الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

أسباب انحسار الاهتمام الأمريكي بزيادة نفوذه في الشرق الأوسط


فورين بوليسي: 
الشرق الأوسط فقد أهميته لدى أمريكا 
 انتهاء الحرب الباردة وزوال فزاعة الإرهاب، 
ورفض التدخل العسكري الأمريكي، وقلة الاعتماد على النفط، وخسارة الحلفاء العرب، 
وقوة إسرائيل المتزايدة، وإمكانية الوصول لحلول دبلوماسية للصراعات في الشرق الأوسط.



هناك ستة أسباب تجعل الشرق الأوسط لا يحتل نفس الأهمية التاريخية لواشنطن حاليا، هكذا اعتبرت مجلة " فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير لها أعده آرون دايفيد ميللير، الكاتب والمحلل الأمريكي البارز في شؤون الشرق الأوسط، حول تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وأبرزت المجلة الأمريكية، في التقرير المنشور مؤخرا، الأسباب التي تؤدي، برأي الكاتب، إلى انحسار الاهتمام الأمريكي بزيادة نفوذه في المنطقة، ولخصتها في انتهاء الحرب الباردة وزوال فزاعة الإرهاب، ورفض التدخل العسكري الأمريكي، وقلة الاعتماد على النفط، وخسارة الحلفاء العرب، وقوة إسرائيل المتزايدة، وإمكانية الوصول لحلول دبلوماسية للصراعات في الشرق الأوسط. ورأت المجلة أن أهمية الشرق الأوسط لدى الإدارة الأمريكية بدأت في التراجع، وأن الأسباب التقليدية لانخراط واشنطن وتدخلها في المنطقة تغيرت، حيث كانت أهم المبررات في الماضي تعتمد على احتواء النفوذ الروسي خاصة أثناء فترة الحرب الباردة (حالة الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وحلفاء كل منهما منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى أوائل تسعينياته) والاعتماد الخطير على النفط العربي وحماية أمن إسرائيل، ثم ظهرت أسباب أخرى مثل مكافحة "التطرف والإرهاب"، و"بناء الديمقراطية" في أفغانستان والعراق. وأشارت فورين بوليسي إلى زوال هذه الأسباب حاليا، وهو ما أدى إلى تحييد دور واشنطن في الشرق الأوسط، ورجحت تراجع نفوذها في المستقبل، كما رصدت أسباب ذلك التراجع المحتمل في النقاط الستة التالية:
 ● انتهاء الحرب الباردة وزوال فكرة "فزاعة الإرهاب" واعتبرت المجلة أن أول سبب لذلك التراجع هو انتهاء الحرب الباردة بالإضافة إلى زوال فكرة "فزاعة الإرهاب" التي خلقتها واشنطن لفترة طويلة واعتمدت عليها لاستمرار نفوذها وتدخلاتها في الشرق الاوسط، حيث ظهرت الحاجة إلى نفوذ أمريكي في تلك المنطقة بالأساس للقضاء على خطر النفوذ الروسي المنافس، ولأسباب ترجع إلى النفط العربي، وحماية وجود إسرائيل بالتزامن مع تراجع نفوذ الإمبراطورية البريطانية، وهو ما جلب الدور الأمريكي في المنطقة. وشدد التقرير على زوال فكرة الحرب الباردة تماما، مستشهدا على ذلك بعدم تصعيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع واشنطن، بالرغم من إزالة الأخيرة لحلفاء روسيا في المنطقة واحدا تلو الآخر، مثل صدام حسين ومعمر القذافي (الرئيسين الراحلين لكل من العراق وليبيا) وتهديدها الحالي باتخاذ إجراءات ضد آخر حليف لموسكو في المنطقة وهو بشار الأسد (رئيس النظام السوري)، إلا أنه استبعد رغبة بوتين في حرب بالوكالة موسعة ضد واشنطن في المنطقة التي يعلم جيدا أنها تعج بالتطرف الإسلامي والفوضى وتعتبرا فخا كبيرا لروسيا. ولكنها قالت إن اتفاق بوتين الأخير مع الولايات المتحدة بخصوص نزع الأسلحة الكيميائية السورية يكشف عن إمكانية تعاون بوتين أيضا، وليس فقط المنافسة على النفوذ، وأشارت إلى دور روسيا في المفاوضات مع إيران حول الملف النووي لعدم رغبتها (أي موسكو) في تدخل عسكري أمريكي أو إسرائيلي في بلد آخر حليف لها. وقال ميللير إنه بعد زوال فكرة التهديد الروسي لواشنطن، انتهت الأسباب التي تؤدي إلى تدخلها في الشرق الأوسط، ولكنها ظهرت مجددا عام 2001 في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وبدء الحرب على أفغانستان والعراق والحرب على "الإرهاب"، وبانتهاء تلك الحروب ظهر تهديد آخر وهو احتمالية سيطرة الإسلاميين على الحكم في المنطقة، سواء سنة أو شيعة، وهو ما استدعى اللجوء إلى استراتيجيات كبرى جديدة للتدخل. ولكنه اعتبر أن تلك التهديدات أيضا بدأت في التضاؤل بمقتل أسامة بن لادن (زعيم القاعدة الراحل)، والسيطرة على حركة حماس في قطاع غزة، وحصارها في جيوبها الصغيرة، وضعف جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتقهقر قوة "حزب الله" اللبناني بسبب الانتفاضة التي يواجها حليفه بشار الأسد، كما رأى أن الاحتمال الضعيف بإمكانية سيطرة تنظيم القاعدة على أجزاء كبيرة من سوريا هو احتمال خيالي في أحسن الأحوال.
 2- عدم الرغبة في التورط العسكري الأمريكي في المنطقة وأضاف المحلل الأمريكي في تقريره الذي نشرته فورين بوليسي على موقعها الالكتروني أن السبب الثاني لتضاؤل أهمية ضرورة التدخل في الشرق الأوسط هو أنه لا أحد يرغب في واشنطن أن تلعب أمريكا دور "الشرطي المصلح" في العالم، وقال إنه بالرغم من دعم الجيش الأمريكي لخيارات رئيس البلاد فيما يخص التدخل من أجل تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط، لأسباب متعلقة بأمن الولايات المتحدة، إلا أنه استشهد برد الفعل الأخير للكونغرس على الضربة المحتملة التي كان يرغب باراك أوباما في توجيهها لسوريا، ما يثبت عدم رغبة التدخل العسكري في أي حرب أهلية، خصوصا بعد معاناة الشعب الأمريكي من آثار الحروب في أفغانستان والعراق. ثورة محتملة في مجال الطاقة تقلل الاعتماد على النفط العربي وأشارت المجلة إلى أن السبب الثالث هو احتمالية ظهور ثورة في مجال الطاقة في المستقبل في أمريكا الشمالية، قد تقلل بمرور الوقت اعتماد واشنطن على النفط العربي، وقال ميللير إنه للمرة الأولى منذ نحو ربع قرن، بدأ إنتاج الولايات المتحدة من النفط في التزايد بشكل حاد، إلى جانب الزيادة في إنتاج الغاز الطبيعي، ويتوقع البعض أن أمريكا ستصبح أكبر منتج للنفط والغاز في العالم خلال عشر سنوات، حيث توقع الخبير في شؤون النفط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، مايكل ليفي، أنه بحلول عام 2020 ستكون واشنطن قادرة على إنتاج 10 ملايين برميل يوميا، وهو حجم إنتاج السعودية الحالي من النفط يوميا. واعتبر ميللير أنه في حالة حدوث ذلك ستصبح أمريكا أقل اعتمادا على الشرق الأوسط كمصدر للطاقة.
 ● خسارة واشنطن لحلفائها العرب وأرجعت المجلة السبب الرابع إلى خسارة الحلفاء العرب وابتعادهم عن واشنطن، وقالت إن الولايات المتحدة بدأت في خسارة مصالحها ونفوذها في الشرق الأوسط، لأنها بدأت في خسارة أصدقائها هناك، وبدأت تراقب الوضع الذي يشهد تحولا عميقا، حيث انقضى عهد الحكام السلطويين في المنطقة، ومنهم من كانوا أعداء لواشنطن مثل صدام حسين ومعمر القذافي وحافظ الأسد (الرئيس السوري الراحل)، ومنهم حلفاء أمريكا الذين اعتمدت عليهم في المنقطة مثل ياسر عرفات (رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل)، حسني مبارك (الرئيس المصري الأسبق)، زين العابدين بن علي (الرئيس التونسي السابق)، وعلي عبد الله صالح (الرئيس اليمني السابق). وقال إنه بالرغم من بقاء الملوك العرب حلفاء واشنطن، إلا أن أهم تلك الدول مثل السعودية لديها مشاكل خطيرة مع سياسات الولايات المتحدة، فلا زالت السعودية مستاءة أنه نتيجة لممارسات أمريكا صعد رئيس وزراء شيعي للحكم في بغداد (نوري المالكي)، ولا زالت غاضبة من قبول واشنطن الإطاحة بحسني مبارك (عبر ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011)، كما تشعر الرياض بالاستياء من ضغط واشنطن على البحرين لتحقيق إصلاحات (استجابة لضغوط الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في 14 فبراير/شباط 2011)، إلى جانب رفض أمريكا اتخاذ موقف متشدد مع إسرائيل فيما يخص القضية الفلسطينية. كما أشار المحلل الأمريكي إلى قرار واشنطن الأخير بتعليق جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وهي حليف وصديق عربي آخر للولايات المتحدة، واعتبر أن ذلك الإجراء ساهم في ابتعاد كل الأطياف السياسية المصرية تقريبا عن واشنطن بدءا من الجيش لليبراليين للإسلاميين وصولا لرجال الأعمال. واعتبر أنه للمرة الأولى منذ نصف قرن، أصبحت واشنطن تفتقر إلى شريك عربي حقيقي تستطيع التعاون معه في المسائل المتعلقة بالسلم أو الحرب، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تضاؤل مصداقيتها إلى حد كبير، حتى في الشارع الأمريكي نفسه، وضعف القادة العرب والدول نفسها، والتغيرات المضطربة التي تشهدها المنطقة في السنوات القليلة الماضية. إسرائيل أصبحت أكثر قوة واستقلالية أكثر من أي وقت مضى وأشارت المجلة إلى أن السبب الخامس هو أن إسرائيل أصبحت قوية وأكثر استقلالا من أي وقت مضى، وقال إن قوة إسرائيل والدعم الأمريكي المستمر لها والعجز العربي، كل هذا جعلها الأقوى والأكثر أمنا في المنطقة، أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى. ويجب أن تدرك واشنطن إنه إذا ما تعرضت الدولة العبرية لخطر وجودي فأنها سوف تتصرف بشكل أحادي. وقالت إن إسرائيل لم تكن أبدا عميلة لأمريكا، ولكنها على العكس من ذلك أصبحت أكثر استقلالية من خلال الدعم الأمريكي، موضحة أنه إذا تحركت إسرائيل عسكريا ضد إيران في حال فشل الجهود الدبلوماسية، فإن ذلك يكون دليلا على أن واشنطن عاجزة عن استغلال نفوذها في المنطقة.

 ● إمكانية الوصول لحلول دبلوماسية للصراعات في المنطقة وفي ختام تقريرها أرجعت المجلة السبب السادس إلى إمكانية الوصول إلى اتفاقيات وحلول دبلوماسية للنزاع في الشرق الأوسط. وأشارت إلى خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، الذي بدا عبره وكأنه ليس مستعدا للانسحاب من المنطقة، وأوضح أنه ملتزم بالوصول لحلول فيما يخص القضية النووية الإيرانية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقال إن تلك القضايا أحد أهم أولويات سياسته الخارجية خلال فترته الرئاسية الثانية. ولفتت المجلة إلى أنه بالرغم من التحديات وكثرة المطالب الفلسطينية والإسرائيلية والإيرانية التي ستواجه واشنطن، إلا أنه بعد الوصول إلى اتفاق أمريكي روسي متعلق بنزع الأسلحة الكيميائية السورية يمكن التنبؤ بحدوث أي شيء..


ليست هناك تعليقات: