الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

مغارة "علي بابا"وميزانية مصر الخفية.



مصــر التي غـــرقت!
 الإهــدار المتعمــد للمــال العـــام 
أوضـــاع مصر الاقتصــادية عللهـــا ودوائهــا


على مدى سبع دورات برلمانية كنت عضوا بلجنة الخطة والموازنة فوكيلا للجنة، ثم عضوا بلجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى، اطلعت على تفاصيل الموازنة العامة للدولة وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وموازنات الهيئات العامة الاقتصادية وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، وشاركت فى مناقشة القوانين الاقتصادية ومارست حقي التشريعي في اقتراح مشروعات القوانين وحقي الرقابي باستخدام الأدوات الرقابية من أسئلة وطلبات إحاطة واستجوابات، كان أشهرها استجواب الصناديق الخاصة الذى قدمته في مارس 2010 ومازالت تداعياته مستمرة حتى الآن.
خلال هذه الفترة عرفت حقيقة أوضاع مصر الاقتصادية عللها وأدوائها، وتمنيت لو أن كل مواطن مصرى اطلع مثلى على ماعرفت من حقائق ، وحاولت جاهدا على مدى سنوات أن أنقل لشعب مصر من خلال وسائل الإعلام مقروءة ومرئية ، أو اللقاءات الجماهيرية أو الندوات شيئا من هذه الحقائق ، وأن أجعل الاهتمام بالموازنة العامة للدولة ليس قاصرا على المتخصصين والنخبة بل يمتد إلى عموم الشعب المصري، الذى ينتظر أن تتحقق آماله فى الرخاء والعيش الكريم، ولن يكون هذا إلا إذا تحولت هذه الى مال إلى أرقام مدرجة فى اعتمادات الموازنة العامة للدولة.
 ● تقنين للفساد وإغراق في الديون 
 تأكد لي أن الحكومات المتعاقبة في ظل الحكم العسكري لمصر منذ عام 1952 وحتى انتخاب أول رئيس مدنى لمصر بعد ثورة 25 يناير كانت تؤسس وتقنن للفساد، وكان من نتيحة ذلك أن مصر التى كانت دائنة للإمبراطورية البريطانية حينما قامت ثورة يوليو 1952 أصبحت مدينة بخمسة مليارات دولار مع نهاية حكم الرئيس جمال عبدالناصر ثم أصبحت مدينة بحوالى عشرين مليار دولار ( 11مليار جنيه دين محلى و9 مليارات دولار دين خارجى ) مع نهاية حكم الرئيس السادات ثم وصل حجم الدين العام إلى حوالى 220 مليار دولار ( 1100 مليارجنيه دين داخلى و35 مليار دولار دين خارجى ) مع نهاية حكم الرئيس مبارك. وقد بلغت أعباء هذا الدين فى آخر موازنة اعتمدها مجلس الشورى 182 مليار جنيه فوائد و114 مليار جنيه أقساط بما يوازى 60% من الإيرادات العامة والمقدرة بمبلغ 498 مليار جنيه.
 ●الظلم الاجتماعي وضمان الولاء 
 وحرصا من هذه الحكومات على إشاعة الفساد وضمان الولاء للمديرين والرؤساء أوجدت خللا هائلا في هيكل أجور العاملين بالدولة، فالرواتب الأساسية لا تزيد عن 20% من اعتمادات باب الأجور في الموازنة، بينما المكافآت والبدلات والمزايا النقدية تصل إلى 65%من اعتمادات الباب موزعة على ما يزيد عن 100 نوع من البدلات، وقد أدى هذا إلى عدم العدالة في توزيع الدخل على العاملين فى الدولة حيث لا تتجاوز حوافز غالبية العاملين 200% من الراتب الأساسي بينما تصل بدلات وحوافز البعض إلى 2000 % وأكثر ناهيك عن مصادر الدخل الأخرى من صناديق خاصة وخلافه.
وقد طالبنا كنواب في الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب – خلال دورة 2005-2010- بإصلاح الخلل في هيكل الأجور بحيث لا يقل الراتب الأساسى عن 80% من الأجر وأن يقسم جدول الأجور إلى ثلاث خانات فقط أساسي ومتغير وإجمالي، وأصدر مجلس الشعب المنتخب بعد ثورة 25 يناير قانونا لتثبيت العمالة المؤقتة ووافق فى نفس الدورة من حيث المبدأ على قانون الحد الأقصى وربطه بالحد الأدنى للأجور.
 ●الدعم للأغنياء 
 عرفت كيف حرصت هذه الحكومات على محاباة الأغنياء على حساب الغالبية العظمى من البسطاء والفقراء من الشعب المصرى حيث بالغت فى دعم المنتجات البترولية ودعم تنشيط الصادرات ودعم الغاز الطبيعى للمصانع كثيفة استخدام الطاقة لتصل نسبة هذه الأنواع إلى أكثر من 60 % من إجمالي المبالغ المخصصة للدعم فى الموازنة العامة ، بينما دعم رغيف العيش والسلع التموينية لا يتجاوز 12% من إجمالى الدعم ، وحدث ولا حرج عن المبالغ الزهيدة المخصصة لدعم المزارعين أو دعم التأمين الصحى أو دعم الانتاج الصناعى أو دعم تنمية الصعيد أو دعم معاش الضمان الاجتماعي وغيرها من بنود دعم الفقراء.
 ●وعود زائفة 
 أدركت لماذا لا تتحقق وعود الحكومات المتعاقبة للمواطنين بالمشروعات الإنتاجية والخدمية مثل المدارس والوحدات الصحية أو المستشفيات والطرق ومحطات المياه والصرف الصحي ومراكز الشباب وغيرها ؟ ...ان المخصص من اعتمادات للاستثمارات العامة فى الموازنة لا يتجاوز 10% من إجمالي المصروفات وهى لاتكفى لتحقيق الحد الأدنى من المشروعات الحيوية والخدمات الضرورية للمواطنين ، كما أن المليارات أهدرت فى مشروعات لم تعد لها دراسات جدوى قبل البدء فى تنفيذها وتكلفت أحيانا عشرات أضعاف ماخصص لها من اعتمادات أو تم هدمها قبل أن تستكمل وما مشاريع نفق ا؟ الازهر – بدأ تنفيذه بتكلفة تقديرية 90 مليون جنيه وتكلف فعليا 950 مليون جنيه- أو جراج رمسيس أو ترعة الصف إلا أمثلة لهذا الإهدار المتعمد للمال العام، وقد أصدر مجلس الشورى قانون الصكوك ليكون بديلا تمويليا للاستثمارات العامة حلا لهذه المعضلات.
 ● ميزانيات وهمية 
 عرفت كيف تم التخطيط لفصل الهيئات العامة الاقتصادية مثل هيئة البترول وهيئة قناة السويس والهيئة العامة للاستثمار وغيرها من الهيئات التي يبلغ عددها خمسين هيئة عن الموازنة العامة للدولة، بلغت الموازنة الجارية لها 955 مليار جنيه أي مرة ونصف حجم المصروفات في الموازنة العامة التي تبلغ 692 مليار جنيه ، وبرغم أن هذه الهيئات يفترض أن تكون أحد أهم دعائم الاقتصاد المصرى وأحد أهم موارد الموازنة العامة للدولة إ؟ إنه من المتوقع أن تحقق عجزا قدره 11 مليار جنيه هذا العام. كما أن قوانين إنشاء بعض هذه الهيئات تنص على احتفاظها بأرباحها وفوائضها المالية دون أن تدخل الموازنة العامة للدولة شيئا، وقد بلغت فوائض إحدى هذه الهيئات ما يعادل 2.7 مليار جنيه بالعملة الصعبة فى الوقت الذي تبحث فيه الدولة عن دولار واحد وما مفاوضات صندوق النقد الدولي عنا ببعيد.
 ●الحصاد المر للقروض والمعونات 
عرفت أن مصر قد حصلت على منح وقروض على مدى عهد الرئيس المخلوع مبارك بمعدل اتفاقية منحة أو قرض كل عشرة أيام ، وأن بعض هذه القروض لم تستخدم بينما تحمل الشعب المصرى سداد فوائدها، وبعضها قد استخدم فى غير الغرض المخصص له، وأن بعض هذه الاتفاقيات أضرت كثيرا بأمن مصر القومى ومستقبلها الاقتصادي واستقرارها المجتمعي، وأن نسبة الاستفادة من القروض الخارجية لم تتعد 46% كما أن نسبة الاستفادة من المعونات والمنح لم تتعد 78% حسبما ورد فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات. عرفت أن الدول المانحة قد استخدمت المعونات التى قدمتها لمصر فى الحصول على أدق المعلومات عن مختلف نواحى الحياة فى مصر عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وأن هذه المعونات والمنح كانت لمصلحة الدول المانحة وأنها أهدرت الكثير من مواردنا المالية حيث كانت الدول المانحة تحدد الهدف والمشروعات التى تخدم مصالحها وتلزم الحكومة المصرية بإنفاق أضعاف المبالغ الممنوحة من ميزانيتها والتي وصلت في بعض الاتفاقيات إلى عشرة أضعاف المبلغ الممنوح، وكيف استخدمت هذه المنح والمعونات أحيانا لفرض مواقف سياسية وسياسات اقتصادية محددة على الحكومة المصرية.
 ●مغارة "علي بابا" 
 عرفت كيف تعمدت الحكومات المتعاقبة إبقاء معظم إيرادات الدولة خارج الموازنة العامة للدولة ، من أجل نشر الفساد وتمكين الوزراء والمحافظين وكبار المسئولين من الحصول على الملايين شهريا من الصناديق الخاصة التي تبلغ إيراداتها السنوية 100 مليار جنيه . وصدق الأستاذ أمير الزهار حين أطلق عليها مغارة علي بابا، وكذلك الأستاذ فهمي هويدي حين سماها ميزانية مصر الخفية. عرفت أن الضرائب تمثل 70% من إيرادات الموازنة العامة وبالرغم من ذلك فإن التهرب الضريبى يجعل حصيلة الضرائب على الدخول من التوظف التي يدفعها الموظفون من رواتبهم ضعف حصيلة الضرائب على النشاط التجاري والصناعي فى مصر كلها ، وأن هناك متأخرات ضريبية واجبة السداد قدرها 60 مليار جنيه منها 37 مليار جنيه مستحقة لمأمورية كبار الممولين بالإضافة إلى 5 مليار جنيه متأخرات ضريبية مستحقة على المؤسسات الصحفية الحكومية.
 ● ثروات مصر الضائعة 
 عرفت كيف تم إهدار ثروات مصر وتوزيعها على الفاسدين من رجال الأعمال حيث تم منح أراضى تزيد قيمتها عن 800 مليار جنيه مثل أرض مدينتى وأرض الشركة الكويتية وغيرها ، وأصبحت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مدينة لبنك الاستثمار القومي بمبلغ 25 مليار جنيه وهى التى من المفترض أن تكون من أهم مصادر إيرادات الدولة، كما تم توقيع اتفاقيات لتصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل وأسبانيا وانجلترا وفرنسا وغيرها بأقل من ربع ثمن تكلفة الانتاج ولمدد تصل إلى 20 عاما بينما محطات توليد الكهرباء فى مصر تتوقف عن العمل لعدم توفر وقود التشغيل ، وتستورد المازوت الملوث للبيئة المؤثر سلبا على كفاءة المحطات بعشرين ضعف ثمن تصدير الغاز الطبيعي ، كما يموت المصريين فى طوابير الحصول على أنبوبة البوتاجاز.
عرفت كيف أهدرت ثروات مصر الطبيعية والتعدينية من خامات ومعادن على مدى عقود وتم بيعها بالملاليم لصالح مجموعة من المحتكرين والفاسدين ، وحينما أوشك مجلس الشورى على إصدار قانون جديد للتعدين ليرفع عائدات هذا القطاع من عدة ملايين من الجنيهات إلى عشرة مليارات جنيه سنويا وقع الانقلاب العسكرى الدموى.
 ●بيع القطاع العام وحصيلة خسة 
عرفت كيف تم تدمير القوة الاقتصادية للقطاع العام المصري الذى دعم وساند المجهود الحربى عام 1973 فجاء قرار تصفيته بالخصخصة وبيعت أصول وشركات إستراتيجية تم تقييمها في بداية برنا مج الخصخصة بمبلغ 500 مليار جنيه تم بيعها بمبلغ 50 مليار جنيه لم يدخل الخزانة العامة للدولة منه سوى 18 مليار جنيه استخدمت فى سداد بعض الديون ولم يعد على الشعب المصري منها فوائد تذكر بل تم تشريد العمال وتمكن الأجانب من السيطرة على صناعات إستراتيجية وتضاعفت أسعارها وصناعة الأسمنت خير شاهد. عرفت أن موارد مصر كبيرة وإمكانات اقتصادها واعدة لكن عهود الطغيان والاستبداد والفساد التى عاشتها مصر فى ظل حكم عسكرى على مدى 60 عاما قد أهدرت مواردها وحطمت إمكاناتها وأورثتها الجهل والفقر والمرض، وهى التى جعلها الله خزانة الأرض. ماسبق قليل من كثير سنعرض له بالتفصيل، حتى يعرف الجميع ويشارك في الإصلاح وصنع المستقبل.
* م. أشرف بدرالدين * ... وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب السابق ...


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: