السبت، 9 نوفمبر 2013

جمهورية الخوف..الصدامات بين السلطة الحاكمة والمحكومة - فيديو


الجماعات الفاشية تتحصن بالدولة وتوفر لها الدعم
لمواجهة خصومها مثلما فعلت جماعة «الحرس الحديدى»
  المعروفـة باسم «الضبــاط الأحــرار»
 التى أقامت جمهورية الخوف الأولى فى مصر
 على مـــدى ستين عامــــا


■ الصدامات العنيفة بين السلطة الحاكمة والمحكومة فى مصر تسبب سقوط مئات الألوف من الضحايا
■ إسماعيل المهدوى اعتُقل بالواحات.. وزينب الصباغ بالقناطر وجراية الجوع أصابتها بالجفاف والشلل
■ الطائرة أعادت والدى إلى القاهرة مخطوفا ومكبلا بالأغلال الحديدية ومنعوه من النشر وفصلوه من عمله وهددوه بفبركة تهمة تخابر  ......
■ الأحزاب الماركسية اتحدت تحت راية «الحزب الشيوعى المصرى» للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة الخطر المشترك لتلك لأجهزة القمع المخابراتية والأمنية.
■ حملتنا الإعلامية أجبرت الأجهزة السيادية على السماح لكثير من المعتقلين السياسيين باستكمال دراستهم الجامعية من داخل زنازينهم.
استعرضنا فى الحلقة الماضية آليات تشكيل الجماعات الفاشية التى تسيطر على مفاصل الدولة وتصل إلى سدة الحكم. 
وهذه الجماعات فرضت نفسها على البعثات الدبلوماسية فى الداخل والخارج لتصبح مجرد أداة لتنفيذ سياسة الدولة؛ لذا خلت هذه الجماعات من الكفاءات وأصبحت تدين بالولاء لمن رأسوه.
وفى هذا العدد نستعرض باقى آليات الدولة ووسائل انتشارها وسيطرتها على الأنظمة المستبدة، مستخدمة فى ذلك وسائل القهر والتعذيب فى السجون والمعتقلات ...


. ** تظهر الفاشية التقليدية المباشرة عند تمجيد إحدى الجماعات السياسية نفسَها، استنادا إلى قواسم مجد مشتركة مزعومة لأعضاء الجماعة، وهى القواسم التى تُختار عمدا من عمق أحد العناصر الصالحة لذلك، سواء كان عقائديا أو عرقيا أو طبقيا، مع تحقيرها الجماعات البشرية الأخرى الخالية من قواسم المجد المشتركة المزعومة، حتى إن خلوها من القواسم المذكورة يبرر حرمان أعضاء تلك الجماعات من المصالح والحقوق، بل أحيانا من الحياة، وفقا لرؤية الجماعة الفاشية التى تسعى إلى فرض سيطرتها المركزية الصارمة على أعضائها أولا، تمهيدا للسيطرة عبرهم تباعا على الآخرين المؤيدين، ثم المحايدين، ثم المختلفين، حتى المحرومين المشار إليهم، وصولا إلى إشباع رغبتها الجامحة فى الانفراد بحكم الدولة والمجتمع.
ولتحقيق أغراضها، فإن الجماعات الفاشية الحاكمة بالفعل أو الساعية إلى الحكم لا يمكنها بتاتا الاستغناء عن أدواتها الرئيسية المتمثلة فى حظائر السيطرة، التى تزداد أهميتها مع تطور الفاشية إلى المستويات المركبة أو المزدوجة لدى بعض الجماعات، وهو ما يحدث علميا عند اندماج عنصرين أو أكثر من عناصر تمجيد الجماعة لذاتها واحتقارها الآخرين، كأن تضم قواسم المجد المشتركة المزعومة لأعضائها، العنصرين العقائدى والطبقى، مثل بعض الجماعات الشيوعية، وأبرزها الجماعة البيروقراطية التى أقامت الجمهورية السوفييتية الاستالينية فى روسيا، أو تضم العنصرين العقائدى والعرقى مثل بعض الجماعات الدينية القومية، وأبرزها الجماعة الشيعية الصفوية التى أقامت جمهورية الملالى فى إيران، أو تضم العنصرين العرقى والطبقى، مثل جماعات الانقلابات العسكرية، وأبرزها جماعة «الحرس الحديدى» المعروفة باسم «الضباط الأحرار» التى أقامت جمهورية الخوف الأولى فى مصر على مدى ستين عاما ممتدة بين 1952 و2011، مع حالة استثنائية واحدة ضمت تركيبة معقدة من العناصر الثلاثة: العقائدى والعرقى والطبقى معا، لتستند إليها الجماعات الفاشية الصهيونية فى إقامة جمهورية إسرائيل، ونظرا إلى أن كافة الجماعات الفاشية المثلثة أو المزدوجة أو التقليدية، هى بطبيعتها متعالية وإقصائية، كما أنها تسعى كلها إلى الانفراد بالحكم؛ فإن الصدام يكون حتميا ودمويا فيما بينها، ومن ثم بين حظائر السيطرة التابعة لها؛ ليس فقط على صعيد العلاقات الدولية الذى شهد خلال القرن العشرين عدة حروب عالمية وإقليمية عظمى بين أنظمة الحكم الفاشية المختلفة؛ ما تسبب بسقوط ملايين الضحايا البشرية، لكن أيضا على الصعيد المحلى طوال عمر جمهورية الخوف المصرية الأولى؛ إذ اتسع نطاق الصدامات العنيفة المتبادلة بين الجماعة الفاشية الحاكمة من جهة والجماعات الفاشية الأخرى المحكومة -كالشيوعيين والإخوان المسلمين- من الجهة المقابلة؛ الأمر الذى تسبب بسقوط مئات الألوف من الضحايا المصريين أنصار هذا الفريق أو ذاك، أو حتى الذين كانوا يحاولون اتخاذ الموقف الوسطى بين الفرقاء المتصادمين. 
ورغم أن أبرز مشاهير حظائر السيطرة التابعة للجماعات الفاشية الحاكمة والمحكومة، استمروا يحصلون على درجات متفاوتة من الالتفاف الجماهيرى الذى منحهم بعض الحصانة فى مواجهة العنف الدموى لخصومهم أثناء تلك الصدامات، مثل «مرتضى منصور» رئيس نادى الزمالك ومحامى رموز الطغمة العسكرية الحاكمة، و«تحية كاريوكا» الفنانة الشيوعية وغيرهما؛ فإن أعضاء حظائر السيطرة من الجماهير العادية قد أغرقهم العنف الدموى المتبادل بين الجماعات الفاشية المصرية المختلفة، بعد أن طالهم النصيب الأكبر من تحقير خصومهم باعتبارهم مجرد «خرفان» الحظائر؛ ليس فقط لأنهم يتلقون تعليمات قيادتهم المركزية فيتحركون لتنفيذها كالقطيع الواحد، بل أيضا استنادا إلى تكتلهم داخل حظائرهم للاحتماء عند الدفاع أو الهجوم.. وهكذا تفاقم العنف خلال المرحلة الانتقالية الممتدة بين عامى 2011 و2013 حتى وقفت مصر عدة مرات على أعتاب الحرب الأهلية الشاملة مع اتساع نطاق المذابح المتبادلة بين «خرفان» حظائر السيطرة التابعة للجماعات الفاشية الحاكمة والمحكومة!!.

عقب انتهاء العدوان الثلاثى بانسحاب القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية من الأراضى المصرية المحتلة عام 1956 إثر تلقيهم إنذارا سوفييتيا بالتدخل العسكرى لقوات المعسكر الاشتراكى ضدهم؛ أدرك رئيس الجمهورية «جمال عبد الناصر» أن استمرار حكمه لمصر أصبح يعتمد على دعم الاتحاد السوفييتى ودول المعسكر الاشتراكى، فحاول كسب ودهم بالترويج لنظامه الاقتصادى والسياسى باعتباره اشتراكيا، إلا أن هذه المحاولة اصطدمت بموقف الشيوعيين المصريين الموزعين على عدة منظمات وحلقات، الذين رغم خلافاتهم حول التفاصيل المتعلقة بطبيعة المرحلة الناتجة من الانقلاب العسكرى الذى قاده «عبد الناصر» عام 1952، كانوا يتفقون على حقيقة أن نظام الحكم الانقلابى ليس اشتراكيا، حتى إن أكثر تلك المنظمات اقترابا من العسكريين -وهى «حدتو»- وصفتهم بأنهم يمثلون رأسمالية الدولة الوطنية الشمولية. وقد اعتقدت الأجهزة السيادية أن الصعوبات التى اعترضت خطط «جمال عبد الناصر» لكسب ود الاتحاد السوفييتى والمعسكر الاشتراكى آنذاك، كانت ترجع إلى الموقف السلبى الذى اتخذه الشيوعيون المصريون تجاهه، فأخذت تلاحقهم وتحاصرهم فى شتى المجالات بهدف الضغط عليهم لدفعهم نحو إعادة مراجعة ذلك الموقف السلبى، إلا أن ممارسات الأجهزة قد أسفرت عن نتيجة عكسية؛ إذ شعر الشيوعيون الموزعون على عدة منظمات وحلقات بوحدة الخطر الذى يهددهم، فاتجهوا نحو مزيد من التقارب فيما بينهم حتى اتحدوا يوم 8 يناير 1958 تحت اسم «الحزب الشيوعى المصرى»، كإجراء تنظيمى ضرورى للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة الخطر المشترك لتلك الأجهزة، مع التزامهم بقرار عدم منح نظام حكم «عبد الناصر» وصف «اشتراكى» الذى يسعى إليه ما دام هو ليس كذلك. وعلى أساس الالتزام بالقرار المذكور، اختيرت قيادة ثلاثية للحزب كان آخر تشكيلاتها يتكون من «إسماعيل المهدوى» و«أبو سيف يوسف» و«شوقى مجاهد»، كما ذكر المؤرخ الرسمى للشيوعيين المصريين «رفعت السعيد» فى الصفحتين 208 و209 من كتابه الشهير «تاريخ الحركة الشيوعية المصرية بين عامى 1957 و1965»، وانزعجت الأجهزة السيادية بشدة من إعلان الحزب الشيوعى المصرى عن عودته التنظيمية إلى ممارسة العمل السياسى بعد أن كانت الأجيال السابقة لتلك الأجهزة قد حلته عام 1924، كما انزعجت الأجهزة بنفس الشدة من استمرار رفض الحزب وصف نظام حكم «جمال عبد الناصر» بالاشتراكى؛ إذ اعتبرت الأجهزة السيادية أن ذلك الموقف المزدوج للحزب يشكل تحديا مباشرا؛ ليس فقط لعقيدتها الأمنية الكارهة للشيوعيين، بل أيضا لقرار «عبد الناصر» القائد الأعلى لتلك الأجهزة بإلغاء الحياة الحزبية نهائيا من الخريطة السياسية المصرية، بحله السابق لجميع الأحزاب القائمة، وحظره التام لإعادة إحيائها أو إنشاء غيرها، بما فيها الأحزاب التى سبق حلها قبل انقلاب 1952، فسارعت الأجهزة فى يناير 1959 باعتقال نحو 10 آلاف مواطن مصرى تحت اسم «قضية الشيوعية الكبرى»، وكان منهم «إسماعيل المهدوى» وزوجته «زينات الصباغ»، بالإضافة إلى ابنهما (كاتب هذه السطور) الذى شاء قدره أن يرافقهما فى محنة الاعتقال محمولا داخل أحشاء الأم، ثم معلقا على صدرها خلف الأسوار الرهيبة لمعتقلات عقد الستينيات المرعبة!!.

أُودع «إسماعيل المهدوى» بسجن «الواحات» الواقع جنوب الصحراء الغربية. 
أما زوجته الحامل فى أسابيعها الأخيرة «زينات الصباغ» فقد أُودعت بسجن «القناطر» الواقع فى وسط الدلتا، وكانت وجبة التغذية اليومية المخصصة للمعتقلين السياسيين التى يسمونها تهكما «جراية الجوع» تقتصر على رغيف خبز عفن وقطعة جبن متحجرة و3 ورقات من نبات الجرجير مع عدة حشرات وديدان حية لكل شخص، وقد تحمّلها المعتقلون الشيوعيون على مضض، حتى وضعتنى أمى وسمتنى «طارق» تيمنا بالنجم الثاقب الوارد فى القرآن الكريم حسب وصية أبى. وبمجرد ولادتى أصيبت أمى بالشلل نتيجة سوء التغذية، فعجزت عن إرضاعى؛ ما أصابنى بالجفاف الذى هددنى بالموت قبل أن يرانى أبى، وسرعان ما تسرب الخبر عبر زوار المسجونات بأحكام جنائية لينتشر داخل البلاد وخارجها. 
ورغم عزل المعتقلين الشيوعيين بعضهم عن بعض بتشتيتهم بين عشرات السجون العمومية والمؤقتة والكهوف والمعسكرات والقشلاقات وأقبية الأجهزة السيادية المسماة بالبيوت والمقرات ودور الضيافة الآمنة والموزعة على امتداد الأراضى المصرية؛ فقد تخاطبوا عبر رسائل ورقية متبادلة ابتلعها المسجونون بأحكام جنائية ليحملونها داخل أمعائهم وهم يجوبون معتقلات المحروسة طولا وعرضا. 
وقرر الشيوعيون الإضراب الجماعى عن الطعام حتى الموت، طلبا لمعاملة أفضل، لا سيما فيما يتعلق بالتغذية حفاظا على حياتى وحياة أمى التى كان الشلل قد أعجزها عن إرضاعى.

ولكيلا يتسع نطاق الإضراب فيشمل عشرات ألوف المواطنين الآخرين من معتقلى الفصائل السياسية الليبرالية والإسلامية المعارضين لحكم العسكر، استجابت الأجهزة لمطالب الشيوعيين التى كان منها زيادة حصصهم الغذائية وتحسين نوعياتها مع نقلى بصحبة أمى إلى مستشفى السجن؛ حيث يمكننا الحصول على الحد الأدنى من الرعاية الطبية اللازمة لكلينا، ثم سمحت لضابط السجون الشاب «علاء بسيونى» الذى أصبح لاحقا وكيل أول وزارة الإعلام، باصطحابى معه داخل سيارة ترحيلات الشرطة، خلال رحلتها الشاقة بين سجنى «القناطر» و«الواحات» لمسافة 1500 كيلومتر، ذهابا وإيابا؛ حتى يرانى أبى للمرة الأولى فى حياته. ورغم كونى طفلا رضيعا فقد وضعتنى تلك الأجهزة منذ ذلك الحين –حسبما تفيد أوراقها الرسمية- على رأس قائمة «الأشواك المحتملة» التى تضم الأبناء المتضررين، مما سبق أن ارتكبته الأجهزة السيادية ضد آبائهم فيما مضى، والذين تعتبرهم الأجهزة أشواكا محتملة يجب كسرها مبكرا، كإجراء أمنى استباقى يهدف إلى اتقاء شرور الأعمال الانتقامية المستقبلية التى قد يشنها هؤلاء الأبناء ثأرا لآبائهم، بدافع من غريزة القصاص المتجذرة فى الأعماق الإنسانية والمقدسة لدى عوام المصريين، ثم تكفلت التطورات الطبيعية لأفكارى وآرائى وأنشطتى السياسية، طوال الخمسة وخمسين عاما اللاحقة، بتصعيدى المتتالى على سلم قوائم تلك الأجهزة للأشخاص المستهدفين، من قائمة الأشواك المحتملة إلى قائمة المشاغبين الهواة، ومنها إلى قائمة المعارضين المحترفين، ثم إلى قائمة الخصوم المزعجين، وأخيرا قائمة الأعداء الخطرين الواجب إزالتهم، كما ورد فى الأوراق الرسمية للأجهزة السيادية، وهى الأوراق التى كشفت عدة تفاصيل تتعلق بما طرأ من تطورات على خطط الأجهزة لتنفيذ قرار إزالتى، لا سيما عقب اعتراض بعض قادة تلك الأجهزة على استخدام أسلوب الإزالة الجسدية المكشوفة والصريحة ضدى، ثم نجاحى فى تحاشى الأفخاخ المتتالية للإزالة الجسدية المستترة والنظيفة بفضل العناية الإلهية، ثم إلى جانب احتياطاتى الدفاعية المبكرة؛ ما كان لا بد معه من الاستعانة بحظائر السيطرة لتمارس ضدى شرورها المؤدية إلى الإزالة الأدبية والمعنوية!!.

مع حلول عام 2012، أرسل لى أحد الإعلاميين من نجوم البرامج الحوارية فى قنوات التليفزيون الفضائية، مظروفا ضخما يحوى بعض أوراق الملف الأمنى الخاص بى، كانت قد وصلته عقب نجاح جماهير المحتجين المصريين الغاضبين فى انتزاعها خلال اقتحامهم مقرات جهاز مباحث أمن الدولة على مدى العام المنصرم؛ لإنقاذ الملفات الأمنية الهامة من أيدى فلول جمهورية الخوف الأولى الساعين إلى إتلافها بهدف إخفاء أدلة إثبات جرائمهم وخطاياهم، وأوضح النجم التليفزيونى اللامع فى خطابه المرفق مع الأوراق أنه بذلك يحاول رد جميل سابق لى فى عنقه أثناء إشرافى قبل 30 عاما على المكتب الإعلامى باللجنة الأهلية لرعاية المعتقلين والسجناء السياسيين؛ حين أسفرت حملتى الإعلامية آنذاك عن سماح الأجهزة السيادية له باستكمال دراسته الجامعية من داخل زنزانته التى كان محتجزا فيها تحت التحقيق على ذمة إحدى قضايا الرأى السياسى. أما الذى وصلنى منه داخل المظروف الضخم فكان صورة ضوئية لعشرات الأوراق الرسمية التى تشكل الجزء «السرى» من ملفى الأمنى، بما تحتويه من إشارات عديدة إلى وجود أوراق رسمية أخرى تشكل الجزأين «السرى جدا» و«السرى للغاية» من الملف ذاته، وهما الجزآن اللذان اتضح لاحقا أنهما قد انتقلا من مقرات جهاز مباحث أمن الدولة فور اقتحامها إلى مقرات الأجهزة السيادية الأخرى بمهارة شديدة حالت دون أن يتمكن المقتحمون الغاضبون حتى من الاطلاع عليهما، ليلحق بهما أيضا أصل الجزء «السرى» بعد تصويره ضوئيا من قبل المقتحمين. 
وتراوحت الأوراق الرسمية التى وصلتنى بين تقارير المعلومات والتقديرات والعمليات مع بعض التقارير الجامعة لذلك كله، كالمتابعات والمقابلات وحصاد الاتصالات المتبادلة بشأنى بين مختلف الأجهزة، سواء باسمى الحقيقى «طارق المهدوى» أو باسمى المختصر «تو» أو باسمى الحركى «الرفيق سيف» مسبوقا فى الحالات الثلاث بأوصاف استخفافية واستنكارية، مثل المشاغب والمتمرد والشقى والمخرب والعنيد، وأحيانا العدو، إلى جانب التفريغ الورقى لبعض الأفلام التسجيلية المصورة والشرائط الصوتية التى تحوى مساهماتى فى المؤتمرات والندوات الفكرية والسياسية العامة، ومشاركاتى فى الجلسات الاجتماعية المختلفة، بل أيضا حواراتى الشخصية وأحاديثى الغرامية، سواء المباشرة أو الهاتفية أو البريدية، مع إرفاق لكتبى وأبحاثى ومقالاتى الصحفية المنشورة داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى أنشطتى السرية المتعددة فى صفوف الحركة الشيوعية المصرية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، لا سيما محاضراتى النظرية فى مدارس تثقيف الكادر الحزبى وكتاباتى المرسلة للنشر بالمطبوعات الشيوعية مثل «اتحاد الشعب» و«الوعى» و«الانتصار»، أو فى سلسلة كراسات التوجيه السياسى، مثل كراسة «حرب التحرير الشعبية هى طريق الشعب المصرى للتحرر الوطنى»، وهى الكراسة التى صدرت عام 1981 عن حزب 8 يناير الشيوعى المصرى، وتسببت بنقلى من قائمة الخصوم المزعجين إلى قائمة الأعداء الخطرين الواجب إزالتهم بمعرفة الأجهزة السيادية، كما ورد فى أوراقها الرسمية، تلك الأوراق التى كشفت عن أنشطة معادية استهدفتنى خلال فترة طفولتى الثانية بالتعليم الابتدائى؛ ليس فقط فى مجالات المعلومات والتقديرات، بل أيضا فى مجال العمليات القذرة، كما كشفت عن مدى اتساع نطاق الاستخدامات القذرة لمشاهير حظائر السيطرة الرياضية والثقافية والإعلامية فى استهداف أفكارى وآرائى وأنشطتى العامة والخاصة، كغيرى ممن رفضوا دخول الحظائر، لتظل الأجهزة تستهدفهم تحت مبررات معلنة واهية طوال عمر جمهورية الخوف الأولى!!.

خضع أبى «إسماعيل المهدوى» لقرار الأغلبية داخل قيادة الحزب الشيوعى المصرى بحل حزبهم عام 1965 تحت ضغط استمرار اعتقالهم لستة أعوام متتالية مع خداعهم بمبررات تضليلية انطلت عليهم، فحواها ضرورة إسهامهم فى تهدئة الجبهة الداخلية بما يكفل تأمينها إلى الدرجة التى تدعم الجهود العسكرية المبذولة لدحر الغزاة الصهاينة، وتحرير التراب الوطنى والقومى من احتلالهم، حسب تعهدات رئيس الجمهورية «جمال عبد الناصر» ومساعديه من كبار قادة الدولة والجيش والحزب الواحد، حتى إن أبى أخذ يدعو مختلف الفئات النخبوية والجماهيرية فى كتاباته الصحفية واسعة الانتشار آنذاك إلى الالتفاف حول ما كان «عبد الناصر» ومساعدوه يطلقونه من تهويشات التحرر الوطنى وجعجعات التوحد القومى وأكاذيب التطور الاشتراكى؛ فلما تعرضت مصر بعد عامين اثنين فقط لهزيمة 5 يونيو 1967 الكارثية المخزية التى أضاعت شبه جزيرة سيناء وقناة السويس مع هضبة الجولان السورية، إلى جانب المتبقى من أراضى فلسطين، انكسرت أحلام أبى الوطنية والقومية التى كان قد سبق أن ضحى من أجلها بأحلامه الديمقراطية والاجتماعية بمشاركته فى حل الحزب الشيوعى، كما تفاقم شعوره بالذنب الأدبى وتأنيب الضمير المهنى؛ نظرا إلى مساهماته الصحفية فى تضليل الرأى العام، رغم أنه هو نفسه كان من أوائل الذين ضللتهم الأجهزة السيادية المتخصصة ليس فقط بالقهر، بل أيضا بالتضليل والتمويه والخداع والمناورة، فأصابته صدمة عصبية عنيفة ما لبثت أن تفاقمت على وقع المسيرات المفبركة التى نفذتها حظائر السيطرة بتوجيهات تلك الأجهزة يومى 9 و10 يونيو 1967 لتكريس استمرار حكم «جمال عبد الناصر» ومساعديه الذين يتحملون المسئولية الكاملة عن الهزيمة. 
وفى محاولة منه لتصحيح موقفه أمام سجلات التاريخ، وجّه أبى اتهامات علنية إلى «عبد الناصر» وكل مساعديه من كبار قادة الدولة والجيش والحزب الواحد بتعمد إضاعة الوطن، كما وجه إدانات صريحة إلى كافة الأطراف السياسية المشاركة فى الحكم أو المتواطئة معه أو التى استُخدمت كأدوات مثله هو شخصيا أو التى اكتفت بالمراقبة السلبية؛ لعجزهم جميعا عن اكتشاف التضليل والخداع بما كان يقتضيه من تحاشى الوقوع فى أفخاخهما مع كشف تلك الأفخاخ على الملأ، تمهيدا لمقاومتها، وبدأ يطالب بتنحى الرئيس «جمال عبد الناصر» ومساعديه وعودة الجيش إلى ثكناته العسكرية، دون اللجوء إلى مناورات تخرجها الأجهزة لينفذها مشاهير حظائر السيطرة الرياضية والثقافية والإعلامية على أسفلت الشوارع المصرية بدلا من الملاعب والمسارح والاستديوهات، كما حدث يومى 9 و10 يونيو 1967، إلا أن مفردات الحكمة الكامنة داخل أعماق دعوته قد توارت خلف الغيوم العصبية الكثيفة التى أحاطت بتلك الدعوة، فتحالف الكثيرون ضده، لا سيما الأجهزة السيادية التى ضاقت بارتفاع صوته ولم تتحمل مطالبه؛ لتجاوزها النص الرسمى التضليلى المخادع بأنه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وإزالة آثار العدوان»، وهو النص السابق توزيعه وتعميمه من قبل تلك الأجهزة على مشاهير الحظائر لينفذوا تنويعاته المختلفة حسب مجالاتهم ومهاراتهم دون إشارة إلى أن المسئولين عن الهزيمة يستحقون المحاسبة.

وهكذا فإن الطائرة التى كان يفترض أن تقل أبى من إحدى المدن الأوروبية إلى مدينة أوروبية أخرى فى عام 1969، أعادته إلى «القاهرة» مخطوفا ومكبلا بالأغلال الحديدية تحت الإشراف المباشر لقادة فرع الخارج فى الأجهزة، التى انفردت به لتحاول السيطرة عليه بفصله من عمله الصحفى، وإغلاق منابر التعبير المحلية أمامه، مع منعه من النشر الصحفى فى منابر التعبير العربية والأجنبية تحت تهديده بفبركة تهمة تخابر مع دولة معادية، دون أن تتوقف إغراءاتها المعروضة عليه مقابل عودته إلى سابق عهده عضوا لامعا فى حظائر السيطرة الرسمية، أو على الأقل التزامه الصمت، إلا أن فشل كل محاولات الأجهزة السيادية للسيطرة عليه دفعها إلى تنفيذ خطتها البديلة والأخيرة فى يوم الخامس من أبريل عام 1970 الذى شهد أحداثا كانت ولا تزال وستظل محفورة داخل وجدانى كجداريات الفراعين الأوائل!!.






ليست هناك تعليقات: