السبت، 23 فبراير 2013

ليبيا بعد عامين من الثورة‏..‏ديمقراطية متعثرة و دولة هشة - فيديو



لم تختلف حالة ليبيا وهي تحتفل بالذكري الثانية لثورتها‏
‏ عن حالة مثيلاتها من دول الربيع العربي مصر وتونس واليمن

 استمرار التعثر والتحديات التي أعقبت سقوط النظم الاستبدادية
 صعوبة المرحلة الانتقالية وإنجاز أهداف الثورة‏



‏ ورغم تشابه التحديات في دول الربيع من انتشار ظاهرة الانفلات الأمني والإخفاق الاقتصادي والفجوة بين تطلعات وتوقعات الجماهير والأداء علي أرض الواقع, والانقسام والاستقطاب السياسي الحاد بين التيارات السياسية, خاصة بعد صعود الإسلاميين إلي السلطة, إلا أن الحالة الليبية لديها بعض الإشكاليات التي تزيد من صعوبة المرحلة الانتقالية, وتتمثل في: إشكالية بناء الدولة: ففي عهد القذافي الذي استمر لأكثر من أربعين عاما لم تكن هناك دولة بمفهومها التقليدي المعروف وإنما نظام غريب ابتدعه القذافي سمي بنظام حكم الجماهير واللجان الشعبية وأنشأ معها اللجان الثورة وهي أشبه بمليشيات, وللذلك لم تكن هناك مؤسسات دولة حقيقية في كافة المجالات, وكان النظام يدور حول شخص القذافي ومليشياته, والتحدي الكبير أمام الحكومة الليبية الجديدة هو إعادة بناء مؤسسات الدولة العصرية من رئاسة للجمهورية والوزراء وبرلمان ونظام إداري واضح لإدارة المحافظات وبناء جيش نظام محترف للدفاع عن حدود البلاد, وجهاز شرطي لبسط الأمن الداخلي ليحل محل المليشيات المسلحة التي تنتشر في البلاد ويزيد عددها علي ألفي فرد هم المتحكم الأساسي في الشارع, مما أوجد معه غياب الأمن وتزايد انتهاكات حقوق الإنسان, ومن هنا فإن خريطة الطريق التي انتهجتها ليبيا بعد الثورة عبر الإعلان الدستوري في إنشاء المجلس الوطني العام وتشكيل حكومة انتقالية تمهيدا لتشكيل لجنة لإعداد الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تمثل خطوة جيدة صوب إعادة تشكيل ملامح النظام السياسي الليبي وتحويله من نظام الجماهيرية إلي مفهوم الدولة الحقيقي. 
ولذلك تبرز أهمية الإسراع في دمج واستيعاب كافة الثوار المسلحين الذين يزيد عددهم عن مائة ألف ضمن الأجهزة الأمنية للقضاء علي ظاهرة غياب الدولة وانتشار تلك المليشيات التي تشيع الخوف لدي السكان. 


إشكالية التحول الديمقراطي وخاصة قضية القبلية, فليبيا ليست كمصر وتونس حيث توجد بها أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وإعلام خاص وعام ونقابات مثلت بنية أساسية لتسهيل عملية التحول الديمقراطي, لكن في ليبيا لم تكن هناك أحزاب أو مؤسسات للمجتمع المدني حيث تحكمها القبلية بالأساس سواء في تولي المناصب أو توزيع الثروات, ولذلك فإن تكريس الديمقراطية كثقافة لتحل محل القبلية شرط أساسي لتسريع التحول الديمقراطي سواء علي جانب المؤسسات أو الجاني القيمي, وميزة ليبيا إنها لايوجد بها انقسامات دينية أو لغوية أو طائفية أو مذهبية ككثير من الدول العربية والتي تمثل عائقا أمام الاندماج المجتمعي ولكن القبلية هي الغالبة, ولذلك فإن تكريس فكرة المواطنة والانتماء القومي ليحل محل الانتماء للقبيلة يمثل أيضا تحديا أمام الحكومة الجديدة. ومن ناحية أخري فرغم وجود تيارات سياسية متعددة من ليبراليين وإسلاميين, إلا أن المجتمع الليبي لا يعرف التطرف الديني, رغم وجود بعض الجماعة الإسلامية المرتبطة فكريا بتنظيم القاعدة, لكن السمة العامة هو الاعتدال الديني ولذلك لم يكن مفاجئا فوز الليبراليين في انتخابات المجلس الوطني. 


 إشكالية المصالحة الوطنية: خاصة بين الثوار وأنصار النظام القديم, وهي من الألغام التي قد تفجر المسار الديمقراطي الليبي, فحكم القذافي الطويل قد أوجد فئة عريضة من الشعب في القبائل والمناطق الموالية له, خاصة في سرت وبني الوليد والجنوب استفادت كثيرا من النظام علي حساب بقية المناطق, كما أن لجوءه لاستخدام كل أدوات القهر والقتل من جانب مليشياته ضد معارضيه وخاصة عبر أيام الثورة العنيفة والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين ألف قتيل وإصابة مئات الآلاف, قد زاد من هذا الشرخ والذي انعكس في عمليات الانتقام من جانب بعض الثوار ضد مناصري القذافي بعد سقوطه, ولذلك فإن الإسراع بتطبيق قانون العدالة الانتقالية, علي غرار ما حدث في جنوب أفريقيا, يمثل ركيزة أساسية في إعادة اللحمة للشعب الليبي واستيعاب أنصار النظام القديم في المنظومة الديمقراطية الجديدة وتعبئة كل الجهود لإعادة بناء ليبيا الحرة لأن الانجراف إلي التصفية والانتقام سيدخل البلاد في دوامة من العنف المتواصل والمتصاعد, ولهذا كان الأمر الإيجابي هو مرور احتفالات الشعب الليبي بالثورة بسلمية رغم تخوفات البعض من اندلاع أعمال عنف وقتل.

من المسؤول عن الفوضى في ليبيا بعد الثورة ؟



إشكالية الاندماج القومي بين أجزاء التراب الليبي والحفاظ علي وحدة البلاد, ينبغي أن تحظي بالأولوية في النظام الجديد فنظام القذافي كما كان يفضل بعض القبائل علي بعض, فإنه أيضا همش الكثير من المناطق والمدن, خاصة في الشرق مثل بنغازي ودرنة والبيضا وطبرق وفي الجنوب مثل الكفرة وسبها, وهو ما دفع البعض في الشرق لأحياء فكرة الفيدرالية ومشروع تقسيم ليبيا إلي ثلاثة أقاليم هي برقة وطرابلس وفزان بما يمثل خطورة حقيقية علي وحدة البلاد, ولذلك فإن التحدي الحقيقي أمام الحكومة الليبية, إلي جانب إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية وتكريس الديمقراطية, هو استيعاب كافة المناطق عبر إعادة توزيع الموارد, خاصة النفطية علي كل المناطق وتحقيق التنمية الشاملة بها وإشراك الجميع في السلطة, ليس علي أساس قبلي, وإنما علي أساس ديمقراطي عبر الانتخابات وتحقيق التوازن في المناصب بين أبناء تلك المدن. ولاشك أن الجانب الاقتصادي لا يمثل تحديا حقيقيا لليبيا, لأنها علي خلاف دول الريبع العربي الأخري, تتمتع بموارد مالية هائلة, خاصة في إنتاج النفط, وقد نجحت الحكومة بالفعل في إعادة تشغيل مناطق النفط التي تضررت بفعل الثورة المسلحة, ووصل الإنتاج الآن إلي1.6 مليون برميل يوميا, إضافة إلي أن عدد سكان ليبيا قليل لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة, وهو ما سيمكنها من تجنب المشكلة الاقتصادية التي تواجه مصر وتونس, لكنها تحتاج إلي توظيف موارد النفط في عملية إعادة إعمار ليبيا وتنمية المدن المدمرة مثل مصراته وسرت وبني الوليد وبنغازي وتحقيق التنمية المستدامة لكل أجزاء البلاد. وأخيرا ورغم الديمقراطية المتعثرة والدولة الهشة التي تعيشها ليبيا بعد عامين من الثورة, إلا أن وجود خريطة طريق واضحة وإصرار الشعب الليبي علي إنجاح ثورته وإزالة آثار النظام الاستبدادي القديم سيعجل بتجاوز المرحلة الانتقالية ويضع ليبيا علي طريقها الصحيح في إعادة بناء الدولة وتحقيق الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والتطور الاجتماعي.



ليست هناك تعليقات: