الجمعة، 22 نوفمبر 2013

بعد "يوسف" و"عيسى" و"نوح".. الأنبياء بالسينما .. فيلم نوح النبى



"نــوح النبــي"
 الحكم الفقهي لتجسيد الأنبيــاء في الأعمــال الفنيـــة




الغرب لا يحتاج إلى فتوى تجرم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية لأنه غير ملزم بها من الأساس.. قد يقول القارئ ذلك عندما يرى استعدادات شركة Paramount Picture لوضع اللمسات النهائية على فيلمها الجديد Noah، أو "نوح النبي" الذي قامت بعرض المشاهد الأولى له على موقع يوتيوب، تمهيدا لعرضه أواخر مارس القادم. وأظهرت اللقطات الممثل النيوزيلاندي "راسل كرو" وهو يجسد شخصية النبي نوح عليه السلام، وهو يقوم ببناء السفينة الضخمة التي ستنجيه وأتباعه من الهلاك بالطوفان، حيث استخدمت أحدث تقنيات الكمبيوتر والخدع السينمائية لتصويره خلال لقطات الفيلم، وكذلك السفينة التي ظهرت كمدينة كبيرة يفد إليها كل أنواع الحيوانات والحشرات تمهيدا لـ"رحلة الحياة". الشركة المنتجة للفيلم أكدت أن الأحداث التاريخية به ستكون مقتبسة بالكامل من الإنجيل، أملا في ألا يغضب الفيلم الطبقة المتدينة من المجتمع، في الوقت الذي يصرّ فيه دارين أرونوفسكي مخرج العمل على الزج برؤيته التاريخية الخاصة، وهو ما قد يفتح الباب لوضع سيناريوهات دخيلة بالفيلم قد تكون مختلفة كليا أو جزئيا عن سياقه التاريخي الصحيح. ثمة نقطة أخرى ستجعل الفيلم المنتظر مادة خصبة للجدل والاعتراضات، حيث كشفت نسخة مسربة من سيناريو العمل أن المخرج يصوّر النبي كمناصر للبيئة، ويعتبر الفيضان التاريخي عقوبة إلهية على مخالفي النبي ممن لا يأبهون للنظام البيئي.
 الكنيســة حاضـــرة 
 الأمر عند الغربيين يندرج بالأساس تحت بند صناعة السينما المربحة، وتناول المقدسات يدر مكاسب وفيرة وشباك التذاكر لا يعترف بالمحظور بقدر ما يتطلع للتشويق والإثارة. لكن، يبقى الخوف من الكنيسة وردة فعلها قائما رغم كل ما سبق، فإعلان الشركة المنتجة للفيلم عن التزامها بالسياق التاريخي الوارد في الإنجيل احتراما للكنيسة وضمانا لعدم معارضتها يثبت أن المؤسسات الدينية في الغرب لا تزال تنظر إلى مثل هذه الأمور بحساسية، وإن كانت حدتها أقل من نظيرتها في العالم الإسلامي "السني" التي تتمسك بتجريم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية. "نوح النبي" ليس العمل الأول الذي يقوم فيه ممثل بتجسيد شخصية أحد الأنبياء، حيث سبقه قيام إيران في 2008 بإنتاج مسلسل ضخم حمل اسم "يوسف الصديق"، وقام بتجسيد شخصية النبي يوسف عليه السلام به الممثل الإيراني مصطفى زماني، وكذلك أظهر المسلسل شخصية أبيه النبي يعقوب عليه السلام التي جسدها مواطنه "محمود ياك نيت"، وقد حظي الفيلم بمشاهدات غير مسبوقة في العالم العربي والإسلامي، رغم الحملات التي شنها عدد من الدعاة والمشايخ، لا سيما السلفيين، عليه. لا ننسى أيضا فيلم "آلام المسيح" الذي كتبه وأنتجه وأخرجه الممثل الأمريكي ميل جيبسون عام 2004، ورغم اعتراض بعض الأوساط الكنسية في الغرب والشرق عليه فإنه كان من أكثر الأفلام المخصصة للبالغين وغير الناطقة باللغة الإنجليزية نجاحا في تاريخ إيرادات صندوق التذاكر في الولايات المتحدة الأمريكية.
 دار الإفتـــاء تشـــارك ببحث 
 ويبدو أن تحول الأمر إلى ظاهرة دفع دار الإفتاء المصرية إلى إعداد بحث شامل وواف حول الحكم الفقهي لتجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية شاركت به في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي انطلقت دورته الخامسة والعشرين بجامعة الإمام محمد بن سعود بالعاصمة السعودية الرياض قبل أيام قليلة. البحث الذي أعده الدكتور مجدي عاشور المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، توصل في النهاية لعدم جواز تجسيد الأنبياء في أعمال فنية "مراعاة لعصمتهم ومكانتهم؛ فهم أفضل البشر على الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يُمَثَّل أو يَتَمَثَّل به إنسان، بل إن الشرع الشريف نَزَّه صورهم أن يتمثل بها الشيطان حتى في المنام.." ولفت عاشور إلى أن بحثه بهذا الحكم متبع لقرارات لجان الفتوى الرسمية في فتاويها الصادرة عنها، وكذلك المجامع العلمية الشرعية في قراراتها المنبثقة عن اجتماعاتها، ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي، ودار الإفتاء المصرية في عدة فتاوى لها خاصة بهذا الشأن، ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في عدة فتاوى لها صادرة في هذا الشأن، كما ذهب إلى الحكم بحرمة تجسيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مطلقًا، الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف أ.د/ عبد الحليم محمود، في فتوى له.
 اجتهــاد مغــاير على الجــانب الآخـــر 
هناك بعض الاجتهادات التي ظهرت على استحياء تذهب إلى جواز تمثيل شخصيات الصحابة والأنبياء. 
من أبرز هذه الاجتهادات هو ما ذهب إليه الباحث الشرعي الشيخ عصام تليمة، حيث يرى أنه لو نظرنا نظرة فاحصة على كل الفتاوى التي صدرت في الموضوع، نجدها فتاوى متأثرة بظرف معين، ونظرة معينة للتمثيل، وبيئته، والقائمين عليه، وما تمثله هذه الخلفية عند الناس من صورة معينة، ألقت بظلالها على فكر كل مفت أفتى في هذه المسألة. ويعتبر تليمة أن معظم آراء المانعين قامت على العاطفة، وليست على الدليل الواضح البيِّن المبني على أدلة من كتاب أو سنة، أو نقل من التراث، كما أنها تأثرت كثيرا بما لدى العامة من شعور، وتصور للموضوع، وكأن رؤية العامة مؤثرة في الفتوى، لا العكس. تليمة ناقش السبب الأبرز في رفض العلماء قيام أحد الممثلين بتجسيد دور نبي، وهو أن الناس ستشاهد الممثل يقوم بأداء دور ديني، ثم بعدها ستراه في دور هازل، أو بدور شرير، وأن هذا يؤدي إلى اهتزاز صورة الصحابي أو الرسول. ويرد تليمة على هذا الأمر قائلا: هذا كلام تخيلي، قائم على توقعات ربما كانت أوهاما، وليس لها سند من الواقع، وأضرب بذلك نماذج مما رأيناها في السينما والدراما، هل عندما مثل الفنان عبد الله غيث دور الحمزة رضي الله عنه في فيلم الرسالة، ورأيناه في أدوار أخرى مثلا كدور (علوان البكري) في مسلسل (ذئاب الجبل) وهو دور الشرير الظالم، المكروه من الناس، فهل عندما رآه المشاهدون قالوا: انظروا إلى الحمزة ماذا يفعل، أو قارن المشاهد بين هذا الدور وذاك؟ أو اهتزت صورة الحمزة في أذهاننا؟! بالطبع كلا لم يحدث شيء من هذا، إذن هو كلام مناف للواقع تماما، وأدعو المشايخ الأجلاء لمراجعته بدقة، عن طريق إحصاء علمي دقيق، يجرى على المسلمين الذين شاهدوا هذه الأفلام الدينية، ويحصى بدقة مدى تأثيرها السلبي والإيجابي، وهو أمر سيكون له ما بعده، لأن معظم الفتاوى التي حرمت ركزت على هذا المأخذ كثيرا.




ليست هناك تعليقات: