الجمعة، 31 مايو 2013

الصراعات القادمة ,الأمن المائي أخطر الملفات المصرية


.. نهر الكونغو .. 
هل يصبح ''النيل البديل'' لمصر ؟


تظل قضية الأمن المائي أحد أهم وأخطر الملفات المصرية على الإطلاق باعتبارها مسألة مصيرية، خاصة وأننا نعد أكثر الدول الإفريقية اعتماداً على مياه نهر النيل في شتى أمور الحياة.
ومع المشهد السياسي الراهن في القارة الإفريقية وبالتحديد في منطقة حوض النيل يشير إلى أن القارة السمراء مرشحة لأن تكون مسرحًا للعديد من الصراعات القادمة في ظل التنافس الدولي على مواردها .
 الأمر الذي أظهر حاجتنا الماسة إلى وسائل جديدة لزيادة المياه الواردة إلينا ومع تأزم الأوضاع بين دول المنبع والمصب والحديث عن إعادة توزيع حصص مياه النيل للسيطرة على أكبر كميات من المياه العذبة على أراضيها ظهرت العديد من الدراسات التي انتهت إلى إمكانية شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد نهر النيل من خلال السودان خاصة وأن هذا النهر يهدر جزء من مياهه العذبة في المحيط الأطلنطى ..
 طرح القضية للنقاش خاصة وأنه سبق طرح هذه الفكرة مطلع القرن الماضي في عام 1902 من خلال ''آباتا '' كبير مهندسي الري المصريين في السودان بالتزامن مع توقعات مستقبلية بمواجهة مصر لمأزق مائي حرج مع التوسع الإثيوبى في إقامة السدود المائية والتي سيكون لها بالغ الأثر علينا .
  نهر الكونغو .
يعتبر نهر الكونغو ثاني أكبر أنهار إفريقيا وخامس أنهار العالم من حيث الطول وكان يطلق عليه سابقًا ''نهر زائير؛ حيث ينساب لمسافة تصل إلى نحو 4600 كيلو متر مربع عبر وسط غربي إفريقيا. ورغم أن نهر الكونغو من أغزر الأنهار في العالم إلا أن النهر ليست له دلتا، أما مياه النهر المحملة بالطمي فهي في خندق عميق وتمتد داخل المحيط الأطلسي دون أن يتم استغلالها؛ حيث يصل إيراده المائي إلى 1350 مليار متر مكعب / سنة أي 16 مرة مثل إيراد نهر النيل، الذي لا يتعدى 84 مليار متر مكعب / سنة محسوبا عند أسوان.
فيما يتميز نهر الكونغو بثبات إيراده طوال العام؛ حيث أن نصف روافده تقريبا تقع في النصف الجنوبي من خط الاستواء وباقي الروافد شمال الخط، وحيث تختلف فصول العام شمال خط الاستواء عن جنوبه وبالتالى تختلف فصول الأمطار، ويجعل ذلك روافده التي تقع في فصول الجفاف لا تغذي النهر بالمياه، وعلى عكس ذلك الروافد التي تقع على الناحية الأخرى من خط الاستواء فإن مياهها تسيل مغذية هذا النهر العظيم بالمياه والعكس صحيح. وتؤكد الدراسات أن هذه خاصية عظيمة للنهر؛ حيث أنه لا حاجة إلى أي '' تخزين قرنى''، ولكن الأمر لا يتعدى تخزينًا سنويًا فقط، فيما تندفع مياه نهر الكونغو بسرعة عظيمة جدًا؛ حيث أن انحداراته وشلالاته تصل في مجموعها إلى قوة شلالات قارة أمريكا الشمالية مجتمعة، ويتسبب هذا الاندفاع الرهيب لمياهه في هروب السكان بعيدا عن المجرى وعدم الإقامة قريبا منه وهو ما يجعله يصب مياهه في المحيط الأطلنطي بسلام دون أدنى استفادة منها.
**معوقات وصعوبات
كانت البداية مع الدكتور حسين العطفى - وزير الموارد المائية والرى السابق - والذى أكد على أن هذا المشروع تم عرضه عليه عندما كان مسئولاً في الوزارة والذى يقضى بتوصيل مياه نهر الكونغو الديمقراطية بنهر النيل عن طريق جنوب السودان، مشيراً إلى أن الوزارة في هذا التوقيت أبدت تحفظها عليه. وأضاف العطفى:'' إن المشروع يواجهه العديد من المعوقات القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتى يجب وضعها في الاعتبار خاصة فيما يتعلق بالمياه، مشيراً إلى أن الطبيعة المرتفعة في المنطقة الواقعة بين النهرين تؤكد صعوبة التوصيل لارتفاع التكلفة'' .
وأوضح أنه من الناحية القانونية يستلزم لنقل مياه من حوض نهرى إلى آخر موافقة قانونية وفقاً لقواعد وقوانين دولية تشترط موافقة الدول المنظمة للأنهار المشتركة وذلك حتى تتفادى مصر حدوث أي نزاعات بين الدول المشتركة في النهر؛ حيث تمنع هذه القوانين التصرف في مياه النهر الدولى خارج الحوض الذي يضم مناطق داخل دولة وذلك حتى لا تتحول المياه إلى سلعة يتم بيعها وشرائها .
وأشار العطفى إلى أن المشروع من الناحية الاقتصادية مكلف للغاية ويحتاج إلى ميزانية ضخمة، مشدداً على ضرورة وجود رؤية واضحة ومشتركة مع السودان لدراسة مدى استيعاب المجارى المائية للمياه الواردة لها ومدى استعداداها لتنفيذ مثل هذا المشروع . 
وتابع الوزير السابق: '' نهر الكونغو بالفعل يصرف ما يقرب من 1300 مليار متر مكعب من مياهه داخل المحيط الأطلسى، ولكن توصيله صعب للغاية مشيراً إلى أن الأمر يحكمه معايير دولية، مشيراً إلى أن احترامها يهدف إلى التقريب بين الشعوب والدول وليس إثارة الخلافات حول موضوعات خلافية من أساسه ''. واختتم العطفى حديثه قائلاً: '' هناك أولويات وقواعد وضعتها الدولة للتعاون مع الدول الإفريقية بصفة عامة، مشيراً إلى ضرورة أن تتعاون دول حوض النيل للاستفادة من فاقد المياه الموجود في منطقة المستنقعات وتنفيذ مشروعات مشتركة بينها ''.
بدائل وإيجابيات
;وفى نفس السياق، أكد الدكتور ضياء القوصى - خبير المياه - على ضرورة تفعيل التعاون بين مصر والكونغو الديمقراطية فيما يخص الموارد المائية التي تمتلكها، مشيراً إلى أن نهر الكونغو تهدر منه كميات للمياة العذبة ضخمة للغاية دون أى استفادة . وأضاف : ''هناك العديد من الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع والتى أكدت إمكانية ضمان مصر بهذا المشروع حصة إضافية من موارد المياه، مشيراً إلى أن الكونغو كطبيعة جغرافية تمتلك الكثير من مساقط المياه التي تكفى ما يقرب من 20% من إنتاج الكهرباء على مستوى العالم ''. وأوضح القوصي أنه من الضرورى لمصر بحث فرص التعاون مع الكونغو ومحاولة إنشاء شبكة ربط للمياه في مصر بهذا النهر على أن تساعد مصر في توليد الطاقة والكهرباء لها بما نمتلكه من خبرات في هذا المجال خاصة وأن الكونغو متوسط استهلاكها من الكهرباء من أضعف معدلات الاستهلاك في العالم.
وتابع الخبير المائى: ''يصل طول النهر لما يقرب من 4 آلاف كيلو متر وكمية المياه به تصل إلى أكثر من 1900 مليار متر مكعب يضيع نسبة 75% منها في المحيط الأطلنطى وهو ما سيساعد في توليد الكهرباء، خاصة وأن الكثير من المناطق وأحياء العاصمة ''كينشاسا'' لا تزال غارقة في الظلام، ويعتمد السكان على أضواء الشموع لإنارة منازلهم. وعن الوضع الحالى بدون هذا المشروع، أوضح القوصى أن إجمالى حجم المياه في نهر النيل وهطول الأمطار يصل إلى 1600 مليار متر مكعب في العام، مشيراً إلى أن ما يقرب من 84 مليار متر مكعب تصل مصر والسودان معاً بنسبة 5 % .
وقال القوصي:'' إن المشكلة الحالية بين دول حوض النيل حول حصص المياه مفتعلة خاصة وأن دولة مثل ''بوروندى'' هى أكبر دول المنابع اعتماداً على النيل بنسبة 5% ثم تنزانيا بنسبة 3 % وكينيا بـ 2 % ثم أثيوبيا 1% وكلهم يطالبون بإعادة توزيع حصص مياه النيل على الرغم من استحواذهم على نسبة كبيرة منها وحتى الكونغو تطالب بمثل هذا الأمر على الرغم من امتلاكها لنهر يهدر مياهه في المحيط. واختتم القوصي حديثه قائلاً: '' من الأفضل بحث العديد من الخطط بين مصر ودول المنبع من خلال مشروعات تنموية تدعم الجانب الاقتصادي بينها وبين تلك البلاد ومن الممكن الاستفادة من معالجة مناطق المستنقعات وتسييرها إلى النهر أو الاستفادة من فكرة مياه الأنهار الجوفية مع تقليل الفاقد من مياه بحيرة ناصر من التبخير''.
ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد إبراهيم - باحث متخصص في الشأن الإفريقي - على ضرورة التحرك المصرى نحو العمق الإفريقي، مشيراً إلى أهمية تبنى استراتيجية واضحة ومحددة يتم تفعيلها نحو القارة السمراء. وأضاف : ''الاهتمام بقطاع البنية الأساسية يجب أن يقوم على بناء تكامل إقليمى بين دول حوض النيل من حيث الربط الكهربائى والمائى ووجود مشروعات مشتركة شاملة للزراعة والصناعة من أجل التعاون الاقتصادي على أساس من المنفعة المتبادلة'' . 
وأوضح الخبير في العلاقات الإفريقية أن الرئيس ''مرسى'' قام بالعديد من الجوالات في القارة السمراء وهو أمر جيد في زيادة الترابط ودعم أواصر التعاون، مشدداً على ضرورة أن تقوم الدبلوماسية المصرية بمزيد من الجهد وتكثيف المتابعات في هذا الصدد ومواجهة السياسات الخارجية التي تسعى لتفريق دول حوض النيل .






ليست هناك تعليقات: