الأحد، 17 مارس 2013

الصراعات الإقليمية بصيغة طائفية "العراق وسوريا " - فيديو



كردستان والتـــلويح بورقــة الطـــلاق


مرّ ما يقارب القرن على تنفيذ اتفاقية سايكس – بيكو وتسليم العراق للملك فيصل الاول ليصنع من تجمعات بشرية غير متجانسة دولة تحت الوصاية البريطانية. نموذج الدولة العراقية الذي جرى بناؤه لم يعتمد على توحيد المصالح والشراكة المصيرية قدر اعتماده على القوة التي أوجدت العنف والعنف المضاد. وفي شمال العراق في إقليم كردستان لم تتوقف الثورة منذ ثلاثينات القرن الماضي إلا بعد سقوط نظام صدام حسين.
واليوم يواجه العراق خطر التفكك إلى وحداته الأساسية المكونة. هجوم على بغداد تعرّض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لهجوم عنيف شنته رئاسة إقليم كردستان بعد مصادقة البرلمان العراقي على الموازنة العامة للبلاد البالغة 119 مليار دولار، بمقاطعة النواب الاكراد لجلسة البرلمان، بعد اسابيع من التاجيل بسبب الخلافات حول مستحقات شركات النفط الاجنبية العاملة في الاقليم. واتهم بيان رئاسة الإقليم المالكي بـ"الانفراد والتسلط والإقصاء" ومواصلة "إنتاج الأزمات، وتدويرها وتصعيد التوتر"، وتمزيق وحدة البلاد. واعتبر البيان "اتخاذ القرار انفراديا، والاعتماد على التصويت العددي، يشكل خرقا فظا لكل ما كان اساسا لاطلاق العملية السياسية وللقاعدة التي بني عليها الدستور".
الطلاق بيد أربيل وأكد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي(وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني) أن الوزراء الأكراد مستعدون للانسحاب من الحكومة المركزية في حال أمرهم بذلك رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني. بينما أكد البارزاني رفضه "التبعية"، عارضا على الحكومة المركزية في بغداد عقد شراكة "حقيقية"، أو أن يسلك كل طرف "الطريق الذي يراه مناسبًا".
 منوها بأن العراق بعد عشر سنوات على اسقاط نظامه السابق، يعيش "ازمة حقيقية على كل الأصعدة.. وهي ليست بين بغداد وأربيل فقط، بل في العراق كله نتيجة عدم الالتزام بالدستور، وعدم تنفيذ اتفاقية أربيل بين القوى السياسية".
اتفاق أربيل عام 2010 برعاية مسعود بارزاني ادى إلى تشكيل الحكومة الحالية، ونص على تشكيل مجلس السياسات الاستراتيجية العليا، على أن يرأسه زعيم القائمة العراقية اياد علاوي، وأن ترشح القائمة العراقية شخصية لترأس وزارة الدفاع، كما نصّ على مراجعة العديد من المناصب وخاصة الامنية منها وترشيح هيئة جديدة للمساءلة والعدالة.
لكن القوى السياسية تتهم رئيس الحكومة نوري المالكي بالتنصل من هذا الاتفاق. في هذا الشأن اشار عضو إئتلاف دولة القانون عدنان السراج إلى أن المسؤولين في اقليم كردستان يسعون الى تكريس وضع خاص لإقليمهم بالنسبة للمخصصات وادارة الحكومة والعقود. وهدد القيادي في كتلة التحالف الكردستاني بمجلس النواب العراقي محسن السعدون بإعلان كردستان استقلاله النفطي عن الحكومة المركزية في بغداد، منوها بأن المادة 112 من الدستور منحت الإقليم صلاحية إدارة ملفه النفطي.
 عائدات النفط لمن؟ وكان الأعضاء الأكراد في البرلمان العراقي قد قاطعوا جلسة التصويت على موازنة العام الجاري، احتجاجا على عدم تضمين الموازنة المبلغ المخصص لدفع مستحقات شركات النفط العاملة في إقليم كردستان العراق، والخلاف حول المادة 140 المتعلقة بمصير كركوك، فضلا عن الخلاف حول ميزانية البشمركة(قوات كردية محلية).
وبدلا من المبلغ الذي يطالب به اقليم كردستان كمستحقات للشركات النفطية الاجنبية العاملة في الاقليم والذي يبلغ اكثر من 3.5 مليار دولار ، فقد خُصص ضمن الموازنة فقط ما مقداره 644 مليون دولار لشركات النفط العاملة في كردستان، ومنها شركات كبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون الأميركيتين وغازبروم نفط الروسية.
 الخلاف حول الموازنة فتح جبهة جديدة في نزاع طويل بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وقد وقعت سلطات هذا الأخير في السنوات الأخيرة عقودا مع شركات نفط عالمية بشكل مستقل دون موافقة بغداد، ويعتبر الإقليم أن الحكومة المركزية مَدينة له بأكثر من 3.5 مليار دولار لتغطية التكاليف التي تحملتها شركات النفط الاجنبية العاملة هناك على مدى السنوات الثلاث الماضية، غير أن بغداد تتمسك بعدم قانونية العقود المبرمة بين كردستان العراق وشركات النفط الأجنبية. وتطالب بغداد من جانبها حكومة الإقليم بعشرة مليارات دولار، هي إيرادات تصدير الإقليم لكميات من النفط الخام خلال السنوات التي تلت عام 2008.
وكانت حكومة كردستان العراق قد أوقفت شحن النفط الخام عبر خط أنابيب تسيطر عليه بغداد، يصل إلى ميناء جيهان التركي، وشرعت منذ أشهر بتصدير النفط الخام بصورة مباشرة الى تركيا بواسطة الشاحنات دون أخذ موافقة الحكومة المركزية. في حين تعتبر بغداد أنها صاحبة الحق الدستوري حصريا في تصدير النفط.وهذا الموضوع أصبح مركزيا في نزاع يتسبب في توتر العلاقات بين بغداد وإربيل. تحالف وانقسام ومخاوف جلال طالباني يتلقى العلاج في ألمانيا إثر إصابته بجلطة دماغية، والغموض المحيط بمصير حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعد غياب رئيسه جلال طالباني يثير قلق البارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم النصف الآخر من المنطقة الكردية، في وقت يشهد فيه التوازن الطائفي الهش في العراق توترا تغذيه الأزمة السورية.
 وكان التفاهم في الحكومة الإقليمية بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني قد ساهم في الازدهار السريع الذي شهده الإقليم في السنوات الاخيرة ، وشكل اتفاق تقاسم السلطة بين الحزبين جبهة موحدة ترعى مصالحهما في بغداد.
غير أن الحكومة الإقليمية الكردية المشتركة تخفي صراعا ما زال يحتدم بين الحزبين اللذين خاضا حربا أهلية عنيفة بعضهما ضد الاخر في منتصف التسعينيات. لكل حزب مجال نفوذه في المنطقة، ويتركز تواجد الحزب الديمقراطي الكردستاني حول أربيل وفي الشمال الغربي المتاخم لحدود سوريا وتركيا، في حين يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني على السليمانية والمناطق الكردية الجنوبية المتاخمة للحدود مع إيران. ولا يتمتع أي منهما بشعبية في معقل الآخر.
الاتحاد الوطني الكردستاني فقد بعض نفوذه لصالح "حزب التغيير" المعارض (غوران) الذي انفصل عن الطالباني عام 2009، وجذب عددا كبيرا من الانصار نتيجة تنديده بالفساد والحكم السلطوي. وبخروج الطالباني من الساحة السياسية، من المتوقع حدوث المزيد من الانشقاقات في صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني، وانضمام المنشقين إلى حزب التغيير الذي تحدى البارزاني بالفعل بمطالبته بانتخاب الرئيس عن طريق البرلمان بدلا من التصويت الشعبي. أمن وازدهار المحافظات الكردية الثلاث في شمال العراق (دهوك وأربيل والسليمانية) غدت أكثر المناطق أمناً وازدهاراً. ينمو اقتصادها بنسبة 12% سنوياً، وفيها الآن 25 قنصلية وسبع جامعات، ومطاران.
وقد استفادت 1500 شركة تركية من استقرار كردستان العراق، إلى جانب 50 شركة متعددة الجنسيات مثل (إكسون)، و(توتال)، و(شيفرون)، و(هانت أويل)، و(جون دير). علاقات اقتصادية متميزة مع تركيا وفي وقت تدهورت فيه العلاقات بحدة بين أنقرة وبغداد، وأعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أن تركيا ''دولة عدائية''، ويقول مسؤولون عراقيون إن أنقرة تتدخل في شؤونهم الداخلية وتعزز علاقتها مع الأكراد والأقلية السنية في محاولة لتقويض الحكومة في بغداد. توسع أنقرة روابطها الاقتصادية والدبلوماسية مع الحكومة الكردية، حيث تعمل حوالى ألف شركة تركية في الشمال العراقي، بينها بعض المصارف الشهيرة وشركات التجزئة والفنادق.
ووصلت الصادرات التركية للعراق إلى 10.8 مليار دولار عام 2012، ما جعل العراق ثاني أكبر مستورد من تركيا بعد ألمانيا. والشمال هو المستورد الأساسي تصله %70 من الصادرات التركية إلى العراق. نزاع حدودي تشكل الاراضي المتنازع عليها بين بغداد وكردستان في محافظات نينوى وكركوك وديالى اكبر تهديد لاستقرار العراق على المدى البعيد. ويشكل نشر التعزيزات العسكرية على خطوط التماس قرب مدينة كركوك ابرز ملامح هذا الصراع، وإمكانية لتحوله إلى صراع مسلح. لكن التصعيد في الوقت الراهن أمر مستبعد، فالمالكي لايستطيع فتح جبهة في الشمال قبل حلّ المشاكل في الغرب ، ومن المهم بالنسبة للبارزاني أن يحافظ على الوضع القائم في العلاقات مع الجارة الشمالية، وأن يحافظ خصوصا على الوحدة الداخلية الهشة في ظل غياب الطالباني. لكن كل اتفاق جديد بين بغداد واربيل يقود إلى تنازلات جديدة لصالح إقليم كردستان، وإلى إضعاف الحكومة المركزية الضعيفة أصلا، أي يقود إلى تأجيل البت في القضية الأساسية، قضية وحدة العراق.
عراض الربيع العربي وصلت إلى العراق والأزمة السورية صارت عاملا إضافيا يساعد على تعميق الأزمة العراقية في ظل تأثيرات خارجية تهدد بانفجار الأوضاع الداخلية.
رغم كل ماعرف عن موقف العراق من القضية السورية إلا أن الأنباء الأخيرة جاءت مفاجئة ومدهشة، فبغداد رفضت طلبا أمريكيا بتطبيق العقوبات المفروضة على ايران وسورية، واتهم هادي العامري الوزير في حكومتها تركيا وقطر بتقديم السلاح للمقاتلين في سورية ممن لهم صلة بتنظيم "القاعدة"، بما في ذلك "جبهة النصرة" المرتبطة بـ "قاعدة بلاد الرافدين".
 أما رئيس الوزراء نوري المالكي فحذر يوم الاربعاء 27 فبراير/شباط من انتصار المسلحين الذين يقاتلون النظام في سورية ، معلنا أن فوزهم سيؤدي الى اندلاع حروب طائفية في العراق ولبنان، والى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها.
مواقف حكومة المالكي ليست مستمدة من الارتباطات مع النظام السوري، أو مع طهران كما يحب البعض تصويرها بقدر ما هي انعكاس للواقع المعقد في العراق، لاسيما الاضطراب الشديد في الآونة الأخيرة. وهي خوف واقعي من تطور الصدامات إلى حرب طائفية تأتي على الأخضر واليابس في حال تدفق الإمدادات من الجارة سورية.
وقد نوه اليكسي بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي بأن القيادة العراقية تُدرك خطر عدوى الراديكالية التي قد تجتاح سورية، وهذا يعتبر اختلافا بين الموقفين العراقي والأمريكي حيال الأزمة السورية.
 أعراض الربيع العربي وصلت إلى العراق فتأسست اللجان التنسيقية العراقية وانطلقت تظاهرات واعتصامات تجري مثل العادة في أيام الجمعة، وتطلق عليها تسميات مؤثرة مثل "العراق خيارنا" و"العراق أو المالكي".
تشهدها محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين منذ أكثر من شهرين في سبيل تنفيذ عدد من المطالب، في مقدمتها إطلاق سراح السجناء وإقرار قانون العفو وإلغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب.
المالكي أشار إلى وجود تأثيرات خارجية على المظاهرات في المحافظات السنية في العراق، ملمحا إلى تركيا ودول خليجية، بينما قال العامري صراحة:"إن تقديم المال والسلاح لتنظيم القاعدة في سورية من قبل قطر وتركيا هو إعلان عمل عسكري ضد العراق لأن تلك الأسلحة ستوجه إلى صدور العراقيين بالتأكيد".
وانتقد تشكيل الميليشيات في العراق منوها بأن استخدامها مرة أخرى هو خطأ فادح، لأنه إذا شكل (الشيعة) ميليشيا وشكل (السنة) ميليشيا فالعراق سيضيع". ومما يزيد الاحتقان ورود أنباء عن توزيع منشوراتٍ في بعضِ المحافظات العراقية من قبل تنظيم يعرف بتنظيم دولةِ العراق الاسلامية التابعِ للقاعدة تدعو إلى محاربةِ الجيشِ والشرطة وتطالبُ طائفةً بعينها بالرحيل.
المالكى والبرزانى والحلف القديم



وفي محافظات ديالى وغيرها دعت المنشورات لمقاتلة الشيعة، وأكد عباس البياتي، عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون وجود "منشورات وأقراص مدمجة توزع في بغداد وديالى وبعض المناطق التركمانية تتضمن لقطات لعمليات ارهابية تهدف الى ترويع الاهالي ودفع الناس الى الهجرة وزيادة الاحتقان الطائفي". وقد حذرت القائمة العراقية بزعامة علاوي من مخاطر فتنة طائفية تواجهها البلاد ، بينما هدد المالكي برفع دعاوى قضائية ضد قادة المحتجين في المحافظات الغربية والشمالية بتهمة تأجيج الطائفية. وزاد الطين بلة اضطرار السلطات لاتخاذ اجراءات أمنية مشددة في العاصمة بغداد مساء الثلاثاء 26 فبراير/شباط، نتيجة خروج أتباع التيار الصدري في اعتصام عام في مدخل المنطقة الخضراء. ورغم أن أتباع مقتدى الصدر يطالبون بإقرار الميزانية لاغير، إلا أن الاعتصام هو تذكير بوجودهم. ووجدت جماعة علماء العراق نفسها مضطرة لاستنكار الطائفية التي كشرت عن انيابها في خطبة خطيب الرمادي عبد المنعم البدراني.
رئاسة اقليم كردستان العراق تحاول القيام بدور الوسيط في التهدئة عن طريق عقد اجتماع مع الاطراف السياسية بهدف حل الازمة الراهنة. الدولة العراقية في ظل التطورات الاقليمية وترتيب توازن قوى جديد في الشرق الاوسط تعاني أزمة حقيقية في الداخل المضطرب ، والأزمة السورية انعكست على الأمن العراقي، ومما يزيد من حدة الوضع أن لكل حزب رؤيته وسياسته في التعامل مع الملف السوري بحيث صارت الأزمة السورية عاملا إضافيا ساعد على تعميق الأزمة العراقية. لقد غدت الممارسات الطائفية أمرا واقعا في العراق حتى غزت المصطلحات الطائفية الخطابات الرسمية للقادة.
العراق بحاجة إلى استراتيجية وطنية بعيدة عن النعرات الطائفية، تقوم على أساس المصالح المشتركة لمختلف الطوائف المكونة للدولة، فهو يواجه خطر التحول إلى ساحة جديدة للصراعات الإقليمية بصيغة طائفية، في ظل احتفاظ دول الجوار بنفوذ في العراق، وهي الدول الإقليمية التي اختارت سورية ساحة صراع لها، مما يهدد العراق كدولة ويسير به نحو التقسيم. 


ليست هناك تعليقات: