الثلاثاء، 3 يوليو 2012

الموت. قدر الأقدار كلها. فيديو



المــوت يقتــــرب


خمس جنازات‏..‏ العدد خمس والمعدودة جنازة مشيت فيها وراء أهلي الذين سبقوني إلي الدار الآخرة‏.‏ من قال إنها الآخرة؟ إن هذا التعبير يحتاج إلي إعادة نظر‏.‏ من كل منا علي حده‏.‏ ربما كان الأدق تسميتها دار العودة. كان والدي يرحمه الله عندما يري حروب الناس علي كل شيء في الحياة. يشير إلي الناحية القبلية حيث المقابر.
ويقول إن من يريد البناء ليبني هنا. هذا المكان هو الأحق بكل ما نقوم به من معارك لا تنتهي في الحياة الدنيا. أذكر أنني عندما زرت مقبرة ومتحف أبو القاسم الشابي في قرية تورز التي تقع في أرض جنوب غرب تونس بالقرب من الحدود الجزائرية قرأت المكتوب عليها: روضة الشابي.
إن تعبير روضة يعني أنها من رياض الجنة. والتعبير أفضل من المفردات التي نستخدمها في بلادنا: ضريح أو تربة أو قبر أو مقبرة. وقبل سنوات ذهبت مع الأستاذ هيكل إلي مقابر العائلة. كان معنا آخرون كثيرون. يعجز المكان عن تدوين أسمائهم. عند دفن شقيقه فوزي هيكل الذي لم أعرفه في حياته للأسف الشديد. والمقابر تقع بالقرب من مقابر الكومنولث البريطاني عند آخر مدينة نصر وأول أرض الجولف بمصر الجديدة. قرأت المكتوب علي المقبرة: دار العودة.
آل هيكل. أحسست برجفة من كلمة العودة. أدركت أن الحياة بكل ما فيها رحلة. لا تخرج عن كونها ترحالا مستمرا بين مكان ومكان. لكي نعود في النهاية إلي حيث الحقيقة المؤكدة.
وكل ما مررنا به باطل وأكاذيب وقبض الريح. ثم هل يمكن أن نهرب من حقيقة أن حضارة مصر القديمة قامت علي فكرة جوهرية هي مقاومة الفناء والبحث عن الخلود المستحيل. لذلك تركت لنا مقابر بلا حصر. هل أجرؤ علي القول إن الأهرامات التي كانت واحدة من عجائب الدنيا السبع. ما هي إلا مقبرة صغيرة في آخر مكان تحت هذا المبني الضخم.
لا أقصد من هذا كله أن حضارتنا حضارة متبخرة. نظرت إلي الحياة الدنيا بكل ما فيها. علي أنها رحلة إلي الخلود. أو مجرد مقدمة. إذن فالحياة عبور بين مجهول جاء منه الإنسان ومجهول هو في الطريق إليه.
إنها تجريدات من الصعب أن تتجسد في محسوسات ومدركات. أعود لحكايتي مع هذا المعني الذي نحاول الهروب منه في كل مراحل الحياة. ألا وهو الموت. لن أقف في خندق بعض العدميين من مفكري عصر النهضة الأوروبية. من قالوا لحظة الموت لمن حولهم: -
صفقوا.. لقد انتهت المهزلة. ولن أذهب مع من ذهبوا إلي أن الحياة أكبر متعة وأن الاستمرار فيها انتصار للإنسان وأن الموت هزيمة لمن يموت. يفرح فيها خصومه. ولكنني أتعامل مع الموت باعتباره حقيقة الحقائق الكبري.
وأن التهوين منه رومانسية. وأن التهويل من شأنه انهزامية. فلا الحياة مأساة ولا الموت هو الخلاص الأخير. كانت الجنازة الأولي هي جنازة والدي. يوسف يوسف القعيد.
بالمناسبة اسمي محمد. وقد حملت إسم والدي عندما قيل لي بعد نشر أعمالي الأولي إن الاسم طويل. ولابد من اختصاره. وقد اعتبر والدي حمل كتبي لاسمه ردا لجميله, وعبر عن سعادته بذلك أكثر من مرة. توفي والدي في الثامن والعشرين من أكتوبر سنة1995 ودفن في اليوم التالي1995/10/29, هو تاريخ وفاة طه حسين, ووالد جمال الغيطاني عمي أحمد الغيطاني. وكان والدي قد ولد في11/1/.1916 ويكون بذلك قد عمر79 سنة. ولا يعد بذلك من المعمرين. كما أنه لا يعد من قصار العمر. شقيقي إسماعيل. كنا نناديه فتحي وهو مهندس زراعي. توفاه الله بعد مرض من آثار البلهارسيا.
قدر أهل مصر من الفلاحين. توفي في2000/11/22, وجاءته الوفاة في مستشفي إيتاي البارود العام بعد رحلة طويلة مع المرض. وعلاج لا يجلب الشفاء لكنه يؤجل الموت. قدر الأقدار كلها. وكان ميلاده سنة.1956 أي أنه مات عن44 سنة. فهو إذن من الذين يمكن وصفهم بقصيري العمر. أما شقيقي جابر الترزي البلدي بقريتنا. فتوفي في2004/10/25 بنفس المرض الناتج عن البلهارسيا مثل شقيقي الذي سبقه في الموت. وكانت الوفاة أيضا علي سرير متهالك في غرفة ضائعة داخل مستشفي إيتاي البارود العام, لحظة خروجي منه, يومها, لم أر سوي غيمة من الغبار تظلل المستشفي.
وكان ميلاده في سنة1952, أي أنه مات عن عمر52 سنة, فهو إذن من أصحاب العمر القصير أيضا. أما أمي مبروكة إسماعيل حسنين حمادة. فقد توفيت في2006/12/16 وكانت قد ولدت في10/20/.1920 ماتت عن86 عاما. وهو رقم يضعها بين أصحاب العمر الطويل. وإن كانت غير معمرة. هذه الرحلة بين قبور الموتي ومحاولة تدوين تواريخهم.
جعلتني أكتشف أن شهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر, وهي الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة الميلادية. وتشهد نهايات الخريف وبدايات الشتاء. قد شهدت الوفيات الأربع. وأن هذه الفترة أيضا شهدت ميلاد الوالد نوفمبر وميلاد الوالدة أكتوبر. فماذا يعني كل هذا؟.
 بقلم: يوسف القعيد




؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: