السبت، 9 نوفمبر 2013

جمهورية الخوف المصرية الأولى ..1952 وأمتـدت إلى 2011..فيديو



جمهورية الخــوف المصــرية الأولى
 بدأت عـــام 1952 وأمتـدت إلى 2011 
  قـادة الأجهزة السيادية يرقصـون فوق جثث الأنظمة 
.. بمجـــرد سقوطهــا ..
أجهزة الدولة العميقة مزقت النسيج الوطني 
... حفاظًـــا على وظيفتهــا ...


■ ضابط المباحث ضرب أمى على رأسها بمسدسه فسقطت أرضًا غارقة فى دمائها بين الحياة والموت
■ «حقنة شل الحركة» أفقدت والدى الحواس والإدراك ليسير كالنائم بين أياديهم الغليظة
■ على مدار 28 عامًا ومرور 3 حكام .. المهدوى أودع بغرفة انفرادية بمستشفى المجانين دون أن يحظى بمحاكمة كالتى يحصل عليها المذنبون
■ قادة الحظائر فى الأجهزة السيادية يرقصون بوقاحة فوق جثث الأنظمة بمجرد سقوطها تباعًا دون أن يرمش لهم جفن!!
■ حظائر السيطرة منعت انتشار كتاب ليصبح بعد 4 أعوام من أيقونات الاحتجاج الشعبى خلال ثورة يناير 2011 استعرضنا فى الحلقتين السابقتين كثيرا من الآليات والوسائل التى تتبعها حظائر السيطرة داخل الأجهزة السيادية للوصول إلى مفاصل الدولة والسيطرة عليها. 
تظهر الفاشية التقليدية المباشرة عند تمجيد إحدى الجماعات السياسية نفسَها، استنادا إلى قواسم مجد مشتركة مزعومة لأعضاء الجماعة، وهذه القواسم تُختار عمدا من عمق أحد العناصر الصالحة لذلك، سواء كان عقائديا أو عرقيا أو طبقيا، مع تحقيرها الجماعات البشرية الأخرى الخالية من قواسم المجد المشتركة المزعومة. 
 وقلنا إن خلوها من القواسم المذكورة يبرر حرمان أعضاء تلك الجماعات من المصالح والحقوق، بل أحيانا من الحياة، وفقا لرؤية الجماعة الفاشية التى تسعى إلى فرض سيطرتها المركزية الصارمة على أعضائها، تمهيدا للسيطرة تباعا على الآخرين المؤيدين، ثم المحايدين، ثم المختلفين، حتى المحرومين المشار إليهم، وصولا إلى إشباع رغبتها الجامحة فى الانفراد بحكم الدولة والمجتمع. 
وفى هذه الحلقة، يطرح المؤلف كثيرا من الأمثلة على هذه الحظائر التى سيطرت على الدولة من خلال الأجهزة السيادية والإعلامية والثقافية مستعينة بالقبضة الأمنية فى تنفيذ مخططاتها.
فى صباح 5 أبريل 1970، كنت -كأى طفل يبلغ العاشرة من عمره- أتقافز خلف باب الشقة انتظارا لسماع نفير الحافلة التى تقلنى يوميا إلى مدرستى الأجنبية، وكانت أمى تجلس على مائدة الطعام المجاورة للباب تقطع الجبن والبيض والحلاوة الطحينية شرائح تضعها فى الخبز الإفرنجى لترصه داخل أكياس ورقية ثلاثة موزعة على حقائب أيدينا أنا وهى وأبى، دون أن تنسى صنع فنجان القهوة التركى السادة فوق الموقد الكحولى الصغير جدا المسمى «سبرتاية»، لأبى الذى كان يحلق ذقنه أمام مرآة الحمام القريبة من باب الشقة، تمهيدا لذهابه إلى محكمة القضاء الإدارى سعيا إلى استرداد بعض حقوقه الوظيفية المسلوبة.

وبمجرد سماعى نفير الحافلة سارعتُ بفتح الباب حتى أنطلق إلى مدرستى وأقرانى؛ حيث اللهو والأنشطة مع الاستذكار، لكن الباب انفتح على حائط سد يتكون من عشرة عماليق بكامل ملابسهم العسكرية والشرطية، وهم يحملون مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وخلال أقل من ثانية كان أحدهم قد رفعنى لأعلى مكبلا حركات جسدى بيمناه، وكاتِما صوتى بيسراه. ورغم الرعب الذى داهمنى فقد سمح لى موقعى المرتفع بمشاهدة تفاصيل الأحداث لتسجيلها فى ذاكرتى كأننى آلة تصوير وثائقية؛ إذ اتجه عملاق آخر صوب أمى وضربها على رأسها بمؤخرة مسدسه الحديدى فسقطت أرضا غارقة فى دمائها بين الحياة والموت، وقطع ثالث سلك الهاتف بـ«سونكى» البندقية، ثم ألقى بآلة الهاتف السوداء الضخمة على الأرض، وأخذ يركلها ويدهسها حتى نجح فى تفتيتها تحت حذائه الميرى (البيادة) المثقوبة اثنى عشر ثقبا مزدوجا من أعلاها والمدقوقة بحدوتى حمار حديديتين فى أسفلها، فيما هجم السبعة الباقون على أبى ليعطونه حقنة شل حركة مؤقتة أفقدته الحواس والإدراك، وجعلته يسير كالنائم بين أياديهم الغليظة القابضة على جسده فى شكل دائرى وهم يسحبونه معهم خارج الشقة التى أغلقوها بالأقفال بعد أن كان العملاق الأول قد ألقانى أرضا بعنف شديد حطم عمودى الفقرى، تاركا إياى مع أمى الممدة وسط دمائها بلا حراك، فى عهدة جيران مسالمين أفاقوا من النوم لِتَوِّهم على تلك التجريدة المملوكية، فاضطروا وهم يرتعدون إلى كسر الباب واستدعاء الإسعاف الطبى لعلاجنا بدعوى تعرضنا لحادث سطو مسلح من قبل لصوص مجهولين، واكتشف الجميع لاحقا أن أبى عوقب بموجب سيناريو شيطانى هو الأول من نوعه على امتداد التاريخ والجغرافيا على ارتفاع صوته خارج النص الرسمى السابق للأجهزة السيادية تعميمه على حظائر السيطرة بشأن هزيمة 5 يونيو 1967؛ إذ أودع فى غرفة انفرادية داخل العنبر الخاص بالمذنبين فى مستشفى المجانين دون أن يحظى بمحاكمة كالتى يحصل عليها المذنبون، ودون أن يحظى بعلاج كالذى يحصل عليه المرضى، فكان وضعه أشبه بالاعتقال داخل إحدى زنازين الحبس الانفرادى فى محيط غرائبى موحش تسوده الهستيريا التى تدفع بالمحيطين حينا إلى الانتحار، وأحيانا نحو الاقتتال، ليستمر ذلك السيناريو الشيطانى ثمانية عشر عاما متتالية تعاقب خلالها على رئاسة الجمهورية ثلاثة عسكريين؛ هم «جمال عبد الناصر» ثم «أنور السادات» ثم «حسنى مبارك». 
أما أنا فقد أصابتنى أحداث 5 أبريل 1970 بالعديد من الأوجاع، لعل أشدها هو الكابوس الاسترجاعى الذى ما انفك يداهمنى بتفاصيل يومذاك، وكأنه الأمس القريب، ولعل أخفها كان ضيق ذات اليد المفاجئ، لا سيما مع تنصل أفراد العائلة وزملاء العمل الصحفى ورفاق الحركة الشيوعية من مسئولياتهم التضامنية تجاه أسرتنا؛ الأمر الذى تسبب بإدخال عدة تعديلات جوهرية على مساراتى الحياتية المختلفة، مثل نقلى عند بداية العام الدراسى التالى من مدرستى الأجنبية المميزة، لألتحق بالصف الخامس الابتدائى فى مدرسة «صلاح الدين الأيوبى» الحكومية المجانية الواقعة بين اثنين من النوادى الرياضية المغمورة: نادى «النصر» ونادى «الغابة» على أطراف ضاحية «مصر الجديدة» آنذاك!!
بدافع مسئولياته التربوية التى تسبق دوره التعليمى، حاول الأستاذ «عزت» ناظر مدرسة «صلاح الدين الابتدائية» مداواة أوجاعى المترتبة على أحداث الخامس من أبريل 1970، بالترويح عنى بإشراكى فى فرقة الأشبال المدرسية التى يشرف عليها الكابتن «مصطفى» مدرس الألعاب الرياضية بالمدرسة؛ حيث كان الأشبال يُخَيِّمون يوميا لمدة ساعتين عقب انتهاء الحصة الأخيرة فى أحد الناديين المجاورين بالتناوب؛ لاكتساب المهارات البدنية وبعض قواعد التنمية البشرية والمعلومات العامة المؤهلة لخوض مسابقة وزارة التربية والتعليم السنوية لأشبال مصر، إلا أن «عزت» و«مصطفى» قد فوجئا كغيرهما بفوزى فى مسابقة عام 1971 وحصولى على لقب شبل مصر الأول؛ ما جعلنى نجما تسعى النوادى الرياضية الكبرى إلى اجتذابى لعضويتها؛ الأمر الذى أزعج الأجهزة السيادية، فحاولت إجهاضه حسبما تفيد أوراقها باستدعائها ناظر المدرسة ومدرس الألعاب الرياضية؛ من أجل تنبيههما مشددا على عدم تقديم طلب الاشتراك فى مسابقة عام 1972، لضمان تفويت الفرصة على مشاركتى التالية بهدف وقف نجوميتى وتجميدها عند الحد الأدنى الذى يبقينى فى مرمى النيران العادية لتلك الأجهزة، إلا أن الرجلين بعد تشاورهما مع أعضاء هيئة التدريس ومجلس الآباء ذهبا معا لتقديم طلب الاشتراك فى اليوم الأول للمهلة المحددة من قبل وزارة التربية والتعليم؛ ما ترتب عليه صدور عدة قرارات إدارية بحقهما، استنادا إلى تحقيقات وهمية فى شكاوى مفبركة ضدهما. 
وقد شملت القرارات المذكورة فيما شملته، الخصم من الراتب، وتخفيض الدرجة الوظيفية، والنقل إلى أقصى أطراف الخريطة المصرية؛ ليس فقط لمعاقبتهما على مخالفة تعليمات الأجهزة بشأنى، بل أيضا حتى يستطيع مشاهير حظائر السيطرة التابعون للأجهزة السيادية أن ينفردوا بى لتنفيذ الخطة البديلة أثناء مجريات المسابقة التى استضافها استاد القاهرة. 
ورغم تجمع الأشبال المتسابقين حسب الموعد المحدد سلفا عند الساعة العاشرة صباح أحد أيام صيف 1972، فقد أبلغنا المسئولون بتأجيل موعد افتتاح المسابقة إلى الثانية عشرة ظهرا، ليحصل مشاهير الحظائر على فرصة زمنية كافية لتنفيذ الخطة الشيطانية التى وضعتها تلك الأجهزة ضدى.
جمهورية الخوف..أجهزة الدولة العميقة
 مزقت النسيج الوطني حفاظًا على وظيفتها




رغم أن الدعارة هى المهنة الأولى فى التاريخ البشرى؛ فإن هناك مهنة سبقت التاريخ البشرى أصلا، وهى الإعلام الذى كان قرود الغابة -ولا يزالون- يمارسونه بشكل غريزى، عند اعتلائهم قمم الأشجار للاستعلام والاستخبار عن مجريات كل ما يحدث فى الأسفل، ثم فرز حصيلة المعلومات التى لديهم، تمهيدا لإعلام بعض أطراف الغابة حصريا دون الآخرين بما يخصهم من تلك المعلومات حسب ولاء وميول القرود الذين يُعلمون زبائنهم المستهدفين بإشارات حركية وصوتية متعارف عليها بين الطرفين؛ فالقرد السلطوى يميل إلى إعلام الأسد ملك الغابة بما يخصه من أخبار، مثل قدوم غريم له أو خيانة إحدى زوجاته أو استعداد أحد أشباله للتمرد، فيما يميل القرد الشعبى إلى إعلام الفرائس من حيوانات الغابة الضعيفة باقتراب أخطار الكواسر والجوارح والزواحف. أما عموم القرود المسالمون فيميلون إلى إعلام كل أطراف الغابة بالأحداث المحايدة، مثل حالة الطقس والكوارث الطبيعية والحرائق المشتعلة وأسراب الجراد الغازية.
وقد حرص قادة المجتمعات البشرية منذ بداياتها الأولى على اتخاذ مساعدين لهم يستخدمون النيران والأدخنة والطبول والأبواق والحمام الزاجل والحمير المدربة وغيرها من الوسائل البدائية لإعلام شعوبهم بما يريدونه منهم. أما الشعوب فكانت قد اختارت من جانبها بعض أبنائها ذوى خفة الدم واليد وفهلوة الحديث، ليمارسوا الإعلام الشعبى البينى المتبادل ومنحتهم اسم «الهجاصين»؛ إذ كان يستأجر «الهجاصَ» أصحابُ السلع والمحلات التجارية ومقدمو الخدمات والأنشطة المختلفة وأهل المناسبات السعيدة والحزينة؛ لإعلام الجماهير بما لدى هؤلاء وأولئك. والتقطت الأجهزة السيادية لجمهورية الخوف الأولى منذ وقت مبكر كل المعلومات الخاصة بفئة الهجاصين وفحصتها باهتمام شديد، فأدركت أن تلك الفئة التى تعانى الاحتقار النخبوى والاحتضان الجماهيرى فى الوقت ذاته، هى الأصلح لإنشاء حظائر السيطرة، بتلميع وتنجيم الهجاصين من توابع الأجهزة ليصلوا إلى أعلى درجات الثراء والشهرة مع استمرار إمساك تلك الأجهزة بالخيوط التى تقبض على أعناقهم لضمان استمرار التبعية.
وكان تفوقى الدراسى قد سمح لى بالتخصص الجامعى فى مجال العلوم السياسية الذى يوفر لخريجيه فرص عمل حصرية بالوظائف الدبلوماسية أو الاستراتيجية أو الإعلامية. وقد انغلق التخصص الدبلوماسى أمامى لانخراطى المبكر داخل صفوف الحركة الشيوعية السرية مع إغلاقى أنا من جانبى التخصص الاستراتيجى الذى يتطلب أنشطة شبه تجسسية لا تليق بى، فلم يكن متبقيا سوى التحاقى بالمجال الإعلامى طالبا جامعيا متدربا منذ سبعينيات القرن العشرين، واستمرارى فيه حتى اليوم لمدة قاربت أربعين عاما موزعة بين وزارة الإعلام والهيئة العامة للاستعلامات واتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحافة الرسمية والحزبية والخاصة والعربية والأجنبية والقطاعات الإعلامية لوزارة الخارجية والمخابرات العامة ومجلس الشورى ورئاسة الجمهورية.
وبتقادمى الزمنى فى المجال الإعلامى، تأكد لى أن كثيرا من زملائى لا يزالون فى أعماقهم الحقيقية هجاصين فعلا، رغم أنهم أصبحوا إعلاميين اسما، لا سيما وقد تكفلت الأعوام الثلاثة الأخيرة بكشف مدى فجور المتحولين من مشاهير الإعلاميين شاغلى قمم حظائر السيطرة التابعة للأجهزة السيادية، وهم يأكلون بشراهة فاجرة فوق موائد كافة أنظمة الحكم المتعاقبة، بدءا من «حسنى مبارك» حتى «عبد الفتاح السيسى»، مرورا على «حسين طنطاوى» و«محمد مرسى»، ثم سرعان ما أخذوا يرقصون بوقاحة فاجرة فوق جثث كل تلك الأنظمة بمجرد سقوطها تباعا دون أن يرمش لهم جفن!!
منذ البدايات الأولى لتولى جماعة «الحرس الحديدى» المعروفة باسم «الضباط الأحرار» حكم مصر عام 1952، كلف قائد الجماعة «جمال عبد الناصر» زميليه البارزين «زكريا محيى الدين» و«صلاح سالم» بمهمة إحكام السيطرة على مختلف فئات الشعب المصرى، عبر هيئتين سياديتين ظهرتا إلى الوجود العلنى معا عام 1954؛ هما المخابرات العامة ومصلحة الاستعلامات.
وفيما استقرت المخابرات فى الأحضان التنظيمية لرئاسة الجمهورية، فإن الاستعلامات قد انتقلت من رئاسة الجمهورية إلى وزارة الإعلام، ثم عادت مرة أخرى إلى رئاسة الجمهورية، دون أن تؤثر تلك الانتقالات الإدارية فى استمرار عضويتها المهنية فى المنظومة السيادية التى يقودها رئيس الجمهورية كشقيقتها المخابرات؛ إذ كان شغل مواقع رئيس مجلس إدارة الاستعلامات ورؤساء قطاعاتها حكرا على قادة الأجهزة السيادية طوال العشرين عاما الأولى من عمرها، ثم انخفض المستوى إلى كوادر الأجهزة خلال العشرين عاما التالية، لينخفض مجددا إلى أعضاء تلك الأجهزة وأحيانا توابعها الذين تعاقبوا على المواقع الرئاسية بالاستعلامات منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين حتى اليوم. ولما كان هؤلاء القادة والكوادر والأعضاء والتوابع وافدين جميعا من المنبع السيادى الأصلى نفسه، فقد تشابهت أساليبهم فى السيطرة على أبناء الاستعلامات من المهنيين الإعلاميين؛ إذ يحلم الإعلامى الحقيقى بوطن تسوده أجواء سياسية ديمقراطية توفر للإعلام فرصة تحصيل المعلومات الصحيحة بحرية تامة ونقلها بين مختلف الجهات المعنية فى الدولة والمجتمع بسرعة فائقة، ليؤدى بذلك وظيفته التنويرية التى تصب فى جهود التنمية الشاملة للوطن بعيدا عن وظيفة الهجص التضليلية التى تصب فى جهود تمكين نظام الحكم من السيطرة على مختلف فئات الشعب.
لذلك دأبت رئاسة الاستعلامات الوافدة دوما من المنبع السيادى، على إعطاء السلطة والشهرة والمال بسخاء للإعلاميين الذين تخلوا عن أحلامهم وعادوا ليقبعوا خاضعين داخل خانة الهجص، مقابل كثير من الويلات لأولئك الذين رفضوا عطاياها، وكل الويل لهؤلاء الذين قبلوا العطايا وظلوا فى الوقت ذاته متمسكين بأحلامهم، مثلى أنا، وفقا لما أوردته الأوراق التى وصلتنى من واقع ملفى لدى الأجهزة السيادية، بما كشفته لى من وجود خطة سيطرة مزدوجة وضعتها تلك الأجهزة؛ لمنع تمكينى المهنى بين زملائى الإعلاميين، سواء بالاستعلامات أو فى هيئات الدولة الأخرى. 
وحسبما تفيد الأوراق فقد نجحت الخطة فى تحقيق أهدافها استنادا إلى أساليب السيطرة غير التقليدية لحظائر الإعلام، لا سيما أن القرار الجمهورى رقم 1820 لعام 1967 بتعديل المرسوم الجمهورى السابق صدوره فى 3 سبتمبر 1954 تنفيذا للقانون رقم 270 لعام 1952 بإنشاء الاستعلامات، قد منحها فى مادته الرابعة حق اتخاذ ما تراه من قرارات لتحقيق أغراضها «دون التقيد بالقواعد الحكومية» باعتبارها جهازا سياديا. وهكذا أُبعدت عدة مرات عن التمكين الإدارى التنظيمى بإرسالى إلى أوروبا فى مهام دبلوماسية مفتوحة ذات طابع وهمى بمجرد حلول موعد استحقاقى لشغل موقع رئيس قسم بالأقدمية؛ الأمر الذى تكرر لاحقا بندبى لشغل وظيفة المستشار الإعلامى بالسودان على مدى خمسة أعوام تحت الرئاسة المباشرة لقادة فرع الخارج فى الأجهزة السيادية بمجرد حلول موعد استحقاقى لشغل موقع مدير إدارة بالأقدمية، كما تم ضمى إلى مجموعة مستشارى رئيس الاستعلامات بدون صلاحيات وظيفية محددة بمجرد حلول موعد استحقاقى لشغل موقع مدير عام بالأقدمية. 
إن أوراقى لدى الأجهزة السيادية تفيد بأن تلك الأجهزة قد احتفلت بنجاحها فى حل وحدة التوجيه السياسى؛ نظرا إلى ما حققه لها هذا الحل من مكاسب على صعيد السيطرة المزدوجة؛ فمنع وصول معلومات الوحدة إلى الهيئات المعنية بها يكفل استمرار الأجهزة فى احتكار السيطرة على التداول المعلوماتى داخل أروقة الدولة، كما أن منع تحصيل هذه المعلومات لإيصالها إلى تلك الهيئات عن طريقى أنا يحد تواصلى الفنى مع زملائى الإعلاميين داخل الاستعلامات وخارجها، ومن ثم يحد تمكينى؛ الأمر الذى تكرر لاحقا عندما تفتق ذهنى عن تشكيل لجنة تطوير أداء الاستعلامات لوظائفها الفنية الإعلامية، وهى اللجنة التى لحقت بسابقتها على أيدى الأجهزة السيادية، التى حلتها بدعوى تدخلها فى العمل اليومى التقليدى لقطاعات الاستعلامات، رغم أن تدخل لجنة التطوير فى أداء القطاعات التقليدية لعملها اليومى هو من بديهيات التطوير. وحسب الأوراق، فقد احتفلت تلك الأجهزة مجددا بنجاحها فى حل لجنة التطوير؛ نظرا إلى ما حققه لها هذا الحل من وقف اتساع نطاق العدوى المحتملة بالأحلام الوطنية الديمقراطية ذات العمق الاجتماعى، التى استمرت تحلق فى سمائى، رغم أن أجواء جمهورية الخوف الأولى ظلت حتى آخر أيامها ملبدة بغيوم سوداء متراصة من كل أنواع الكوابيس!!
كان بين زملاء دراستى ثلاثة ريفيين يسكنون معا إحدى غرف مدينة الطلبة أثناء التحاقنا بجامعة «القاهرة» خلال سبعينيات القرن العشرين، وقد اشترك ثلاثتهم فى نزوعهم الإجرامى الذى بدأ بسرقتهم الكتب الدراسية المقررة عليهم من حقائب زملائهم؛ لكيلا يشتروها، ثم تطور الأمر إلى سرقة كتب أخرى من أرفف المكتبات لبيعها بربع قيمتها أو لاستبدال سلع تموينية وأدخنة ومكيفات مكانها، وسرعان ما تصاعد نشاطهم الإجرامى فأصبحوا يهاجمون كالذئاب المسعورة معرض الكتاب السنوى، فيسرقون كل الذى تطوله أياديهم وتخفيه ملابسهم من مطبوعات يبيعونها لاحقا على سور الكتب القديمة الواقع فى حديقة «الأزبكية». وبمجرد تخرجهم الجامعى تحولوا من هواة إلى محترفين للسرقة بأشكال مختلفة، ولكن فى المجال ذاته المتعلق بالكتب؛ إذ التحق أحدهم بالصفحة الثقافية لجريدة رسمية يومية متخصصا بالعرض الحصرى لأخبار الكتب التى يدفع له مؤلفوها المصريون والعرب مبالغ مالية مقابل ذلك.
أما الثانى فقد تسلل إلى جمعية أهلية ليشرف على ندواتها الأسبوعية المخصصة لمناقشة أحدث إصدارات الكتب، فكان يتحصل لنفسه على مبالغ مالية وهدايا ثمينة وعزائم عامرة من المؤلفين المصريين والعرب مقابل إدراج كتبهم ضمن جدول ندوات الجمعية لزيادة المبيعات، فيما استغل الثالث معاناة شباب المؤلفين من الأثرياء مع قوائم انتظار النشر الحكومى المدعوم، فراح ينشر لهم كتبهم بمعرفته مقابل حصوله منهم مقدما على تكاليف النشر المضاف إليها أرباحه الشخصية الطائلة بدلا من منحهم حقوق التأليف المالية. وفى ثمانينيات القرن العشرين التقطت الأجهزة السيادية هؤلاء اللصوص الثلاثة الذين كانوا محل متابعاتها الدقيقة منذ سرقاتهم الطلابية المبكرة، وأخذت تقفز بهم إلى الأمام فى خطوات متسارعة نحو الشهرة غير المستحقة المشروطة بعضوية حظائر السيطرة.
وبحلول التسعينيات كان أولهم قد تولى رئاسة تحرير مجلة ثقافية مصرية هامة مع منحه التراخيص اللازمة لمراسلة عدة مجلات ثقافية عربية فى الوقت ذاته، فيما أصبح ثانيهم رئيسا لمجلس إدارة جمعية أهلية، ومن ثم لاتحاد جمعيات العاصمة. أما الثالث فقد تنازلت له الدولة عن ملكية دار نشر وطباعة كبرى تحقق أرباحا طائلة لحصولها على كل احتياجاتها من حصص الورق المدعوم ومنافذ التوزيع، مع التسهيلات الائتمانية والإعفاءات الضريبية بمعرفة تلك الأجهزة، التى كانت قد سبق أن صادرت دار النشر من مالكها الأصلى اليونانى الجنسية بعد طرده خارج مصر فى ستينيات القرن العشرين. وبموجب أوضاعهم الجديدة، فقد مُنح ثلاثتهم جوائز الرسمية وأهلية ذات عوائد مادية ومعنوية، بجانب عضوية الغالبية العظمى من اللجان المشرفة على مختلف الشئون الثقافية، بما فيها اللجنة الاستشارية العليا لرعاية معرض الكتاب السنوى، الذى كانوا يدخلونه قبل عقدين لصوصا.
وقد تصادف أن نشرت دار «العالم الثالث» اليسارية كتابى المعنون «انهيار الدولة المعاصرة فى مصر» عام 2006 ليحظى باهتمام سياسى واسع جعله ضمن قائمة الكتب المقرر مناقشتها فى أنشطة عام 2007 لمعرض الكتاب؛ الأمر الذى أزعج الأجهزة، فشرعت لإجهاضه -حسبما تفيد أوراقها- عبر أولئك اللصوص الثلاثة، رغم أنه كان قد أعلن رسميا عن موعد ومكان الندوة المخصصة لكتابى وأسماء مدير الندوة وضيوفها، ولم يكن صعبا على ثلاثة لصوص كهؤلاء إلغاء الندوة صبيحة اليوم المقرر لانعقادها باتباع الأساليب الالتفافية الملتوية لحظائر السيطرة التى كانوا قد أصبحوا من أبرز مشاهيرها، لا سيما وقد ساعدهم فى ذلك أحد كبار رجال الأعمال الفاسدين من ممولى الأنشطة التجارية المصاحبة للمعرض، الذى هدد مسئولى المعرض بوقف تمويله وهداياه لو انعقدت الندوة، كما ساعدهم بعض بلطجية الأجهزة السيادية من سائقى عربات النقل الثقيل الذين داهموا بعرباتهم سيارات مؤلف الكتاب ومدير الندوة وضيوفها خلال تحركاتنا نحو المعرض من أماكن مختلفة حتى نلحق بالندوة، لنقضى اليوم كله موزعين على مختلف أقسام شرطة العاصمة المصرية لتحرير محاضر الإثبات، واستخراج الخطابات الموجهة إلى شركات التأمين لتتدخل معنا فى مواجهة وقائع الدهم. وقد سمح غيابنا القهرى بدفع رواد المعرض المتجمهرين أمام باب قاعة الندوات المغلق نحو الانصراف، بدعوى سابق ترتيب إلغاء الندوة بيننا وبين إدارة المعرض التى منحها ذلك الإخراج الدرامى فرصة التنصل من مسئوليتها عن المنع الغادر لندوة كتابى «انهيار الدولة المعاصرة فى مصر»؛ الأمر الذى أسعد الأجهزة -حسبما تفيد أوراقها- باعتباره نجاحا لحظائر السيطرة فى منع انتشار كتاب سرعان ما أصبح بعد 4 أعوام فقط من أيقونات الاحتجاج الشعبى العارم الذى شهدته مصر فى يناير 2011 ليطيح بجمهورية الخوف الأولى ولو إلى حين!!.
حوار الدكتور محمد مرسي مع قناة الجزيرة - الجزء الثاني





؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: