الخميس، 18 أكتوبر 2012

لا المسيحيين ولا المسلمين أهل البلد كما يدعون النصارى


أوافق على أن يرحل المسلمون عن مصر! 
 ولكن بشرط: أن يرحل المسيحيون معهم! 
 أتدرى لمـــاذا؟! 
 لأنها أيضا ليست بلد المسيحيين! 
هل باعتناق المصريين المسيحيين للإسلام،
 تزول عنهم مصريتهم ؟؟؟


 لم أجد شُبهة أكثر سخافة وجهلا، بل وإثارة للضحك والتَّهكُّم على من يطلقونها، من تلك الدعوة التى تنادى بأن يرحل المسلمون عن مصر، لأنها ليست بلدهم، بل بلد المسيحيين، فالإسلام قد أتى إلى مصر من خارجها، ولم يكن دينها، بل كان دينها المسيحية! وأن الإسلام قد أتى إلى مصر غازيًا مستعمرًا، لا فاتحًا محررًا! وربما لا يوافق إخواننا من النصارى المعتدلين، إخوانهم من النصارى الفتّانين على هذه الشبهة، لأنهم يعلمون كذبها!
 ولا أدرى إن كان أصحاب هذه الشبهة المضحكة لا يعلمون ذلك، فإنها لمصيبة أن يتكلم الجاهل، وكان عليه أن يتعلم قبل أن يتكلم! أمَّا إن كان يعلم الحقيقة، وينادى بضِدِّها، فلا يبغى من وراء ذلك إلا الفتن التى تفرق بين أهل هذا البلد مسلميها ومسيحييها! ولا تتعجب عزيزى القارئ لو قلت لك إننى أوافق على أن يرحل المسلمون عن مصر! ولكن بشرط: أن يرحل المسيحيون معهم! أتدرى لماذا؟! لأنها أيضا ليست بلد المسيحيين! فكما أن الإسلام كان دينا جديدا وافدًا إلى مصر، فالمسيحية كذلك لم تكن دينًا مصريًّا محليًّا، بل كان دينا جديدا وافدا إليها من خارجها، كالإسلام تماما! فالدين الرسمى الذى كان عليه المصريون القدماء الفراعنة، المالكون الحقيقيون لهذا البلد، هو الوثنية! فكان المصرى الأصيل وثنيا، لا يَدين بديانة من عند الله، بل كان يعبد أصنامًا لآلهةٍ ما أنزل الله بها من سلطان!
 ثم تعاقبت على مصر عصور احتلال، منها عصر الاحتلال الرومانى.. وفى حكم الإمبراطور الرومانى نيرون، كان أول دخول للديانة المسيحية إلى مصر على يد القديس مرقس، وأول تأسيس للكنيسة المصرية -التى عُرفت بالكنيسة أو الكرازة المرقسية- فى الإسكندرية عام 61م.. وقبل هذا التاريخ لم تكن مصر وأهلها يعرفون شيئًا اسمه «الديانة المسيحية»! وقد تَعرَّض القديس مرقس، وأتباعه من المصريين المتنصرين، لاضطهاد شديد على يد الرومان الوثنيين، حتى قتلوا القديس مرقس.. واستمر اضطهاد المصريين المتنصرين، حتى سمح الرومانى قسطنطين بالنصرانية دينا جديدا عام 313م .. ووقتها فقط أصبحت الديانة المسيحية من الديانات المعترف بها فى البلاد والمستعمرات الرومانية، ومنها مصر، وتوقف حينئذ الاضطهاد الرومانى للمتنصرين!
والسؤال: هل المصريون الوثنيون الذين تنصَّروا، قد انسحبت عنهم مصريتهم، وأصبحوا لا حق لهم فى وطنهم، وعليهم أن يرحلوا عنه؟!
 وجاء الإمبراطور الرومانى هرقل، وأراد أن يجبر المصريين المسيحيين على التَّخلِّى عن مذهبهم اليعقوبى الذى يقول بأن للمسيح إرادة واحدة إلهية.. واعتناق المذهب الملكانى الذى عليه الرومان والذى يقول بأن للمسيح إرادتين بشرية وإلهية.. ووصل به الأمر إلى اغتصاب الكنائس المصرية التابعة للمذهب اليعقوبى، وضمها إلى كنائس المذهب الملكانى! واضطهدوا قساوستهم وبطاركتهم، ليجبروهم على ترك مذهبهم، فهربوا إلى الصحراء خوفا من بطشهم.. وصار هذ هو حال المصريين المسيحيين المضطهدين، ولم يجدوا من يخلصهم من أعدائهم. حتى ظهر عمرو بن العاص.. وقدِم بالإسلام إلى مصر عام 641 ميلاديًّا، فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب.. وحارب عمرو الرومان المحتلين، وانتصر عليهم وأجلاهم عن مصر.. وتصالح عمرو مع أقباط مصر، وتركهم على دينهم ومذهبهم، ولم يجبرهم على الدخول فى الإسلام.. كما أعاد إليهم كنائسهم التى اغتصبها منهم الرومان، وأمَّنهم عليها، وأعاد البطريرك بنيامين الذى كان قد هرب من بطش الرومان، وجعله رئيسا للكنيسة المصرية، وتركه يحكمها وأهلها وفقا لشريعتهم المسيحية، لقول النبى مُحمد: «اتركوهم وما يدينون».
وأعلمهم عمرو بن العاص بما كان من وصية مُحمَّد صلى الله عليه وسلم حين قال:
«إنكم ستفتحون مصر، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذِمَّة ورَحِما» وأما الذِّمَّة: فالسيدة مارية القبطية المصرية أم إبراهيم ابن النبى محمد، وأما الرَّحِم: فالسيدة هاجر المصرية، أم النبى إسماعيل أبو العرب، وجدة النبى العربى مُحمد!
ولما رأى المصريون هذه السماحة من المسلمين، دخل الأكثرون منهم فى الإسلام، حُبا لا كَرْها.. وبقى من بقى منهم على مسيحيته، متعايشين فى سلام مع المسلمين! بدليل أنه لو كان المسلمون قد أجبروا المسيحيين على اعتناق الإسلام، وقتلوا من لم يستجب منهم لذلك، لَفَنِىَ المسيحيون المصريون جميعا، ولانقطع النسل المسيحى المصرى، ولمَا كان هناك مسيحى مصرى واحد يعيش بيننا الآن! فهل بعد كل هذا، ما زال هناك من يرى أن الإسلام قد أتى إلى مصر غازيا مستعمرا، لا فاتحا محررا؟!
والسؤال الأهم: هل باعتناق المصريين المسيحيين للإسلام، تزول عنهم مصريتهم، ويصبح لا حق لهم فى وطنهم، وعليهم أن يرحلوا عنه؟!
إن الانتساب إلى الأديان لا يُلغِى الانتساب إلى الأوطان!
فالدين لا وطن له!
والمصريون المسيحيون الحاليون، هم نتاج تناسل المصريين المسيحيين القدماء.. والمصريون المسلمون الحاليون هم نتاج تناسل المصريين المسلمين القدماء.. والنتيجة: أن المصريين الحاليين مسلمين ومسيحيين هم أصحاب هذا البلد، وليس لأحد منهم أن يطالب بإخراج الآخر منه، فليبقوا فيه معا، أو ليرحلوا عنه معا!
فهل ما زال هناك من يطالب برحيل المسلمين عن مصر، لأنها ليست بلدهم؟! ..  

ليست هناك تعليقات: