الجمعة، 22 فبراير 2013

"عض قلبي ولا تعض رغيفي" عصيان مدنى بالإكراه فى بور سعيد - فيديو



لا سبيل لعصيان مدني اختياري في مصر 
أداء الواجب صار مثيرًا للإستهجان من البعض 
ودافعًا لنفيه من المسئول


لعل أهم ما لا تدركه الحكومة بشأن العصيان المدني في بورسعيد الذي تنقله يوميًا بعض القنوات الفضائية أنه عصيان بالإكراه، يتم خلاله إجبار الموظفين على ترك أعمالهم بالقوة تحت مقصلة التهديد. جبهة الإنقاذ تستغل هذا النموذج البورسعيدي للأسف الشديد وتدعو لتعميمه في بقية المحافظات متذرعة بأن العصيان المدني أحد وسائل المقاومة السلمية للسلطة المستبدة، لكنه حق يراد به باطل، فما يجري في بورسعيد ليس عصيانًا مدنيًا على الإطلاق، بل لا يختلف عن قطع الطرق وخطوط المترو والسكك الحديدية ومنع موظفي مجمع التحرير من ممارسة عملهم. الحكومة لا تنتبه لما يجري في بورسعيد، رغم أنها تملك الآليات التي تستطيع بها تنفيذ القانون على أي جهة تمنع الموظفين من ممارسة أعمالهم، وقد خُدعت للأسف الشديد بعنوان العصيان المدني الذي أطلقته جبهة الإنقاذ والقنوات الفضائية، متناسية أن واجبها حماية الموظفين في مكاتبهم وتمكينهم من الذهاب إلى وظائفهم، وللأسف غير عابئة بأن منع موظفي ميناء شرق بورسعيد بقطع الطريق عليهم يكلف الدولة خسارة 500 مليون جنيه يوميًا، ونفس الأمر ينطبق على موظفي جمارك الموانئ الذين حيل بينهم وبين أداء عملهم. لقد ظهر من دعوات سابقة للقوى الثورية أو من تصف نفسها كذلك أنه لا سبيل لعصيان مدني اختياري في مصر، ومن ثم فشلت جميعها، فثقافة امتناع الموظف عن عمله كأسلوب لمقاومة السلطة غير موجودة عند المصريين، هذا من ناحية.. ومن ناحية ثانية.. معظمهم يدرك أن ذلك النوع من المقاومة مرحلة متطورة من الاحتجاج السلمي لا داعي لها، لأن تأثيراته سلبية للغاية فى اقتصاد مريض وشعب يعاني الكثير من أجل لقمة عيش تبقيه على قيد الحياة. 
من هنا جاءت تجربة بورسعيد حلًا جهنميًا للداعين إلى العصيان المدني، فهي إن حققت المراد هناك بالإكراه، يمكن تعميمها على باقي مدن القناة ثم العاصمة والإسكندرية وهكذا... في المقابل نجد الحكومة صامتة مع أنها يجب أن تستخدم كل ما لديها من وسائل لتنفيذ القانون في بورسعيد، فما يحدث هناك هو عض لرغيف الخبز الذي يقتات منه الملايين، وقديمًا قيل "عض قلبي ولا تعض رغيفي". 
 الديمقراطية وممارسة الحريات ليست ترك الأوضاع "سداح مداح" ولا يجب أن يدلل مرسي على عدم تحركه بأنه "جرّاح ماهر".. فأبسط جراح لا يترك ورمًا سرطانيًا يكبر في أمعاء الوطن بالصورة التي نرى بها النموذج البورسعيدي للعصيان المدني، وإنما يلجأ فورًا لاستئصاله. مشكلتنا في فهم آليات الديمقراطية أن هناك خلطًا كبيرًا في أذهاننا نتيجة حداثة التجربة، فحرق المباني وقطع الطرق والإضرار بمصالح الناس والحيلولة دون أداء الموظفين لأعمالهم نسميه حقوق إنسان واحتجاجًا سلميًا، فيما نرى في دفاع الشرطة عن المرافق العامة والممتلكات الخاصة عنفًا واستعادة لأدوات النظام القديم. هذه الرؤية العمياء لحقائق الأشياء جعلت وزير الداخلية يسارع رعبًا إلى القول بأن شرطته بريئة من محاولة فض اعتصام بضع عشرات في ميدان التحرير بالقوة، مع أنها كانت تحاول تلبية استغاثة قائدي السيارات لإزالة الحواجز التي وضعها المعتصمون لإغلاق الطرق أمام حركة المرور. أي أن الشرطة كانت تؤدي واجبها.. لكن أداء الواجب صار مثيرًا للاستهجان من البعض ودافعًا لنفيه من المسئول وظيفيًا عنه.





ليست هناك تعليقات: