السبت، 5 مايو 2012

إسرائيل لاأمل في ضمان استقرار العلاقة مع مصر الجديدة


دوافع الفزع الإسرائيلي من إلغاء صفقة الغاز المصري 
ليبرمان التعامل مع مصر بعد الثورة على أساس أنها مصدر خطر 
يفوق الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني


أثار القرار المصري بإلغاء صفقة بيع الغاز لإسرائيل ردودًا كبيرة في الكيان الصهيوني، حيث إن هناك إجماعًا على أن الخطوة تمثل تحولًا استراتيجيًا، وتجسيدًا للتنبؤات السوداوية التي راجت في تل أبيب في أعقاب تفجر الثورة المصرية. صحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصر الدوافع التي حدت بالجانب المصري لاتخاذ القرار في الخلاف التجاري بين مصر والشركة الموردة للغاز، لكن سلوك نتنياهو هذا هدف بشكل أساسي إلى منع مزيد من التدهور في العلاقات مع مصر، والدليل على ذلك أن الحكومة التي يرأسها نتنياهو تعاملت مع القرار ببالغ الأهمية، وأصبحت تعمل على أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة تداعياته المختلفة على الصعد الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية. بل إن الحكومة الإسرائيلية ألمحت إلى أنها قد تطلب من الولايات المتحدة تفعيل العمل باتفاقية "الكويز" للعام 2004 والتي وقعت عليها مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، وهي الاتفاقية التي التزمت فيها الولايات المتحدة بإعفاء البضائع المصرية من الضرائب، إذا كان 10 بالمئة من مركباتها تم استيرادها من إسرائيل. ويعني هذا أن الحكومة الإسرائيلية ستطالب إدارة أوباما بالتوقف عن إعفاء المنتوجات المصرية.
في الوقت نفسه، فإن هناك في إسرائيل من ذكر صناع القرار في القاهرة بأن الولايات المتحدة التي ضمنت اتفاقية "كامب ديفيد" لن تتردد في وقف المساعدات الأمريكية التي يبلغ حجمها ملياري دولار إذا تم المس بهذه الاتفاقية. إن الشهادة التي يقدمها وزير البنى التحتية الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر، الذي وقع اتفاقية الغاز عن الجانب الإسرائيلي، ويعتبر مهندس العلاقات مع نظام مبارك، بشأن دلالات إلغاء صفقة بيع الغاز، بالغة الأهمية. ويقول بن إليعازر إن العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد إلغاء الصفقة انتقلت إلى مسار آخر تمامًا. وهو يرى أن إلغاء الصفقة يمثل طبيعة التحولات التي تمت في مصر، معتبرًا أن هذا القرار يدلل على أن إسرائيل لم يعد بإمكانها الاستفادة من الدور الذي كان يقوم به نظام مبارك والذي تمثل في العمل على استقرار المنطقة العربية بما يخدم المصالح الإسرائيلية. إن أكثر ما يدلل على حجم المأزق الإسرائيلي في أعقاب إلغاء الصفقة، تشديد بن إليعازر على أن تدفق الغاز المصري لإسرائيل كان أهم إنجاز عملي لإسرائيل.
 اللافت أن القرار المصري جاء في خضم جدل داخلي إسرائيلي بشأن مستقبل العلاقات مع مصر، حيث تبين أن هناك تيارًا قويًا داخل الحكومة الإسرائيلية يقوده وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يدعو إلى التعامل مع مصر بعد الثورة على أساس أنها مصدر خطر يفوق الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني، حيث إن ليبرمان يرى أن الأوضاع على صعيد العلاقات مع مصر ستصبح أكثر خطورة لدرجة تستدعي إعادة بناء الجيش الإسرائيلي من جديد، وضمن ذلك منح الأفضلية لقيادة المنطقة الجنوبية في الجيش، وتشكيل فيلق جديد يضم أربعة ألوية مخصصة للتمركز على الحدود مع مصر، والحرص على تخصيص كل الموازنات اللازمة لذلك. وينطلق ليبرمان من افتراض مفاده أن هناك أساسًا للاعتقاد أن مصر ستلجأ بعد الانتخابات الرئاسية إلى خرق اتفاقية "كامب ديفيد" بشكل جوهري وتعمل على دخول قوات عسكرية مصرية لسيناء بشكل يهدد الأمن القومي الإسرائيلي. لقد رأت إسرائيل دومًا في اتفاقية السلام مع مصر، أن صفقة الغاز تمثل إحدى أهم ثمارها، على أساس أنها مركب مهم في عقيدتها الأمنية، حيث أن هذه الاتفاقية عملت على إخراج مصر من دائرة العداء مع إسرائيل، مما مكن الحكومات الإسرائيلية من الاستثمار في مجال تحسين مكانة الدولة العبرية في الصراع مع الأطراف العربية الأخرى، بحيث تمكنت إسرائيل من توجيه إمكانياتها العسكرية لجبهات أخرى.

ولقد أسهمت المعاهدة في بلورة شراكة استراتيجية بين إسرائيل من جهة، ونظام مبارك من جهة أخرى، مما مكن إسرائيل من القيام بالكثير من حملاتها العسكرية ضد الأطراف العربية الأخرى في ظروف مثالية. وقد بلغت الشراكة الإستراتيجية بين نظام مبارك وإسرائيل ذروتها في الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد حزب الله في تموز 2006، وفي الحرب على غزة أواخر عام 2008، حيث حرص نظام مبارك على توفير الظرف الإقليمي المناسب لاستمرار الضربات الإسرائيلية في أقل قدر من الممانعة العربية والدولية. إن ما يجعل إلغاء صفقة الغاز يمثل مقدمة خطيرة بالنسبة لإسرائيل حقيقة أنها قد تفضي إلى تلاشي الشراكة الاستراتيجية مع مصر. إن أكثر ما أثار الفزع في نفوس النخبة الحاكمة والمثقفة في إسرائيل بشأن مستقبل العلاقات مع مصر بعد إلغاء الصفقة حقيقة أن هذا التطور جاء بعد البيان الذي صدر عن لجنة الشؤون العربية في مجلس الشعب المصري بتاريخ 12- 3- 2012، والذي لم يشر فيه لإسرائيل بالاسم، بل اكتفى بوصفها بـ"الكيان الصهيوني". وقد دعا بيان اللجنة الذي تضمن خطوطًا عامة لمستقبل العلاقة مع إسرائيل، إلى رفض الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني ودعوتها لمساندة الشعب الفلسطيني في نضاله المسلح ضد هذا الكيان. ولقد تساءل الباحث الإسرائيلي يهودا هليفي عن أي أمل في ضمان استقرار العلاقة مع مصر الجديدة، في أعقاب صدور هذا البيان؟ إن هناك أساسًا للاعتقاد أن الذي أصدر أمر قرار إلغاء صفقة بيع الغاز لإسرائيل لم يأخذ بعين الاعتبار بيان لجنة الشؤون العربية، لكن في إسرائيل ينطلقون من افتراض مفاده أن ما جاء في بيان اللجنة سيوجه السياسات المصرية تجاه إسرائيل في المستقبل.
.


ليست هناك تعليقات: