السبت، 12 أبريل 2014

الإخوان وعسكر يوليو من التحالف إلى الصدام..فيديو


الإخوان شاركوا في اول عرض عسكري بعد ثورة 52  
عبد الناصر.. ولحظة خشوع أمام قبر حسن البنا!



حكاية الإخوان وعسكر يوليو 
من التحــــالف إلى الصــــدام الدمــــوى



على أية حال، دعونا نفتش فى جذور العلاقة وجوهرها بين عبد الناصر ورفاقه وبين الإخوان خصوصا فى السنوات الأولى من عمر ثورة 1952 الناصرية، ونقصد بها سنوات 1952 - 1954، أى ما قبل الصدام الأول الدامى بين (ناصر) وجماعة الإخوان، فماذا عن تلك السنوات العصيبة والتى تشبه إلى حد بعيد العامين الماضيين من عمر ثورة 25 يناير 2011؟


بداية يحدثنا التاريخ أن الفترة (1952 - 1954) كانت مرحلة تحول كبرى فى تاريخ مصر، لعلها تشبه إلى حد كبير المرحلة التى نعيشها اليوم (2011 - 2013) سواء على مستوى طبيعة الصراعات السياسية أو اتجاهها، وإن اختلفت الأطراف ومواقعها المتبادلة، لقد كانت سنوات صعبة إلى حد أن سمّاها بعض مؤرخى تلك الفترة (مثل أحمد حمروش فى كتابه «قصة ثورة يوليو» الجزء الأول ص135) بسنوات الصدام. وفى هذا الإطار أتت العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السياسى وقتذاك لتمثل نوعًا متميزًا من الصدام، إذ كان صدامهم مع الثورة، صدامًا تشوبه اللغة الغامضة المتراوحة بين القبول والتعاون من جهة وبين المواجهة والتناطح من جهة أخرى، فالثورة تستثنى الإخوان المسلمين من قرار حل الأحزاب السياسية بل وتعين وزيرين منهم فى وزارة محمد نجيب، والإخوان يعلنون فى أول بيان لهم أن هذه الثورة ثورتنا، وأنها حركة مباركة، لكن الثورة تعلن قانون الإصلاح فى أيامها الأولى، وتعلن إقالة رشاد مهنا، المعروف بانتمائه إلى الإخوان، الذى راهنوا عليه أحيانا باعتباره الجواد الفائز، فيسبب هذا إحساسًا عميقًا بالفتور والقلق من الإخوان. لكن السلوك السياسى للإخوان أيضا لم يكن إلا بنفس الدرجة فى مواجهة الضباط الأحرار، خصوصا حين يخرج الإخوان فى مظاهرات تأييد لمحمد نجيب، أو يتغلغلون داخل صفوف الجيش أو يبحث زعماؤهم مع مستر إيفانز المستشار الشرقى للسفارة البريطانية موضوع الجلاء أو يدعمون جهازهم السرى وقواتهم المسلحة، لغة غامضة إذن، وحرب مستترة كما يرى البعض، لا الإخوان يصارحون بالعداء جهارًا، ولا مجلس قيادة الثورة يهاجم مباشرة الإخوان.
وهى اللغة التى ميزت العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السياسى الحاكم الجديد وقتها، والتى هى بحاجة إلى تفصيل، إذ هى التى قدمت للصدام الأول الذى بدأ فى 14 يناير 1954 بقرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان، ثم تلتها فى مارس 1954 أزمة الصدام الدامى الشهير كمرحلة ثانية حين أطلقت ثمانى رصاصات على عبد الناصر فى الإسكندرية لتعقبها مرحلة السقوط فى تاريخ العلاقة.


.. الإخوان شاركوا في اول عرض عسكري بعد ثورة 52 ..
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو من الارشيف الوطني لجمهورية مصر العربية لأول عرض عسكري بمناسبة مرور عام على ثورة 23 يوليو 52 يظهر فيه مشاركة كتائب الاخوان المسلمين رسميا في العرض. وبحسب الفيديو الذي سجل في 23 يوليو 1953 تظهر كتائب الاخوان المسلمين وهي ترفع راية الاخوان المميزة ومكتوب عليها "الإخوان المسلمون" ويقوم الرئيس محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر وقيادات مجلس قيادة الثورة باعطائهم التحية العسكرية. بينما يقوم المذيع بمدح كتيبة الاخوان المسلمين بكلام مميز قائلا: "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى؛ إنهم الأحرار الأباة من أبناء الوادي الأخضر الخصيب الذين آلوا على أنفسهم أن يعدوا العدة ليتقدموا الصفوف لتطهير الوطن من المستعمر وأقسموا على النصر أو الفناء". شاهد لحظة ظهور كتائب الإخوان في العرض العسكري:



 دفء العلاقــات فى الأيــام الأولى 
 عندما تمكن الضباط الأحرار من الوصول إلى الحكم وانتصرت حركتهم، اعتقد الإخوان أن فى ذلك انتصارا لهم، وكانوا فى ذلك الوقت أحرارا خارج المعتقلات على عكس عديد من الأحزاب والقوى الوطنية التى ضربت بعد حريق القاهرة مثل الحزب الاشتراكى والحزب الوطنى وأنصار السلام والتنظيمات الشيوعية، وفى صباح يوم 23 يوليو 1952 كان حسن العشماوى يتجه إلى مبنى قيادة الجيش فى كوبرى القبة ليجتمع مع عبد الناصر، وكان موضوع اللقاء هو أن يطلب العشماوى من المرشد العام المستشار حسن الهضيبى، إصدار بيان يؤيد الثورة ورفض المرشد العام فى البداية إلى أن عاد إلى القاهرة من مصيفه بالإسكندرية، وبعد أن غادر فاروق البلاد فعليًّا، أصدر بيان تأييد نشر فى صحف 28 يوليو قال فيه «فى الوقت الذى تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التى قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين فى أنحاء الوادى أن يستشعروا ما يلقى عليهم الوطن من تبعات كبيرة فى إقرار الأمن وإشاعة الطمأنينة وأخذ السبيل على الناكصين ودعاة الفتنة ووقاية هذه النهضة الصادقة من أن ننسى روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا، وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال، والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها ويشدون أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح وتحقق للبلاد ما تصبو إليه من عزة، وإن حالة الأمن تطلب منكم بوجه خاص أعينا ساهرة ويقظة دائمة، فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالًا يعرفون عند الشدة ويلبون عند أول دعوة، فكونوا عند العهد بكم، والله معكم، ولن يترككم أعمالكم، وإن الهيئة التأسيسية للإخوان سوف تجتمع فى نهاية الأسبوع لتقرر رأى الإخوان فى ما يجب أن يقترن بهذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله ويستكمل بها مجده».
 وفى اليوم التالى لصدور هذا البيان طلب المرشد العام، أن يلتقى مع أحد رجال الثورة فى منزل صالح أبو رقيق الموظف بجامعة الدول العربية، وفى هذا الاجتماع دار حوار طويل بين المرشد العام وعبد الناصر، طلب فيه المرشد العام أن تطبق الثورة أحكام القرآن الكريم، وعندما أجابه عبد الناصر بأن الثورة قامت حربًا على الظلم والاستبداد السياسى والاجتماعى والاستعمار البريطانى، وهى بذلك ليست إلا تطبيقا لأحكام القرآن، لم يتحمس لهذا الرد، ورأى أن تصدر الثورة قانونًا بفرض الحجاب حتى لا تخرج النساء سافرات بشكل يخالف الدين، وأن تغلق دور السينما والمسرح، ووجد عبد الناصر أنه سوف يدخل فى معركة مع الـ25 مليون مصرى أو نصفهم على الأقل، فأجابه بأنه -أى الهضيبى- يطلب منه طلبًا لا طاقة له به، فكانت إجابة الهضيبى أنه مصمم على طلبه، فقارن له عبد الناصر بين سلوك ابنته التى تذهب إلى كلية الطب سافرة، وأنه فى بيته لا يستطيع أن يفرض على ابنته الحجاب فهل يفرض على المجتمع كله، فصمت الهضيبى، لكنه كان صمتا تشوبه المرارة، فلقد بدأ عبد الناصر يرفض (أخونة) الدولة ويتمرد، وتلك كانت من الإشارات الأولى للصدام القادم!

 ... قانون الإصلاح الزراعى يفجر الخلاف ...
 كان واضحًا أن هذا الاختلاف فى الفكر وفى الرؤية للدين ليس إلا البداية، بين الإخوان ممثلين فى مرشدهم العام وبين نظام ثورة يوليو الجديد ممثلا فى عبد الناصر، وقد بلغ الاختلاف مداه حول «سبل الإصلاح فى العهد الجديد»، كما تضمنها بيان الإخوان حول «تحديد الملكية الزراعية»، وهما التطوران اللذان يقومان هنا كنقطة هامة فى تاريخ العلاقة، التى كَّرست جذور الاختلاف، والتى لم يشفع لها قرارات استثنائهم من الحل مثل جميع الأحزاب السياسية أو إشراكهم فى الحكم. 
وعلى الرغم من لغة التأييد التى صيغت بها بيانات الإخوان وتحديد موقفهم من قضية الإصلاح الاجتماعى فإنها عبرت عن بدايات خلاف مع رؤى الضباط الأحرار، خصوصا عبد الناصر وتحديدا فى مجال الملكية والتربية الدينية والعسكرية والتشريعات الخاصة بالعمال وصغار الملاك، التى صيغت أغلبها فى لغة عامة غير محددة معهم، أما بالنسبة إلى قانون تحديد الملكية الزراعية، فلقد رأى الهضيبى أن يكون الحد الأقصى للملكية خمسمئة فدان، بينما رأى عبد الناصر أن الثورة مصممة على أن يكون هذا الحد مئتى فدان فقط، ويبدو أن المرشد العام لم يقتنع بهذا الرأى، لكنه لم يقتنع فى ذات الوقت بتفجير الصراع مع الثورة، ورأى أن تأييده للثورة ضرورى لاستمرارها، لكنه اشترط على عبد الناصر أن تعرض عليه قراراتها قبل إصدارها، وأن هذا هو شرطه الأول لاستمرار التأييد للثورة، لكن عبد الناصر رد حينئذ «بأن الثورة قامت دون وصاية أحد عليها، وهى لن تقبل أن توضع تحت وصاية أحد، وأن هذا لا يمنع من التشاور فى السياسة العامة مع المخلصين من أهل الرأى دون التقيد بهيئة من الهيئات».
 ..عبد الناصر يعيد التحقيق فى مصرع حسن البنا.. 
 وفى أيامها الأولى وقفت الثورة بقوتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وقد تمثل ذلك فى عدد من القرارات التى أصدرتها، ومن بينها إعادة التحقيق فى مصرع حسن البنا، والقبض على المتهمين وتقديمهم للمحاكمة، وقد حكمت المحكمة بالسجن 15 سنة على الأميرالاى محمود عبد الحميد مدير المباحث الجنائية الذى دبر عملية الاغتيال، كما حكمت بمدد مختلفة على آخرين، وفى أكتوبر أصدرت عفوًا خاصًا عن قتلة المستشار أحمد الخازندار وعن بقية المحبوسين فى قضية مقتل النقراشى باشا، وعن المحكوم عليهم من الإخوان فى قضية المدرسة الخديوية. وقد خرج هؤلاء وسط مظاهرة سياسية من السجن إلى مقر الجماعة مباشرة، حيث عقدوا مؤتمرًا كبيرًا، وبعدها أصدرت الثورة قرارًا خاصًا بالعفو الشامل عن كل الجرائم السياسية التى وقعت قبل 1952، وقد بلغ عدد المفرج عنهم 934 مواطنًا معظمهم من الإخوان المسلمين.
... قضـية الـوزارة ... 
اختلفت الثورة فى بدايتها مع على ماهر رئيس الوزراء، وقرر مجلس القيادة أن تتولى الثورة نفسها تشكيل الوزارة برئاسة محمد نجيب على أن يكون للإخوان المسلمين فيها وزيران، واتصل عبد الحكيم عامر ظهر يوم 7 سبتمبر 1952 بالمرشد العام الذى رشح له الشيخ أحمد حسن الباقورى عضو مكتب الإرشاد وأحمد حسنى وكيل وزارة العدل، وبعد ساعات حضر إلى مبنى القيادة بكوبرى القبة حسن العشماوى ومنير الدلة، وقابلا جمال عبد الناصر، وقالا إنهما قادمان ليدخلا الوزارة، فهما موفدان من المرشد العام ليبلغاه أن مكتب الإرشاد قد اختارهما لتمثيل الإخوان فى الوزارة، أما الترشيح الأول فكان ترشيحًا شخصيًّا للمرشد العام. ويقول سليمان حافظ إن حسن العشماوى ومنير الدلة كانا شبابا أكثر مما ينبغى لتولى مسؤولية الوزارة، وأن عبد الناصر أبلغ الشيخ حسن الباقورى، وسوف يحضر فى الساعة السابعة ليحلف اليمين، كما أبلغ أيضا أحمد حسنى، واتصل عبد الناصر بالمرشد العام ليستوضح منه الموقف على ضوء ما وقع فعلا من إبلاغ الشيخ حسن الباقورى بما حدث، ورد المرشد العام أنه سيدعو مكتب الإرشاد للاجتماع فى الساعة السادسة، وسوف يرد على عبد الناصر، ولم يتصل المرشد العام بعبد الناصر، وعاد عبد الناصر واتصل به ليستفسر منه عن الموقف، فقال له إن مكتب الإرشاد قد قرر عدم الاشتراك فى الوزارة، فيقول له عبد الناصر: لكننا فعلا اتصلنا بالباقورى، وسيحضر لحلف اليمين، فيرد الهضيبى قائلا: نحن نرشح بعض أصدقاء الإخوان، ولا نوافق على اشتراك الإخوان فى الوزارة وعندما كانت الصحف تنشر فى اليوم التالى نبأ تشكيل الوزارة الجديدة التى ضمت الشيخ أحمد حسن الباقورى وزيرا للأوقاف كان مكتب الإرشاد يجتمع ويقرر فصل الباقورى من الإخوان.
 استثناء الإخوان من قانون حل الأحزاب السياسية.. 
 كان القانون رقم 179 لسنة 1952 وقرار 17 يناير 1953 المتعلقان بتنظيم وحل الأحزاب السياسية القديمة، نقطة أخرى طيبة تضاف إلى رصيد العلاقات بين الإخوان والثورة، فعندما صدر القانون ورد فى الفقرة الثانية من المادة الأولى «لا يعتبر حزبًا سياسيًّا الجمعية أو الجماعة التى تقوم على محض أغراض علمية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية»، ولقد ترك القانون من خلال النص السابق للإخوان المسلمين حق الاختيار بين أن تعلن الجماعة عن نفسها كجماعة دينية بحتة، وبذلك تكون قد فقدت الحق فى مزاولة النشاط السياسى، ولا تكون فى حاجة بالتالى إلى تقديم إخطار بإعادة تكوينها، وإما الإفصاح عن صبغتها السياسية بصفة علنية، ويكون ذلك بتقديم إخطار بإعادة تكوينها طبقا للقانون، وكان الطبيعى أن يدور النقاش داخل الإخوان حول هذين البديلين، وقد انقسم الرأى، فبينما كان المرشد العام حسن الهضيبى يرى عدم تقديم إخطار لإعادة تكوين الإخوان باعتبارها جمعية بعيدة عن مزاولة النشاط السياسى، فإن معظم أعضاء الهيئة التأسيسية لم يروا هذا الرأى، وقد استقر الرأى على حل وسط يتيح للجماعة مزاولة النشاطين، وهو فصل العمل الدينى عن العمل السياسى، فتحتفظ الجماعة بصفتها الخاصة كجماعة دينية، وتتولى بهذه الصفة العمل الدينى، ويتولى العمل السياسى شطر منها كحزب أو هيئة سياسية تقدم الإخطار باسمها، لهذا سارع الهضيبى فى أواخر عام 1952 بتقديم إخطار عن إيداع مالية الهيئة البالغ قدرها 7.935 (سبعة آلاف وتسعمئة وخمسة وثلاثين جنيها) بالبنك العربى المصرى، قبل أن يبلغ عن قانون الهيئة أو نظامها أو أسماء الأعضاء المؤسسين، (ما أشبه الليلة بالبارحة بشأن موقف الإخوان اليوم من إشهار جمعيتهم الجديدة وحزبهم الجديد «الحرية والعدالة» بعد ثورة يناير التى أتت بهم إلى الحكم!).
ولقد أوجد هذا الرأى انقسامات وردود أفعال متضاربة داخل أوساط الإخوان، وعقدت الجمعية التأسيسية ثلاث مرات، وهدد الهضيبى بالاستقالة الفعلية، إن لم تنفذ وجهة نظره على أن المسألة انتهت بسفر عبد القادر عودة، وكيل الإخوان إلى الإسكندرية لمقابلة الهضيبى ثم عودته منها ليصرح بأن «المرشد باق باق». ويرى المؤرخون لهذه الفترة أن الإخوان قد عبروا فى إخطارهم المقدم إلى مجلس قيادة الثورة عن تصميمهم على التحول إلى حزب سياسى والدخول فى المعترك السياسى بكل ما يحمله ذلك من معان ونتائج، أما بالنسبة إلى عبد الناصر وباقى المجلس فيروى محمد نجيب أن عبد الناصر طلب إليه عدم تطبيق قانون الأحزاب على الجماعة على أساس أنها كانت من أكبر أعوان الثورة قبل قيامها، وأنه لا يصح أن يطبق عليها قانون الأحزاب، لكنه عارضه قائلا إن القوى السياسية يجب أن تكون أمام القانون سواء، ويرى البعض أن هذا الكلام غير مفهوم، إذ يحمل مدلول الحرص من جانب عبد الناصر على جماعة الإخوان بدرجة جعلته لا يريد تعرضها لتطبيق قانون الأحزاب عليها، بيد أن الجماعة قد درست هذا الموضوع فى جلستين متعاقبتين، ورأت من مصلحتها التقدم بإخطارها كهيئة سياسية طبقا للقانون، فهل كان عبد الناصر أحرص على الإخوان منهم على أنفسهم؟! ويساق هنا احتمالان:
 إما أن هذه المحاولة من جانب عبد الناصر قد جاءت بمناسبة قانون حل الأحزاب، فأراد استبعادهم من قانون تنظيم الأحزاب أصلا، وإما أن هذا الاتجاه إلى تكوين حزب سياسى بما يتضمنه من انتشار نشاط الإخوان، ولم يلق رضا منه، فأراد إبعادهم عن مجال السياسة، وبالتالى مجال الوصاية على الثورة. 
وأيا كانت الآراء هنا فإن وضع هذا الاستثناء داخل إطار الرغبة من عبد الناصر فى محاولة إرضاء الطرف الجماهيرى القوى يومذاك، الذى ساند الثورة فى بدايتها ورغبته فى عدم فتح أكثر من جبهة للقتال ضده، خصوصا بعد ضرب القوى السياسية القديمة، وأخيرا رغبته فى عدم تصعيد الخلافات التى بدت على السطح السياسى بعد أزمة تحديد الملكية وأزمة الوزراء، ورؤيته أن يملأ الشارع السياسى يومئذ بعد أن فرغ من قواه المعبرة، قوى أخرى مساندة له، داخل هذا الإطار من الحسابات يمكن فهم تلك البادرة الطيبة التى حدثت فى العلاقة بين الإخوان والثورة خلال تلك السنوات القلقة. واستكمالًا للنوايا الطيبة صدر فى 13 يناير 1953 مرسوم بتشكيل لجنة لوضع مشروع الدستور من خمسين عضوا كان بينهم ثلاثة من الإخوان هم صالح العشماوى، وحسن العشماوى، وعبد القادر عودة، وفى 17 يناير 1953 صدر قانون حل الأحزاب السياسية القديمة، لأنها أفسدت أهداف ثورة 1919، وأرادت أن تسعى ثانية بالفرقة، ولم تتورع عناصر منها عن الاتصال بدول أجنبية وتدبير ما من شأنه الرجوع بالبلاد إلى حالة الفساد السابقة بل الفوضى المتوقعة.
المرحلة الحرجة فى العلاقات بين عبد الناصر والإخوان.. 
 يمكن التأكيد على أن عام 1953 مثَّل فى مجال العلاقة بين الإخوان والثورة المرحلة الحرجة التى تسبق هبوب العاصفة، ويتميز هذا العام بأربعة تطورات هامة كان لها تأثيرها على العلاقات بين الإخوان والثورة وهى: - المباحثات بين الإنجليز والإخوان لحل القضية الوطنية. 
- استعدادات الإخوان فى الجيش والبوليس. 
- مطالبة عبد الناصر للإخوان بحل التنظيم السرى. 
- الاتصالات بين الإخوان واللواء محمد نجيب لعقد تحالف ضد عبد الناصر. 
وفى ما يتصل بالمباحثات بين الإنجليز والإخوان فإن هذه تكاد تكون المرة الأولى التى حاول فيها الإنجليز الدخول فى مباحثات مع حزب شعبى حول القضية المصرية، عندما تعثرت مفاوضاتهم مع الحكومة المصرية القائمة، والتى انتهت بخطاب حاد للدكتور محمود فوزى، أكد فيه للجانب البريطانى انتهاء هذه المفاوضات من قبل الطرف المصرى حتى تتعدل المواقف، وفى هذه الظروف بالذات من تشدد المفاوض المصرى، رأى الإنجليز الاتصال بالإخوان المسلمين فى محاولة للوصول معهم إلى ما عجزوا عن الوصول إليه مع حكومة الثورة، حيث عقد الإخوان مع مستر إيفانز المستشار الشرقى للسفارة البريطانية فى القاهرة عدة اجتماعات استمرت عدة ساعات فى منزل الدكتور محمد سالم، الذى قال إن رأى الإخوان أن تكون عودة الإنجليز إلى القاعدة بناءً على رأى لجنة مشكلة من المصريين والإنجليز، وأن الذى يقرر خطر الحرب هو هيئة الأمم المتحدة، وتمسك الإنجليز بهذا الرأى الذى رفضه الجانب المصرى فى المفاوضات الرسمية، وقد ثبت أن المستر إيفانز التقى أكثر من مرة بالمرشد العام وصالح أبو رقيق ومنير الدلة، ويؤكد الدكتور عبد العظيم رمضان - فى تأريخه لتلك الفترة - أن ما رواه له صالح أبو دقيق الذى جرت معه المفاوضات لا يختلف كثيرا عما ورد فى قرار حل الإخوان أو لسان شهود الإخوان أمام محكمة الشعب، وتتلخص الصورة النهائية فى أن القاضى جراهام فى السفارة البريطانية، اتصل بالدكتور محمد سالم، الموظف فى شركة النقل والهندسة، وطلب منه أن يمهد لمقابلة المستر إيفانز وبعض قادة الإخوان، وقد اتصل محمد سالم بصالح أبو رقيق فى هذا الشأن، فأبلغ حسن الهضيبى الذى طلب إليه أن يقابل إيفانز ليعرف منه ماذا يريد، وقد تمت المقابلة فى بيت محمد سالم بالمعادى، ودار حديث حول القضية الوطنية وعرض فيه إيفانز على صالح أبو رقيق الجلاء بشروط يتم تحديدها فى ما بعد، ولقد تكلم إيفانز -المستشار الشرقى للسفارة البريطانية- بما يرضى الإخوان، وطلب رأى صالح أبو رقيق فى ما عرضه، فاعتذر حتى يعرض الأمر على المرشد العام، وقد طلب هذا إليه وإلى محمد سالم إعداد تقرير بما دار فى المقابلة فعلا، ثم جرت مقابلة ثانية بين إيفانز والمرشد فى بيت الأخير، عرض فيها إيفانز ما سبق أن عرضه على صالح أبو دقيق، كما جرت مقابلتان أخريان بين إيفانز وصالح أبو دقيق حضرهما منير الدلة حول نفس الموضوع. ويجرى الخلاف بين الراويات حول مسائل ثلاث: الأولى ما إذا كان الإخوان قد أبلغوا عبد الناصر بهذه الاتصالات قبل وقوعها أم لا، والثانية: الوقت الذى تمت فيه هذه الاتصالات، والثالثة تفاصيل ما دار من مباحثات بين إيفانز والإخوان، وترى بعض الكتابات أن عبد الناصر لم يكن يعلم بأمر هذه المباحثات، وبالنسبة إلى الوقت تجمع أيضا حول تعدد واتساع نطاق موضوعاتها بدءا بالخبراء ومرورا بحق عودة القوات البريطانية إلى القناة واستخدام القاعدة فى حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أى بلد يكون طرفًا فى معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا والتشاور على العودة فى حالة خطر الحرب وانتهاء بطرح فكرة الحياد.
السؤال الغامض
 غير أن السؤال الهام الذى تثيره تلك المباحثات هو ماذا كان غرض الإنجليز من الاتصال بالإخوان المسلمين بشأن القضية الوطنية؟ ويذكر صالح أبو رقيق فى معرض الاجابة عن مثل هذا السؤال أن السبب فى ذلك أن سياسة الإنجليز تختلف عن سياسة الفرنسيين، فالفرنسيون لا يخرجون من البلاد التى يستعمرونها إلا مرغمين، أما الإنجليز فهم يريدون أن يخلفوا وراءهم أصدقاء، وقد أدرك الإنجليز بعد خروج الملك وزوال الفساد ومجىء ضباط عسكريين لا تشوب ماضيهم شائبة، أنهم لا بد سيخرجون، فأرادوا الاتفاق على الجلاء، وقد طلبوا رأينا لهذا الغرض. والدلالة المباشرة لهذا الحديث هى التى تفسر لماذا اتخذ الضباط العسكريون «الذين لا تشوب ماضيهم شائبة» ...
- وفقا لقول صالح أبو رقيق ....
- موقف المجابهة وعدم القبول لتحركات الإخوان، ولماذا شابت علاقاتهم معهم مع نهاية عام 1953 سمات التوتر والصدام المكتوم فالمباشر، ولماذا لم يكن الاتصال بالإنجليز وحده هو السبب فى الوصول إلى هذه النتيجة، بل إن عوامل أخرى كانت تقف خلفها، فما هى؟
 عبد الناصر يرفض الجهاز السرى للإخوان
 يأتى فى مقدمة هذه العوامل محاولات توسيع الجهاز السرى للإخوان، بحيث يضم عددا من ضباط الجيش والبوليس، وكانوا يجتمعون بهم اجتماعات أسبوعية، ويأخذون عليهم عهدا وقسما أن يطيعوا ما يصدر إليهم من أوامر المرشد العام، كما جندوا عددا من ضباط الصف، وعندما تجمعت هذه المعلومات استدعى عبد الناصر حسن العشماوى، وقال له إننى أحذركم فما يحدث سيجنى على مصير البلاد ووضع أمامه ما تجمع لديه من معلومات وسرد عليه قصة الإخوان مع ضباط الجيش، فوعد بأن يتصل بالمرشد العام فى هذا الأمر، لكنه خرج ولم يعد على حد تعبير بيان مجلس الثورة، وفى اليوم التالى استدعى عبد الناصر الشيخ سيد سابق وخميس حميدة، وأبلغهما ما لديه من معلومات، وما أبلغه لحسن العشماوى فى اليوم السابق، فاستنكرا المواقف، ووعدا بأنهما سيعملان على وقف هذا النشاط، لكن النشاط لم يتوقف. ويؤكد بعض المؤرخين لهذه الفترة نفس الرواية السابقة، حيث يرون أن عبد الناصر كان قد استطاع أن يجذب إليه عبد الرحمن السندى رئيس الجهاز السرى، الذى كان على خلاف مع حسن الهضيبى والشيخ سيد سابق منشئ الجهاز السرى، وقد أدى ذلك إلى حدوث انقسام فى تنظيم الجهاز، وشكلت له قيادة جديدة كان على رأسها الذين عارضوا التعاون مع حركة الجيش، وهم إبراهيم الطيب (محام)، ويوسف طلعت (نجار)، والشيخ محمد فرغلى، ومحمد فايز (موظف)، الذى انفجر فيه طرد من حلاوة المولد النبوى، وأدى ذلك إلى زيادة حدة الصراع بين الجناحين، وقد نجح هذا الجناح فى اجتذاب عدد من ضباط الجيش كانوا ينتمون إلى الإخوان المسلمين، كما بدؤوا فى تنظيم عدد من ضباط البوليس.
الاتصال بمحمد نجيب لمساندته ضد عبد الناصر ..
 يبقى بعد ذلك وقبل الوصول إلى 14 يناير 1954 (يوم الصدام الشهير الذى صدر فيه قرار حل جماعة الإخوان)، سبب أخير لحدوث التوتر، وهو محاولات الاتصال التى قام بها الإخوان مع اللواء محمد نجيب، ويذكر أحمد حمروش فى هذا الشأن أن اللقاء مع محمد نجيب لم يتم بشكل شخصى، إنما تم مع قائد حرسه الخاص اليوزباشى محمد رياض الذى قابله حسن عشماوى ومنير الدلة عدة مرات فى ديسمبر 1953، وكانت مطالب الإخوان لمحمد نجيب تدور حول: تعيين رشاد مهنا قائدا عاما للقوات المسلحة الذى كان ينفذ عقوبة السجن المؤبد بعد محاكمته عقب اعتقاله فى 15 يناير 1952، وعودة الأحزاب وعودة الضباط إلى الثكنات وتشكيل وزارة يرضى عنها الإخوان.
وعندما عرض محمد رياض الأمر على محمد نجيب رفض الحديث فى ذلك شكلا وموضوعا، ورفض فكرة الاتصال السرى بالإخوان مطلقًا، ولذا فهو لم يقابل أحدا منهم، وذلك لأنه أدرك أنهم يريدون حكمًا ديكتاتوريًّا، لكن تطورات الأحداث بعد ذلك أثبتت حاجة نجيب إلى الإخوان فقد لعبوا الدور الرئيسى فى إعادته إلى رئاسة الجمهورية حين أطاح به الخلاف المتفجر بينه وبين أعضاء مجلس الثورة فى أحداث 23 - 24 فبراير 1954 الشهيرة، وإذا أضفنا إلى هذه العوامل التى أوجدت حالة التأهب للصدام أنه فى تلك الظروف التى جرت فيها اتصالات محمد نجيب بالإخوان، حدث أن عادت الاتصالات مرة أخرى بين الإخوان والإنجليز، حين زار حسن العشماوى يوم 10 يناير 1954 منزل السير كروين ويل الوزير المفوض البريطانى فى بولاق الدكرور فى الساعة السابعة صباحًا، ثم عاد إلى زيارته أيضا فى نفس اليوم فى مقابلة دامت من الساعة الرابعة بعد الظهر إلى الساعة الحادية عشرة من مساء نفس اليوم، فإن الصورة العامة لما قبل الصدام تزداد وضوحًا. 
حيث كانت هذه الاتصالات الأخيرة هى العامل الحاسم فى العلاقات بين الإخوان وعبد الناصر فبعد ثلاثة أيام فقط أى فى يوم 14 يناير 1954 صدر قرار مجلس قيادة الثورة باعتبار جماعة الإخوان المسلمين حزبا سياسيا يطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة الخاص بحل الأحزاب السياسية.
وهكذا تنتهى مقدمات الصدام الأول
.. بين الإخوان المسلمين ومجلس قيادة الثورة.. 
 التى تراوحت بين علاقات التعاون المحسوب إلى علاقات المواجهة والصدام المحسوب أيضا، والتى كان طبيعيا أن تفقد توازنها فى لحظة قلقة من لحظات التاريخ المصرى وقتئذاك، وهى العلاقات التى يلخصها أحمد حمروش فى عبارة موجزة «كانت حربا مستترة غير معلنة، لا الإخوان يصارحون بالعداء جهارا، ولا مجلس قيادة الثورة يهاجم الإخوان». عبد الناصر والإخوان.. قصة الدم والنار «الحلقة الثالثة» الزعيم الراحل جمال عبد الناصر نشر: 3/5/2013 6:56 ص – تحديث 3/5/2013 6:56 ص هل يعيد التاريخ نفسه فى زمن الربيع العربى؟ مع دخول مصر عام 1954، كان الصراع المكتوم تحت الأرض بين الإخوان المسلمين وبين عبد الناصر ورفاقه، قد بدأ يعبر عن نفسه، بالعنف السياسى والإعلامى تارة وبالعنف الجسدى عبر السلاح والدم تارة أخرى إلى أن وصل إلى رأس النظام السياسى الجديد، إلى جمال عبد الناصر، محاولا عبر ثمان رصاصات، قتله مساء يوم 24 أكتوبر 1954 فى المنشية بالإسكندرية، ليبدأ مع تلك الرصاصات عهدا جديدا فى مصر، وتاريخا جديدا للإخوان، ولعبد الناصر تاريخ من الدم والنار فماذا عنه؟ الإخوان قرروا التخلص من عبد الناصر فى أول أكتوبـــــــــــــــــر 1954.. ووقع الاختيار على سمكرى من إمبابة لتنفيذ الاغتيال من أجل إعادة الجماعة إلى ما كانت عليه قبل يناير 1954 حاول البعض التوسط لرجوعها على أن تمارس نشاطا دينيًّا فقط ويكون مرشدها عبد الرحمن البنا بدلاً من الهضيبى من نتائج أزمة مارس خروج الإخوان المسلمين من السجون فى ظل حالة من الهدوء الحذر والتفجر المكتوم بينهم وبين الثورة.. وهو التفجر الذى كان ينتظر عود الثقاب لإشعاله ثانية عودة وآخرون بدؤوا سلسلة من المحادثات مع الحكومة لاستعادة الشرعية للجماعة.. وطلبوا من الحكومة السماح لهم بزيارة السجون والبحث عن خطط أخرى لإعادتها شملت تأسيس تنظيم دينى جديد تحت قيادة عبد الرحمن البنا..
 صدامات يناير 1954..
 يحدثنا التاريخ أن الفترة من يناير حتى أكتوبر 1954 قد شهدت قمة الصراع الأول بين جماعة الإخوان المسلمين ومجلس قيادة ثورة يوليو 1952، حيث شهدت صدامين مهمين مثَّلا صدعا عنيفا فى علاقة الإخوان بالثورة، ورتبت تصورات دينية وخبرات ذاتية متناقضة لدى طرفى العلاقة، كان حريا بها أن تُحدث صدامات أخرى، ومواجهات أكثر دموية ما زالت مصر تعانى منها إلى اليوم (2013) حتى بعد أن وصل الإخوان للحكم، لكنهم وصلوا إليه محمَّلين بإرث من الكراهية والغضب لعبد الناصر وعصره، إرث نحسبه سيظل قائما لسنوات طويلة مقبلة للأسف ستكون مصر -لا الإخوان أو الناصريين- هم الضحية!!. 
على أى حال.. يحدثنا التاريخ أنه قد سبق قرار حل جماعة الإخوان المسلمين فى 14 يناير 1954 مقدمات عدة مثل الهجوم الضارى الذى قام به الإخوان على هيئة التحرير وتنظيمها الشبابى يوم 12 يناير 1954، وقد بلغت ضراوة القتال بينهما أمام حرم الجامعة حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصى وإحراق السيارات فى الجامعة فى ذلك اليوم، وهو اليوم الذى خُصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة وكان لوجود الإيرانى نواب صفوى زعيم منظمة فدائيان إسلام محمولا على أكتاف الإخوان تأثيره المباشر على احتداد المواجهة بين الطرفين. 
بعد هذه المواجهة بيوم واحد، ونتيجة لحالة الاضطراب والتخبط التى ميَّزت العلاقة بين الإخوان والثورة يومئذ، أعلن مجلس قيادة الثورة قراره الخاص بحل جمعية الإخوان المسلمين واتخذ القرار بالإجماع، فى ما عدا محمد نجيب الذى اعترض من حيث المبدأ لا لأنه يشايع الإخوان، ولكن عدم موافقة نجيب لم تؤثر فى صدور قرار الحل فقد كان هو الصوت الوحيد المعارض، ورغم أنه لم يكن على صلة بهم، لكن هذا الموقف أوجد فى صدور زملائه الخشية أن يكون هناك تدبير ما بين محمد نجيب والإخوان، ويلخص بيان مجلس قيادة الثورة الاتهامات الموجهة للإخوان المبررة للحل وتمثلت فى الآتى: - التقاعس فى تأييد المرشد العام للحركة إلا بعد خروج الملك.
 - عدم تأييد قانون الإصلاح الزراعى والمطالبة برفع الحد الأقصى للملكية فى حالة التطبيق إلى 500 فدان. - محاولة فرض وصاية على الحركة بعد حل الأحزاب السياسية. - اتخاذ موقف المعارضة من هيئة التحرير. - بدء التسرب إلى ضباط الجيش وضباط البوليس وتشكيل وحدات تحت إشراف المرشد مباشرة. 
 - تشكيل جهاز سرى جديد بعد حل الجهاز السرى الذى كان يشرف عليه عبد الرحمن السندى منذ أيام حسن البنا. 
 - حدوث اتصال عن طريق الدكتور: محمد سالم بين المستشار الشرقى للسفارة البريطانية فى مايو 1953 ومنير الدلة وصالح أبو رقيق ثم حسن الهضيبى بعد ذلك. 
- زيارة حسن العشماوى يوم الأحد 10 يناير 1954، أى قبل قرار الحل بأيام للوزير البريطانى المفوض ثم عودته فى نفس اليوم لزيارة أخرى امتدت سبع ساعات، (وهنا نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة).
اعتقــال الهضيبى ..
 لقد صاحب إصدار هذا البيان، اعتقال حسن الهضيبى و450 عضوا بالجماعة فى القاهرة والأقاليم، وفى اليوم التالى ولعدة أيام شنت الحكومة حملة صحفية ضد الهضيبى والمجموعة المحيطة به وليس ضد الإخوان كجماعة فقط، وتركزت الحملة على مجموع الانتقادات التى ظهرت داخل التنظيم ضد الهضيبى وبوجه خاص فشله فى الاقتداء بشخصية البنا، وإساءته وإهماله جوهر الرسالة، ولم يكن هناك ما يتصل بتهمة قلب نظام الحكم، سوى اكتشاف مخبأ للأسلحة فى عزبة يملكها أحد أعضاء الجماعة، وقد انتشرت على نطاق واسع إشاعة تقول بأن تلك الأسلحة هى بعينها الأسلحة التى سبق أن خبأها أعضاء المجموعة العسكرية قبل الثورة بأنفسهم هناك. غير أن تنظيم الاخوان استمر رغم هذه الضربات، ورغم حله على المستوى الرسمى وواصل عمله بشكل غير رسمى تحت القيادة غير الرسمية لعبد القادر عودة، حيث التقى الأعضاء الذين لم يتعرضوا للاعتقال فى جلسات صغيرة، عقدت كل منها فى بيت واحد منهم، كذلك سارعوا بتنظيم شبكة لجمع وتقديم الإعانات لعائلات الأعضاء المعتقلين، ورغم أن الحكومة ألقت القبض بالفعل على بعض الأعضاء، وهم يقومون بتقديم الإعانات فإنها لم تكن راغبة فى عرقلة هذه العملية، وفى فبراير وخلال الاحتفال بالذكرى السنوية للبنا والذى أقيم فى مقبرته، أعلن عبد القادر عودة على الملأ اقتناعه بأن الثورة قد حققت أهداف حسن البنا. وفى ذات الوقت حرص عبد الناصر على أن لا يقطع الصلة نهائيا بالإخوان فقام فى 12 فبراير وفى نفس الذكرى السابقة بزيارة قبر حسن البنا ومعه صلاح سالم وأحمد حسن الباقورى، وخطب قائلا: «أشهد الله أنى أعمل وكنت أعمل لتنفيذ هذه المبادئ وأفنى فيها وأجاهد فى سبيلها»، وبدأ عبد القادر عودة مع آخرين سلسلة من المحادثات الخاصة مع الحكومة لاستعادة الشرعية للجماعة، وقد طلب من الحكومة فى هذا الصدد السماح له بزيارة السجون كما التمس استقالة الهضيبى، وكانت هناك خطط أخرى قيد المناقشة شملت تأسيس تنظيم دينى جديد تحت قيادة عبد الرحمن البنا.
 أزمة مارس والصراع بين الجنرالات على أن كل شىء 
توقف فجأة، بل وتبدل فجأة عشية الأزمة السياسية التى طوقت مصر كلها والتى سميت بأزمة مارس 1954، وكانت بين محمد نجيب وعبد الناصر، وتتلخص أسباب ووقائع هذه الأزمة فى أنها كانت مرتبطة بمطالبة محمد نجيب بسلطات تتناسب مع مكانته وحول الأسلوب الواجب اتباعه فى إدارة شؤون مصر، فمن وجهة نظر محمد نجيب الأكبر سنا أن عملية إبعاد كل القوى الاجتماعية مع استمرار مسيرة الثورة أمر لا يحتمل، ولا بد من مشاركة كل القوى فى هذه المرحلة فى إصلاح البلاد، على الناحية الأخرى كان عبد الناصر وهو ابن جيل آخر وذو اقتناع مختلف ومتطور قد نفد صبره حين أدرك أن مسألة الحفاظ على استمرار عملية التغيير وعمق تأثيرها تعنى أنه لا رحمة مع الذين يعارضونها. ومع تزايد حدة العداء للنظام الجديد من القوى المعارضة تزايدت ضرورة إجراءات القمع، وتصاعد الخلاف بين الرجلين حول من يمتلك سلطة الحسم الأخيرة فى شؤون البلاد، وكيفية استخدام هذه السلطة، ويتصاعد مع استقالة محمد نجيب فى 23 فبراير، وفى الليلة التالية تمت محاصرة منزل محمد نجيب، وفى 25 فبراير حملت الصحف أنباء البوادر الأولى للانقسام داخل مجلس قيادة الثورة، وفى 26 فبراير وبعد تمرد سلاح الفرسان حيث كانت الأفكار الديمقراطية تجد مجالا خصبا للنمو «كنتيجة لوجود خالد محيى الدين ضابطا بمخابرات السلاح وثروت عكاشة أركان حرب السلاح الذى كانت تربطه صلة النسب بأحمد أبو الفتح رئيس تحرير المصرى».
بعد هذا العصيان المسلح وخروج مظاهرات تأييد لنجيب اضطر مجلس قيادة الثورة إلى أن يعلن إعادة تقلد نجيب منصب الرئاسة، ولم تنته الأزمة لأن المشكلة الأساسية والخاصة بمن الذى يملك السلطة وأسلوب استخدامها، ظلت دون حل، وفى التاسع من مارس أعلنت الحكومة أن نجيب سوف يسند إليه ثانية منصب رئيس الوزراء ورئيس مجلس قيادة الثورة، فى ذلك الوقت كتب الهضيبى رسالة إلى محمد نجيب من السجن يطلب فيها الإفراج عن الإخوان المسلمين حتى تتم موازنة الموقف، وانضمت إليه مجلة «الدعوة» الناطقة وقتذاك بلسان حسن العشماوى ومجموعة المطالبين بالإفراج عن الإخوان واصفة قرار الحل الذى صدر فى يناير بأنه كان خطأ. وفى يوم 25 مارس 1954 أعلن مجلس قيادة الثورة، فى ما اتضح بعد ذلك أنه كان مناورة بارعة من عبد الناصر أن الثورة قد اقتربت من إنهاء مهمتها، وأن البلاد سوف تستأنف الحياة البرلمانية السوية، وفى ذات الوقت وتحت ظروف وتدخلات متعددة كان آخرها وساطة الملك سعود، أمرت وزارة الداخلية بالإفراج عن الهضيبى والإخوان المسلمين تطبيقا لقرار صدر بإلغاء قرار يناير 1953 بشأن إلغاء الأحزاب السياسية، ورفعت الرقابة تماما عن الصحف وأصبح فى إمكان أى شخص أن يقول ما يشاء يومئذ. 
وفى الثامن والعشرين من مارس وبعد ثلاثة أيام من الحرية الكاملة وغير المحدودة للمعارضة تحرك عبد الناصر وامتلأت الشوارع يومئذ بالمظاهرات الشعبية التى تطالب بالحفاظ على الثورة وأهدافها وباستمرار إلغاء الأحزاب السياسية، واندفعت حشود ضخمة من أعضاء اتحادات العمال والنقل التى خرجت فى ذلك اليوم ومعها الشباب المنتمى للمنظمات الشبابية الحكومية، تحملهم عربات النقل الخاصة بهيئة النقل يعربون عن أن الثورة قد جاءت لتبقى، وكان الاعتداء على جريدة «المصرى»، وعلى مجلس الدولة، من أبرز ما حدث فى هذه الأثناء، وتم تدعيم هذه التحركات من الجيش، وتحديدا من ضباط الصف، والضباط المؤيدين لعبد الناصر أمثال كمال الدين رفعت، وأحمد أنور ومجدى حسنين ووجيه أباظة وحسن التهامى، ومحمد أبو الفضل الجيزاوى وسعد زايد وغيرهم. 
وفى ذات المساء -29 مارس 1954- أصدرت الحكومة أوامر بحظر التظاهر منذ الآن فصاعدا، وفى اليوم التالى واستجابة للإرادة الشعبية السابقة قرر مجلس قيادة الثورة مرة أخرى أن يأخذ على عاتقه مسؤولية الحكم كاملة، وألغيت مرة ثانية كل الأحزاب السياسية باستثناء جماعة الإخوان المسلمين الذين وعد قادتهم بحسن التصرف، والذين اتفقوا على أن يجنحوا للسلبية فى هذه الأيام الحرجة، وأن يبتعدوا عن الاشتراك فى أى مظاهرة معادية للمجلس، وباتت البلاد فى قبضة مجلس قيادة الثورة مرة أخرى. وهكذا أخرجت أزمة مارس الإخوان المسلمين من السجون، وخلقت حالة من الهدوء المشوب بالحذر والتفجر المكتوم بينهم وبين الثورة، وهو التفجر الذى كان ينتظر عود الثقاب لإشعاله ثانية.
السعودية تتوسط والهضيبى يهاجم الثورة مجددا 
 سبق أن رأينا أن الجهود كانت تبذل من أجل إعادة الجماعة إلى سابق عهدها قبل يناير 1954 على أن تمارس نشاطا دينيا فقط، ويكون مرشدها عبد الرحمن البنا بدلا من الهضيبى، وقد أتاح حضور الملك سعود إلى مصر لهم الفرصة ليرتفع صوتهم مطالبا بعودة الجماعة، حيث كان من بين أهداف زيارة الملك سعود التوسط فى أمر إعادة الجماعة، وبالفعل نجحت الوساطة ورأت الثورة أن تعيد الجماعة، وتم الإفراج عن الهضيبى والمعتقلين من الإخوان ثم صدر قرار مجلس قيادة الثورة بإعادة الجماعة وتسليمها ممتلكاتها، وسمح للمرشد العام «الرئيسى» حسن الهضيبى وعدد من الإخوان بالسفر إلى سوريا والسعودية، وهناك أدلى المرشد العام بتصريحات ضد الثورة وضد اتفاقية الجلاء، وفى 27 يوليو، أى وقت أن كان الهضيبى بالخارج أعلنت حكومتا مصر وبريطانيا موافقتهما المشتركة على عدد من المبادئ العامة كأساس لمعاهدة جديدة تسوى النزاع الإنجليزى - المصرى، لكن فى 31 يوليو نشرت صحيفة بيروتية «جريدة الهدف» بأحرف ضخمة وعناوين بارزة، رأى حسن الهضيبى فى الاتفاقية، وكانت النقاط الرئيسية فى نقده هى كما يلى: - كان من المفروض أن ينتهى أجل معاهدة 1936 بعد أقل من عامين، وعند ذاك كان على بريطانيا أن تجلو عن القاعدة وأن تتركها دون أساس قانونى يمكنها من العودة إليها فى ما بعد، أما المعاهدة الجديدة فتمنحها هذا الحق باشتمالها على مادة تسمح بإعادة تشغيل القاعدة فى حالة حدوث أى اعتداء على أى دولة عربية أو على تركيا. 
 - المادة التى تسمح بإعادة تنشيط القاعدة فى حالة اعتداء على تركيا يربط مصر والدول العربية بها، وبالتالى يربطهم جميعا بالمعسكر الغربى. - الفقرة التى تسمح لبريطانيا بصيانة القواعد الجوية تمثل تهديدا لمصر، وهى على المدى الطويل أداة لدوام السيطرة. 
- المدنيون الذين سيناط بهم المساعدة فى تشغيل المعدات هم، بطبيعة الحال، شخصيات عسكرية فى ثياب مدنية.
- جددت الاتفاقية أجل معاهدة 1936 لفترة خمس سنوات أخرى، وسمحت بإجراء تشاور لمراجعة الموقف عند انتهاء فترة العمل بها، وهو نفس النوع من البنود التى كفلت فى الواقع الاستمرار الدائم لمعاهدة 1936، بناء على هذه البواعث جميعا رفض الهضيبى الاتفاقية مؤكدا أن أى اتفاقية بين مصر وحكومة أجنبية ينبغى أن تعرض على برلمان منتخب بإرادة حرة، وعلى صحافة متحررة من الرقابة، وتملك حرية المناقشة، وقد ظل التوتر الذى أثارته هذه الآراء محكوما ومسيطرا عليه طوال فترة تغيب الهضيبى، الذى كان لا يزال فى سوريا، وعبد الناصر الذى سافر إلى السعودية من 5 إلى 17 أغسطس بغرض الحج وحضور مؤتمر لقادة البلدان الإسلامية الذى اقترح عقده مؤخرا فى مكة، وعاد الهضيبى يوم الأحد الموافق 22 أغسطس، وفى نفس اليوم بدأت الحكومة حملتها العنيفة لتفنيد هجومه على الاتفاقية معتمدة أساسا على إحياء قصة المعاهدة السرية التى قيل إن الهضيبى كان يتفاوض بشأنها مع البريطانيين فى ذلك الربيع، والتى قيل إنه خلالها تنازل أكثر مما تنازلت الحكومة.

 رصاصات أكتوبر والتاريخ الفاصل 
 واستمرت الحملات المتبادلة بين الجماعة وبين الثورة طيلة شهرى أغسطس وسبتمبر عام 1954، ويأتى شهر أكتوبر ليشهد انفجار الصدام بين الإخوان المسلمين والثورة، فمنذ الأيام الأولى للشهر قررت المجموعة التى سميت بقيادة الجهاز السرى، القيام باغتيال عبد الناصر الذى كانت سيطرته الفعلية على البلاد قد وضحت وتحددت، وقد اختارت القيادة محمود عبد اللطيف، وهو سمكرى من ضاحية إمبابة، لإنجاز هذا العمل، وكان هنداوى دوير المحامى وقائد قطاع إمبابة هو الذى أبلغه بهذا القرار، وترك له ثلاثة أيام مهلة لاتخاذ قراره، وفى 19 أكتوبر وهو اليوم الذى وقع فيه عبد الناصر معاهدة الجلاء مع البريطانيين، قرر محمود عبد اللطيف قبول مهمة اغتياله بسبب ما ارتكبه من خيانة بتوقيعه للمعاهدة التى أهدرت حقوق الأمة، وفقا لما اعتقده وقاله لاحقا فى التحقيق معه!! وقد خطط لتنفيذ المهمة فى نفس اليوم، إلا أن الظروف لم تكن مواتية وسط هذا الحشد المتجمع والمختار بعناية لتنفيذ الخطة بنجاح، لذا تم تأجيلها إلى وقت آخر أكثر ملاءمة. وفى الرابع والعشرين من أكتوبر زار كمال خليفة وهو واحد من أبرز أعضاء مكتب الإرشاد جمال سالم نائب رئيس مجلس الوزراء وأطال فى تهنئته بالمعاهدة، وفى ذلك المساء وبينما كان عبد الناصر يلقى خطابه أمام حشد كبير من المواطنين فى المنشية بالإسكندرية انطلقت عدة رصاصات وللحظة قصيرة توقف عبد الناصر عن الكلام بينما الرصاصات تدوى، وكان محمود عبد اللطيف يجلس فى الصفوف الأمامية على بعد 15 مترا من منصة الخطباء والضيوف، وأصيب ميرغنى حمزة وزير خارجية السودان، والمحامى أحمد بدر الذى كان يقف بجانب جمال عبد الناصر - والذى لم تصبه الرصاصات - وأصر على متابعة خطبته بعدما حدث فى السرادق من هرج مرددا قوله: «أيها الرجال فليبق كل فى مكانه.. حياتى لكم، وهى فداء لمصر، أتكلم إليكم بعون الله بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا علىّ، إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملا من أجلكم وفى سبيلكم». 
وكانت حادثة الاعتداء نقطة تحول هامة فى مشاعر الشعب الذى كان يرفض إرهاب الإخوان المسلمين قبل 23 يوليو 1952، ونقطة تحول أخرى لصالح شعبية عبد الناصر الذى قام بجولة يوم 27 أكتوبر فى رحلة عودة من الإسكندرية إلى القاهرة، ولقد قوبل بمظاهرات تأييد له.
وفى ليلة الحادثة صدرت الأوامر باعتقال الإخوان المسلمين
 وبدأت أكبر حملة شهدتها مصر حتى وصل الأمر إلى حد إعطاء المعتقلين بطاقات يسجلون فيها أسماءهم وعناوينهم لتدون فى كشوف سليمة، وشكل مجلس قيادة الثورة فى أول نوفمبر 1954 محكمة خاصة باسم «محكمة الشعب» برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعى، فكانت بهذا رابع نوع من المحاكم تشكله الثورة بعد المجالس العسكرية، ومحكمة الغدر، ومحكمة الثورة، وقد شكلت ثلاث دوائر فرعية من محكمة الشعب، الأولى برئاسة اللواء صلاح حتاتة، والثانية برئاسة قائد الجناح عبد الرحمن عنان، والثالثة برئاسة القائمقام حسين محفوظ ندا، ولقد اضطرب الشهود وانتابهم الخوف، كما أنهم فى الأغلب الأعم كانوا يفتقرون إلى الحياد أما الأدلة فكانت حافلة بالمتناقضات، وكان مرجع ذلك إلى أسلوب معاملة الشهود من ناحية، وإلى تحفظ الشهود وعدم توفر الرغبة لديهم فى الإفصاح، وفضلا عن ذلك فقد عكست هذه الأدلة من جهة ثانية وضع كل شاهد داخل الجماعة، وبالتالى عكست المستويات والمنطلقات المتعددة التى نُظر منها للمسائل موضع التحقيق، كما أن السهولة الملحوظة التى انهار بها الولاء، ووجه بها الأعضاء أصبع الاتهام كل منهم نحو الآخر، أظهرت إلى أى مدى اهتزت مشاعر الثقة المتبادلة، ونفس الشىء حدث أيضا فى التحقيقات التمهيدية والتى ظهرت من خلال معظم الاعترافات. وفى الرابع من ديسمبر نطق الحكم الأول فى «محكمة الشعب» تلته الأحكام الأخرى، فلقد بلغ عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب (867)، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية من المتهمين الذين ينتمون إلى الجيش (254)، وصدر الحكم بإعدام محمود عبد اللطيف ويوسف طلعت، وهنداوى دوير وإبراهيم الطيب وعبد القادر عودة ومحمد فرغلى ونفذ الحكم فعلا، كما صدر حكم بإعدام حسن الهضيبى ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، ثم حكم على سبعة آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة.
  حصيلة الصدام 
 وهكذا ومع وصول الصدام الأول بين الثورة والإخوان إلى نهايته الدرامية تلك، كانت الأوضاع فى مصر قد تحددت تماما، فعزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية، وتم حل جميع الأحزاب السياسية، بما فيها الإخوان، ووجود قيادتها داخل السجن، وأغلقت جريدة «المصرى»، التى لعبت دورا كبيرا فى أزمة مارس 1954، وفشلت محاولات الانقلاب العسكرى وانتهاء التنظيمات العسكرية المستقلة أو التابعة للقوى السياسية الخارجية داخل الجيش، ثم حلت مجالس نقابات الصحفيين والمحامين وعينت لها لجان مؤقتة موالية لمجلس قيادة الثورة، وأخيرا حلت جماعة الإخوان المسلمين، واستقرت الأوضاع تماما للنظام السياسى الناصرى الجديد. ..

؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛