الأربعاء، 7 مارس 2012

أغنيات الميكروباص الهابطة ، جزء من ثقافة الشارع المصرى



جنرالات الشوارع مرارة الزحام، مع هدر الوقت، وسخونة الجو
 صفات عفنة لا تترك حيزا، لأي مجال بحياة طبيعية


قد تظن لبعض الوقت، أنك ستكون افضل حالا حين تمتلك سيارة تتنقل بها بحرية في شوارع القاهرة الفسيحة، وأنك ستكون ( مرحوماً) من سماع حكايا سائقي التاكسيات، وأغنيات الميكروباصات الهابطة فيما لا يدع مجالا للشك، لكنك ستعرف فيما بعد أنك كنت مخطئا تماما، لأنك ستكون مرغما على خوض مغامرات من نوع آخر. ستكتشف مع مرور الوقت أيضاً أن أغنيات الميكروباص الهابطة، هي جزء من ثقافة الشارع، وهذا الأمر لا يسبب أي خجل لصاحب الميكروباص بل إنه بكل فخر يعلن أنه لا يستمع إلا للأغنيات الهابطة، وهو يقول عنها هابطة ليس لأنه يعتبرها كذلك بل لأنه اعتادعلى تقبل هذه الكلمة التي تم تصديرها له.
 ليست هنا المشكلة، لأن حكايا التاكسي، وأغنيات الميكروباص تبدو خلطة عربية أصيلة متوفرة في معظم المدن، وفي كل السائقين، ففي دمشق أو بيروت، ستجد في الميكروباص أغنيات مشابهة تماما لأغنيات ميكروباص القاهرة، مع اختلاف الأصوات والكلمات واللهجات،لكن من حيث المضمون فهو واحد.ويمكن لمن شاهد فيلم "على جنب ياسطى" ، أو قرأ كتاب "تاكسي" لخالد الخميسي، أن يكتشف بعمق أن قصص الطرق متشابهة في كل الأماكن. لكن نعود الآن لقصة أن تكون من أصحاب السيارات أو لا تكون، في مدينة واسعة ومكتظة ومزدحمة مثل القاهرة.
ستلاحظ مثلا أنك ستكون مضطرا أن تترك سيارتك مركونة في مكان ما وتضطر لركوب أي وسيلة نقل أخرى، لأن المكان الذي ستذهب إليه لا يوجد فيه موقف سيارات، ومن الأسلم لك أن تضع سيارتك جانبا بدلا من أن تأخذ مخالفة ركن بالممنوع. أما إذا كنت حذقاً إلى درجة جيدة، وتعرف مداخل الطرق ومخارجها، فسيظهر لك مجهول من العدم، ممن يؤجرون أطراف الشوارع، ويستخدمونها كمواقف للسيارات، سيظهر لك هذا الشخص ويتصرف كجنرال من دون زي، ويعطيك تعليمات حذرة كي تركن سيارتك بشكل ملاصق لسيارة أخرى لكن دون أن يطول السيارتين أي خدش، وهذه مهارة لا يمتلكها إلا جنرالات الشوارع.
 أما إذا كنت مضطرا أن تركن سيارتك لبعض الوقت في أحد مواقف السيارات في أحد الفنادق الفخمة فعليك أن تكون مستعدا لدفع ما قيمته (عشرة جنيهات) عن كل ساعة ،ويظل الاختيار الثالث في أن تركن سيارتك عبر البطاقات، والأمر المدهش في البطاقات هو أنك تشتريها في مقابل عدد ساعات معين، لكن بقدرة قادر وقبل أن تستنفذ عدد الساعات المفترض وجودها في البطاقة، تكتشف نفاذ رصيدك، وأنك لا يمكن أن تغادر من الموقف إلا بعد أن تشتري بطاقة أخرى، حينها سيظهر لك أحد جنرالات الشوارع أيضا ويقدم لك عرضا سخيا أن يخرج لك السيارة بطريقة ما ( وحده يعلمها) ومن دون أن تضطر لشراء بطاقة، ومن البديهي أن توافق، وأن تعطيه بضعة جنيهات مقابل مساعدته السخية. أما الحالات التي ستصادفها لسيارات تواجهك في عكس الإتجاه، وتهجم عليك هجوما لا يرحم، فهي متكررة يومياً، وتحصل من دون أي خجل أو اعتذار، هذا طبعا بالإضافة للزمامير التي تصدح في أذنيك إن تأخرت إحدى السيارات عن التحرك بضعة أمتار إلى الإمام. الحديث عن عذاب التنقلات في شوارع القاهرة، وفي أيام الصيف أمرا متفق عليه، إلى الحد الذي لا يترك حيزا لأي خلاف. مرارة الزحام، مع هدر الوقت، وسخونة الجو، صفات عفنة لا تترك حيزا، لأي مجال بحياة طبيعية.


ليست هناك تعليقات: