الجمعة، 27 أبريل 2012

نصرعلام : مصر لا تستطيع تأمين شوارعها فكيف تحارب من أجل المياه؟ فيديو



السودان هو الامتداد الجنوبى لمصر 
وإستقرارنــا لن يتحــقق إلا باستقـــراره


كشف الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، عن مفاجآت كثيرة تتعلق بأزمة حوض النيل، حيث أكد وجود جهات خارجية كثيرة تلعب في الملف وتؤلب دول الحوض علي مصر لتحاربها بسلاح المياه، وتفقدها أحد أبرز مقومات قوتها.
 وأعادنا علام مجددا إلي القضية الأم التي شغلنا عنها بقضايا هامشية ألا وهي قضية مياه النيل التي تسرقها إسرائيل علنًا، وأضاف الوزير أن الرئيس السابق كان مهتما بملف المياه ويسأل عنه كثيرا، لكنه كان يستقي معلوماته من جهات أخري بخلاف وزيري الري والمياه، كاشفا عن أنه طلب من مبارك تجميد المفاوضات مع دول الحوض بسبب موقفها المتعنت في التعامل مع مصر لكنه رفض وعندما حاول إقناعه بوجهة نظره قاطعه قائلا: «أنا قلت كده يبقي خلاص».



سألناه: ما هو دورك في أزمة دول النيل..
وكيف تدهورت العلاقات مع دول الحوض إلى هذا الحد؟
- أجاب: استلمت ملف أزمة حوض النيل وهو فى مرحلة جمود, فالمفاوضات التى بدأت عام 1996، وشاركت مصر فيها فى عهد وزير الرى الدكتور محمود راضى لم ندخلها بضمانات، وأتعجب من هذا الموقف, وعندما استلمت الملف فى مارس 2009 كان آخر ما توصل له الوزير الأسبق أنه لا جدوى من التفاوض لوجود اختلاف حول الحقوق المائية السودانية والمصرية, ورفع جميع الدول ما يفيد بذلك لرؤسائها. 
وعندما توليت الوزارة كان هناك تعتيم إعلامى وسرية تامة فى هذا الموضوع بدعوى أنه ملف أمن قومى, لكن هذا التعتيم ليس على الوزير, فبمجرد استلام حقيبة الوزارة, وصلتنى جميع الملفات ومحاضر الاجتماعات السابقة لدول حوض النيل, ولأنها احتوت على كم هائل من المعلومات, انتهيت من قراءتها بعد شهر ونصف, وتوصلت إلى أن هذه الاتفاقية ينقصها 3 ركائز رئيسية, فشكلت لجنة قانونية تضم أساتذة القانون الدولى من جامعات مصر المختلفة لقراءة الاتفاقية وإعطاء رأي فيها واقتراح توقيع مصر أم لا، وبشكل عام كان هناك تعتيم على الملف حتى داخل الوزارة, فمعلومات الملف لا يعلمها فى الوزارة سوى عدد من الشخصيات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة, فى حين أن السودان نشر فى مجلة العدل جميع المحاضر وكل ما يتعلق بالقضية باعتبارها قضية عامة تشغل الرأي العام, وهذه شفافية مطلوبة فى مصر أيضا بدلا من الكتمان الشديد الآن.
 ● وما الخلافات الجوهرية 
بين مصر والسودان من جهة ودول المنابع من جهة أخرى؟ 
- كان الاختلاف على بند واحد هو لب القضية ويتمحور حول موقف دول الحوض من الاعتراف بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل واستخداماتها السنوية, وبعد تعثر المفاوضات, تدخل البنك الدولي واقترح مبدأ الأمن المائي أى استخدام دول حوض النيل ماء النهر بشكل آمن, وصاغته فى الاتفاقية بتعريف تحقيق الأمن المائي للدولة على ألا تضر بالأمن المائى لدول أخرى, لكن مصر والسودان رفضتا هذه الصياغة, واقترحتا استبدال الفقرة الاخيرة بـ»على ألا يضر ذلك بالحقوق والاستخدامات والأمن المائى لدولة أخرى», وهنا رفضت دول المنبع, فتم تشكيل وفد من رئيس المجلس الوزارى وعضوية الرئيس السابق وممثل البنك الدولى فى 2008, للجلوس مع كل دول الحوض لحل الأزمة, وعندما اجتمعوا مع الوزير الأسبق محمود أبو زيد، وافق على استبدال الاقتراح الأخير لمصر بعبارة «على ألا يضر ذلك باستخدامات الدول», وكانت رؤيته أن الاستخدامات هى ذاتها الحقوق, فمصر تستخدم كل نصيبها المقرر فى الاتفاقيات من المياه, لكنه أغفل أن الاستخدامات ليست فقط المياه وإنما أيضا الحقوق فى المشاريع المقامة على النيل, فضلا عن تضرر السودان من هذا الاقتراح لأنها لا تستخدم كل حصتها, ورغم هذا رفضت دول المنبع.
هل صحيح أن ملف مياه النيل كان سببا في إقصاء محمود أبو زيد من وزارة الري؟
- لا أعلم الأسباب الحقيقية لاستبعاد أبو زيد وإن كانت قضية مياه النيل السبب أم لا، ولا أعتقد أن أحدا يعرف السبب الحقيقي, كما أنه ظل وزيرا للرى 12 عاما, وبشكل عام التغيير سنة الحياة.
ما الجهات المنوطة بالتعامل مع أزمة مياه النيل، وهل هي موكلة لوزارة الري وحدها؟ 
- لا ليس وزير الري وحده من يتعامل في هذا الملف, فالذى يتولى إدارة هذا الملف من الناحية السياسية والفنية والتنموية والتعاون جهة تسمى «اللجنة العليا لمياه النيل» برئاسة رئيس الوزراء وإشراف رئيس الجمهورية, وعضوية الأمن القومى ورئيس المخابرات ووزراء التعاون الدولى والخارجية، ومع كل هؤلاء وزارة الري.
وكيف تعاملت مع هذا الملف أثناءتواجدك في الوزارة؟ 
- أول مؤتمر شاركت فيه مع دول الحوض بعد تولى المنصب كان مؤتمر كنشاسا, وهناك فوجئت بوجود أكثر من 100 مندوب إعلامى عالمى قادم لمشاهدة توقيع الاتفاقية الإطارية, فرفض السودان وانسحب ممثله, وقدمت طلبات مصر الثلاثة المتعلقة بالاعتراف بالحقوق والاستخدامات المائية والاتفاقيات السابقة, والإخطار المسبق بأى تغيير, وعدم تغيير أى بند من بنود الاتفاقية بالأغلبية. 
وماذا حدث بعد ذلك؟
- بعد اجتماع أديس أبابا رفضت دول حوض النيل الاعتراف بالاتفاقيات القديمة وهو الشرط الذى تتمسك به مصر والسودان، وهنا قررت الولايات المتحدة التدخل عن طريق البنك الدولى, حيث حَمل ممثل مصر الدائم فى البنك الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار السابق، رسالة إلى الرئيس مبارك, وقبل وصولها إلى الرئاسة اتصل البنك بوزير الخارجية, وأبلغه شفهيا عرض أمريكا بالوساطة بين مصر وإثيوبيا عن طريق أحد وزراء خارجيتها السابقين بدعوى أن المفاوضات بيننا وصلت لطريق مسدود, وعندما وصلنى الخبر اتصلت بوزير الخارجية الذى أطلعنى على الأمر, ولأنى لم أكن أمضيت أكثر من أسبوعين فى الوزارة لم تتشكل فيهما رؤيتى حول الملف, لم أقدم رأيى فى العرض, لكن لجنة مياه النيل رفضت تدخل أمريكا كوسيط, وأبلغت البنك بذلك. 
وهل انسحبت أمريكا من الملف بعد الرفض المصري؟
- لا لم يكن العرض السابق هو الوحيد, فبعد رفضنا الوساطة الأمريكية, أرسلت الولايات المتحدة لمصر خبيرا دوليا أمريكيا أكد أن الاتفاقيات الدولية غير موثوق فيها ولا تضمن أن يكون التحكيم الدولى لصالح مصر, بدعوى عدم تعاطف القاضى مع أى اتفاقية تلغى حق دولة بالكامل لصالح دولة أخرى, ورغم أن خبراء القانون الدولى المصريين أكدوا أن الموقف الدولى فى صالحنا, إلا أننى قررت الاستعانة بخبير قانون دولى إنجليزى مشهود له بالكفاءة لدراسة اتفاقيات الدولية, وبعد شهرين أكد أن جميع الاتفاقيات الدولية الموقعة بيننا وبين دول الحوض سارية, ولا يمكن لمصر تحت أى ظرف توقيع الاتفاقية الإطارية وإلا تفقد حقوقها كاملة. 
ولماذا لم نلجأ للتحكيم الدولي ما دام موقفنا قويا؟
- للأسف لا يمكننا اللجوء للتحكيم الدولى, فنحن لا نملك إجبار أى دولة على قبول التحكيم الدولى في هذه الاتفاقيات. 
ولماذا أخذت قضية حوض النيل بعدا دوليا لهذا الحد؟
- مصر دولة كبرى إقليميا ولها مفاتيح قوتها التى لا يستطيع احد أخذها منها, وأمريكا لها مصالحها المعروفة فى القرن الإفريقى الذى زاد فيه المد الإسلامى, كما أن إسرائيل بينها وبين مصر صراع إستراتيجى, ولأن أهم عامل محدد لنمو وبقاء مصر هو المياه, وهى قادمة من الخارج, بدأ كل من يريد مضايقة مصر اللعب فى ملف مياه النيل, ليصبح ملف النيل «كن أو لا تكن», وبدأت هذه الدولة فى دعم بعض دول الحوض ليصبح الدور الرئيسى فى المنطقة لها, على حساب دور مصر الإقليمى الذى تراجع وتهمش. 
ولماذا يبدو انحياز الدول الكبرى لدول المنابع وليس لمصر في هذه القضية؟
- بشكل عام, هناك دعم دولى واضح وجلى لدول الحوض اقتصاديا واستثماريا, فضلا عن دعمها وتقوية موقفها فى المفاوضات مع مصر والسودان خاصة إثيوبيا, فهناك استثمارات صينية وهندية وإيرانية وأوروبية فى إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا مثلا, كما أصبح بها مشاريع بحثية إسرائيلية وتواجد عسكرى ومخابراتى, وتبادل مسئولى المياه الأفارقة الزيارات معها, بجانب تنظيم إسرائيل دورات تدريبية لهم، وأذكر أن مصر حولت مرتين دورات تدريبية لأبناء الحوض من إسرائيل إلى مصر. 
وما هي أكثر الدول الخارجية المؤثرة في الملف؟
أمريكا بالتحديد لها دور داعم لإثيوبيا وأوغندا, وخلقت تعاطفا كبيرا بين شعبها وهذه الشعوب, بدعوى معاناة هذه الدول من مجاعات وموت لان مصر والسودان تمنعان عنها مياه النيل, وموقف أمريكا ليس جديدا, فبعد توقيع مصر والسودان اتفاقية 1959 بعثت عام 1964 أكبر بعثة علمية لإثيوبيا أعدت مخطط السدود الذى ينفذ حاليا. 
ولماذا تحمل إثيوبيا هذه النبرة العدائية ضد مصر وتقود دول المنابع الأخرى للسير علي نفس الدرب؟
- تهديدات أثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل ليست الأولى من نوعها, فمنذ أيام الفراعنة وهى ترسل خطابات تهديد بذلك, ووصلت ذروتها أيام الرئيس السادات, لدرجة أن أحد الأحلام الإثيوبية لدى أطفالها التحكم الكامل فى النيل الازرق، كما تحلم منذ زمن بإقامة السدود, فرؤساؤها يرغبون فى تقمص الزعامة مثل الرئيس المصرى عبد الناصر عندما بنى السد العالى, مع العلم أن سدودهم ستؤثر على مصر سلبا, لكن مصر عندما أقامت مشروعها منعت المياه من الوقوع فى البحر ولم تؤثر بالسلب علي أي دولة. 
لكن من حق دول المنابع البحث عن مصالحها أيضا كما تراعي مصر مصالحها؟
- نحن نتفهم احتياجات دول الحوض من المياه للنمو والتنمية, وهدف مصر الجلوس للتفاوض مع هذه الدول للتوصل لنقطة التقاء دون الإضرار بمصر والسودان, مع العلم أن نسبة الفرد من المياه فى مصر أقل من 700 متر مكعب سنويا, وفى إثيوبيا 3 آلاف, كما أننا بسبب نقص المياه نعانى عجزا فى ميزان الغذاء وفجوة غذاية تتخطى 6 ملايين دولار.
وما الأسلوب الأمثل للتعامل مع دول الحوض ؟
- هناك سوء مخاطبة من مصر مع هذه الدول لاستقطاب «الفواقد», فلابد أن نقيم مشاريع استثمارية للدول التى نريد أن ننشئ بها قنوات لاستقطاب فواقد المياه, ولا سبيل على المدى القصير او البعيد إلا الحوار مع دول الحوض, خاصة وأن الخلافات بيننا عميقة جدا. 
وهل يمثل سد النهضة الأثيوبي خطورة شديدة علي حصة مصر من المياه؟
- بصراحة, حتى الآن لا تملك مصر مخططات تفصيلية بهندسة سد النهضة الإثيوبى, ولم يصلها أى ورقة عن أبعاد هذا السد, رغم أن حجر أساسه وضع فى إبريل من العام الماضى، والمرحلة الأولى منه تنتهى في يونيو 2013 بسعة 73 مليار متر مكعب, وأرسلت إثيوبيا لمصر منذ فترة قليلة إنذارا يمهلها 60 يوما، إذا لم توافق على الاتفاقية الإطارية سيتم توقيعها دون مصر، وللأسف هذا السد لم تراع إثيوبيا عند إنشائه الاتفاقيات وقواعد القانون الدولى. 
ولماذا لم نحاول معرفة معلومات عن السد لمعرفة كيفية التعامل معه؟
- حتى نهاية 2010 لم تكن مصر تعلم أن سد النهضة سيقام, وآخر ما أرسلته إثيوبيا دراسات جدوى لسدود أخرى, مع إبلاغنا أن سدها سيكون سعته 14.5 مليار متر مكعب, ودرسنا تأثير هذه السدود على مصر، فوجدنا أنها سلبية للغاية فرفضنا, وأرسلنا رفضا رسميا لمكتب سكرتارية حوض النيل وإلى جميع الدول المانحة. ونحن لم نعتمد فقط على دراساتنا فقط, فاستعنا بالدراسة التى أجرتها إحدي جامعات أمريكا على سد بندارى بحوض النيل والذى تقل سعته عن هذا السد بكثير, وأكدت تأثيره السلبى على حصة مصر من المياه لتقل 9 مليارات متر مكعب سنويا, وتقل كهرباء السد العالى وخزان أسوان 20%, فضلا عن التأثير البيئى والتلوث. 
 ● وما المخرج من هذا الوضع؟
- لابد من وقفة جادة مع إثيوبيا, فبعد الثورة بدأت إثيوبيا فى بناء سد النهضة دون إخطار مصر, وبعد عام من احتجاجنا شكلت لجنة ثلاثية تضم مصر والسودان، بالإضافة لها للتفاوض, وإلى الآن لم ترسل لمصر دراسة بيئية بأخطار سد النهضة، رغم أن القانون الدولى يشترط ذلك، فنص على ضرورة «عمل الدولة التى تخطط لإقامة أى منشأ قد يكون له آثار على باقى دول الحوض دراسة بيئية توضح السلبيات, وإعطاؤها للدول لدراستها مع منحها مهلة من 6 أشهر إلى عام, ترد خلالها بالموافقة أو الرفض على إقامة المشروع, وفى حالة الرفض تجلس الدول للتفاوض. 
وهل يمكن أن تتوصل اللجنة الثلاثية إلي حلول للأزمة؟
- لا أعلم الهدف من اللجنة الثلاثية, وما صلاحيتها؟
وهل بمقدورها هدم السد فى حالة رفض مصر والسودان؟
أم أنها على هامش الأحداث بينما إثيوبيا مستمرة فى بناء السد؟
بشكل عام إثيوبيا تلجأ لسياسة فرض الأمر الواقع, ومصر مشاركة فى ذلك لأنها وافقت على المشاركة فى اللجنة الثلاثية. 
هل يمكن أن تحدث حرب بين دول الحوض بسبب أزمة المياه؟
- أستبعد ذلك, لكن أثق أنه لن يحدث استقرار وأمن إقليمى فى حالة إيذاء مصر، وقد يحدث حرب, لكن ليس فى مصر، وحتى لو فاز البعض على المدى القريب لن يفوز على المدى البعيد, فمصر حضارة 7 آلاف سنة ولن تفرط فى حقها. وتصعب عليا نفسى عندما أرى مصر فى وضعها الحالى لا تقدر على تأمين شوارعها, فهل هذا الوضع يتيح لنا الدفاع عن اسم مصر, وفى وجود دول تلعب لإعادة تقسيم المنطقة وتحاصرنا من كل الجهات, بينما نحن مشغولون بتقسيم تورتة فارغة من الداخل, ومجموعة تنصب الخيم فى التحرير من أجل جنسية والدة شخص واحد, ومظاهرات فئوية فى كل مكان, ورصيد مصر الاحتياطى كله استنفد. 
هل أثر غياب مصر علي المستويين الدولي والإقليمي علي وضعها في التفاوض؟.
- بالتأكيد, عدم وجود وزن لمصر والسودان على المستوى الدولى, وعدم التواجد المصرى على المستوى الرئاسى فى الاجتماعات الإفريقية, أثر سلبا علي ثقلنا في حوض النيل، فلم يزر الرئيس السابق إثيوبيا مثلا منذ محاولة اغتياله هناك, فضلا عن عدم بذل جهد مادى وسياسى فى إفريقيا بشكل يعكس وضع مصر وأهميتها فى القارة وثقلها أدى إلى تراجع مكانة مصر إقليميا خاصة فى دول حوض النيل, فى ظل خلل الميزان الإقليمى لمصر نتيجة الاختلاف فى مصالح القوى الكبرى فى هذه المنطقة، وبشكل عام مصر حصرت تواجدها السياسى فى القضية الفلسطينية وقل دورها على المستوى الإفريقى. 
هل كان الرئيس السابق مهتما بقضية حوض النيل؟
- نعم, مبارك كان على اتصال دائم بي لمعرفة تطورات الاجتماعات التى كنا نجريها مع دول حوض النيل فى مصر, فأثناء مؤتمر الإسكندرية فى يوليو 2009 اتصل الرئيس وسألنى عن طبيعة المشكلة وشرحتها له واطلعته على الإستراتيجية المصرية ووافق عليها, وبعد أسبوع من اجتماع شرم الشيخ استدعاني منفردا، لأن يوم عقد المؤتمر تزامن مع عودته من ألمانيا والنزول باستراحة شرم الشيخ، وسأل عن آخر تطورات الوضع وطلب منى مذكرات بالاتفاقية الإطارية وأسباب اعتراضنا عليها وصميم المشكلة بيننا وبين حوض النيل, وقدمتها له بالفعل. 
ومن الشخص الذي كان يعتمد عليه مبارك في هذا الملف؟
- كان يأخذ توجهات أخرى غير التى أتبناها أنا ووزير الخارجية, فكان هناك لاعبون كثر فى هذا الملف, لكن أنا ووزير الخارجية والمخابرات كنا دائما على خط واحد فى التفكير. وبعد الوصول لطريق مغلق فى المفاوضات مع دول حوض النيل, وفى الاجتماع الذى عقده الرئيس السابق مع وفد الكونغو فى مصر، واستدعانى أنا وأعضاء لجنة مياه النيل لحضوره, طلبت أنا ووزير الخارجية تجميد المفاوضات مع هذه الدول مع استمرار العلاقات, وكان رده «تجميد الاتفاقية لا, لازم نمشى فى الإطار القانونى المؤسسى, فقولنا: ياريس إحنا كنا شايفين.. فقال: أنا قولت كده, فخلاص». 
● هل تقوم مصر بمشروعات تنموية في دول الحوض لتواجه بها التحركات الأجنبية والإسرائيلية في هذه الدول؟
- قبل استلامى وزارة الرى, كانت هناك مشروعات تعاون مع دول الحوض تقوم بها وزارتا الرى والتعاون الدولى, مثل مشروعات حفر آبار كينيا, وتطهير الحشائش من بحيرات أوغندا بتكلفة 20 مليون دولار, وبعد تولى الحقبة الوزارية اقترحت تخصيص 100 مليون دولار سنويا لزيادة المشاريع الاستثمارية وتنمية التعاون مع دول الحوض, ووافق مجلس الوزراء, وتمت فى ديسمبر 2010 أول زيارة لوفد مصرى من الوزراء والمستثمرين لهذه الدول, ووصلت الاستثمارات إلى 2 مليار دولار قبل الثورة, ووقعت عدة بروتوكولات معهم لمشاريع مستمرة بمبالغ كبيرة, منها إنشاء سدود لحصاد الأمطار خاصة مع الكونغو وبرووندى. 
● وكيف تقيم العلاقات بين مصر والسودان؟
- السودان هو الامتداد الجنوبى لمصر واستقرارنا لن يتحقق إلا باستقراره, وعدم استقرار السودان اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا يعنى عدم استقرار مصر، لأن مصالحنا مع شمال السودان إستراتيجية, وشعبها يتطلب شيئاً من المعاملة الحساسة والشفافية والصراحة، وخلال فترة تولى المنصب كنت شفافا معهم فى ملف النيل, وكنا دائما نتفق فى جميع المؤتمرات أمام الآخرين, وذلك لجلوسنا معًا فى غرفة مغلقة والاتفاق علي كل شىء قبل الذهاب لأى مؤتمر. 
وهل الموقفان المصري والسوداني متجانسان في ملف حوض النيل؟
- الآن.. هناك اختلاف مصالح بيننا وبين السودان, لأن سد النهضة يعود بفوائد مباشرة عليهم كما يعتقدون, وحسابهم فى هذا الأمر خاطئ, لأنه سيؤثر سلبا عليهم, خاصة فى حالة انهيار السد، لأن الخرطوم ستدمر بـ9 مليارات متر مياه, وسيحدث عجز فى المياه يصل إلى 15 مليار متر مكعب مصر تتحمل نصفه والسودان النصف الآخر, والسودان لا يستطيع تحمل هذه الخسارة لأن حصته 18 مليار متر فقط سنويا, فضلا عن أن السودان لن يعتمد على إثيوبيا فى الحصول على الكهرباء, مثل مصر التى لن توافق على أخذ 2 ميجا وات كهرباء منه, لأن إنشاء السد سيحرم 4 محافظات مصرية من الكهرباء، ولابد من الجلوس مع السودان وأخذ موقف موحد بعد إطلاعه على دراساتنا أو الاستعانة بخبراء أجانب لدراسة تأثير السد على حصة مصر والسودان. المشكلة أنه بعد الثورة لم يتخذ قرار مصرى سودانى واحد يحسم إنشاء السد وهذا أمر غير مطمئن, وتعجبت من تصريح الرئيس السودانى، عندما أعلن أن السد مفيد للسودان، وعدم التنسيق الكافى بين الدولتين على أسس واضحة موقف خاطئ, وإذا استمر هذا الوضع ستحدث مفاجآت غير سارة, خاصة أنه ليس من صالح السودان التخلي عن مصر والتوقيع على الاتفاق، ولتجنب هذا الموقف أوصيت بعمل وحدة كونفيدرالية أو اتحاد اقتصادى مع السودان, يشارك فيه جنوب السودان على المدى الطويل. 
كيف أدرت وزارة الري في الفترة التي توليت فيها الحقيبة الوزارية.. وما أهم السلبيات التي وجدتها فيها؟
- عدم اهتمام النظام السابق بإيجاد صف ثان فى مؤسسات الدولة خطأ كبير, فعندما توليت الوزارة وجدت أنه من الشائع التجديد لكبار السن الذين تعدوا الـ60, وهذا تهميش للأجيال الجديدة, ولم أجد فى قطاع مياه النيل كوادر شابة, بسبب التجديد للكبار إلى ما لا نهاية وضعف المقابل المادى, فمثلا الوزارة لم يلتحق بها أى من خريجي كليات الهندسة بالجامعات الكبرى من المهندسين الرجال منذ 15 عاما, ورغم أنها تضم 115 ألف موظف لم يكن فيهم مهندسون سوى 3200 مهندس فقط, وكان عدد المؤقتين 60 ألفا يعينون فى موسم الانتخابات ويحصلون على 250 جنيها فقط, وكان معظمهم يوقع حضور ولا يأتى. فوضعت مجموعة سياسات تقوم على رفع المرتبات للمهندسين من 600 جنيه إلى 1200, و30 % زيادة للإداريين, ووضعنا برامج تحويل تقوم على تدريب المؤقتين ككوادر فنية وسائقين لتثبيتهم, واستعنت بأساتذة الجامعات وشباب المحامين فى القانون الدولى ووضعتهم فى الثغرات, فمثلا لم أجد بالوزارة من يدرس تأثير إنشاء السدود علي مصر, وأكثر ما اعتمدت عليه الدفع بدم جديد للوزارة. 
ما هي طرق الري المناسبة لمصر والتي يمكن أن ترشد من استهلاك المياه؟... 
- هناك مدرستان لنوعية المحاصيل التى يجب زراعتها فى مصر, إحداهما السوق الحر وتقوم على تحرير التركيب المحصولى, فيزرع المزارع ما يريد, وفى هذه الطريقة زادت صعوبة وزارة الرى للوفاء باحتياجات المزارعين, والأخرى المدرسة الشمولية التى تقوم على التركيب المحصولى الموحد فى ظل محدودية الملكية الزراعية, ولكن هذه المدرسة تتطلب توفير أجهزة رقابية لإجبار الفلاح على زراعة محاصيل معينة, والدولة لا تقدر عليها الآن. ولابد من التوعية وتوحيد التركيب المحصولى, والتركيز على المحاصيل الرئيسية الاستراتيجية التى يمكن ان نحارب بها, مع تعويض الفلاح فى حالة أى خسارة من المحصول وتغير اسعار السوق العالمى, وهذا اسهل ويرفع الكفاءة الزراعية ويتناسب مع محدودية المياه. 
كيف يمكن التعامل مع أزمة التعدي علي نهر النيل؟
- فى وزارتى أزلت تعديات على نهر النيل فى حلوان لمدة 3 أيام، وجرفتها بنفسى بجرار, ووزارة الداخلية لم ترفض الإزالة لكنها تأخذ وقتا كبيرا لإتمام الأمر, ورفضت التعديات على نهر النيل والترع والمصارف والمياه الجوفية وإنشاء مزارع سمكية, كما رفضت طلب رجال أعمال إقامة منشآت على النيل, ولم أعط تصريحا واحدا بالبناء على أراضى طرح النهر أو إقامة مراكب على نهر النيل أو فتحات رى أو معديات. 
لماذا لا تتجه مصر لتحلية مياه البحر، خاصة أن لدينا شواطئ طويلة وامتدادًا كبيرًا علي البحرين الأحمر والمتوسط؟
- تحلية المياه أمل مصر ومستقبلها, فنحن فى 2010 كنا نشرب 9 مليارات متر مكعب, وهذا الرقم كان مقدرا لعام 2017, وفى عام 2050 سنشرب من 50 إلى 60 مليار متر مكعب، لأن عدد السكان سيصل إلى 140 مليون نسمة, وهذا يمثل كابوسا كبيرا جدا لمصر إذا لم نحفظ حقوقنا المائية ونستقطب الفواقد, ونعتمد على تحلية المياه, التى أصبحت أمرا حتميا مع التوسع فى تقنية التحلية بأسعار رخيصة. 
أما المياه الجوفية فتحليتها تتكلف 20 قرشا ومن الممكن أن تصل إلي جنيه حسب العمق, وأغلى الأنواع معالجة مياه الصرف الصحى لتستخدم فى الزراعة وتزيد قيمتها علي جنيه. 
كيف تؤثر زراعة الأرز سلبا علي حصة مصر من المياه؟
- عندما توليت الوزارة كانت المساحة المزروعة بالأرز 2.2 مليون فدان وخفضته إلى 1.25 مليون فدان, وكان المعتاد أن المخالفات كانت تُعمل وتلغى فى موسم الانتخابات لكن فى وقتى لم يحدث, رغم تطاول أعضاء مجلس الشعب فى هذا الموضوع, ورئيس مجلس الشعب طلب منى إلغاء المخالفات ورفضت, ثم استدعانى مبارك قبل مؤتمر الحزب الوطنى السنوى في 2010, وقال لى أعلن عن إلغاء مخالفات الأرز قلت له: لا, لأن «معندناش مية», وعندما ننفذ برنامج استصلاح الأراضى المذكور فى برنامجك الانتخابى, أو ننفذ برنامج استصلاح الأرز, يمكن إلغاء المخالفات, وبعدها وافقت على الغاء المخالفات فى حالة واحدة, تقضى بالتزام المزارع بعدم زراعة الأرز 3 سنوات متتالية, وأصدرت قرارا وزاريا وفر لنا 5 مليارات مياه.


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: