الفريق أبو شناف:
مبارك لم يكن قائد الضربة الجوية الأوحــد
وسلاح الطيران كان البطل الحقيقى
تهاون فى الدفاع عن سيناء بعد أن قدمنا من أجلها آلاف الشهداء
مبارك لم يكن قائد الضربة الجوية الأوحــد
وسلاح الطيران كان البطل الحقيقى
تهاون فى الدفاع عن سيناء بعد أن قدمنا من أجلها آلاف الشهداء
أكد الفريق صفى الدين أبو شناف رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق ورئيس اللجنة العسكرية المصرية فى مباحثات السلام المصرية الإسرائيلية فى حوار خاص مع "المصريون" أن شهداء القوات المسلحة الذين ضحوا بأرواحهم لتحرير سيناء لن يغفروا للقيادات السياسية والعسكرية تهاونهم فى الثأر من قتلة أبنائنا الصائمين على الحدود، مشيراً إلى أن الجماعات الجهادية المتمركزة فى جبال سيناء تهدد بتفكيك الدولة وبضياع سيناء، وأن مبارك أضاع هيبة مصر وأهان القوات المسلحة وتهاون فى الدفاع عن سيناء بعد أن قدمنا من أجلها آلاف الشهداء.
وإلى نص الحوار
** فى البداية.. فى رأيك لماذا خسرنا حرب 67؟
لأنه بمنتهى البساطة مصر لم تحارب فى 5 يونيو 67، والجندى المصرى لم يحظ بفرصة واحدة للمواجهة العسكرية مع إسرائيل، فإسرائيل خططت لمؤامرة عاونتها فيها أمريكا وبعض الدول الغربية، لاستدراج عبد الناصر لخوض الحرب، ونصف قوات الجيش تقاتل فى اليمن، فكان هدفهم من حرب 67 هو تدمير قوة مصر العسكرية وإزاحة الزعيم جمال عبد الناصر عن الحكم واحتلال شبه جزيرة سيناء.
** معنى هذا أن قرار الحرب كان خاطئاً؟
بالطبع.. كان قرار الحرب خاطئاً من القيادة السياسية والعسكرية، وكذلك قرار الانسحاب المفاجئ الذى قضى على القوات المسلحة خاطئاً أيضاً، فكانت الخسائر فادحة، وتم تدمير القوات الجوية على أرض المطارات، واستُشهد آلاف من الضباط والجنود، وأغلقت قناة السويس، وتم تهجير سكان مدن القناة بسبب الهزيمة القاسية.
** وماذا بعد الهزيمة؟
بعد الهزيمة بدأت القوات المسلحة فى التماسك فتم تغيير القيادات، وإعادة تسليح القوات، ثم بدأنا فى التدريب، وتم التخطيط للقيام ببعض الأعمال القتالية، فكانت معركة رأس العش شمال مدينة القنطرة الأمل الذى أعاد إلى جنود القوات المسلحة الثقة بعد الهزيمة، وراس العش نفذتها قوات الصاعقة ضد قوة مدرعة إسرائيلية كانت تحاول التقدم شمالا للاستيلاء على مدينة بورفؤاد، ونجحت عناصر الصاعقة وقتها فى تدمير قوة العدو، وقامت وحدات المدفعية بقصفات مركزة على تجمعات العدو شرق القناة، وكذلك قامت القوات البحرية بتدمير المدمرة إيلات فى البحر الأبيض شرق بورسعيد، أما القوات الجوية فقامت بضربة ناجحة ضد تجمعات العدو شرق القناة.
** هذه كانت بداية حرب الاستنزاف؟
نعم.. فقد بدأت حرب الاستنزاف ضد قوات العدو ومناطق إمداده، وكانت هذه الحرب هى المدرسة الحقيقية لاكتساب الثقة والتدريب على الأعمال التعرضية واكتساب الخبرة لبدء الإعداد لحرب التحرير واستعادة سيناء.
** وكيف كانت خطة الخداع الإستراتيجى لحرب أكتوبر؟
بدأ التخطيط لأكبر عملية اقتحام مائى على مواجهة 175 كيلومتر، فقامت نخبة من أكبر القادة فى كل أفرع القوات المسلحة لاختيار أسهل الطرق وأنسبها لعملية العبور، وتم التوصل فيها إلى أنسب ساعة لتنفيذ العملية، وأنسب يوم ليحقق المفاجأة للعدو، وأنسب مهام تنفذها القوات، فبدأ التدريب العملى على العملية فى منطقة الخطاطبة، وتم تجهيز نقطة حصينة حقيقية طبقاً لخط بارليف، وكان يتم التدريب طوال اليوم، وفى نفس التوقيت كانت القيادة العسكرية قد بدأت فى وضع خطة الخداع يساندها رجل وطنى هو الدكتور عبد القادر حاتم، فتم الإعلان عن قيام القوات المسلحة بإجراء تدريب لقواتها غرب القناة، ثم تكررت هذه التدريبات عدة مرات، بالإضافة إلى إعلان القيادة العامة فتح الأجازات للضباط والجنود، والإعلان عن فتح باب التقدم للعمرة، كذلك قام القائد العام للقوات المسلحة بزيارة خارجية.
** وما سبب اختيار يوم 6 أكتوبر تحديداً لخوض الحرب؟
كان اختيار يوم العبور ليوم السبت 6 أكتوبر؛ لأنه اليوم الموافق لعيد الكيبور اليهودى، وفيه تتوقف جميع الأعمال والتحركات.
** كيف بدأت الحرب؟
بدأت بتمهيد نيرانى غير مسبوق من المدفعية استهدف نقطة العدو الحصينة ومناطق مدفعيته وتجمعات دباباته ومراكز قيادته، ثم قامت خمس فرق مشاة باقتحام قناة السويس ومهاجمة نقطه الحصينة، وقامت القوات الجوية بضربة جوية لمراكز سيطرة العدو ومطاراته فى وسط سيناء.
** وماذا عن عبور خط بارليف؟
بعد الاستيلاء على الضفة الشرقية للقناة، تم إنشاء الكبارى لعبور الدبابات والمدفعية بنهاية يوم 6 أكتوبر، فسيطرت القوات المصرية على خط بارليف وسقطت مدينة القنطرة شرق يوم 8 أكتوبر.
** كيف كان رد فعل العدو؟
قام العدو بمحاولة لتشتيت القوات المصرية فى منطقة رأس الكوبرى شرق القناة، فقام اللواء 90 مدرع الإسرائيلى بمهاجمة رأس كوبرى الفرقة الثانية مشاة شرق الإسماعيلية، ومحاولة الوصول إلى القناة وتدمير الكبارى والمعديات، ودارت معركة استمرت 6 ساعات انتهت بتدمير اللواء الإسرائيلى بالكامل وأسْر عدد 12دبابة صالحة للاستعمال، وأسْر قائده العقيد عساف ياجورى بواسطة اللواء 117 مشاة ميكانيكى، بالتعاون مع باقى لواءات الفرقة اللواء 4 مشاة واللواء 120 مشاة والاحتياطات المضادة للدبابات.
** وماذا عن دور مبارك فى حرب أكتوبر.. هل الضربة الجوية الأولى هى السبب فى الانتصار أم أنها كانت مجرد خرافة؟
الرئيس السابق كان قائداً للقوات الجوية واشترك فى حرب أكتوبر 1973، ولكن العبء الأكبر قام به طيارون ذوو كفاءة وعلم عسكري، فكان أداء القوات المسلحة عالياً، ولم يكن هو البطل الأوحد وصاحب الضربة الجوية الأوحد.
** معنى هذا أن سبب انتصار أكتوبر هو التنسيق الجيد بين القوات؟
هذا صحيح.. لقد كانت حرب 73 مثالاً للتعاون والتنسيق الجيد، ليس فقط بين القوات المصرية فيما بينها، وإنما أيضاً بين القيادتين المصرية والسورية، فتم تفهم الخطط بيننا، وتنسيق الاتصالات والحفاظ على السرية، ونجحت الحرب فى مراحلها الأولى ولم توفق فى الجولان.
** ماذا عن الخسائر؟
تكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة فى الأرواح والمعدات والطائرات، مما جعل جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل تطلب النجدة من الولايات المتحدة الأمريكية، فتم إقامة جسر جوى بالطائرات لنقل الدبابات والمعدات والذخائر والطائرات.
** وبسبب كل هذه الخسائر كان السلام؟
هذا صحيح.. بانقلاب ميزان القوى، وشعور إسرائيل بالهزيمة بدأت المفاوضات التى قادتها الولايات المتحدة وكانت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وقام الشهيد البطل الرئيس أنور السادات برفع علم مصر على مدينة العريش فى 25 مايو1979، ثم تم استعادة باقى شبه جزيرة سيناء نهائياً فى 25 يناير1982 عندما استعدنا منطقة طابا.
** لكن الفريق الشاذلى كان يرى أننا نستطيع استرداد سيناء عسكرياً، لماذا لم يستمع إليه السادات وفضّل الحل السلمى؟
لقد كان الرئيس السادات زعيماً فذاً يتمتع بالشجاعة والرؤية الواضحة لأحداث المستقبل، وعندما حدثت الثغرة بدأت دراسة موقف العدو، وحجم قواته، ودراسة أوضاع قواتنا وقدراتها القتالية الحالية، وعندما عرض رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة القرار المحتمل وبدأ قادة الأسلحة ومدير المخابرات الحربية فى إبداء آرائهم أمام القائد الأعلى الرئيس السادات وبحضور وزير الدفاع، تم اتخاذ القرار الذى تمليه أوضاع القوات شرق القناة وفى العمق وعلى القدرات العسكرية المتوفرة، ولم تتم الموافقة على اقتراح رئيس الأركان الأسبق الفريق الشاذلي، وفى تقديرى لم تكن هناك خصومة بينهم، ولكنه خلاف فى قرار مصيرى تم اتخاذه بعد دراسة وافية وتقدير موقف سليم.
** كنت رئيس اللجنة العسكرية...؟
مقاطعا.. تشكلت لجنة عسكرية مصرية وأخرى إسرائيلية وكانت المهمة هى تنفيذ انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء واستعادة السيادة المصرية على منطقة سيناء، وكان لى شرف رئاسة اللجنة المصرية، وكنت وقتها برتبة عميد أركان حرب، ومعى نخبة من أكفأ ضباط القوات المسلحة، وتم استلام المرحلة الأولى وكانت تمتد من قناة السويس غرباً حتى خط العريش رأس محمد شرقاً، فتم استلام المنطقة بما فيها خط المضايق الإستراتيجية فى يوم 25 يناير 1980.
** البعض ينتقد اتفاقية "كامب ديفيد" لأن سيناء غير مؤمنة عسكرياً؟
هذا غير صحيح.. فقد تم تحديد مناطق "أ،ب،ج" فى سيناء تقابلها المنطقة "د" فى إسرائيل، فالمنطقة "أ" وهى منطقة المضايق الإستراتيجية يتواجد بها 22 ألف مقاتل و330 دبابة و480 مركبة مدرعة و14 كتيبة مدفعية، أما المنطقة "ب" العريش/الحسنة/نخل يتواجد بها 4000 جندى حرس حدود بالأسلحة والمعدات بالإضافة إلى قوات الشرطة المدنية، والمنطقة "ج" وهى منطقة الشيخ زويد/أبو عجيلة/شرم الشيخ ويتواجد بها قوات شرطة مدنية بأسلحتها ومعداتها ولا قيود على أعدادها، كما تتمركز بها قوات الأمم المتحدة، بينما المنطقة "د" والتى توجد داخل الحدود الإسرائيلية فيتواجد بها 4000 إسرائيلى بأسلحتهم دون مدفعية أو دبابات أو صواريخ.
** وعلى أى أساس تم هذا التقسيم؟
تحديد هذه المناطق تم بناءاً على حسابات دقيقة، فعمق سيناء من قناة السويس حتى الحدود الدولية شرقاً يتراوح ما بين 245 و260كم، بينما يتراوح عمق إسرائيل ما بين 13 و 60 كم، كما يوجد فى معاهدة السلام بند يوضح إمكانية تعديل أى بند منها برضاء الطرفين.
** الاتحاد السوفيتى كان يمدنا بالسلاح قبل معاهدة كامب ديفيد، وكان هذا يحدث توازناً فى قوى المنطقة، لكن بعد ذلك أصبح مدادنا العسكرى من الولايات المتحدة الأمريكية والتى تمد أيضاً إسرائيل بالسلاح.. ألا يعد هذا تهديداً لمصر؟
بالفعل.. فقد كانت القوات المسلحة المصرية قبل 73 تعتمد على الأسلحة الشرقية، لكن بعد معاهدة السلام تنوعت مصادر السلاح ما بين أمريكا وفرنسا، إلا أن الاعتماد على استيراد الأسلحة من جهة معينة ليس لصالح الدولة، ونحن لدينا مصانع للسلاح وللدبابات والعربات المدرعة وللذخائر والصواريخ، والأهم لدينا المهندسون المتخصصون فى كل هذه المجالات، والمطلوب أن تضع القيادة العسكرية إستراتيجية للتصنيع الحربى تنتهى بالاكتفاء الذاتى الذى يضمن استقلال القرار ورفض التهديد بمنع الإمداد بالسلاح.
** كيف ترى القوات العسكرية العربية الآن؟
بعد غزو العراق تم تفكيك الجيش وعملياً على أرض الواقع أصبحت العراق مقسمة وممزقة ولا تملك مصيرها، وفى سوريا لا توجد دولة وتم استهلاك الجيش فى تدمير المدن وقتل الشعب، وفى ليبيا ضاعت الدولة وانقسم الشعب.
** وماذا عن القوات المسلحة المصرية؟
لقد قدمت القوات المسلحة آلاف الشهداء من القادة والضباط والجنود فى سبيل عودة سيناء، واستعادة كرامة مصر والمصريين، ولكن الرئيس السابق أضاع هيبة الدولة وأهان مصر وجيشها، كما أن القيادة السياسية السابقة وأجهزتها المختلفة تهاونت فى حفظ كرامة مصر وسيادتها على أرضها.
** وكيف كان ذلك؟
اعتباراً من عام 1992 بدأت منظمة حماس فى غزة فى حفر الأنفاق واستخدمتها فى تهريب الأسلحة والمخدرات وكل ما هو غير شرعي، واستباحت حدود مصر وأمنها القومي.
** لكن أعتقد أن الوضع اختلف بعد ثورة 25 يناير؟
الوضع بعد 25 يناير أصبح أكثر سوءاً.. فلقد تشتت القوات المسلحة ما بين الحفاظ على الثورة والحفاظ على الأمن الداخلي، وبعد ثورة 25 يناير تدخلت حماس فى أعمال غير مشروعة ضد أمن مصر الداخلى، ودخل من خلال الأنفاق مئات السيارات المسروقة بما فيها سيارات الشرطة المصرية، وانضمت إليهم مجموعات غير شرعية خرجت من السجون وبدأت حماس فى استخدام سيناء ميداناً للتدريب وتجربة الأسلحة والصواريخ، وتكونت الجماعات المسلحة التى هاجمت نقاط الحراسة وأقسام الشرطة، ورفعت الأعلام السوداء فوقها بل فوق معسكر الأمم المتحدة بمنطقة الجورة.. كل ذلك والدولة ومؤسستها الأمنية فى سبات عميق، وتوجت حماس وحلفاؤها عملها بالهجوم المسلح على معسكر لحرس الحدود بمنطقة رفح وقتلت غدراً 16 جندياً أثناء الإفطار فى رمضان الماضي.
** وهذا هو نفس المكان الذى استُشهد فيه اللواء عبد العزيز سليمان؟
هذا من مهازل القدر، بالفعل وفى نفس المكان عام 1967 كانت الفرقة السابع مشاة تدافع عن منطقة رفح ضد العدو الإسرائيلى وفقدت الفرقة مئات من ضباط الصف والجنود، واستُشهد معهم قائد الفرقة اللواء أركان حرب عبد العزيز سليمان، ومن المحزن بعد كل ذلك أن يتم استقبال قادة حماس فى القاهرة بكل ترحاب وصلاتهم بالجامع الأزهر والسماح لأحدهم بالصعود إلى المنبر ليتحدثوا عن الجهاد وعودة القدس.
** أشعر بنبرة حزن وغضب فى صوتك؟
بالطبع.. فدماء شهداء القوات المسلحة الذين ضحوا بأرواحهم لتعود سيناء عزيزة كريمة إلى مصر لن تغفر للقيادة السياسية والعسكرية التهاون فى الثأر للذين استُشهدوا فى سيناء أو السماح للذين يعيثون فساداً ويقومون بإنشاء ما يسمونه ولاية إسلامية، ويقومون بتفكيك الدولة وضياع سيناء.
** ضياع سيناء.. هل تعتقد أن قواتنا غير قادرة على حماية سيناء؟
كرامة مصر وهيبة الدولة وشرف القوات المسلحة والدفاع عن أمنها القومى يحتم إنقاذ مصر من التقسيم وقيام الفتن، فإذا ضاعت مصر ضاع العرب، لقد قاتلت القوات المسلحة مع ثورة اليمن على بُعد آلاف الأميال وانتصرت للثورة اليمنية، وقاتلت لطرد العراق من الكويت على بعد آلاف الأميال أيضاً وانتصرت، وفى ثورة الجزائر كانت قواتنا قوة ضاربة لصالح العرب، فكيف تعجز القوات المسلحة الآن فى أن تعيد الاستقرار إلى سيناء وإجبار جيرانها على احترامها.
** هل تعتقد أن ما يحدث الآن فى المنطقة بسبب تأثير المد الشيعي؟
لا شك أن إيران تحاول جاهدةً أن تقيم لها علاقات قوية بالمنطقة، فهى تساعد نظام بشار الأسد بالأموال والأسلحة وعناصر من الحرس الثوري، وفى لبنان تحاول فرض سيطرة حزب الله الذى هو جزء من النظام الإيرانى على باقى مناطق لبنان، وفى مصر تحاول جاهدة إحياء الشيعة واستغلال المجموعات الإسلامية ومدها بالأموال وبث أفكارها بين طوائف الشعب، أما فى غزة فحماس جزء من المد الإيرانى فتقوم بإمداده بالأموال والأسلحة وتستخدمه كمخلب قط للوثوب إلى سيناء وإقامة ولاية إسلامية بالتعاون مع الأحزاب الإسلامية فى مصر، كل ذلك سيؤدى إلى عدم الاستقرار فى مصر، و فى المنطقة العربية ككل.
** فى البداية.. فى رأيك لماذا خسرنا حرب 67؟
لأنه بمنتهى البساطة مصر لم تحارب فى 5 يونيو 67، والجندى المصرى لم يحظ بفرصة واحدة للمواجهة العسكرية مع إسرائيل، فإسرائيل خططت لمؤامرة عاونتها فيها أمريكا وبعض الدول الغربية، لاستدراج عبد الناصر لخوض الحرب، ونصف قوات الجيش تقاتل فى اليمن، فكان هدفهم من حرب 67 هو تدمير قوة مصر العسكرية وإزاحة الزعيم جمال عبد الناصر عن الحكم واحتلال شبه جزيرة سيناء.
** معنى هذا أن قرار الحرب كان خاطئاً؟
بالطبع.. كان قرار الحرب خاطئاً من القيادة السياسية والعسكرية، وكذلك قرار الانسحاب المفاجئ الذى قضى على القوات المسلحة خاطئاً أيضاً، فكانت الخسائر فادحة، وتم تدمير القوات الجوية على أرض المطارات، واستُشهد آلاف من الضباط والجنود، وأغلقت قناة السويس، وتم تهجير سكان مدن القناة بسبب الهزيمة القاسية.
** وماذا بعد الهزيمة؟
بعد الهزيمة بدأت القوات المسلحة فى التماسك فتم تغيير القيادات، وإعادة تسليح القوات، ثم بدأنا فى التدريب، وتم التخطيط للقيام ببعض الأعمال القتالية، فكانت معركة رأس العش شمال مدينة القنطرة الأمل الذى أعاد إلى جنود القوات المسلحة الثقة بعد الهزيمة، وراس العش نفذتها قوات الصاعقة ضد قوة مدرعة إسرائيلية كانت تحاول التقدم شمالا للاستيلاء على مدينة بورفؤاد، ونجحت عناصر الصاعقة وقتها فى تدمير قوة العدو، وقامت وحدات المدفعية بقصفات مركزة على تجمعات العدو شرق القناة، وكذلك قامت القوات البحرية بتدمير المدمرة إيلات فى البحر الأبيض شرق بورسعيد، أما القوات الجوية فقامت بضربة ناجحة ضد تجمعات العدو شرق القناة.
** هذه كانت بداية حرب الاستنزاف؟
نعم.. فقد بدأت حرب الاستنزاف ضد قوات العدو ومناطق إمداده، وكانت هذه الحرب هى المدرسة الحقيقية لاكتساب الثقة والتدريب على الأعمال التعرضية واكتساب الخبرة لبدء الإعداد لحرب التحرير واستعادة سيناء.
** وكيف كانت خطة الخداع الإستراتيجى لحرب أكتوبر؟
بدأ التخطيط لأكبر عملية اقتحام مائى على مواجهة 175 كيلومتر، فقامت نخبة من أكبر القادة فى كل أفرع القوات المسلحة لاختيار أسهل الطرق وأنسبها لعملية العبور، وتم التوصل فيها إلى أنسب ساعة لتنفيذ العملية، وأنسب يوم ليحقق المفاجأة للعدو، وأنسب مهام تنفذها القوات، فبدأ التدريب العملى على العملية فى منطقة الخطاطبة، وتم تجهيز نقطة حصينة حقيقية طبقاً لخط بارليف، وكان يتم التدريب طوال اليوم، وفى نفس التوقيت كانت القيادة العسكرية قد بدأت فى وضع خطة الخداع يساندها رجل وطنى هو الدكتور عبد القادر حاتم، فتم الإعلان عن قيام القوات المسلحة بإجراء تدريب لقواتها غرب القناة، ثم تكررت هذه التدريبات عدة مرات، بالإضافة إلى إعلان القيادة العامة فتح الأجازات للضباط والجنود، والإعلان عن فتح باب التقدم للعمرة، كذلك قام القائد العام للقوات المسلحة بزيارة خارجية.
** وما سبب اختيار يوم 6 أكتوبر تحديداً لخوض الحرب؟
كان اختيار يوم العبور ليوم السبت 6 أكتوبر؛ لأنه اليوم الموافق لعيد الكيبور اليهودى، وفيه تتوقف جميع الأعمال والتحركات.
** كيف بدأت الحرب؟
بدأت بتمهيد نيرانى غير مسبوق من المدفعية استهدف نقطة العدو الحصينة ومناطق مدفعيته وتجمعات دباباته ومراكز قيادته، ثم قامت خمس فرق مشاة باقتحام قناة السويس ومهاجمة نقطه الحصينة، وقامت القوات الجوية بضربة جوية لمراكز سيطرة العدو ومطاراته فى وسط سيناء.
** وماذا عن عبور خط بارليف؟
بعد الاستيلاء على الضفة الشرقية للقناة، تم إنشاء الكبارى لعبور الدبابات والمدفعية بنهاية يوم 6 أكتوبر، فسيطرت القوات المصرية على خط بارليف وسقطت مدينة القنطرة شرق يوم 8 أكتوبر.
** كيف كان رد فعل العدو؟
قام العدو بمحاولة لتشتيت القوات المصرية فى منطقة رأس الكوبرى شرق القناة، فقام اللواء 90 مدرع الإسرائيلى بمهاجمة رأس كوبرى الفرقة الثانية مشاة شرق الإسماعيلية، ومحاولة الوصول إلى القناة وتدمير الكبارى والمعديات، ودارت معركة استمرت 6 ساعات انتهت بتدمير اللواء الإسرائيلى بالكامل وأسْر عدد 12دبابة صالحة للاستعمال، وأسْر قائده العقيد عساف ياجورى بواسطة اللواء 117 مشاة ميكانيكى، بالتعاون مع باقى لواءات الفرقة اللواء 4 مشاة واللواء 120 مشاة والاحتياطات المضادة للدبابات.
** وماذا عن دور مبارك فى حرب أكتوبر.. هل الضربة الجوية الأولى هى السبب فى الانتصار أم أنها كانت مجرد خرافة؟
الرئيس السابق كان قائداً للقوات الجوية واشترك فى حرب أكتوبر 1973، ولكن العبء الأكبر قام به طيارون ذوو كفاءة وعلم عسكري، فكان أداء القوات المسلحة عالياً، ولم يكن هو البطل الأوحد وصاحب الضربة الجوية الأوحد.
** معنى هذا أن سبب انتصار أكتوبر هو التنسيق الجيد بين القوات؟
هذا صحيح.. لقد كانت حرب 73 مثالاً للتعاون والتنسيق الجيد، ليس فقط بين القوات المصرية فيما بينها، وإنما أيضاً بين القيادتين المصرية والسورية، فتم تفهم الخطط بيننا، وتنسيق الاتصالات والحفاظ على السرية، ونجحت الحرب فى مراحلها الأولى ولم توفق فى الجولان.
** ماذا عن الخسائر؟
تكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة فى الأرواح والمعدات والطائرات، مما جعل جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل تطلب النجدة من الولايات المتحدة الأمريكية، فتم إقامة جسر جوى بالطائرات لنقل الدبابات والمعدات والذخائر والطائرات.
** وبسبب كل هذه الخسائر كان السلام؟
هذا صحيح.. بانقلاب ميزان القوى، وشعور إسرائيل بالهزيمة بدأت المفاوضات التى قادتها الولايات المتحدة وكانت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وقام الشهيد البطل الرئيس أنور السادات برفع علم مصر على مدينة العريش فى 25 مايو1979، ثم تم استعادة باقى شبه جزيرة سيناء نهائياً فى 25 يناير1982 عندما استعدنا منطقة طابا.
** لكن الفريق الشاذلى كان يرى أننا نستطيع استرداد سيناء عسكرياً، لماذا لم يستمع إليه السادات وفضّل الحل السلمى؟
لقد كان الرئيس السادات زعيماً فذاً يتمتع بالشجاعة والرؤية الواضحة لأحداث المستقبل، وعندما حدثت الثغرة بدأت دراسة موقف العدو، وحجم قواته، ودراسة أوضاع قواتنا وقدراتها القتالية الحالية، وعندما عرض رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة القرار المحتمل وبدأ قادة الأسلحة ومدير المخابرات الحربية فى إبداء آرائهم أمام القائد الأعلى الرئيس السادات وبحضور وزير الدفاع، تم اتخاذ القرار الذى تمليه أوضاع القوات شرق القناة وفى العمق وعلى القدرات العسكرية المتوفرة، ولم تتم الموافقة على اقتراح رئيس الأركان الأسبق الفريق الشاذلي، وفى تقديرى لم تكن هناك خصومة بينهم، ولكنه خلاف فى قرار مصيرى تم اتخاذه بعد دراسة وافية وتقدير موقف سليم.
** كنت رئيس اللجنة العسكرية...؟
مقاطعا.. تشكلت لجنة عسكرية مصرية وأخرى إسرائيلية وكانت المهمة هى تنفيذ انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء واستعادة السيادة المصرية على منطقة سيناء، وكان لى شرف رئاسة اللجنة المصرية، وكنت وقتها برتبة عميد أركان حرب، ومعى نخبة من أكفأ ضباط القوات المسلحة، وتم استلام المرحلة الأولى وكانت تمتد من قناة السويس غرباً حتى خط العريش رأس محمد شرقاً، فتم استلام المنطقة بما فيها خط المضايق الإستراتيجية فى يوم 25 يناير 1980.
** البعض ينتقد اتفاقية "كامب ديفيد" لأن سيناء غير مؤمنة عسكرياً؟
هذا غير صحيح.. فقد تم تحديد مناطق "أ،ب،ج" فى سيناء تقابلها المنطقة "د" فى إسرائيل، فالمنطقة "أ" وهى منطقة المضايق الإستراتيجية يتواجد بها 22 ألف مقاتل و330 دبابة و480 مركبة مدرعة و14 كتيبة مدفعية، أما المنطقة "ب" العريش/الحسنة/نخل يتواجد بها 4000 جندى حرس حدود بالأسلحة والمعدات بالإضافة إلى قوات الشرطة المدنية، والمنطقة "ج" وهى منطقة الشيخ زويد/أبو عجيلة/شرم الشيخ ويتواجد بها قوات شرطة مدنية بأسلحتها ومعداتها ولا قيود على أعدادها، كما تتمركز بها قوات الأمم المتحدة، بينما المنطقة "د" والتى توجد داخل الحدود الإسرائيلية فيتواجد بها 4000 إسرائيلى بأسلحتهم دون مدفعية أو دبابات أو صواريخ.
** وعلى أى أساس تم هذا التقسيم؟
تحديد هذه المناطق تم بناءاً على حسابات دقيقة، فعمق سيناء من قناة السويس حتى الحدود الدولية شرقاً يتراوح ما بين 245 و260كم، بينما يتراوح عمق إسرائيل ما بين 13 و 60 كم، كما يوجد فى معاهدة السلام بند يوضح إمكانية تعديل أى بند منها برضاء الطرفين.
** الاتحاد السوفيتى كان يمدنا بالسلاح قبل معاهدة كامب ديفيد، وكان هذا يحدث توازناً فى قوى المنطقة، لكن بعد ذلك أصبح مدادنا العسكرى من الولايات المتحدة الأمريكية والتى تمد أيضاً إسرائيل بالسلاح.. ألا يعد هذا تهديداً لمصر؟
بالفعل.. فقد كانت القوات المسلحة المصرية قبل 73 تعتمد على الأسلحة الشرقية، لكن بعد معاهدة السلام تنوعت مصادر السلاح ما بين أمريكا وفرنسا، إلا أن الاعتماد على استيراد الأسلحة من جهة معينة ليس لصالح الدولة، ونحن لدينا مصانع للسلاح وللدبابات والعربات المدرعة وللذخائر والصواريخ، والأهم لدينا المهندسون المتخصصون فى كل هذه المجالات، والمطلوب أن تضع القيادة العسكرية إستراتيجية للتصنيع الحربى تنتهى بالاكتفاء الذاتى الذى يضمن استقلال القرار ورفض التهديد بمنع الإمداد بالسلاح.
** كيف ترى القوات العسكرية العربية الآن؟
بعد غزو العراق تم تفكيك الجيش وعملياً على أرض الواقع أصبحت العراق مقسمة وممزقة ولا تملك مصيرها، وفى سوريا لا توجد دولة وتم استهلاك الجيش فى تدمير المدن وقتل الشعب، وفى ليبيا ضاعت الدولة وانقسم الشعب.
** وماذا عن القوات المسلحة المصرية؟
لقد قدمت القوات المسلحة آلاف الشهداء من القادة والضباط والجنود فى سبيل عودة سيناء، واستعادة كرامة مصر والمصريين، ولكن الرئيس السابق أضاع هيبة الدولة وأهان مصر وجيشها، كما أن القيادة السياسية السابقة وأجهزتها المختلفة تهاونت فى حفظ كرامة مصر وسيادتها على أرضها.
** وكيف كان ذلك؟
اعتباراً من عام 1992 بدأت منظمة حماس فى غزة فى حفر الأنفاق واستخدمتها فى تهريب الأسلحة والمخدرات وكل ما هو غير شرعي، واستباحت حدود مصر وأمنها القومي.
** لكن أعتقد أن الوضع اختلف بعد ثورة 25 يناير؟
الوضع بعد 25 يناير أصبح أكثر سوءاً.. فلقد تشتت القوات المسلحة ما بين الحفاظ على الثورة والحفاظ على الأمن الداخلي، وبعد ثورة 25 يناير تدخلت حماس فى أعمال غير مشروعة ضد أمن مصر الداخلى، ودخل من خلال الأنفاق مئات السيارات المسروقة بما فيها سيارات الشرطة المصرية، وانضمت إليهم مجموعات غير شرعية خرجت من السجون وبدأت حماس فى استخدام سيناء ميداناً للتدريب وتجربة الأسلحة والصواريخ، وتكونت الجماعات المسلحة التى هاجمت نقاط الحراسة وأقسام الشرطة، ورفعت الأعلام السوداء فوقها بل فوق معسكر الأمم المتحدة بمنطقة الجورة.. كل ذلك والدولة ومؤسستها الأمنية فى سبات عميق، وتوجت حماس وحلفاؤها عملها بالهجوم المسلح على معسكر لحرس الحدود بمنطقة رفح وقتلت غدراً 16 جندياً أثناء الإفطار فى رمضان الماضي.
** وهذا هو نفس المكان الذى استُشهد فيه اللواء عبد العزيز سليمان؟
هذا من مهازل القدر، بالفعل وفى نفس المكان عام 1967 كانت الفرقة السابع مشاة تدافع عن منطقة رفح ضد العدو الإسرائيلى وفقدت الفرقة مئات من ضباط الصف والجنود، واستُشهد معهم قائد الفرقة اللواء أركان حرب عبد العزيز سليمان، ومن المحزن بعد كل ذلك أن يتم استقبال قادة حماس فى القاهرة بكل ترحاب وصلاتهم بالجامع الأزهر والسماح لأحدهم بالصعود إلى المنبر ليتحدثوا عن الجهاد وعودة القدس.
** أشعر بنبرة حزن وغضب فى صوتك؟
بالطبع.. فدماء شهداء القوات المسلحة الذين ضحوا بأرواحهم لتعود سيناء عزيزة كريمة إلى مصر لن تغفر للقيادة السياسية والعسكرية التهاون فى الثأر للذين استُشهدوا فى سيناء أو السماح للذين يعيثون فساداً ويقومون بإنشاء ما يسمونه ولاية إسلامية، ويقومون بتفكيك الدولة وضياع سيناء.
** ضياع سيناء.. هل تعتقد أن قواتنا غير قادرة على حماية سيناء؟
كرامة مصر وهيبة الدولة وشرف القوات المسلحة والدفاع عن أمنها القومى يحتم إنقاذ مصر من التقسيم وقيام الفتن، فإذا ضاعت مصر ضاع العرب، لقد قاتلت القوات المسلحة مع ثورة اليمن على بُعد آلاف الأميال وانتصرت للثورة اليمنية، وقاتلت لطرد العراق من الكويت على بعد آلاف الأميال أيضاً وانتصرت، وفى ثورة الجزائر كانت قواتنا قوة ضاربة لصالح العرب، فكيف تعجز القوات المسلحة الآن فى أن تعيد الاستقرار إلى سيناء وإجبار جيرانها على احترامها.
** هل تعتقد أن ما يحدث الآن فى المنطقة بسبب تأثير المد الشيعي؟
لا شك أن إيران تحاول جاهدةً أن تقيم لها علاقات قوية بالمنطقة، فهى تساعد نظام بشار الأسد بالأموال والأسلحة وعناصر من الحرس الثوري، وفى لبنان تحاول فرض سيطرة حزب الله الذى هو جزء من النظام الإيرانى على باقى مناطق لبنان، وفى مصر تحاول جاهدة إحياء الشيعة واستغلال المجموعات الإسلامية ومدها بالأموال وبث أفكارها بين طوائف الشعب، أما فى غزة فحماس جزء من المد الإيرانى فتقوم بإمداده بالأموال والأسلحة وتستخدمه كمخلب قط للوثوب إلى سيناء وإقامة ولاية إسلامية بالتعاون مع الأحزاب الإسلامية فى مصر، كل ذلك سيؤدى إلى عدم الاستقرار فى مصر، و فى المنطقة العربية ككل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق