الخميس، 6 يونيو 2013

سياسيون وراقصات فى صراع مع الجن على كنوز الآثار.



صراع الجن والحرامية.. على كنوز الآثار
 " الجــــــن عــــــــايز دم " 
 مجدى سلامة محرر الوفد ينضم لعصابة تنقيب عن الآثار 
 ويرصد 10 مشاهد كارثيةعلى عمق 900 متر



اثناء البحث عن مقبرة فرعونية استعد لقراءة مشاهد في سخونة عين الشمس وإثارة روايات ملك الرعب «ستيفن كينج»...
 أبطـــال المشاه د.. جن وعفاريت وشيوخ وراقصات ورجال أعمال وسياسيون وعمال حفر وقطع أثرية.. ومعهم العبد لله كاتب هذه السطور. 
وحتى أجمع هذه المشاهد، صاحبت الخوف، وركبت سفينة الرعب، ونمت في أحضان الموت، وتحدثت مع الجان والعفاريت وقضيت ساعات طويلة في نفق عمقه 90 متراً تحت الأرض. أيام ودعت فيها الصحافة واحترفت حرفة جديدة ففتحت أمامي أبواب عالم الرعب والإثارة والفساد.. ولم تكن تلك الحرفة سوى «عامل حفر». 
قبل أكثر من عام استوقفتني حكايات استغلال البعض للانفلات الأمني، في التنقيب جهاراً نهاراً عن الآثار.. وقرأت كثيراً عمن يسخرون الجن في تحديد مكان الكنوز الأثرية المدفونة في باطن الأرض، وسمعت عن عمليات حفر لا تتوقف في كل محافظات مصر تقريباً، بحثا عن أثر هنا، أو كنز أثري هناك.. ومن هنا جاءتني فكرة هذا التحقيق.. الانضمام لعصابات البحث عن الآثار حتى أتمكن من رصد خفايا هذا العالم المثير، ومعرفة كيف يكفر لصوص الآثار.. وكيف يعملون؟.. ولمن يبيعون ما لديهم من آثار؟.. ومن يساعدهم؟.. وما حقيقة تورط سياسيين كبار وشيوخ ومشاهير وأساتذة جامعة، في التنقيب عن الآثار؟ 
وكان السؤال المهم: كيف أخترق هذا العالم السري الخطير.. في البداية اتصلت بمن أعرف من مفتشي الآثار طالبا مساعدتي في الوصول الى احدى عصابات التنقيب عن الآثار، فاعتذروا جميعا مؤكدين عدم معرفتهم بأحد في تلك العصابات. 
لم أفقد الأمل، وتعلقت بأهداب موعظة المسيح - عليه السلام - التي يقول فيها «اسألوا تعطوا.. اطلبوا تجدوا.. اقرعوا يفتح لكم».. ولهذا ظللت أسأل وأطلب وأقرع الأبواب، وكلما التقيت زميلاً أو صديقاً أو مصدراً صحفيا كنت أحرص على أن أتحدث معه عن سرقة الآثار، فإذا وجدته مهتما بالقضية، أسأله مباشرة: هل يمكن أن تساعدني في الوصول الى احدى عصابات البحث عن الآثار؟.. وبعد أسابيع وشهور من البحث جاء الفرج. 
 ■ المشهــــد الأول: الوسيط جاء الفرج.. وتوصلت الى وسيط على علاقة وطيدة بأحد الأشخاص المهووسين بالتنقيب عن الآثار، ووعدني الوسيط بأن يحاول إقناع صاحبه بأن يلحقني بالعمل معه كحفار، وتمكن بالفعل من ذلك بعد أن أقسم له بأن يضمني بـ «رقبته». 
وحدد الوسيط موعد لقائي بالمنقب عن الآثار وفي الموعد المحدد اصطحبني إليه، قبل أن نصل الى مكان للقاء قال لي الوسيط: «أنا ها أعرفك على عم محمد - وهذا هو اسم المنقب عن الآثار - وإنت وشطارتك معاه». 
وصلنا الى منزل عم محمد، وليس في رأسي سوى أمر واحد وهو أن أقنعه بأنني حفار ماهر وأنني عامل له تاريخ طويل في البحث عن الآثار، والحقيقة كنت مضطرباً وخائفاً من الفشل في إقناع الرجل بذلك ولكن ما جعلني أشعر ببعض الاطمئنان هو أن اللقاء كان في الحادية عشرة مساء.. و«الليل ستار» - كما يقولون. 
طرق الوسيط باب عم محمد فأحسست وكأنه يطرق على قلبي.. تسارعت أنفاسي، وتلاحقت ضربات القلب.. وفتح عم محمد الباب، فاستقبل صاحبه «الوسيط» بترحاب واضح وسلم علىَّ بفتور، ثم تجاهلني تماما وكأنني غير موجود، وراح يتحدث مع الوسيط عن موضوعات بعيدة كل البعد عن الآثار.. ومن جانبي التزمت الصمت. 
ويبدو أن الوسيط لاحظ هذا التجاهل، ولهذا أراد أن ينهي هذه الحالة، فوضع يده على كتفي وقال لعم محمد: «دا مجدي اللي قلت لك عليه، وهو معلم كبير في الحفر وهيفيدك في شغلك». 
سكت الوسيط لكي يتكلم معي عم محمد ولكن المفاجأة أنه لم ينظر إلىَّ ولكنه رفع صوته قائلا: يا شيماء هاتي العشا»! 
وجابت «شيماء» العشا.. لحمة مسلوقة وملوخية وخبز وأرز ومخلل.. أكل عم محمد بنهم وتظاهرت بأني آكل. 
وبعد الأكل قدم لي سيجارة، ورغم أنني غير مدخن ويصيبني دخان السجائر بالاختناق، فإنني قلت في نفسي: لو قلت له إنني غير مدخن قد يثير ذلك شكوكه فأغلب الحرفيين والصنايعية مدخنون، ولهذا أخذت منه السيجارة وأشعلتها، ومع أول «نفس» كدت أختنق لكني تحاملت على نفسي، وبينما أنا مشغول بالسيجارة ودخانها فوجئت به يسألني: انت اشتغلت قبل كده في الحفر؟ 
 ■ المشهد الثاني:جهاز كشف الكذب أمطرني «عم محمد» بأسئلة عن الحفر وكأنه يجري لي امتحاناً شفوياً.. وكان يعيد بعض الأسئلة بصيغ مختلفة ربما ليعرف إن كنت صادقاً أم كاذباً، ولهذا أحسست أنني أخضع لاختبار على جهاز كشف الكذب. 
والواقع أنني كنت أكذب في إجاباتي على كل الاسئلة ولكنني في ذات الوقت كنت حريصاً على أن تكون إجاباتي مقتضبة جداً، حتى لا أنسى ما قلته. 
حفرت في مناطق كثيرة في بني سويف وسوهاج وأنفاق غزة.. اشتغلت في مقابر رومانية وفرعونية.. مش عاوز أتكلم عن نفسي في الشكل، بكره هتشوف شغلي بنفسك .. بهذه العبارات تلخصت إجاباتي في أغلب اسئلة «عم محمد». 
 وكان القدر رحيما بي في إجابة سؤالين.. أولهما كان كفيلاً بأن يكشف أنني «مليش في الحفر».. والثاني غيّر تماما وجهة نظر «عم محمد» تجاهي». 
انت اشتغلت «بالهيلتي»؟ هذا هو السؤال الذي لم أفهمه، فلم أكن أعرف ما هو «الهيلتي» ولهذا تظاهرت بأنني عاوز سيجارة، وبسرعة أخرج «عم محمد» علبة السجائر وأعطاني سيجارة، فتظاهرت للمرة الثانية بأنني منشغل بإشعالها، وبينما كنت أفعل ذلك، كنت أستحث عقلي لعله يسعفني بمعرفة «ما هو الهيلتي». 
واستمر الرجل يطاردني: اشتغلت بالهيلتي؟ عندما لم أجد مفراً من الرد، قلت: آه.. فرد: كويس .. إحنا بكره هنشتغل بالهيلتي، فتنفست الصعداء وقلت في نفسي «بكره يحلها ألف حلال مع الهيلتي». 
وواصل عم محمد: احنا بكره هنشتغل في مقربة ملكية فرعونية وفاضل لنا متر ونص ونوصل لباب المقبرة.. وإحنا خلاص وصلنا للفحم وعديناه.. عارف يعني إيه؟ كنت حتى ذلك الحين لم أستجمع تركيزي منذ سؤال «الهيلتي» ولكن ما إن سمعت كلمة «الفحم» حتى انتبهت بكل حواسي ولهذا قلت: يا مسهل. خمنت أن الوصول لـ «الفحم» معناه أنك اقتربت جداً من باب المقبرة، وكنت قد قرأت من قبل أن الفراعنة يحيطون بمقابرهم بطبقة من الفحم حتى يمنعوا تسرب المياه إليها. 
وبعد كلامي عن الفحم اقتنع عم محمد بأنني حفار فاهم ولي في «الكار» ولهذا تغيرت نبرة صوته الى الهدوء النوعي وتغيرت نظراته فصارت أقل حدة، كما توقف عن إلقاء الاسئلة وقال: «شغلك هيكون معايا.. لا تسأل عن حاجة ولا تتكلم مع أي حد.. واللي يسألك قول أنا تبع عم محمد». تسرب الهدوء إلىَّ ، وقلت: أنا جاهز أشتغل من دلوقتي.. فقال: لا إحنا بنشتغل بالنهار. قلت: والشرطة مش ممكن يعني.. وقبل أن أكمل قال عم محمد: محدش يقدر يجيلنا هناك واللي ييجي نقتله حتى لو محمد مرسي نفسه. 
وواصل: «سيبك انت من الكلام ده.. انت تنام دلوقتي وبكره هنمشي الساعة 7 صباحاً، ويوميتك - يقصد الأجر الذي سأحصل عليه في اليوم - 70 جنيهاً وأكلك وشربك ونومتك عندي، وهنوديك للشغل ونجيبك منه.
المشهد الثالث :طقوس ما قبل الحفر الشيطان يعظ كانت عقارب الساعة قد تخطت الثانية عشرة مساء حينما وضعت جنبي على سجادة بالية موضوعة فوق حصير بلاستيك، وفرها لي عم محمد لكي أنام عليها، وبدلاً من أن أنام أعاد عقلي شريط حواري معه، ولما وصلت الى جملة قالها «عم محمد» حتى انتفضت واقفا وتملكني الشيطان وفعل بي الأفاعيل! «فاضل متر ونصف ونوصل للمقبرة» تلك هى الجملة التي كادت تجنني.. لماذا؟ لأن هذه المسافة قصيرة جداً ولا تحتاج أبداً للاستعانة بحفار إضافي، وغريب مثلي، فمن حفر حتى صار بينه وبين المقبرة متر ونصف يمكنه بسهولة استكمال باقي المسافة ومعنى ذلك ان الاستعانة بي قد لا تكون لها علاقة بالحفر وانما لشىء آخر. ووسوس لي الشيطان أن عم محمد والعاملين معه ربما استعانوا بي ليقدموني قربانا للجان الذي يحرس المقبرة فحسبما قرأت عن فتح المقابر الفرعونية فإن كل مقبرة يكون لها حارس من الجان، وهذا الجان لا يتركها الا اذا قدموا له قربانا.. طفلاً أو شيخاً أو رجلاً أو امرأة حسبما يطلب.
وقلت لنفسي لابد أن جان المقبرة طلب رجلاً يذبحونه على باب المقبرة حتى تُفتح، ولابد أنني أنا سأكون صاحب هذا المصير المأساوي. ظلت هذه الافكار الشيطانية تصول وتجول في رأسي حتى شعرت وكأن رأسي صار في حجم هرم خوفو. فكرت في الهرب من منزل الرجل ولكنني تراجعت فماذا سيفعل بي إذا رآني أتسلل خارجاً من منزله في آخر الليل؟ فكرت في أن أتصل بأحد من أصدقائي لعله يهتدي الى فكرة للنجاة مما أنا فيه ولكنني فوجئت بأن شبكة الموبايل غائبة وعندما استسلمت لما ستفعله بي المقادير.. وقلا: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.. وسلمت أمري لله.. وبعد دقائق قليلة انطلق صوت مؤذن لصلاة الفجر، فهدأت روحي قليلاً وقبل أن يكمل المؤذن الأذان ابتلعني بحر النوم فرحت في سبات عميق.
المشهد الرابع: لم أنم في ليلتي الأولى سوى ساعتين.. ففي السادسة والنصف صباحاً فوجئت بطرقات عنيفة على الباب، وصوت «عم محمد» يطلب مني سرعة الخروج ويهتف العربية وصلت والناس مستنية برة. طلبت مهلة لدقائق حتى أصلي ولكنه رفض وقال: «الناس مستنية ولو عايز تدخل الحمام الصحرا هناك واسعة!» ورغم صوته العالي وإصراره على أن أخرج فوراً، توضأت وصليت وبعدها انضممت الى العمال الذين كانوا يجلسون في صندوق سيارة نصف نقل وإلى جوارهم أدوات الحفر.. فأس وكوريك و«مقطف» وشنطة تشبه حقائق السباكين اضافة الى كمية كبيرة من الخبز وطبق فول وحوالي نصف كيلو جبنة بيضاء وكولمان به ماء مثلج وكيس سكر وباكو شاي. كان الصمت يسيطر على الجميع، فلم نتحدث طوال الطريق رغم أن السيارة سارت بنا حوالي ساعة حتى وصلت بنا الى قلب منطقة صحراوية متاخمة للمدينة التي كنا فيها.
وعندما وقفت السيارة لم أكن أرى الا صحراء بلا آخر ولم ألحظ أي دليل على أن المنطقة بها مقبرة أو حفر من أي نوع، ولكن بمجرد نزولي من السيارة اكتشفت اننا فوق منطقة مرتفعة قليلاً وأن أسفل تلك المنطقة توجد خيمة وبالقرب منها حفرة مساحتها تزيد على 50 متراً مربعاً.
تصورت أن العمل سيبدأ فوراً، ولكنني كنت واهما فقبل البدء في الحفر هناك طقوس خاصة يجب اداؤها بعض هذه الطقوس يقوم بها «الشيخ» والجزء الثاني يقوم بها رئيس عمال الحفر.
فكل عملية حفر عن آثار أو كنوز يشرف عليها شيخ من المشايخ، هذا الشيخ يستعين بالجان في المساعدة في عملية الحفر وتحديد مكان المقبرة أو الكنز، ويكون نصيب الشيخ ثلث الكنز أو ثلث ما يوجد في المقبرة.
ولكن اذا كان بعض الشيوخ يستعينون بالجان في تحديد أماكن الكنوز الاثرية فلماذا لا يسخر ذات الشيوخ ما يعرفونه من جن لاستخراج هذه الكنوز دون حاجة الى حفر وتعب ومشقة؟.. وجاءتني الاجابة بأن الجان الذي يستعين به بعض المشايخ أضعف من الجان الحارس لمقابر الفراعنة ولهذا لا يمكنه مواجهته وتقتصر دوره فقط على تحديد مكان المقبرة.
بعض الشيوخ يبدأون طقوس الحفر بقراءة الفاتحة سبع مرات، أما الأقوياء منهم فيقرأون سورة البقرة.. وفي ذات الوقت الذي يقرأ فيها الشيوخ القرآن، يبدأ رئيس عمال الحفر في تلاوة آيات معينة من القرآن الكريم.. ويبدأ رئيس العمال بقراءة الفاتحة ثم أوائل سورة البقرة وخواتيم ذات السورة ثم يقرأ 4 آيات من سورة النور وتحديداً الآيات التي تبدأ بقول الله تعالى: «الله نور السماوات والأرض» ثم يتلو بعض آيات من سورة الملك ثم يقرأ المعوذتين وسورة الصمد 7 مرات.
وبعد أن يتلو كل هذه الآيات يتوجه مباشرة الى حافة الحفر ويقول بصوت مسموع «باسم رب سليمان غادر المكان بسلام.. عليك السلام» ثم يكرر كلمة «سلام» 7 مرات.
ولا تتوقف طقوس بداية الحفر عند ذلك بل تستكمل بغلي ماء منقوع به «حلفا بار» وعندما يبدأ الماء في التبخر يحمله رئيس العمال الى حافة الحفر ويردد: «اخرج بسلام.. اخرج بسلام». ولأول مرة أعرف أن عيدان «الحلفا بار» تستخدم كبخور لطرد الجان ولما سألت: لماذا لا يستخدم البخور العادي؟ كانت الاجابة أن البخور المعروف يجلب الجان والعفاريت، أما تجار «الحلفابار» فتطرد الجان والعفاريت.
المشهد الخامس: أهلاً بكــــم في عـــــــالم الجــــــــن.. انتهت طقوس بداية الحفر.. وحان وقت العمل..
توجهت الى حافة الحفرة، فطلب مني عم محمد أن أنتظر حتى يتم تشغيل مولد الكهرباء.. ولأول مرة اكتشف وجود المولد، ووجوده يعني أن الحفر عميق.
بينما عم محمد مشغول بتشغيل مولد الكهرباء، بحثت عن المصحف الذي كان يقرأ منه طقوس بدء الحفر وقررت أن آخذه معي الى مكان الحفر. وقبل أن أنزل الى مكان الحفر اقترب مني عم محمد، وقال: «لما تنزل تحت ممنوع تأخذ «ميه» معاك وممنوع البصق على الأرض وممنوع النوم وممنوع الجري اذا انقطعت الكهرباء وممنوع تقتل أي حاجة تحت». وواصل: «لو عملت أي حاجة من اللي حذرتك منها هيلبسك الجن في لحظة». سألته: وأعمل إيه لو انقطعت الكهرباء؟.. فقال: اثبت في مكانك وأنا معايا موبايل فيه كشاف هينور المكان كله، وعلى الموبايل قرآن مسجل بصوت الشيخ محمد محمود الطبلاوي، وصوت الطبلاوي زي البلسم هيريحك ويبعد عنك أي روح شريرة.
لا إرادياً ضغطت يدي على المصحف الذي أحمله واحتضنته فقال عم محمد: بلاش تاخذ المصحف معاك.. تحت مصاحف كتير. توجه «عم محمد» الى الحفرة وتبعته، وبدأ في النزول.. وكم كان النزول مروعاً.. كان علينا ان ننزل على سقالة خشبية مائلة لعمق 15 متراً، وبعدها ننزل على سلم خشبي لعمق 25 متراً، ثم عمق مائل لمسافة 15 متراً تنتهي بمصطبة عريضة يبدأ بعدها نفق بعمق مائل لمسافة 15 متراً ثم نفق بعمق 10 أمتار متصل بنفق آخر بذات العمق، وبعد هذا كله نصل إلى مكان الحفر. وكم كان النزول صعباً وقاسياً.. وكان نزولي على السلم الخشبي هو الأقسى فالمسافة بين كل «سلمة» و«سلمة» تزيد على نصف متر، وكان كل خوفي أن يسقط بي السلم وعندها يكون الموت الفوري هو المصير المحتوم.. ولكن الله سلم. وكلما كنت أنزل إلى داخل نفق الحفر كنت أتشبث أكثر بالمصحف وأردد دوما: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وأخيراً وصلت الى منطقة الحفر، وكانت على عمق 90 متراً تحت الأرض، وأحسست بضيق في التنفس، كما لو كان الأوكسجين قليلاً، ولما لاحظ «عم محمد» أنني أتنفس بصعوبة طلب مني أن أجلس قليلاً قبل أن أبدأ في الحفر. وظللت لدقائق حتى تعودت على المكان ونظرت حولي فإذا بأكثر من مصباح كهربي موفر للطاقة، وعدة مصاحف وزجاجة بلاستيكية بها ماء ورد، وجزء من «سعفة» خضراء.. وخنافس وشاكوش صغير و«مسطرين» وشكائر بلاستيك. المصاحف والسعفة - كما قيل لي - تطرد الأرواح الشريرة، أما ماء الورد فيتم رشه في المكان لمقاومة الروائح الكريهة التي تنطلق من خلف الصخور، كلما اقترب الحفر من المقبرة. وجاء دوري في العمل، فأمسكت الهيلتي «جهاز حفر كهربي يشبه المثقاب» وبدأت أحفر.
وكانت المفاجأة.. عندما بدأت الحفر، نسيت الجن والعفاريت ولم يعد يشغلني سوى أمر واحد فقط، وهو سرعة الحفر لكي أصل الى المقبرة، وتملكني شعور غريب بأن أكون أول من يصل الى مقبرة الأميرة الفرعونية الراقدة بسلام منذ آلاف السنين.
ودون أن أدري تقمصت دور الحفار وحفرت بكل قوتي حتى إن عم محمد شكرني شغلي وأعجب به.
وأثناء الحفر كان يصادفنا حجارة من كل شكل ولون، وكنا نزيلها ونواصل الحفر، ولكننا وجدنا ثلاثة حجارة متراصة بشكل غير عادي.. واحد على اليمين ولونه أسود وفي الوسط حجر أحمر اللون وعلى اليسار حجر أبيض.. حاولت خلع الحجارة الثلاثة ففشلت وعندها تركني عم محمد في مكان الحفر،وصعد لأعلى النفق لكي يتصل بالتليفون بالشيخ! ... تركني أحاول استخراج الحجارة الثلاثة وأمرني بشكل مشدد بأن أتوقف عن الحفر إذا وصلت لحجر أبيض كبير، وقال: «لو وصلت للحجر الأبيض لا تلمسه وسمي باسم الله وصلي على النبي حتى أعود إليك».
واصلت الحفر، وعاد عم محمد بعد بضع دقائق، وقال: إن الشيخ أكد له أن باب المقبرة على بعد نصف متر وأنه يجب أن نحفر باتجاه القبلة.
قلت: وهل كان الفراعنة يدفنون موتاهم في اتجاه القبلة؟.. فقال: كانوا يدفنون موتاهم في اتجاه الشرق، والشرق بالنسبة للمكان الذي نحن فيه هو اتجاه القبلة تماما.
عاودت الحفر، حتى كاد كتفي تنخلع وكادت يداي أن تنفجرا بالألم.. فطلبت استراحة.. ووافق عم محمد، وصعدنا لأعلى، ولكني ندمت بعد ذلك فلقد كان الصعود لأعلى مرهقاً وشاقاً خصوصاً صعود السلم الخشبي الذي كنت اذا صعدت عليه أو نزلت أشعر بأن روحي تفارقني وتكاد تصعد الى السماء.
بعد استراحة قصيرة شربت خلالها كمية كبيرة من المياه، عاودت العمل والحفر حتى الرابعة عصراً، وبعدها قال «عم محمد»: خلاص كده نكمل بكره. لم أسأله وقتها لماذا نتوقف الآن، لأنني وقتها كنت بالفعل على وشك السقوط على الأرض من شدة التعب وكانت قدماى عاجزتين عن حملي. وبعد أن انتهى يوم العمل وجدنا سيارة مختلفة عن التي جئنا بها صباحاً تنتظرنا فركبناها وسارت بنا في طريق آخر غير الطريق الذي سرنا فيه صباحاً وكأن الأمر كان مقصوداً حتى لا يعلم أحد من الحفارين الطريق المؤدي الى مكان الحفر.
وهكذا صارت طقوس الحفر يوميا.. ورغم التعب والمشقة والموت الذي يهددني كل لحظة أثناء الحفر، كنت مصراً على مواصلة الحفر حتى الوصول الى المقبرة، الا أن عم محمد أكد لي أن مهمتنا ستتوقف عندما نصل الى باب المقبرة وقال: «لن نفتح المقبرة فقد تم الاتفاق على بيعها مغلقة بـ 10 ملايين جنيه». 
قلت: بيعها لمين؟ فقال: لناس فرنسيين. قلت: وإيه عرف الفرنسيين بالمقبرة.. فقال: غاضباً مش شغلك خليك في الحفر ومتسألش.. وعند هذا الحد مات داخلي أمل أن أكون أول من يرى مقبرة الأميرة الفرعونية التي عملت لساعات طويلة حفاراً على بابها.
المشهد السادس: وراء كل مقبرة.. جريمــــــة.. 
 لن أتحدث عن حجم الألم العضلي الذي أصابني خلال عملي كـ «حفار» ولا عن التعب الذي ضرب جسدي كله من شعر رأسي حتى أطراف أصابع قدمي، فالأخطر من ذلك كله، هو ما عرفته بسبب عملي هذا، ومن بين ما علمته أن وراء كل عملية بحث عن مقبرة جريمة بشعة. 
على سبيل المثال المقبرة التي عملت بها لأول مرة، تم اكتشافها بشكل مثير.. أحد الأطفال كان يلهو، فوجد جذع شجرة محترقاً، أراد نزعه من الأرض فاستعصى عليه، فاستجمع كل قوته وتشبث به وجذبه بقوة، فخلعه من الأرض واكتشف أنه جذر شجرة في نهايته «جرة» قديمة.
أخذ الطفل «الجرة» وعاد الى منزله، وبمجرد دخوله المنزل، توفى والده بشكل غامض، ولما علم أقارب الطفل الحكاية طلبوا منه أن يعيد الجرة الى المكان الذي وجدها فيه، فنفذ الطفل أوامر أهله، وبعد أيام دفعه الفضول لرؤية الجرة فراح يبحث عنها في المكان الذي دفنها فيه فلم يجد لها أثراً وكانت تلك الواقعة دليلاً على أن المكان فيه كنز كبير.
وتطوع أحد أقارب الطفل واسمه «عبدالله» واستدعى شيخاً للمكان، فاشترط الشيخ الحصول على ثلث ما سيجدونه في المكان قبل أن يتحدث بكلمة واحدة،وبعدما تعهد له «عبدالله» بتنفيذ طلبه قال الشيخ: إن المكان فيه كنز ثمين عبارة عن 3 مقابر ملكية فرعونية. لم يصدق «عبدالله» كلام الشيخ واستعان بأحد أساتذة الآثار الذي جاء الى المكان حاملاً جهازاً صغيراً وجهاز لاب توب، ولما وصل الدكتور الى المكان الموعود وضع الجهاز على الأرض ووصله بجهاز اللاب توب وبعدها أجرى عدة قياسات ثم قال لـ «عبدالله»: أنا مستعد أن أعطيك 7 ملايين جنيه فوراً وتترك لي المكان كي أحفر فيه وأستخرج ما به من آثار.
 رفض «عبدالله» العرض المغري الذي قدمه الدكتور وعاود الاتصال بالشيخ ليساعده في الوصول الى المقبرة فاشترط الشيخ عماد الحصول على ثلث ما يوجد في المقبرة مقابل تسخير الجان في تحديد مكان المقبرة وتأمين الحفارين من هجوم الجان الحارس للمقبرة، ووافق عبدالله على طلب الشيخ «عماد» وبدأ في الاستعانة بحفارين للبحث عن الكنز الموعود.
المشهد السابع: الجن عايز دم..
 أكثر ما عرفت إيلاما أن لكل مقبرة فرعونية حارساً من الجن يسمونه «رصد» وهذا الرصد لا يترك المقبرة الا إذا تم تنفيذ طلبه.
ومن بين المآسي التي عرفتها أن راصد إحدى المقابر طلب ذبح طفل أمام المقبرة حتى يغادرها، وبالفعل تم تكليف إحدى العصابات بخطف طفل لذبحه على باب المقبرة! ......
مقبرة أخرى طلب راصدها ذبح رجل عجوز على بابها وبحثت العصابة عن رجل عجوز لذبحه وفوجئ بأن أحد الحفارين كان يعرض نفسه ليتم ذبحه مقابل 27 ألف جنيه يتسلمها أولاً ويسلمها الى أبنائه ثم يعود إليهم لكي يذبحوه.. وتم تنفيذ العملية بالفعل.. وباع العجوز نفسه بـ 27 ألف جنيه وذبحوه على باب المقبرة.
وتبقى حكايات الجن والرصد هى أشهر الروايات التي يتبادلها المنقبون عن الآثار.. وأغرب ما سمعته منهم أنهم أثناء الحفر تقابلهم مفاجآت غريبة في احدى المقابر وجدوا على عمق 10 أمتار «قرد».. صدمت المفاجأة الحفارين فتجمدوا في أماكنهم، فهاجم القرد أحدهم فقطع رقبته ثم قفز من الحفرة هارباً الى الخارج، وسرعان ما اختفى! مقبرة أخرى وجدوا على عمق 20 متراً أرنباً أبيض فر في لمح البصر الى الخارج ثم اختفى.
 أما حكايات الذين ابتلعتهم «المهالك» والفخاخ التي نصبها الفراعنة على أبواب مقابرهم فلا حصر لها.. والثابت أن الفراعنة وضعوا حجراً أمام كل مقبرة ومن يقف على هذا الحجر ينقلب به فيسقط في حفرة عميقة ثم يغلق عليه الى الأبد. ولهذا فإن محترفي الحفر يعملون لهذا الحجر ألف حساب، وحتى ينجو من هذا الفخر القاتل فإنهم يضربون حواف الحجر الأربعة بقطع خشبية ضخمة وبعدها يضربون وسط الحجر بذات الخشبة بعنف شديد وعندها ينقلب الحجر ويستقر في مكانه ويغلق المهلك للأبد.
المشهد الثامن: سياسيون وراقصـــــات.. 
 من بين أخطر ما علمته أن سياسيين كباراً احترفوا التنقيب عن الآثار من خلال عصابات تعمل لحسابهم، وأن أحد أعضاء جماعة الاخوان تمكن من الحصول على مفتاح المقابر وهو مفتاح سحري قادر على فتح أي مقبرة فرعونية.
ويرفض الباحثون عن الآثار من الاسلاميين بيع التماثيل الحجرية ويعتبرونها أصناماً ولهذا يتركونها للحفارين ويكتفون بالحصول على التماثيل الذهبية والزئبق الاحمر ويحتفظون بالزئبق الأحمر بدفنه في الدقيق أو داخل رغيف خبز فوجوده وسط الدقيق أو الخبز يحميه من سرقة الجان له.
ويعتبر أغلب الاسلاميين أن البحث عن الآثار حلال ويرون الآثار خبيئة حلال على من يصل اليها.
والمثير أن مشاهير كثيرين في مصر يبحثون منذ سنوات عن الزئبق الأحمر ويعرضون شراءه بأي ثمن وعلى رأس هؤلاء راقصة شهيرة جداً، ورجل أعمال تدخل منتجاته كل بيت.
ووصل الهوس بالزئبق الأحمر في مصر لدرجة غير مسبوقة حتى إن والد ثلاثة ضباط شرطة باع كل ما يملك للحصول على الزئبق الاحمر وبعد أن دفع ملايين الجنيهات لم يحصل على شىء واختفى الرجل الذي وعده بتسليمه الزئبق الأحمر، فأصيب والد الضباط بالشلل حزنا على ضياع «شقي عمره».
لماذا وصل الهوس بالزئبق الاحمر لهذه الدرجة؟
الاجابة تقول إن هناك اعتقاداً سائداً بين المصريين أن من يحصل على الزئبق الاحمر يمكنه أن يسخر أقوى الجان وبعدها يمكنه أن يأمر بما يريد، بما في ذلك سرقة أغنى بنوك العالم!
المشهد التاسع: متاحف خاصة في مصر
 المفاجأة التي لا يعلمها كثيرون هى أن في مصر متاحف خاصة تضم آثاراً لا تقدر بثمن.. هذه المتاحف مقامة في منازل عدد من الوزراء ورجال الأعمال. وقبل عام 2010 كان 54 مصرياً يحتفظون بكميات هائلة من الآثار في منازلهم.. تماثيل وعملات وآثار مختلفة الأشكال والاحجام بعضها حجري وبعضها خشبي وبعضها من المعادن.. وكانت وزارة الآثار تتولى الاشراف على تلك الآثار وتجري لها جرداً سنوياً. ومن بين هؤلاء وزير الخارجية السابق بطرس غالي والملياردير المصري رؤوف مشرقي ورجل الأعمال فاروق الشاعر، والأخير تمت سرقة 58 ألف قطعة أثرية من الآثار التي يحتفظ بها. ورغم أن قانون 2010 ألغى الحيازة الشخصية للآثار الا أن حوالي 10 أشخاص فقط سلموا لوزارة الآثار ما لديهم من قطع أثرية بينما لايزال 44 شخصاً آخر يحتفظون بما لديهم من آثار بالمخالفة للقانون.
 ■ المشهد العاشر: آثار وفاكهـــة! 
 ويبقى السؤال: كيف يتم بيع الآثار؟ أتاح لي عملي كحفار عن الآثار معلومات عديدة عن بيع الآثار.. فالآثار التي يتم الوصول اليها يتم تصويرها بالفيديو وهذا الفيديو يتم عرضه على تجار الآثار في مصر وخارجها. ومن يوافق على الشراء يرسل خبيراً في الآثار الى البائع لمعرفة ما اذا كانت القطعة المعروضة أصلية أم تقليداً ويحصل الخبير على 10 آلاف جنيه مقابل تحديد نوع الآثار المعروضة. وإذا كان المشتري من الخارج يتم تصوير القطعة الأثرية وإلى جوارها ورقة نتيجة بتاريخ اليوم الذي تم كشفها وورقة عملة بقيمة المبلغ المطلوب فمثلاً لو كان المطلوب بالدولار يتم وضع دولار مدون عليه قيمة المبلغ، أما لو كان بالجنيه فيتم وضع جنيه وإلى جواره رقم بقيمة المبلغ المطلوب. وكانت المفاجأة الأكبر التي أكدها لي الأثري نور الدين عبد الصمد مدير عام المواقع الأثرية بالمجلس الأعلى للآثار وهى أن مطارات مصر وموانيها جميعا ليس فيها أجهزة تكشف عن الآثار ويقول: يمكن بسهولة تهريب الآثار وسط كونترات الفاكهة أو الخضراوات التي يتم تصديرها للخارج عبر الموانئ المصرية. ويضيف: في أوروبا وأمريكا الشمالية هناك مليارديرات يعشقون شراء الآثار المصرية للاحتفاظ بها في منازلهم. ويواصل: للأسف كل المواقع الأثرية في مصر حالياً يتم التعدي عليها وما يتم ضبطه لا يتعدى 1٪ من الذي يتم تهريبه ومصر صارت الأولى عالمياً في تهريب الآثار.
سرقة أثار مصر فى عهد مبارك
 نهب وسرقة الآثار المصرية قبل وبعد الثورة
 عمليه بيع الاثار و فتح المقابر الملكيه
 




▬▬▬▬ ●●●ஜ۩۞۩ஜ●●● ▬▬▬▬

ليست هناك تعليقات: