استقلال الأزهر ومؤسساته يبدأ
بتحـــرير أوقافـــه من قبضـــــة الدولـــــة
مليارات الجنيهات وآلاف الأفدنة ومئات العقارات
ضاعت بسبب قرارات جائرة

خبراء: مؤتمر رجال الأعمال لتلقى تبرعات لإعادة إعمار دور العبادة "تسول"
الكنيسة استردت كل أوقافها..
والأزهر لم يسترد سوى 5% فقط
على لبن: أراضى الأوقاف وأموالها لا تضيع بالتقادم ويمكن للأزهر استردادها
إبراهيم البيومى: عبد الناصر
بعثر أوقاف الأزهر لإحكام قبضة الدولة على المنابر
فى الوقت الذى تتعالى فيه الأصوات لاسترداد الأزهر لأوقافه المنهوبة طيلة العقود الماضية حتى يتسنى له التحرر من هيمنة الدولة عليها ويمكنه الوفاء بمهامه الكثيرة والكبير فى الدعوة ونشر الدين الإسلامى واستقبال المسلمين الدارسين من جميع أنحاء العالم، وخلال الأيام الماضية عقدت مجموعة من رجال الأعمال مؤتمرا صحفيا لتلقى مساهمات وتبرعات إعادة إعمار دور العبادة من مساجد وكنائس تحت مسمى "مؤسسة بيت العائلة" وذلك تحت رعاية شيخ الأزهر أحمد الطيب ومفتى الجمهورية السابق على جمعة والبابا تواضروس الثانى. وهو ما أثار دهشة المتخصصين فى شئون الأوقاف، خاصة وأنه كيف يمكن لشيخ الأزهر أن يقوم بجمع تبرعات للأزهر وهو لديه أوقافه التى تنتظر التحرر من قبضة الدولة حتى تعود إليه كما استردت الكنائس أوقافها كاملة والتى لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها. وأوضح متخصصون فى شئون الأوقاف لـ"الحرية والعدالة" أن هذا المؤتمر لا يعدو كونه نوعا من أنواع التسول للمساجد، ويهدف إلى الاستيلاء على أموال الأوقاف، ويبعد عن حل المشكلة الأساسية وهى استرداد الأوقاف القديمة حتى يتشجع الناس على التبرع. تبديد أوقاف بالمليارات أوقاف الأزهر لها تاريخ طويل؛ حيث دأب أهل الخير منذ أمد بعيد على التبرع بأوقاف كثيرة للأزهر ليقوم بمهامه الكبيرة والكثيرة التى تخرج عن دائرة المساجد، ويعد من أبرزها رعاية البعثات والطلاب للعلم الدينى من كل أنحاء العالم تنوعت هذه الأوقاف ما بين أراضٍ زراعية وعقارات وغيرها. أوقاف الأزهر كان الهدف منها تحرير المكان من أى سلطة عليه، لكنها تعرضت للاستيلاء عليها على مدار 60 سنة، وبُدد منها نحو 90%، ولم يتبقَّ سوى 10% فقط، نتيجة توزيعها بشكل غير قانونى يفتقد للشرعية، وأصبح من الصعب الآن استعادتها، بعد أن اكتسبت الجهات التى استولت عليها مركزا قانونيا. استمر الوضع كذلك إلى أن صادر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر معظم أوقاف الأزهر من الأراضى الزراعية ووزعها على الفلاحين بما يخالف الشرع، وأضاع على الأزهر أوقافا تقدر بالمليارات -وإن كان قد استبدل ذلك بتقديم الميزانيات الكافية للأزهر- وتم توزيع هذه الأوقاف بين وزارة الأوقاف وهيئة الإصلاح الزراعى والمحليات. حاول الرئيس أنور السادات أن يعيد للأزهر أوقافه وأصدر القوانين اللازمة لذلك، لكنه توفى قبل تطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع، ومضى الحال على ذلك المنوال حتى خفض المخلوع مبارك ميزانية الأزهر إلى النصف، الأمر الذى ترتب عليه عجز الأزهر عن الوفاء بكثير من مهامه والتزاماته.
ولا يزال يوجد قدر من أوقاف الأزهر تحت إمرة شيخ الأزهر، ولكنه قدر محدود، وتم وقفه على بعض الجهات مثل حفظ القرآن، والمفروض أنها كلها تحت إشراف هيئة الأوقاف والتى أنشأها الشيخ محمد متولى الشعراوى. ومن المعروف أن أوقاف الأزهر أكثرها أراضٍ زراعية، وللأسف بمرور الوقت أصبحت أراضى بلا أوراق أو حجج وضاعت على الأزهر، أو بسبب استيلاء البعض عليها والبناء عليها أيضا، ويبلغ مجموع أراضى الأوقاف التى لها حجج نحو مليون فدان تم استرداد حوالى 5% فقط من الحجج، وزارة الأوقاف لا يقع تحت إمرتها سوى 120 ألف فدان فقط فى حين أن أوقافها الفعلية تقدر بنحو 400 ألف فدان. يُذكر أن الأعيان الموقوفة على الأزهر تقدر بـ 1816 فدانا أراضى زراعية، و7255 مترًا أراضى فضاء وعقارات تبلغ قيمتها التقديرية وفقًا لسعر السوق 119 مليون جنيه و340 ألف جنيه، وهناك 49 وقفيةً تحت يد هيئة الأوقاف بها حصص عينية ونقدية للأزهر لم يتم تقييمها بعد، وتُعد أوقاف الأزهر أحد أهم موارد الإنفاق على التعليم الأزهرى بجميع مراحله. وينادى البعض بضم الأوقاف إلى الأزهر حيث يمثل ذلك ضرورةً قصوى لتخليصها من الميراث المظلم الذى استمر قرابة عشرين عامًا، وتوحيد أجهزة الدعوة والتدريب فى إطار مؤسسة الأزهر المستقلة، واستعادة الأزهر للأوقاف المنهوبة أو التى استولت عليها بعض الجهات الرسمية أسوة بأوقاف الكنيسة التى ردت إليها، وتوفير الدعاة والقراء الذين تحتاجهم الأمة الإسلامية فى أرجاء الأرض. كما ينادون باستقلال أوقاف الأزهر عن وزارة الأوقاف لسد العجز الذى يواجهه الأزهر ولضمان استقلالية قراره، خاصة وأن الكنيسة تمكنت من استرداد كافة أوقافها كاملة وتديرها عبر هيئة الأوقاف القبطية، وإن كانت لم يتم توزيعها وبعثرتها مثلما حدث مع أوقاف الأزهر، وبالتالى كان من السهل عودتها خاصة وأنها محصورة ومحدودة. تسول بداية يقول على لبن –عضو مجلس الشعب السابق- إن الأوقاف الخاصة بالأزهر والمساجد والتى كانت موجودة استولت عليها الحكومات المتعاقبة، حيث إنها موزعة بين وزارات عدة أهمها وزارة الأوقاف التى تملك نحو 120 ألف فدان، وهيئة الإصلاح الزراعى التى لديها نحو 200 ألف، والمحليات التى تملك حوالى 150 ألف فدان. ووصف لبن المؤتمر الصحفى الذى عقده رجال الأعمال لتلقى مساهمات إعادة إعمار دور العبادة بالفضيحة، مضيفا أنه يبعد عن حل المشكلة الأساسية ويهدف إلى الاستيلاء على مال الوقف بدلا من المطالبة بجمع أموال الأوقاف وتسليمها إلى وزارة الأوقاف، معتبرا إياه لا يزيد عن كونه نوعا من أنواع التسول للمساجد، مشددا على ضرورة تحرير الأوقاف القديمة بالقانون حتى يتشجع الناس على التبرع بالأوقاف من جديد.
ويضيف عضو البرلمان السابق أن مجموع أراضى الأوقاف التى لها حجج يبلغ نحو مليون فدان لا يقع تحت إمرة وزارة الأوقاف منها سوى 120 ألف فدان فقط"، موضحا أن أموال هيئة الإصلاح الزراعى تؤول إلى وزارة المالية وهذا ما يبرز استيلاءها على الأوقاف بما يخالف الدستور والشريعة، لافتا إلى أن مال الأوقاف ليس مالا حكوميا لكنه مال خاص تبرع به أصحابه لله وليس للحكومة. الحُجج ويوضح لبن أن الكنيسة استردت كافة أوقافها وأموالها التى تبعثرت فى عهد جمال عبد الناصر، أما وزارة الأوقاف لم تسترد غير 120 ألف فدان وثُمن العقارات والباقى لم تسترده بعد، فضلا عن الإيرادات المُسلمة إلى وزارة المالية. ويشير إلى أنه سبق وأن صدر قانون خاص بالأزهر كى يسترد أوقافه، لكن هذا الاسترداد كان مجرد عملية شكلية حيث تم إعادة حوالى 5% من الحجج فقط، وهى التى كان يأخذها الأزهر، موضحا أن الحزب الوطنى المنحل كان يسيطر عليها ويستخدمها فى الدعاية لأعضائه ويعطى للأزهر الفتات، لافتا إلى أن إيرادات الأزهر فى إحدى السنوات وفى عهد وزير الأوقاف محمد محجوب بلغت نحو 11 مليون جنية حصل الأزهر على ما يزيد عن 900 ألف جنيه فى حين سيطر أعضاء الحزب الوطنى على 10 مليون الباقية واستخدموها فى دعايتهم الانتخابية.
ويؤكد لبن أن الجهاز المركزى للمحاسبات لديه أدلة كثيرة على ما يحدث من نهب لهذه الأوقاف، مشيرا إلى أن هناك قانونا يكفل استرداد تلك الأموال على مستوى كافة المحافظات أصدره الرئيس الراحل أنور السادات، إذ يلزم كل محافظ بتسليمها لكن لم يستجب أحد منهم لعدم رغبتهم فى التسليم، مشددا على ضرورة اتخاذ الحكومة قرارات حاسمة لتطبيق هذا القانون. قرارات 1952 التعسفية وبدوره يقول الدكتور إبراهيم البيومى -المتخصص فى شئون الأوقاف- إن أوقاف الأزهر كانت كثيرة جدا ومتنوعة ما بين أراضٍ زراعية وأراضٍ فضاء ومبانٍ وعقارات وعقارات استغلالية ولكن تبدد جزء كبير منها، مشيرا إلى أن الدولة استولت على جزء كبير منها منذ القرن الـ19، وكان يتم الاستيلاء على بعض منها بمرور الوقت بمعنى أنه كل فترة يتم الاستيلاء على جزء جديد.
ويضيف البيومى أن ما تبقى من أوقاف الأزهر يعد جزءا قليلا، ولا تزال هناك أوقاف يشرف عليها نُظار هذه الأوقاف أو نائب عنه وقد يشرف على الأوقاف التى لا نُظار لها شيخ الأزهر بصفته شيخا للأزهر، لافتا إلى أن الأزهر وكافة مساجد مصر كانت تعتمد على الأوقاف التى كان يرصدها أهل الخير لتمويلها. ويتابع البيومى: "جاءت ثورة 1952 بقرارات شديدة التعسف أطاحت بكافة أوقاف الأزهر، إذ قامت بتوزيعها وبعثرتها، فهى إما تم إحالة جزء منها إلى وزارة الأوقاف وهناك ما تم إحالته إلى هيئة الإصلاح الزراعى التى قامت بدورها بتوزيعها على الفلاحين فيما يُعرف بسياسة الإصلاح الزراعى، وهناك أيضا ما تم إحالته إلى المحليات"، لافتا إلى أن المحليات قامت بالاستيلاء على هذه الأوقاف وسرق الكثير منها بالفساد. ويستطرد المتخصص فى شئون الأوقاف قائلا: "هناك أسباب عدة لصدور مثل هذه القرارات أهمها تيسير تطبيق قوانين الإصلاح الزراعى، وهناك سبب أهم وهو تمكين الدولة من إحكام قبضتها على منابر الدعوة وخطب الجمعة، وبالتالى فإن تلك الأوقاف خضعت للبيروقراطية الحكومية وشروطها فى المنح والمنع"، موضحا أنه يمكن استرداد تلك الأوقاف بسهولة وفى أى وقت كان، فهناك مبدأ قانونى مقرر وهو أنه لا يمكن أن تسقط الأوقاف بالتقادم. ويشير البيومى إلى أن أوقاف الأزهر قد تعرضت للنهب والسلب فى حين لم يقترب أحد من أوقاف الكنائس والأديرة والمؤسسات التعليمية والاجتماعية وبخاصة التابعة للأقباط الأرثوذكس؛ إذ إنه تم استثناءها من كافة قرارات وإجراءات الرئيس عبد الناصر بموجب قانون 264 لسنة 1960 وحافظ عليها، مؤكدا أن الحل الوحيد كى يعود للأزهر أوقافه ويستردها إنشاء أوقاف جديدة. وحول المؤتمر الصحفى الذى عقده رجال الأعمال يقول البيومى "لا يوجد أوقاف للأزهر سوى جزء قليل يُذكر، وإذا قرر الأزهر الاستقلال بالأوقاف وتحريرها سوف ينهار ويقع".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق