الجمعة، 14 يونيو 2013

من أين يأتي الإحساس بالجمال؟ وما هو الجمال؟



الأنوثة‏...‏ شكل أم إحساس؟


القرار الذي اتخذته الممثلة العالمية إنجيلنا جولي بإجراء جراحة لاستئصال الثديين خوفا من الإصابة بسرطان الثدي كان حديث العالم‏.‏ الكل أتفق علي أنها امرأة شجاعة جريئة ذكية وواثقة من نفسها ومن جمالها وأنوثتها.. لكن البعض قال إن ما فعلته لا يقدر عليه غيرها, كامرأة تملك الأدوات الكافية كي تتخذ مثل هذا القرار.
 فهي أولا: تمتلك المقدرة المادية والعائلة التي يحسدها عليها العالم وهي متحققة بما يكفي.. لكن ماذا عن المرأة البسيطة التي تمر بأزمة نفسية رهيبة منذ لحظة إعلان نتيجة الأشعة مرورا بمراحل العلاج ونهاية بالجراحة ومواجهة العالم, والذات بحياة بدون ثديين اللذين هما صميم الأنوثة واكتمالها.
 ماذا تفعل المرأة لتقبل نفسها بدون ثدي؟
هل كل امرأة مثل إنجلينا قادرة علي تجاوز وتخطي هذه المرحلة؟
فضلا عن امتلاكها القدرة المادية لزراعة ثدي بجراحة مكلفة.
البعض لم ير فيما فعلته الممثلة الشهيرة أيقونة الجمال والأنوثة الطاغية, شجاعة لكنها جرأة القادر وليست لعموم النساء. إنجلينا قالت في المقال الذي نشرته بعنوان خياري الطبي شارحة: يمكنني الآن أن أخبر أطفالي أنه لا داعي للخوف من ضياعي منهم بسبب سرطان الثدي. من المهم و المطمئن لي ألا يوجد في حياتهم بعد الآن ما يشعرهم بالقلق وعدم الراحة, يرون الآن ندبات وآثار الجراحة علي جسدي وهذا هو التغيير الوحيد. فيما عدا ذلك فلازلت ( ماما) نفسها, و يعرفون إلي أي مدي أحبهم ولدي استعداد لأفعل المستحيل لأبقي معهم قدر استطاعتي. ومن الناحية الشخصية لا أشعر الآن أنني امرأة أقل شأنا عما كنت, أشعر بالقوة لأنني اتخذت قرارا قويا لا ينتقص شيئا من أنوثتي.
 * لكن هل تستطيع كل إمراة تقبل حياتها بعد جراحة استصال الثدي؟
 ربما كان سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطانات التي خضعت للدراسات النفسية لأنه يتعلق بجزء محوري في صميم الأنوثة وتقبله من جانب المرأة والتعايش معه يحتاج الي قوة غير عادية وإرادة فولاذية كما يقول د.محمد غانم أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: بعض من وصفن شعورهن بعد إصابتهن بالمرض قلن: قد أموت, أصبح عاجزة, معتمدة علي غيري, أو عبئا علي عائلتي وأصدقائي, أفتقد القوة العاطفية لعلاج السرطان, لقد أورثت المرض لبناتي, ما كان علي أن أنجب أطفالا, زوجي يستحق أفضل من هذا, علي إخباره بأن يتزوج بأخري, لن أتمكن من الزواج إلا من شخص مريض أو مصاب بعاهة.
 ثم تبدأ مرحلة العلاج الكيماوي وتساقط الشعر وهي أيضا مرحلة مؤلمة تفقد فيها المرأة جزءا مهما محوريا آخر من أنوثتها وهو تاج جمالها شعرها. ويكمن المرض لفترة ثم يعود لتعود المرأة إلي نقطة الصفر, ذعر, صدمة, إنكار, رعب... عليها الآن تحضير نفسها لأمر لابد منه نفس الرحلة المؤلمة. وتأتي المرحلة الأخيرة: جراحة لاستصال الثدي صدمة تقارب الموت ربما كان الموت أفضل بالنسبة لبعض النساء.. د.غانم لا يعتقد ان تجاهل المشكلة والتعامل علي أن شيئا لم يحدث هو الطريقة المثلي للأمر خاصة من جانب المحيطيين. بل الأفضل أن نساعد المريضة علي تقبل شكلها الجديد, فقد فقدت جزءا مهما لكنها مازالت جميلة, ولابد من تغييرالفهم القاصر للأنوثة فهي ليست بمقاييس محددة ولا بالكيلو بل بالإحساس النابع من الذات ومن الداخل. ربما كان ما فعلته الممثلة الأمريكية قرارا يعزز إرادة النساء ويشجعهن, وان كان ليس ضروريا كإجراء طبي كما يؤكد العديد من الأطباء,لكن الأهم هو المعني الكامن وراء خيار انجلينا الطبي..قالت: لا أشعر إنني إمرأة أقل شأنا.. أتخذت قرارا لا ينتقص من أنوثتي.
 هنا تطرح الأسئلة نفسها عن معني الأنوثة... هل للأنوثة شكل محدد, ومواصفات معينة, إن لم تتحقق ذهبت الأنوثة إلي غير رجعة, هل الأنوثة إحساس داخلي ينعكس خارجيا أم العكس.. كم من النساء يمتلكن من المقاييس الشكلية ما يجعلهن يشبهن ربات الجمال وفتيات أغلفة المجلات, لكن لا تشعر فيهن بالأنوثة.
وأخريات أقل جمالا ولا تشبه أجسامهن الساعات الرملية ولكن يفضن بالأنوثة ويقطرن عذوبة. الأغرب أن نساء جميلات ولديهن كل الإمكانيات والمقاييس التي اتفقت عليها المجتمعات لكنهن لا يشعرن بجمالهن بل يشعرن بالقبح وأخريات أقل جمالا وموقنات من جمالهن الخارق.. سبحان الله خلطة عجيبة.
 *من أين يأتي الإحساس بالجمال؟ وما هو الجمال؟ 
 استطلاع للرأي أجرته شركة مستحضرات تجميل عالمية, أوضحت نتائجه أن4% فقط من النساء في العالم يشعرن بأنهن جميلات وأن القلق تجاه المظهر أو الشكل يبدأ في سن مبكرة وأن72% من الفتيات من عمر10 سنوات وحتي السابعة عشر يشعرن بضغط نفسي كي يظهرن جميلات وان11% فقط من هؤلاء الفتيات حول العالم يشعرن بالإرتياح عندما يصفن أنفسهن بأنهن جميلات وأن هناك ضغوطا متزايدة عليهن كلما كبرن مع تناقص واضح في الإحساس بالثقة بالنفس.. الأزمة ليست إذن في جزء تم اقتطاعه من الجسم بل حتي في ظل وجوده قد يحدث نفس الأثر.. وأوضحت الدراسة أيضا: أن المرأة عندما تمتلك إحساسا إيجابيا عن نفسها فهي أقرب ما تكون راضية عن ذاتها الجسدية أو صورة جسدها والعكس بالعكس وتكشف الدراسة عن إرتباط عقيدة النساء عن الجمال وبين المظهر والمقاييس الشكلية للجسم, وبين قبول الذات نفسه, وأن تقدير الذات وقبولها المرتبط بمدي الرضا عن المظهر والشكل يؤثر علي إرادة الحياة نفسها. أما علي المستوي العربي فقد ذكرت الدراسة أن9 نساء من كل10 في الدول العربية غير راضيات عن جمالهن ولا يعتقدن أنهن جميلات.. برغم أنهن لم يجرين جراحات كـ انجلينا بل علي العكس نسبة كبيرة منهن أجرين بالفعل عمليات تكبير وشد ومازال شعورهن بالجمال ناقص.. الحقيقة أن خلطة الإحساس بالجمال امتزج فيها الجمال بالقبح, وقبح الجمال كما وصفه د.ميلاد نصر في كتابه الجمال في زمن القبح, فأصبحت المرأة تخضع لإغراء متواصل ولنماذج جمال مصطنعة ويستشهد الباحث بما قاله الروائي الإيطالي امبرتو ايكو في حوار مع مجلة كي لير الفرنسية حول الجمال كقيمة وكيف تحولت وتبدلت تلك القيمة في تعريفاتها مرارا وتكرارا بفعل الثقافة والإعلام.. لم يبق هناك نموذج ثابت للجمال فنحن نجد أنفسنا أمام متجر كبير للجمال حيث يشتري كل شخص ما يشاء. ولم يبق هناك نموذج كلاسيكي وهو مأزق خطير لأن ذلك سيوجد دائما الأحدث وما كان رائجا بالأمس سيصبح قديما اليوم. ولذلك فنحن نعيش تحت الابتزاز أكثر بكثير من إنسان العصور السابقة.. نحن خاضعون لابتزاز النماذج المعروضة علينا, فحتي أجمل عارضة أزياء هي في الواقع أقل جمالا من الصورة.. وبذلك نحن دائما خاضعون للابتزاز ونماذج مصطنعة من الجمال. *كيف يجعلنا الإعلام نكره أجسامنا؟! كان هذا هو عنوان مجلة من المجلات الأمريكية وتناول الموضوع كيفية عرض وسائل الإعلام لمفهوم جمال المرأة وتحديده لمعاييره.. وكيف أن المعايير التي يقدمها الجمال المفترض أن تكون هي مقاييس صعبة المنال.. لكن مع الأسف الشديد يلهث الرجال والنساء أيضا حاليا خلف تلك المقاييس ومحاولة الوصول إليها بشتي الطرق: ريجيم, مستحضرات تجميل, جراحات, وأساليب أخري, وإن لم ننجح في الوصول إلي مقاييس الجمال المعروضة أمامنا نصاب بالإحباط بل نكره اجسامنا ونرفض أنفسنا طالما أن شكل وجمال الجسد والوجه مرتبطان بقوة بفكرة قبول الذات.


ليست هناك تعليقات: