الأربعاء، 20 فبراير 2013

فى يوم إفتتاح سفارة إسرائيل فى مصر ما الذى كان يشغل الاعلام ؟


شهادات تاريخية من واقــع زياراتهم لسفارة العــدو ..


ملفات صحفيي" البيرة " و "ورقة اليانصيب"
 فى يوم افتتاح سفارة العدو الصهيونى بالقاهرة : 
 مـا الـذى كــان يشغل الصحــف والتليـفزيون 
و"كبار" الكتّاب والصحفيين فى مصر؟!
• صلاح منتصر كان يكتب عن "فوائد الكرنب".. وأنيس منصور يكتب عن "فلوس صناديق النذور".. وعبد العظيم رمضان يكتب عن الأسباب "التاريخية" التى جعلت الملائكة لا تصافح "النساء".. 
ومصطفى أمين يسأل: ماذا تفعل لو كسبت ورقة "يانصيب" بمليون جنيه؟!
• جريدة "أخبار اليوم" تحتفل بأحسن لاعب.. و"الأهرام" تعلن عن "رقصة" جديدة لنجوى فؤاد.. وجريدة "الجمهورية" مشغولة بنتائج فوازير رمضان!
• وفى السهرة: التليفزيون يعرض الفيلم العربى "سلوا قلبى" وحلقة من المسلسل الأمريكى "مغامرات المرأة الخارقة" والسادات يحذر من "القلة الحاقدة "!
هذه صحف اليوم "الأسود" الكئيب.. هذه صحف اليوم الذى افتتح فيه السادات سفارة للكيان الصهيونى فى القاهرة.. صحف الثلاثاء 26 فبراير عام 1980.. 
فى ذلك اليوم الذى يبعد عنا الآن 33 عاما فى عمق التاريخ.. "فَرَكت" عينى مخذولا على صحف الحكومة المسماة بالقومية.. بشرتنى جريدة "الجمهورية" يومها -على الريق- بأن الصهاينة القتلة سيفتتحون اليوم سفارة لهم فى القاهرة، وسيغرسون علمهم ـ رمز الاحتلال والعنصرية ـ فى قلب المحروسة، وأن الرئيس "المؤمن" محمد أنور السادات سيتسلم ظهر اليوم الثلاثاء فى قصر عابدين، أوراق اعتماد "أول" سفير للكيان الصهيونى الغاصب المسمى "إسرائيل" فى القاهرة واسمه "إلياهو بن اليسار".. 
لم تذكر جريدة "الجمهورية" ولا غيرها، أن هذه هى "أول" سابقة فى التاريخ يقوم فيها رئيس دولة، بتسلم أوراق اعتماد سفير لدولة وهى ما زالت تحتل أرضه.. 
وعلى نفس الصفحة الأولى، بشرتنى جريدة "الجمهورية" أيضا، بأن السفارة المصرية فى الكيان الصهيونى سوف تبدأ هى الأخرى، أعمالها اليوم من الدور الثانى عشر بمبنى "الهيلتون " فى تل أبيب.. وبالاطلاع على باقى صفحات جريدة "الجمهورية": بشرتنى الجريدة على الصفحة التاسعة مثلا، بأن الشقق المفروشة بالقاهرة، أصبحت الآن (أحدث وسيلة لتخزين المخدرات والاتجار فيها) بعد أن زفت الجريدة إلى سكان ميت عقبة، ومقابر الغفير، وخيام الإيواء فى الشرابية، خبر (نجاح العميد رياض هاشم ورجاله فى ضبط شقتين "بالزمالك" مخبئا للمخدرات!!).. 
وبعد أن أبلغتنى نفس الجريدة بان إسرائيل ـ المسالمة!! ـ بدأت أمس (حملة جديدة من النسف والاعتقال لبيوت الفلسطينيين فى الضفة الغربية) طمأنتنى على الصفحة المقابلة، بأن الرئيس المؤمن أنور السادات (يطالب بحق تقرير المصير للمسلمين فى "الاتحاد السوفيتى"!!).
لحظــة من فضـلك
بالانتقال إلى جريدة "الأهرام" فاخرت هى الأخرى ـ على الصفحة الأولى ـ بأن الرئيس الأمريكى كارتر أعلن أمس بأن (تبادل السفراء بين مصر وإسرائيل، يعتبر تحقيقا لحلم الأصدقاء القديم).. وبشرتنى جريدة "الأهرام" على نفس الصفحة الأولى، بأن مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلى سيقوم هو الآخر، ووفقا لتصريحاته (بحملة "ضغط" واسعة لدى الكونجرس الأمريكى "احتجاجا" على تسليح أمريكا لمصر!!).. 
وردا على ذلك: هتفت جرائدنا الحكومية الثلاث، قائلة فى وقت واحد، بأن (وزارة الخارجية المصرية أصدرت "بيانا" تعرب فيه عن "دهشتها" من السيد بيجين الذى يتصور أن هذه الأسلحة الأمريكية "قد" تستخدمها مصر ضد إسرائيل، دون أن يستوعب ما يقوم به الإتحاد السوفيتى من تصعيد إمداداته بالأسلحة المتطورة لبعض الدول المجاورة لمصر فى المنطقة، مثل ليبيا وسوريا والعراق!!).. وأن هذه الأسلحة الأمريكية، وفقا لبيان وزارة الخارجية المصرية: (أمر عاجل وضرورى لتتمكن به مصر من الوفاء بالتزاماتها تجاه "الأصدقاء"!!).. 
من هم هؤلاء الأصدقاء؟! 
لم يقل البيان.. وعلى ذكر الأصدقاء، بادرت جريد "الأخبار" وعايرتنى هى الأخرى، وبالحرف، بأن (صور كارتر وبيجين، وثالثهم السادات، ظهرت أمس كإعلان انتخابى فى شوارع أمريكا!!).. أما فى شوارع القاهرة، وعلى نفس الصفحة الأولى من جريد "الأخبار"، فقد (نجحت تجربة بيع سندوتشات الفول والطعمية بخمسة عشر مليما)..
 هكذا قلت جريدة "الأخبار" نصا، وقالت أيضا (انتهت مشكلة سكان الخيام والمساجد والمقابر منذ أول يناير 1980 بفضل جهود الرئيس المؤمن أنور السادات!!).. 
وبعد أن طالبتنى جرائدنا "القومية" الثلاث فى إعلاناتها بان أعمل بالنصيحة الأمريكية، وأن أنظر حولى لأن عندنا مشكلة سكان، طالبتنى أيضا بأن أنحنى شكرا للانفتاح، ثم أنظر حوالى إلى (بوزو، وبمبم، والشامبو بالتفاح!!).. وبعد أن حذرتنى نفس الجرائد "القومية" الثلاث بأن حالة الجو ستشهد اليوم بعض "البرودة ليلا".. 
نصحتنى إعلاناتها بالأماكن التى يمكن أن أقضى بها (سهرة هذا المساء) بل وطمأنتنى بأن كلا من: الراقصة هياتم، وفيفى عبده، ونجوى فؤاد، وسحر حمدى (الليلة وكل ليلة فى كابريهات رمسيس، والأريزونا، والليل، والشيراتون) وغيرها من الملاهى والكباريهات المنتشرة فى ربوع القاهرة وفنادقها.. 
وفى أضعف الإيمان، فليلة رفع علم الصهاينة وهم ما زالوا يحتلون أكثر من ثلثى سيناء، يمكننى أن استمتع بها فى بيتى أمام التليفزيون مع الفيلم العربى الحالم (سلوا قلبى).. 
أو مع حلقة من مغامرات (المرأة "الأمريكية" الخارقة!!).
... لحظة من فضلك ...
أمام شاشة التليفزيون، نصحتنى الإعلانات بان أعظم اكتشاف منذ اكتشاف الفلتر، هو نكهة السجائر "الأمريكية" حيث تشعر معها بمتعة أكثر (فى ليلة تحقيق الحلم القديم للأصدقاء!!) كما وصفها الرئيس الأمريكى جيمى كارتر.. خصوصا، وأن جرائدنا "القومية" الثلاث بشرتنا، بأن (رجال الشرطة عثروا أمس على مخدرات بسبعة ملايين جنيه بدون صاحب!!) كدليل جديد على صحة ما سبق أن أعلنه الرئيس المؤمن أنور السادات من أن (عام الرخاء قد جاء قبل موعده!!) 
ولهذا لم ينس الرئيس المؤمن (فى أثناء كلمته أول أمس فى عيد الصيادلة أن يحذر من "القلة القليلة الحاقدة" التى تريد أن تعود بنا إلى معارك الحقد والكراهية!!).. 
وبعد أن بشرتنى جريدة "الجمهورية" بأن (نتيجة فوازير رمضان سوف تعلن خلال أيام).. بشرتنى جريدة "الأخبار" هى الأخرى بأن اليوم، الذى هو يوم افتتاح السفارة الصهيونية فى القاهرة، هو (يوم احتفال جريدة "أخبار اليوم" بأحسن لاعب) فى مصر.. وأن (النصب علنا) تحقيق صحفى شامل على الصفحة الثالثة من الجريدة.. ومن فرط "عدم" النصب: لم تقل لنا الجريدة، ولو فى سطر واحد، بأن اليوم هو يوم احتفال السادات وإسرائيل، بغرس العلم الصهيونى فى قلب المحروسة!!.. 
ولهذا، انتقلت إلى مقالات وأعمدة "كبار" الصحفيين والكتاب فى جرائدنا الثلاث، المسماة بالقومية، ربما يكون أحدهم مشغولا، أو مهموما "بعلم" الصهاينة القتلة الذى سيغرسه الرئيس السادات اليوم فى صدر مصر.. فهل تعرف ما الذى كان يشغل هؤلاء "النخبة" من كبار كتابنا وصحفيينا فى ذلك اليوم الأسود الكئيب؟! 
 فى جريدة "الأخبار" مثلا: وجدت أن الكاتب الكبير "مصطفى أمين" لا شىء يعكر عليه صفوه هذا الصباح سوى (نبأ انفجار الديناميت فى سيارة بشير الجميل قائد قوات الكتائب، التى تتولى حماية شمال إسرائيل من هجمات الفلسطينيين!!).. 
أما الأستاذ إبراهيم الوردانى الذى "يتشمس" اليوم بصواريخه، كما يقول، على كورنيش النيل، فقد أعرب فى جريدة "الجمهورية" عن انزعاجه الشديد هذا الصباح، ليس ـ لا سمح الله ـ من علم الصهاينة الذى سيلوث اليوم سماء القاهرة، وإنما من (اللامبالاة الغريبة، والمزعجة، حتى بين النخبة والمثقفين الذين لم ينظروا حولهم، وحول الفزورة المصرية التى اسمها تنظيم النسل!!) هكذا نصا.. ومثلما كان الكاتب الكبير إبراهيم الوردانى منزعجا يومها من المصريين الذين "لا يبالون" بكل هذه الإعلانات، وبكل هذه الفلوس التى "تبعزقها "هيئة المعونة الأمريكية ـ لله فى لله ـ من أجل أن ننظر حولنا (ونبطل إنجاب!!).. كان رائد التطبيع الشهير الدكتور عبد العظيم رمضان مهموما هو الآخر على الصفحة المقابلة بالبحث عما أسماه نصا (الأسباب "التاريخية" التى جعلت الملائكة لا تصافح المرأة المصرية!!).. تخيلوا.. منتهى الأمانة مع النفس فى ذلك اليوم المشئوم، خصوصا وأنه لم يعد فى حياتنا مخازٍ وهموم تشغلنا سوى أن تتصافح الملائكة مع المرأة المصرية "الشريرة!!".



... لحظة من فضلك ...

على الصفحة الأخيرة من نفس جريدة "الجمهورية" أعرب الكاتب الكبير "محسن محمد" فى مقاله عن تشاؤمه الشديد من أن (الشاعر أحمد شوقى، وحافظ إبراهيم، والعقاد، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وأم كلثوم، لن يتكرروا!!).. 
وفى ذيل المقال، عاد الكاتب "محسن محمد" وتذكر ثانيا بأن (مصر ليست عاقرا ولا عقيما).. وأن هؤلاء (الشوامخ ولدوا أيام الاحتلال، وارتبطت أسماؤهم بالسجن والنفى ومقاومة المحتل، ولهذا حفرت أسماؤهم فى الصخور الناصعة من تلال الزمن!!). 
 وبالرجوع إلى جريدة "الأهرام" لم يدهشنى، على الصفحة الأخيرة، أن "يتشاغل الكاتب الكبير جدا "أنيس منصور" بالكتابة عن (فلوس صناديق النذور) فى يوم غرس علم أصدقائه الصهاينة فى صدر المحروسة.. 
ولم يدهشنى أيضا أن يكون الكاتب الكبير "صلاح منتصر" مشغولا هو الآخر بالكتابة عن (فوائد الكرنب، وعن الليلة التى قضاها فى فندق سان إستيفانو) على شاطئ الإسكندرية!!.. وإنما الذى أدهشنى حقا، وأدين به لجريدة "الأهرام" هو أن أكتشف على صفحتها السابعة، كم أنا واهم وساذج ولا أستحق أن يكافئنى الرئيس المؤمن أنور السادات برئاسة تحرير مجلة المصور.. خصوصا بعد أن قرأت المقال الذى نشره يومها "الكاتب الكبير جدا جدا" مكرم محمد أحمد، بطول وعرض الصفحة السابعة من جريدة الأهرام بعنوان: (أول أيام التطبيع وأوهام الرافضين).. فى هذا المقال الفضيحة، الذى تم على أثره تعيين "الأستاذ" مكرم محمد أحمد رئيسا لتحرير مجلة "المصور" تطوع الأستاذ مكرم وقال إن أمثالى من رافضى التطبيع (يرون الخطر فيما يسمونه بإغراق السوق المصرية بالبضائع الإسرائيلية، من خلال عمليات التهريب وغير التهريب، وليس فى حسبان عاقل، أن تكون علب البيرة والشيكولاتة الإسرائيلية، خطرا على الاقتصاد المصرى، وهى البضاعة الأساسية لعصابات التهريب الآن إلى مصر!!) هكذا نصا كتب الأستاذ مكرم محمد أحمد يومها.. وبدلا من معارضة التطبيع، قال الأستاذ مكرم فى نفس مقاله: (كان الأولى أن نقول للقائمين على الصناعتين فى مصر، لماذا لا يطورون إنتاجهم وترفع شركات الصناعات الغذائية من مستوى الشيكولاتة المصرية؟!!..
لماذا لا يطورون إنتاجهم ويكون هناك علبة "بيرة" مصرية، وهى الأجود "مذاقا" يتم إنتاجها على ذات المستوى، بدلا من علبة البيرة الإسرائيلية، التى تباع بـ75 قرشا فى القاهرة!!).. فعلا، القائمون على صناعة البيرة والشيكولاتة فى مصر يستحقون "الذبح" لأنهم هم ـ وليس السادات ـ الذين وقّعوا مع الصهاينة ما يسمى باتفاقية السلام التى نزعت سلاح سيناء، وجعلت مصر لا تحرك دباباتها هناك إلا بإذن الصهاينة!!
... لحظة من فضلك ...
أخيرا وجدتها.. حروف وحيدة مضيئة انتشلتنى من كل هذا"السواد" والنفاق.. حروف وحيدة مضيئة، رفضت خزى الصمت والتواطؤ، وغرست فى صحفهم الرسمية، المسماة بالقومية "علم فلسطين".. حروف لم تهرب إلى الكتابة عن (الحزن لمقتل بشير الجميل) عميل إسرائيل، أو إلى الكتابة عن (فلوس صناديق النذور) ولم تصعد إلى رئاسة تحرير مجلة "المصور" على حساب أحزان المحروسة، والتهجم على الرافضين للتطبيع مع الصهاينة.. تلك هى بالضبط حروف الكاتب المحترم "أحمد بهجت" على صفحات جريدة "الأهرام" فى زاويته الشهيرة "صندوق الدنيا".. حيث كتب يومها نصا وبالحرف: (اليوم تفتح سفارة إسرائيل فى حى من أحياء القاهرة، واليوم أرفع فى قلبى علما لفلسطين العربية، ولا أضعه فى شارع من شوارع قلبى وإنما أضعه فى الميدان الرئيسى فيه، انتظارا ليوم رفعه على أرض فلسطين المحتلة، هذه هى القضية باختصار، وأعتذر عن الترحيب بعلم إسرائيل رمز اغتصاب حقوق الشعب الفلسطينى، وأرضه.. 
وإلى أن يحصل الشعب الفلسطينى الشقيق على حقه، سيظل هذا هو موقفى من العلم الإسرائيلى!!).. وستظل أيضا هذه الحروف المضيئة، تفضح تلك الحروف "الكريهة" التى كتبها دون خجل، من نسميهم "كبار" الكتاب والصحفيين المصريين فى ذلك اليوم الأسود المشئوم، يوم افتتاح سفارة للعدو الصهيونى فى القاهرة صباح الثلاثاء 26 فبراير عام1980.. وحتى تكتمل الصورة، معروف أن جريدة "أخبار اليوم" تصدر كل يوم سبت وليس كل يوم ثلاثاء.. وفى يوم السبت السابق على (تحقيق الحلم القديم للأصدقاء) كما وصفه الرئيس كارتر.. أى فى يوم السبت السابق على افتتاح سفارة الصهاينة فى القاهرة، تشاغل الكاتب الكبير"إبراهيم سعدة" بنشر صور السادات زعيم تحقيق الحلم الذى كان مستحيلا للأصدقاء، وهو يحلق ذقنه ويغسل وجهه، ويتريض فى غرفة نومه، ويركب "البسكلته" فى حديقة منزله.. وفى السبت التالى مباشرة، كان الأهم عند الأستاذ "إبراهيم سعدة" أن يتباهى فى مقاله بالنصر الصحفى الذى حققته جريدته فى الأسبوع الماضى، حيث تشرفت عن غيرها من الصحف الحكومية، بدخول "حمام" الرئيس السادات وغرفة نومه!!!

على الصفحة الأخيرة من نفس جريدة "أخبار اليوم" كان الأهم عند الكاتب الكبير "مصطفى أمين" هو الآخر يومها، أن يسال سكان الخيام والمقابر: (ماذا تفعل لو ربحت مليون جنيه إسترلينى من ورقة يانصيب!!).. أما جريدة الجمهورية بشرتنا على صفحتها الأولى، بخبر (الإفراج بلا تفتيش عن الطرود الدبلوماسية للسفارة الإسرائيلية من مطار القاهرة) بصرف النظر عن (ضبط أول محاولة ـ على الصفحة التاسعة ـ لتهريب المخدرات عن طريق سيناء) تحت راية التطبيع!! وللتدليل على الدور الحضارى الرائد، الذى تلعبه جامعات زمن السادات لتخريج غير الرافضين للتطبيع، فقد اعترفت أمس جريدة "الأهرام" على صفحتها العاشرة، بضبط أستاذ مساعد بكلية الطب، يفتتح فصلا دراسيا فى منزله للدروس الخصوصية لأبناء الطبقة الثرية، فى مجتمع الانفتاح) وتم ضبط أستاذ آخر فى جريدة الأخبار (يبيع الامتحانات للطلبة!!).. 
أما "كبار" الصحفيين والكتاب غير الرافضين للتطبيع مع الصهاينة) فمشاغلهم لم تتغير، فالكاتب الكبير "مصطفى أمين" مثلا، كتب فى ذلك اليوم أنه (طاف العالم شرقا وغربا، ولم يشهد أصحاب السيارات يضطرون لركن سيارتهم على منعطف الشارع، إلا فى القاهرة!!).. والكاتب الكبير "صلاح منتصر" مشغول اليوم، الذى هو يوم الخميس 28 فبراير عام 1980 بالكتابة عن: (فدان الكرنب الذى تتكلف زراعته 200 جنيه، ويباع بأكثر من 4800 جنيه"!!").. والأستاذ إبراهيم الوردانى مستمر لليوم الثانى على التوالى، فى الكتابة عن (انزعاجه من هؤلاء الذين لا يبالون بكتاباته، ولا ينظرون حولهم، ويحددون نسلهم، عملا بالنصيحة الأمريكية إياها!!).
 ... لحظة من فضلك ...
بينما أكاد اختنق من الرائحة الكريهة لبصمات زمن التطبيع، لم أصدق عينى، وأنا أقرأ فى جريدة "الأخبار" هذا العنوان: (مزارع مسلح بطوخ يحتجز موظفين ويرفض الإفراج عنهما إلا بعد طرد السفير الإسرائيلى من مصر!).. وعلى الفور، جرت عينى على الخبر لتقرأ ما يلى بالحرف الواحد: (اقتحم مزارع مسلح، مجلسا قرويا ببلدة أجهور مركز طوخ قليوبية، واحتجز اثنين من الموظفين بعد أن أصاب أحدهما بطلق نارى ورفض الإفراج عنهما وهدد بقتلهما إذا لم تستجب الحكومة ومجلس القرية والجمعية الزراعية وعائلته لمطالبه، وفى مقدمتها أن يتنازل أفراد أسرته عن بعض الأراضى الزراعية له لإصلاح أحواله المالية، وأن تقدم له الجمعية الزراعية بعض الآلات والأسمدة، "كما طالب أيضا بإبعاد السفير الإسرائيلى" من مصر!!).. 
هكذا نصا قال الخبر الذى نشرته جريدة "الأخبار" صباح الخميس 28 فبراير عام 1980.. ومضى الخبر يقول نصا: (استغاث المواطنون بالشرطة التى سارعت إلى هناك وحاولت التفاهم مع المزارع المسلح دون جدوى، مما اضطر رجال الشرطة إلى اقتحام مبنى المجلس المحتجز فيه الموظفان وتخليصهما، وقد أسفر ذلك عن إصابة المزارع واسمه سعد إدريس حلاوة، ويبلغ من العمر 35 عاما) وأضاف الخبر أيضا، أن والدة المزارع سعد حلاوة (أكدت فى التحقيق الذى أجرته النيابة أنه "مختل العقل" وقد أصيب باكتئاب نفسى بعد فشله فى دراسته الثانوية، وفشله فى الزواج، لرفض فتيات القرية له لتصرفاته الغريبة، ومعاملته السيئة لأسرته التى أدت إلى وفاة والده فى العام الماضى!!).. 
انتهى الخبر.. "فركت" عينى وأعدت قراءته ثانيا.. تأكدت تماما من وجود السطر الذى يقول: (كما طالب المزارع سعد حلاوة بإبعاد السفير الإسرائيلى من مصر).. تعلق قلبى بالسطر الذى يقول بأنه (أصيب بنيران الشرطة).. بسرعة، يدى وعقلى وقلبى قفزوا إلى جريدة "الأهرام".. توقفت عينى عند هذا العنوان: (إلقاء القبض على معتوه احتجز مواطنين فى أجهور تحت تهديد السلاح!!) ومضيت لاهثا أقرأ: (تمكنت أجهزة الأمن والشرطة من إنقاذ مواطنين من موظفى المجلس القروى فى قرية أجهور مركز طوخ قليوبية، احتجزهما شاب مختل القوى العقلية تحت التهديد المسلح، باستعمال مدفع رشاش، وأعلن الشاب أنه سيقتلهما ما لم تستجب السلطات لمطالبة، التى تراوحت بين طلب تمكينه من الحصول على أدوات خاصة بزارعة أرضه، وإجبار أسرته على التنازل له عن بعض الأطيان الزراعية، وإبعاد السفير الإسرائيلى من القاهرة، وقد حاولت أجهزة الأمن والشرطة إقناع الشاب المجنون بإطلاق سراح المحتجزين إلا أنه رفض الاستجابة إلى ذلك منذ يوم أمس الأول، وظل يذيع الأغانى والأناشيد الوطنية، مستعملا مكبرا للصوت، وعندما هدد الشاب بقتل المحتجزين ما لم تستجب الحكومة لمطالبة تدخلت قوات الشرطة، مما أدى إلى تبادل إطلاق الرصاص وأصيب الجانى وأمكن إلقاء القبض عليه، وتولت النيابة التحقيق!!) انتهى ما قالته جريدة "الأهرام" هى الأخرى، واتفقت مع جريدة "الأخبار" فى أن المزارع المسلح، الذى وصفته "بالمجنون" طالب بـ(إبعاد السفير الإسرائيلى من القاهرة).. لم تقل جريدة "الأهرام" أنه أصيب، وإنما تم إلقاء القبض عليه.. واتفقت كل من جريدتى الأخبار والأهرام أيضا على أنه (مجنون، ومعتوه، ومختل العقل!!) فهل المجنون، والمعتوه، والمختل العقل، يطالب بـ(إبعاد السفير الإسرائيلى من مصر؟!!).. فى الأسبوع القادم، نفتح معا ملف القضية (رقم 3090 لسنة 80 جنايات طوخ) ونعرف تفصيلا كيف انتقل اللواء محمد النبوى إسماعيل -وزير داخلية السادات- وقتها، وكيف قتل هو ورجاله الفلاح الشاب "سعد إدريس حلاوة" وسط أهله وأهل قريته.. لا لشىء إلا لأنه طالب بطرد السفير الصهيونى من القاهرة فى مثل هذا الأسبوع منذ 33 عاما مضت، ليصبح سعد حلاوة هو (أول شهداء مقاومة التطبيع) مع العدو الصهيونى.. فهل تذكرونه!! فى الثلاثاء القادم: فى ذكرى ذلك اليوم "الأسود" الذى افتتح فيه السادات سفارة للعدو الصهيونى بالقاهرة، نفتح معا ملف أول شهداء مقاومة التطبيع.. وكيف قتله السادات هو ووزير داخليته؟!
 كتب: تحقيق وتوثيق: شفيق أحمد على

؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛




ليست هناك تعليقات: