السبت، 24 مارس 2012

سوريا تنزلق إلى المجهول



سـوريا على أعتـاب حــرب أهــلية
 تحول بالصراع السياسى إلى نزاع مسلح 
يتحول سريعا إلى حرب أهلية. 
تقف سوريا الآن على الدرجة الأخيرة من العتبة الداخلية للحرب الأهلية 
التى يتمناها لها كثير من دول تصدير الإسلام الوهابى، وإسرائيل.


فى شهر يوليو من العام الماضى، حدث ما كان يجب أن يحدث، وأعلن أحد ضباط الجيش، العقيد رياض الأسعد، البيان التأسيسى للجيش السورى الحر، وهكذا انفصم الجيش العربى السورى، كنتيجة حتمية لقيام القوات المسلحة بالنزول إلى الشارع لقمع المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بتغيير النظام الذى جثم طويلا على أنفاس الشعب السورى بنظام بوليسى استخباراتى يحسب على البشر الهمسة واللمسة إذا انحرف المواطن عن المسار السياسى لحزب البعث، أو بالأصح للسلطة الحاكمة، ولو بهنة فى التعبير عن أى مخالفة، وبعد ربيع الثورات العربية انتفض مواطنو سوريا ليلتحقوا بقطار هذه الثورات سعيا للحرية والكرامة والانتقال إلى ضفة الديمقراطية، ومثل كل من سبقوه من حكام ديكتاتوريين لم يفطن بشار الأسد لأخطاء من سقطوا قبله، كأنه فى مسيرة الثورة السورية كان يرفع قدما ليضعها على أثر قدم من أقدام الرؤساء الفاشلين الأغبياء الذين سبقوه، حتى أطيح بهم.. السيناريو نفسه والاستعلاء نفسه على شعبه، ورفض النزول على رغبة مواطنيه وترك جنود جيشه يعتدون بمنتهى القسوة والعنف على أبناء الشعب العزل، وصارت البندقية ضد البيارق والمدافع ضد اللافتات، وعند هذا الحد من التهور بدأ التمرد فى صفوف الجيش، وهذه نقطة تحول غاية فى الخطورة للأسباب التالية:
أولاً: الانشقاق فى صفوف أى جيش عسكرى محترف لأهداف سياسية هو تحول بالصراع السياسى إلى نزاع مسلح يتحول سريعا إلى حرب أهلية.
ثانيًا: من المؤكد أن الجيش السورى الحر سوف يتسع نطاق عملياته مع استمرار الصراع لأنه لن يعتمد مع مرور الوقت على العسكريين فقط، إذ سينضم المتطوعون المدنيون إلى تشكيلاته القتالية.
 ثالثًا: البنية العسكرية المرنة للجيش السورى الحر ستؤدى إلى حرب استنزاف طويلة مع القوات الحكومية.
رابعًا: المنحنى العنيف الذى انعطفت فيه الحرب الأهلية سوف يؤدّى إلى نتائج اقتصادية وإنسانية مدمرة سوف تترك أثرها لما بعد انتهاء هذه الحرب.
خامسًا: من المؤكد أن الدول الكبرى والمجاورة فى ظل هذا الانقسام قد بدأت فى التدخل فى مجريات الصراع بين الأطراف بجميع أشكال الدعم المادى، لوجستيًّا وتسليحيًّا، مما يؤجج ويطيل منه.
سادسًا: انتبه النظام الحاكم إلى أن سيطرة الثوار على حمص كانت ستمكنهم من بناء سلطة تمارس قرارات سيادية على الأرض، مما يفرض على الطرفين اتباع قواعد القانون الدولى، لا سيما مع خضوع جانب من القوات الثائرة لنظام عسكرى، وهذا يُضعِف من موقف السلطة المركزية، لهذا كان هجومه على هذه المدينة مروعا ووحشيا.
سابعًا: استمرار الوضع الحالى سوف يؤدى إلى هشاشة سيادة الدولة ويضعف تماسكها الداخلى ويضعف مناعتها فى مواجهة التدخل الخارجى، على اختلاف أشكاله.
ثامنا: سوف تنعكس توازنات البيئة الاستراتيجية فى الإقليم على الدول ذات المصالح أو الملاصقة للحدود، مما يمكن أن يؤدِّى إلى تشرذم وانفراط القوى السياسية والدينية والعرقية طبقا لما تقتضيه مصالح تلك الدول. لا شك فى أن الوضع فى سوريا قد أصبح مأساويا، ويزيد من قتامته أشكال العنف غير الآدمية بين الأطراف، والأخطر أن الجيش السورى الحر يفتقر إلى وحدة الفكر والرؤية مثلما كان الحال مثلا عندما خاض كاسترو حرب العصابات للتخلص من نظام باتيستا الفاسد والعميل، لهذا يمكن القول إن تجاوزات النظام ضد حقوق الإنسان يقابلها أيضا تجاوزات من الجيش الحر.
 هذا الوضع ذو التكوين الفسيفسائى بتوجيهات متعددة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين الدينى، ذو طبيعة عنيفة مع كل من يختلف معه فى المذهب أو الدين أو الموقف السياسى، ولقد نجحت منظمات حقوق الإنسان فى توثيق انتهاكات واسعة ارتكبتها أطراف النزاع من القوات الحكومية وعناصر المعارضة المسلحة، التى استجدّت على الثورة السورية السلمية. إن توجيه أصابع الاتهام إلى طرف من الطرفين الآن يجعل من هذا الموقف تحيزا يفتقر إلى الأمانة والموضوعية، وإن كان يجب أن لا يجعلنا ننسى أن بداية العنف والإرهاب ضد الشعب السورى وثورته السلمية كانت من النظام، مما أدى إلى انشقاق العناصر الوطنية من الضباط والدرجات العسكرية الأخرى، لكن هذا الكيان الرافض أصبح تحت قيادته مجموعات مسلحة غير عسكرية، وبالأخص من الاتجاهات الدينية السلفية والوهابية المتشددة، وهنا أصيب الجيش الحر فى مقتل يهدد التراتبية المفترضة للتنظيم نظرا إلى افتقاد قواعد السيطرة على التشكيلات غير العسكرية، لهذا فإن من المتوقع أن ترتفع فى الفترة المقبلة وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان من عمليات التعذيب والاختطاف والإعدام دون أى ضمانات قانونية وحقوقية، وعمليات التنكيل بالخصوم الأحياء والأموات، وهنا يجب على قيادة الجيش السورى الحر أن تقوم بعملية فرز لتشكيلاتها من غير العسكريين تستبعد فيها العناصر التى تتبنى مواقف منفردة تتجاهل معايير حقوق الإنسان فى إطار تصور يفترض أن الشق العسكرى فى الجيش الحر منضبط ويخضع لقيادة حكيمة تعى قيم الثورة، لأن بنى جلدتهم خصوم وأعداء اليوم هم أشقاء وأهل الغد. تقف سوريا الآن على الدرجة الأخيرة من العتبة الداخلية للحرب الأهلية التى يتمناها لها كثير من دول تصدير الإسلام الوهابى، وإسرائيل، التى تتمنى أن يحدث هذا ليتفتت هذا الكيان إلى دويلات مذهبية وعرقية تثبت وضعية وجودها العنصرية، وهنا يبرز سؤال:
من الذى ساعد تنظيم القاعدة السلفى الوهابى فى التسرب إلى سوريا والقيام بتفجيرات انتحارية، أو إدخال سيارات مفخخة كتلك التى كانت تتم فى العراق، كى تتفجر الأوضاع نحو مزيد من الدماء والدمار والتشرذم فى ظل انخراط العناصر المسلحة للسلطة والمقاومة فى عمليات انتهاك مؤلمة لحقوق الإنسان؟
كى يستمر مسلسل العنف، ويتزايد مع غياب إرادة عربية لوقف هذه المجزرة، لأن من بين الدول العربية ما لا يريد انتهاء هذه الكارثة إلا بما يحقق أهدافهم فى الطبيعة الأيديولوجية للدولة القادمة. وإذا كان هذا هو موقف العرب، فما بالنا بالموقف الدولى الذى قد لا يكون ذا طبيعة أيديولوجية، وهى هكذا بالفعل، لأن مصالح الدول الكبرى ذات طبيعة براجماتية دائما، وفى المحطة السورية من ثورات ما يسمى بالربيع العربى تضاربت مصالح القوى الكبرى، ولم يعد أمام الشعب السورى، أو لنقُل بالتحديد أمام عقلائه من القادة والرموز، إلا أن يجدوا مخرجا لأزمتهم، للأسباب التالية:
 أولاً: أن الوضع على الأرض معقد للغاية فى الصراع المسلح بين القوات الحكومية وقوات المعارضة، ومن الصعب حسمه فى أيام أو أسابيع وربما أشهر.
 ثانيًا: النظام السورى، وعلى رأسه بشار الأسد، متشبث بالسلطة، ورحيله كفيل بأن يجنب هذا البلد الجريح ويلات وعذابات أقسى من أن توصف.
 ثالثًا: تشرذم قوى المعارضة ما بين الداخل والخارج والداخل مع الداخل، والخارج مع الخارج، فى حين أن توحدها يوفر لها ميزة استراتيجية كبرى.
رابعًا: انقسام قوى المعارض المسلحة واقعيا من داخل الجيش السورى الحر، ولا سيما الفصائل التابعة لتيارات الإسلام السياسى، إضافة إلى عناصر أخرى مُقحَمة على الساحة السورية، وعناصر من الداخل فى تنظيمات لا تندرج فى تشكيلات ذات قيادة موحدة، وإضافة بطبيعة الحال إلى العصابات الإجرامية التى تستغل هذه الأوضاع التى يتراجع فيها الأمن الجنائى.
خامسًا: التدخل الخارجى من قوى ترتبط مصالحها مع طرف من الأطراف، وعلى سبيل المثال، فقد بثت أخيرًا كل من وكالتَى الأنباء الروسيتين «إيترتاس» و«إنترفاكس» خبرا عن وصول معدة مكافحة إرهاب روسية إلى طرطوس، وهو ما أنكره وزير الخارجية، ولا يُستبعد وصول هذه الوحدة إلى سوريا فى الأغلب دون تورط مباشر فى النزاع المسلح، ولكن لتقديم خبرات فنية وتكنولوجية تفتقر إليها العناصر المسلحة للنظام. هذه هى سوريا التى تنزلق إلى المجهول حيث تتشابك الأوضاع وتتعقد خيوطها فى الداخل الذى يتمزق استقراره تحت وطأة السلاح والأقدام الغليظة للجند وأيديهم الثقيلة من نظام فاسد يتشبث بالبقاء حتى آخر مواطن سورى وفى الخارج تتجاهل الدول ذات المصالح وتؤجل الملف حفاظا على التوازنات أو سعيا لتحقيق مآرب ومكاسب ..


ليست هناك تعليقات: