الأربعاء، 25 أبريل 2012

العسكرى ولعبة قانون العزل وتهديد إسرائيل بإلغاء تصدير الغاز ؟


المجلس العسكرى يغسل يده من الدماء والأخطاء برعاية البرلمان..
المشير ورفاقه نجحوا فى تمهيد طريق الخروج الآمن من ساحة سياسية 
مشغولة بنار الخلافات وشارع يقترب من الاقتناع ببراءته..



 «إن توقيت إقرار قانون العزل السياسى بالتزامن مع وقف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، فضلا عن تصريحات المشير حسين طنطاوى، أثناء زيارته الأخيرة لسيناء التى قال فيها (حدودنا مهددة وإذا اقترب منها أحد سنكسر قدمه ويجب أن تكون قواتنا فى حالة استعداد قتالى)، محاولة لتخويف الناس وإجبارهم على القبول باستمرار العسكر على رأس السلطة»..
 لم أفرح مثلك، ولم أهلل مثل البرلمان الذى اعتبر نفسه «رامبو»، ومجلسا للإنجازات لمجرد أن المجلس العسكرى قام بتصديق، أراه غير مريح، على قانون مباشرة الحقوق السياسية أو ماعرف إعلاميا بـ«قانون عزل الفلول».
 وسر عدم الفرحة هنا متعدد المصادر، وليس فقط لأن إقرار تطبيق العزل السياسى على رموز نظام مبارك تم فى الوقت الضائع أو ما بعد الضائع، وفى شكل منحة وتعطف، وبإيحاء قوى من المشير ورفاقه، يقولون من خلاله بأن المجلس العسكرى هو صاحب الكلمة العليا، يمنح ما يشاء وقتما يشاء، وفى التوقيت الذى يراه مناسبا لمصالحه وهواه، والمعنى العارى والصريح لما يريد المجلس أن يوحى به من خلف إقرار قانون العزل السياسى فى هذا التوقيت الميت أنه الحاكم الأوحد، والمتحكم الأوحد فى مفاتيح اللعب، وكل ما عداه من أحزاب وقوى ثورية وبرلمان، لا يملك تمرير قانون واحد، أو خطة واحدة، أو حتى لعبة سياسية واحدة، إلا تحت إشراف المجلس أو بإذن منه.
 المعنى السابق واضح، ويمكن لأى تيار سياسى منصف أن يقرأه من بين سطور «حدوتة» العزل السياسى، بشرط ألا يسعى البرلمان، أو تهرول الأحزاب والقوى السياسية لتصوير الأمر للشارع المصرى وكأن تطبيق العزل السياسى فى هذا الوقت معركة انتصرت فيها إرادة البرلمان على المجلس العسكرى، أو «لقمة» تم الحصول عليها من فم الأسد.
 ولكى تكتمل صورة المعنى السابق أمامك، دعنى أستكمل معك باقى المصادر التى تدفع إلى عدم الفرحة، أو التهليل بتصديق المجلس العسكرى على قانون العزل، أو تلك التى تجعلنا نشتم من خلف التصديق على القانون فى هذا التوقيت بالذات، روائح غير طيبة ليست فى مصلحة هذا الوطن ولا ثورته أبدا.
 1 - المصدر الأول للروائح غير الطيبة التى تنبعث من لعبة قانون العزل هذه، يمكن تلخيصه ببساطة فى أن البرلمان والقوى السياسية التى تذكرت قانون العزل فى هذا الوقت المتأخر تشارك عن عمد أو عن جهل وسهو فى عملية غسيل السمعة التى يقوم بها المجلس العسكرى منذ فترة ليست بالقصيرة، فالمشهد على الساحة الآن يبدو فيه المجلس العسكرى الكيان الوحيد الهادئ الذى يحقق مطالب البرلمان والشارع، بداية من الخروج السهل لعمر سليمان من انتخابات الرئاسة، مرورا بمحاولة تصدير نفسه الطرف الأكثر عقلا، والذى يسعى للإصلاح والتوافق بين الأطراف والقوى السياسية المتعاركة بسبب تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، والتى بدت بمعاركها هذه قوى طامعة فى مصالح شخصية، فى الوقت الذى ظهر المجلس كأنه الأب الروحى والحضن الآمن للقوى السياسية الوطن، وانتهاء بقرار تصدير الغاز الذى تم تصديره كفعل سياسى، أتبعه المشير بتصريحات ساخنة من تلك التى تلقى إعجاب الشارع المصرى حول كسر أقدام المعتدى، وإلى آخره من هذه التهديدات الموجهة باطنا للكيان الصهيونى، ثم أكمل المجلس العسكرى هذه الصورة التى يرسمها لنفسه مؤخرا بتصديق سريع على قانون العزل السياسى، عقب عليه الجميع بتهليل دون أن نطرح ذلك السؤال المهم الذى يقول: إذا كان إقرار قانون العزل السياسى بمثل هذه السهولة..
فلماذا لم يفعلها المجلس العسكرى منذ شهور؟،
لماذا ترك القوى السياسية تستنزف كل طاقتها وتحارب طواحين الهواء وتخوض معارك قانونية دون أى رد فعل من جانبه؟، ولماذا لم يرحم شباب الثورة من المظاهرات وتقديم الدماء فى محمد محمود ومجلس الوزراء ويصدر القانون الذى كان أحد أهم مطالبهم؟
ألم يكن من الأولى أن يقف مجلس الشعب «وقفة رجالة» ويطلب من المجلس العسكرى تفسيرا واضحا لتأخره فى إصدار قانون العزل ومحاسبته على ما سببه هذا التأخر من خسائر ودماء، بدلا من أن يقف نواب المجلس مصفقين مهللين بعد قراءة الكتاتنى قرار التصديق على القانون؟!
 2 -المصدر الثانى لعدم الفرحة بقانون العزل يكمن فى الفكرة نفسها.. فكرة عدم اقتناع أهل القوى السياسية، سواء كانوا من الإخوان أو السلفيين أو الليبراليين، بأن المواطن المصرى فاقد للأهلية وفى حاجة إلى وصاية، ونفسه أمارة بالسوء وتعشق فساد الفلول، وهى الفكرة التى أثبت المواطن المصرى أنها غير صحيحة، وأثبت معها أن النخبة ورجال السياسة فى مصر لا يعرفون شيئا عن المواطن المصرى الذى لم ينتخب الفلول، ولم يمنحهم فرصة الظهور تحت قبة البرلمان، بينما القوى السياسية التى كانت تريد فرض وصياتها عليه، على العكس تماما حينما امتلأت أحزابها بفلول نظام مبارك بشكل أو بآخر.

 3 - المصدر الثالث لعدم التهليل لقانون العزل يخص نظرة دقيقة للنتائج التى يمكن أن يحققها هذا الإقرار المتأخر لمصر وللثورة، وهى نتائج تبدو هزيلة على اعتبار أن القانون لن يطال فى الفترة القادمة سوى المرشح الرئاسى أحمد شفيق، وهى نتيجة تبدو ضعيفة جدا إذا اطلعت على وضع أحمد شفيق الشعبى الذى سيكشف لك أنه لا يشكل أى رقم صعب فى منافسة الرئاسة.
 4 - المصدر الرابع يتعلق بهؤلاء الذين فرحوا بتطبيق قانون العزل للإطاحة بأحمد شفيق، الرجل الذى قلنا إن صندوق الانتخابات كان سيتكفل بهذا الفعل دون أى عناء، هذه الفرحة ستبدو منقوصة أو معيبة حينما تكتشف أنإزاحة شفيق بقانون العزل تضاعف من فرص عمرو موسى فى الوصول إلى كرسى الرئاسة، بحيث إنه أصبح المرشح الوحيد من فئته التى تصنف «فلولية»، أو من بقايا النظام السابق، بينما أهل القوى السياسية والثورة لم يستقروا بعد على دعم مرشح واحد، ومن المتوقع أن يتطور مستوى المعارك والخلاف بينهما مع اقتراب موعد الانتخابات ليبقى موسى منفردا فى السباق، ويبقى المجلس العسكرى هادئا زاهدا فى سلطة تتصارع عليها قوى وتيارات، قال للناس من قبل إنها كانت يدًا واحدة فى الميدان. 
 انتهت أسبابى ومخاوفى من التهليل لصدور قانون العزل السياسى فى هذا التوقيت دون محاسبة أو مساءلة للمجلس العسكرى، ولكن تتبقى الإشارة إلى أن هذه الأحزاب «إخوانا وسلفيين وليبراليين ويساريين» التى تشارك فى غسيل سمعة المجلس العسكرى هى نفسها التى كانت تظهر لنا دوما لتقول: «المجلس العسكرى يفتقد الخبرة السياسية»، حتى ظننا أن القوى السياسية المختلفة ستعصر المجلس العسكرى عصرا، وتضعه على حجرها، وتقوم «بتدليعه وهشتكته» حتى يسلم السلطة فى أسرع وقت، وبأيسر شكل دون مشاكل، على اعتبار أنه قليل الخبرة، ولكن ماحدث كان العكس تماما، التقط المجلس العسكرى خيوط تلك النكتة التى روجت لها قوى الثورة والتيارات الإسلامية، وظل يرددها فى رسائله وبياناته، مؤكدا أن السياسة ليست أرضه، ليستخدمها فيما بعد كوسيلة لتبرير فشله، أو خططه للالتفاف على الثورة، واستدرار عطف الناس على المجلس بشكل جعل التغاضى عن أخطائه أمرا واجبا، على اعتبار أنها لم تكن سوى تجاوزات طفولة سياسية.

 الآن، وبعد لعبة قانون العزل السياسى
التى جعلت المجلس العسكرى يظهر فى صورة المستجيب لنداءات الشارع
والبرلمان المنتخب، تتجلى نتيجة واحدة تقول بأن
 المشير ورفاقه نجحوا فى أن يضربوا القوى السياسية فى بعضها، ويعيد البساط مرة أخرى أسفل أقدامه، ممهدا لنفسه خروجا آمنا من ساحة سياسية مشغولة بنار الخلافات، وشارع يقترب مع كل خطوة أو لعبة من المجلس العسكرى، مثل لعبة العزل، أو تهديد إسرائيل، أو إلغاء تصدير الغاز، من الاقتناع ببراءته وأهميته.


ليست هناك تعليقات: