة على أولوية التنظيم.

قطعاً، ليس "الإخوان المسلمون" جماعة ملائكية، وليس أعضاؤها منزهين عن الخطأ، بل وحتى الخطايا السياسية. لكن الإقرار والتأكيد على أنهم ارتكبوا أخطاء كثيرة، وتحديداً في مصر، في سياق الثورات العربية، شيء، وتحميلهم وزر كل فشل ترتب على إجهاض هذه الثورات شيء آخر. لا يجادل مراقب موضوعي، أحب "الإخوان" أو أبغضهم، في أن هذه الجماعة تعدّ قوة سياسية وشعبية رئيسة في دول عربية كثيرة، بل إنها هي الثقل المعارض، المركزي والأبرز، في كثير من هذه الدول، كما في مصر والأردن مثلاً. ولأن الفضاء العربي في مجمله ملبّد بأجواء قمعية ودكتاتورية، وفي غياب أي أفق للتغيير والنهوض مستقبلاً، ضمن اشتراطاته الحالية، فإن أي تغيير مرجو لا بد له أن يستصحب بناء "كتلة تاريخية"، أين تتوحد كل قوى المجتمع العربي، مدنِيُّها ودينِيُّها، وعلمانِيُّها وإسلامِيُّها، في مسعى إلى كسر سطوة دولة الفساد القُطْرِيّةِ، والانعتاق من كبتها.

لكن، أنَّى لهذا أن يكون من دون الرافعة الشعبية الأثقل، والأبلغ أثراً، ألا وهي "الإخوان". ولأن جلَّ النظام العربي الرسمي القمعي يدرك خاصيتي التنظيم والتحشيد اللتين تتمتع بهما جماعة الإخوان المسلمين، فإنه، دائماً ما حاول احتواء هذه الجماعة، ومحاصرتها، وإضعافها، واستنزافها في معارك جانبية. ولعل في تجربة "الإخوان" تحت حكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ما يغني عن التفصيل هنا. فنظامه أبقى "الإخوان" دائماً في حالة من "اللهاث"، عبر استهدافهم في ضربات متتالية، حتى لا يعطيهم مجالاً للتفكير وإعادة تنظيم الصفوف. مع ذلك، فشل في سحق "الإخوان"، فضلاً عن زحزحتهم عن تبوّء صدارة منصة "الوزن الثقيل" في الشارع المصري.
وأي مراقب أو متابع، يملك قدراً من الحيادية والموضوعية، سيعترف بأنه لولا نزول "الإخوان" إلى الشارع في ثورة يناير المصرية عام 2011، لما حققت تلك الثورة زخماً، وربما لما نجحت في إسقاط مبارك الذي أدرك نظامه المتداعي، في ذلك الوقت، هذه الحقيقة، وحاول اجتراح مساومة مع "الإخوان" للانسحاب من الشارع، إلا أن جهود مدير المخابرات المصرية، حينئذ، عمر سليمان، لم تنجح، حينها، لأسباب كثيرة، ليس هذا مجال نقاشها. أعلم أن ثمة فارقاً ما بين بدء الثورة وإعطائها الزخم والثقل الشعبي.
فالإخوان لم يطلقوا شرارة الثورة، ولم يكونوا أول النازلين إلى الشارع المصري والعربي، لكنهم أيضاً، هم من أعطى للاحتجاجات وزناً وثقلاً، بل وأملاً بنجاح التغيير. قد نتجادل، هنا، في أسباب تأخر "الإخوان" في النزول إلى الشارع، مع أننا نتحدث عن تأخر أيام، لا أسابيع ولا أشهر. ولكن، لا ينبغي أن يصل ذلك الجدل إلى دور "الإخوان" في الانتفاضات العربية أبداً. ليس لأن هذا فيه ظلم فحسب، بل لأنه سيكون بمثابة محاولةٍ فاشلةٍ لإعادة كتابة التاريخ، وفي المحصلة، فإن المتضرر الأكبر من أي محاولةٍ لنفي دور "الإخوان" أو الانتقاص منه ستكون روحية التغيير في المنطقة. فالتغيير، كما سبقت الإشارة، لن يقوم من دون بناء تلك "الكتلة التاريخية"، وهذه لا يمكنها أن تنهض بدورها، وهي مفتقدة عمقها الشعبي والذي يمثل "الإخوان" فيه سنداً مركزياً.
وهنا ينبغي القول إن ثمة بوناً شاسعاً بين التجني على "الإخوان" وإلصاق كل نقيصة بهم، وما بين محاولات تنزيههم عن أي خطأ، وتبرئتهم من أي زلل. تأخر "الإخوان"، لكنهم وصلوا في المحصلة، وعدلوا كفة الميزان لصالح الانتفاضات في دول ما يوصف بـ"الربيع العربي". وهم عندما تأخروا، إنما تأخروا لأنهم، كجماعة، تعرضت للقمع عقوداً طويلة، لديهم تشكك في أي مغامرة جديدة غير محسوبة النتائج بشكل كبير. أيضاً، فإن آليات اتخاذا القرار، وحسابات التنظيم الضخم، هي غير حسابات مجموعات صغيرة بلا ناظم حقيقي يجمعها، أو أحزاب وقوى هامشية ليس لديها الكثير لتخسره، في حال فشل مغامرة بحجم ثورة على نظام قمعي عربي. لا يعني هذا أن "الإخوان" لم يخطئوا، بل على العكس من ذلك، لكنه ليس خطأ المُتَقَصِّدِ مع سبق الإصرار والترصد، بقدر ما أنه خطأ قليل الخبرة في الثورة والحكم، بسبب أجواء الكبت وانعدام الحرية. " أخطاء "الإخوان" هي ذاتها أخطاء كل القوى، إسلامِيّها وعلمانِيّها وليبراليُّها ويساريّها، التي شاركت في ثورة 25 يناير. فكلهم تسابق على ادعاء شرف تفجير الثورة، ومن ثمَّ أحقية تمثيلها. كما أنهم كلهم سقطوا، جراء قلة الخبرة، في حبائل "الدولة العربية العميقة"، والتي لعبت على تناقضاتهم، ووجهت طاقاتهم بعضهم ضدّ بعض، قبل أن يكملوا مشروع الثورة " بل إن أخطاء "الإخوان" هي ذاتها أخطاء كل القوى، إسلامِيّها وعلمانِيّها وليبراليّها ويساريّها، التي شاركت في ثورة 25 يناير. فكلهم تسابق على ادعاء شرف تفجير الثورة، ومن ثمَّ أحقية تمثيلها. كما أنهم كلهم سقطوا، جراء قلة الخبرة، في حبائل "الدولة العربية العميقة"، والتي لعبت على تناقضاتهم، ووجهت طاقاتهم بعضهم ضد بعض، قبل أن يكملوا مشروع الثورة، ويجتثّوا الاستبداد من جذوره، وذلك بعدما نجحوا في إسقاط بعض واجهات أنظمةٍ تحولت إلى عبء على النظام الرسمي، فكان قرار التخلص منها، للحفاظ على جذع النظام ذاته. 
  ولكن هل يعفي هذا "الإخوان"؟ 
قطعاً لا. فالإخوان كثقل المعارضة العربية الأساس، ولأنهم تبوأوا صدارة المشهد في غير مكان، فإنهم المسؤولون الأكبر عن أي فشلٍ منيت به الانتفاضات العربية. فلا صدارة من دون مسؤولية، بغض النظر عن أسباب الفشل، موضوعية أم ذاتية. نعم، فشل الإخوان المسلمون، كتنظيم، في إعطاء بعدٍ توافقيٍّ عابر للإيديولوجيا في مرحلة زخم الثورات العربية. انكفأ "الإخوان" في مصر على كفاءات التنظيم على حساب كفاءات الثورة والمجتمع، ومارسوا نوعاً من الإقصاء ضد غيرهم، بل وحتى ضد كثير من كفاءاتهم التنظيمية ذاتها، غير المحسوبة على التيار المتغلب في ذلك المفصل الزمني. ما أدى إلى إفقاد الثورة فرصة بناء "الكتلة التاريخية"، لترسيخ أقدام الثورة، واستكمال مسيرة التغيير. صحيح أن ثمة معلومات تقول إن أجهزة "الدولة العميقة" لعبت دوراً شيطانياً في سياق إيجاد أجواء من عدم الثقة والشك المتبادل بين "الإخوان" والقوى الأخرى، غير أن هذا، مرة أخرى، لا يعفي "الإخوان".

فتصدر المشهد يعني المسؤولية عن فشله، قبل نجاحه، كائناً ما كانت الظروف والمعطيات. باختصار، المبالغة في تحميل "الإخوان" كل الخطايا والرزايا التي ارتكبت في حق الثورة لن تعني إلا مزيداً من إضعاف إمكانية بعث أي ثورة أخرى، لا بد أنها قادمة. وأي محاولة إخوانية لـ"إبراء الذمة" كلياً لن يكون أمراً مفيداً. كما أن زعم "الطهورية" من القوى الأخرى التي سقطت في حبائل "الدولة العميقة" وألاعيبها سيعني نسفاً لإمكانية بناء "كتلة تاريخية"، تقود التغيير المقبل المنشود. فلن تكون هناك ثورة قبل اعتراف الجميع بأن الكل سقط في فخ النظام العربي الرسمي نفسه الذي خرجوا لإسقاطه. ولن يكون هناك نجاحٌ لأي ثورة دونما مشروع مجتمعي وطني جامع، متجاوز أي حساسيات تنظيمية وإيديولوجية، إلى حين أن تترسخ هياكل نظام جديد بقيم مستقرة، وقواعد للعبة يحترمها الجميع. أبعد من ذلك، لن يكون ثمة أمل بتغييرٍ من دون إدراك الجميع بأن ضرب "الإخوان" ومحاولة سحقهم لم يكونا إلا لكسر العمود الفقري لأي ثورة شعبية أخرى آتية. ومن ثمّ، يصبح الحفاظ على "الإخوان" وقوتهم مصلحة لروحية الثورة، وأي أمل بتغيير مستقبلي، مع ضرورة أن يدرك "الإخوان" في المقابل، بأن الثورة والتوافق السياسي في هذه المرحلة أولوية مقدمة على أولوية التنظيم. 



ليست هناك تعليقات: