السبت، 11 فبراير 2012

أمريكا «ليست» دولة حريات كما يزعمون



«إذا كان الرجال ملائكة، لن تكون هناك حاجة لأية حكومة» 
 وشهد شاهد من أهلها: 
10 أسباب تجعل أمريكا «ليست» دولة حريات


في الوقت الذي تصدر الولايات المتحدة فيه سنويا تقارير عن حالة الحريات الفردية في دول العالم الأخري، ترصد فيها إصدار القوانين والتعليمات التي تحد من الحريات في العالم. فعلي سبيل المثال قد تم توجيه الانتقاد إلي إيران، لمنعها إجراء المحاكمات العلنية العادلة وتضييق الحرية الشخصية، فيما اعتبرت روسيا ضالعة في عملية تقويض سير المحاكمات العادلة. كما وجهت إدانات إلي دول أخري لاستخدامها أدلة سرية وعمليات تعذيب؛ وتنسي أمريكا دائما أن تتحدث عن وضع الحريات علي أراضيها. فتقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية من خلال تحقيق جوناثان تورلي - أستاذ قانون الصالح العام في جامعة جورج واشنطن: وحتي في حالة إطلاقنا الأحكام علي دول نعتبرها غير حرة، يبقي الأمريكيون واثقين بأنه يجب علي أي تعريف للدولة الحرة أن يتضمن بلدهم، بلد الحريات، ولكن قوانين وممارسات بلد الحريات هذه من شأنها أن تهز أركان تلك الثقة. ويضيف تورلي: في السنوات التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر 2001 عمدت أمريكا إلي الحد بشكل كبير من الحريات الشخصية تحت عنوان دولة الأمن الموسعة. وكان آخر مثال علي ما تقدم هو قانون تفويض الدفاع الوطني الموقع بتاريخ 31 ديسمبر الماضي، الذي سمح باعتقال المواطنين لأجل غير مسمي. والسؤال الذي يبرز في هذا الصدد هو: إلي أي حد يسهم تحديد الحريات الشخصية في أمريكا في تغيير تعريفنا لأنفسنا؟ وفي الوقت الذي كان الجدل قد رافق إقرار كل قانون ذي صلة بالأمن الوطني في واشنطن، فإن هذه القوانين غالبا ما تناقش بشكل منفصل، لكن هذه القوانين لا تطبق علي نحو منفصل. وتشكل هذه القوانين فسيفساء من السلطات التي يمكن بموجبها اعتبار بلادنا، جزئيا علي الأقل، بلدا سلطويا. وغالبا ما يزعم الأمريكيون أن بلادهم تمثل رمزا للحرية في العالم وينعتون دولا مثل كوبا والصين بأنها غير حرة. ومع ذلك، ومن وجهة نظر موضوعية، قد لا نكون علي جانب كامل من الصحة.
إن هذه الدول تفتقر إلي الحقوق الفردية الأساسية مثل الإجراءات القانونية للعدالة، مما يجعلها خارج أي تعريف معقول لمصطلح «الحرية» لكن الولايات المتحدة تمتلك اليوم أكثر من أي وقت مضي سمات مشتركة مع مثل هذه الأنظمة، وهو الأمر الذي لا ترغب الإدارة الأمريكية في الاعتراف به. وتمتلك هذه البلدان أيضا دساتير تهدف إلي ضمان الحريات والحقوق، غير أن حكوماتها تمتلك حرية تقدير واسعة تسمح لها بحجب هذه الحقوق ولا توفر سوي سبل عملية محدودة تتيح لمواطنيها الاعتراض، وهذا الأمر بعينه يمثل مشكلة القوانين الجديدة المعتمدة في هذه البلاد. إن قائمة القوانين التي شرعتها حكومة الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر تضعها اليوم في خانة هذا الصنف من الدول.
 ** ويسرد أستاذ القانون الأمريكي الأسباب العشرة التي بها لم تعد أمريكا بلد الحريات كما تدعي ،فيقول :
 1- اغتيال المواطنين الأمريكيين زعم الرئيس أوباما، كما فعل من قبله الرئيس جورج بوش،أنه يمتلك الحق بتوجيه الأوامر لقتل أي مواطن يعد إرهابيا أو محرضا علي الإرهاب. ففي العام الماضي، صادق الرئيس علي قتل المواطن الأمريكي أنور العولقي ومواطن آخر بموجب هذا التفويض. وفي الشهر الماضي ديسمبر، أكد مسئولو الإدارة علي توافر مثل هذا التفويض، قائلين أن بوسع الرئيس أن يأمر بعمليات اغتيال لأي مواطن يعده متحالفا مع الإرهابيين. وانتقدت دولا مثل نيجيريا وإيران وسوريا مرارا لقتلها أعداءها خارج إطار القانون.
 2- الاحتجاز لأجل غير مسمي بموجب القانون الذي وقع الشهر الماضي، يحتجز المشتبه بهم في أعمال الإرهاب من جانب الجيش، كما يتمتع الرئيس أيضا بسلطة احتجاز المواطنين المتهمين بأعمال إرهابية لأجل غير مسمي، وبينما تزعم الإدارة الأمريكية أن هذا النص يخص القانون الحالي فقط، فإن الخبراء يعارضون وجهة النظر هذه علي نحو واسع، كما عارضت الإدارة الجهود المبذولة للاعتراض علي هذا التفويض في المحاكم الاتحادية. وتواصل الحكومة زعمها بامتلاك الحق بنزع الحماية القانونية عن المواطنين استنادا إلي تقديراتها الخاصة.
وانتقدت الصين عندما شرعت مؤخرا قانونا لاحتجاز مواطنيها يتضمن تحديدات أوسع، فيما حددت الولايات المتحدة دولا مثل كمبوديا متهمة إياها بـ«الاحتجاز لفترات طويلة».
 3- عدالة تعسفية ويقرر حاليا الرئيس إن كان الشخص المعني سيحظي بمحاكمة في المحاكم الاتحادية أو في المحاكم العسكرية، وهو نظام صار موضع سخرية العالم بسبب افتقاره إلي الحماية القانونية الأساسية للمحاكمات. وكان الرئيس بوش قد حصل علي هذه السلطات سنة ,2001 وواصل أوباما تلك الممارسة خلال فترة حكمه. وأدانت كلا من مصر والصين لاحتفاظهما بأنظمة عدالة عسكرية منفصلة لعدد منتقي من المتهمين، بما في ذلك المدنيون.
 4- التفتيش بدون إذن قضائي بوسع الرئيس أوباما حاليا أن يأمر بعمليات مراقبة دون إذن قضائي، بما في ذلك صلاحية جديدة يتم بمقتضاها إرغام الشركات والمنظمات علي تقديم المعلومات المتعلقة بالتعاملات المالية للمواطنين، واتصالاتهم، وعلاقاتهم. وقد حصل الرئيس بوش علي هذه السلطات الواسعة بموجب القانون الوطني (باترويت) لسنة .2001 وفي سنة 2011 وسع أوباما الصلاحيات، بما في ذلك التفتيش في كل شيء من وثائق الأعمال التجارية إلي سجلات المكتبات. وبوسع الحكومة أن تستخدم «مخاطبات الأمن الوطني» لمطالبة المنظمات، دون سبب مقنع، بتوفير المعلومات المطلوبة بشأن المواطنين وأن تأمرهم بعدم البوح بذلك إلي الطرف المتضرر.
 وانتقدت ممارسة كل من المملكة العربية السعودية وباكستان نشاطات في ظل قوانين تسمح للحكومة بالانخراط بأعمال مراقبة انتقائية.
 5- أدلة سرية تستخدم الحكومة الأمريكية هذه الأيام بشكل روتيني الأدلة السرية لاعتقال الأفراد وتوظف أدلة سرية في المحاكم العسكرية والمدنية، كما تمتلك الحكومة سلطة رفض القضايا المرفوعة ضد الولايات المتحدة بمجرد الإعلان بأن هذه القضايا من شأنها أن تضطر الحكومة إلي الكشف عن معلومات سرية تضر بالأمن القومي وهو زعم يتم استخدامه في عدد من القضايا القانونية الخاصة ويقبل علي نحو واسع من جانب القضاة الاتحاديين دون أي استفسار. حتي إن وجهات النظر القانونية التي تدرج بوصفها أساسا لتصرفات الحكومة أثناء إدارتي بوش وأوباما، تم إضفاء طابع السرية عليها. إن ما تقدم يتيح للحكومة توظيف حجج قانونية سرية لدعم إجراءات سرية باستخدام أدلة سرية.
يضاف إلي ذلك، أن بعض القضايا لا تصل إلي المحاكم علي الإطلاق. وتقوم المحاكم الاتحادية بشكل روتيني برفض الاعتراضات الدستورية علي السياسات والبرامج بحجة تعريف ضيق.
 6- جرائم الحرب طالب العالم بمحاكمة أولئك المسئولين عن أعمال التعذيب في حق المشتبه بهم بأعمال إرهابية خلال فترة إدارة الرئيس بوش، غير أن إدارة الرئيس أوباما قالت سنة 2009 إنها لن تسمح بالتحقيق مع موظفي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومحاكمتهم لارتكابهم مثل هذه الأفعال. وبهذا الموقف، لم تقض الإدارة علي التزاماتها بموجب المعاهدة فقط، لكنها قضت أيضا علي مبادئ نورمبيرج التي لها صلة بالقانون الدولي. فعندما بدأت محاكم في دول مثل إسبانيا بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها المسئولون في إدارة بوش، قيل إن إدارة أوباما حثت المسئولين الأجانب علي عدم السماح لمثل هذه القضايا بأن تمضي قدما، رغم حقيقة أن الولايات المتحدة كانت قد طالبت بالتفويض ذاته بخصوص جرائم حرب مزعومة في دول أخري. لقد قاومت دول عديدة طلبات التحقيق مع مسئولين متهمين بارتكاب جرائم حرب وتعذيب. وقام البعض في نهاية المطاف، مثل الصرب وتشيلي، بالرضوخ وامتثلوا لمتطلبات القانون الدولي، كما رفضت دول أخري عمليات التحقيق المستقلة مثل إيران وسوريا والصين.
 7- المحاكم السرية زادت الحكومة من استخدامها لمحاكم المراقبة الاستخبارية الأجنبية السرية، التي قامت بدورها بتوسيع مطالباتها السرية لتتضمن أفرادا يعتبرون أنهم يساعدون أو يحرضون الحكومات أو المنظمات الأجنبية المعادية. وفي سنة 2011 جدد الرئيس أوباما هذه الصلاحيات، بما في ذلك السماح بأعمال التفتيش السرية للأفراد الذين لا ينتمون إلي جماعة إرهابية محددة. وأكدت الإدارة علي حقها بالتغاضي عن الحدود التي وضعها الكونجرس علي مثل هذا كمراقبة. تضع باكستان مراقبة الأمن الوطني في باب السلطات غير الخاضعة لمساءلة الدوائر العسكرية أو الاستخبارية.
8- الحصانة أمام المراجعة القانونية شأنها شأن إدارة الرئيس بوش، نجحت إدارة الرئيس أوباما بالدفع باتجاه تأمين الحصانة للشركات التي تساعدها في تنفيذ عمليات مراقبة علي المواطنين، ووقف قدرة المواطنين علي الاعتراض علي انتهاك خصوصيتهم. كذلك تفعل الصين التي حافظت علي حقوق حصانة واسعة داخل وخارج البلاد، علي حد سواء، وهي ترفض بشكل روتيني الدعاوي القضائية المرفوعة ضد الشركات الخاصة.
 9- الرقابة المستمرة للمواطنين دافعت إدارة الرئيس أوباما بنجاح عن زعمها أن بوسعها استخدام أجهزة نظام تحديد المواقع جي. بي. إسGPS لمراقبة كل حركة من حركات مواطنيها المستهدفين دون استصدار أي قرار أو مراجعة من المحكمة. وانتقدت استخدام المملكة العربية السعودية لأنظمة مراقبة عامة هائلة، في وقت تكتسب فيه كوبا سمعة سيئة لدورها في الرقابة الفاعلة لمواطنين منتقين.
 10- التسليم الاستثنائي تمتلك الحكومة الأمريكية حاليا القدرة علي نقل المواطنين وغير المواطنين، علي حد سواء، إلي دولة أخري بموجب نظام يعرف باسم «التسليم الاستثنائي»، والذي كان قد واجه إدانة لأنه يستخدم دولا أخري، مثل سوريا وباكستان، لتعذيب المشتبه بهم. وتقول إدارة الرئيس أوباما بأنها لن تواصل هذه الانتهاكات التي جرت في عهد الرئيس بوش، لكنها تصر علي حقها غير المشروط بالأمر بتنفيذ مثل هذه التنقلات، بما في ذلك النقل المحتمل لمواطنين أمريكيين. لقد جاءت هذه القوانين مع ضخ أموال إلي نظام أمني موسع علي صعيد الولايات والدولة الاتحادية، بما في ذلك نصب عدد أكبر من كاميرات المراقبة، ونشر عشرات الآلاف من رجال الأمن وتوسع هائل في بيروقراطية مطاردة الإرهاب. ويتغاضي بعض السياسيين عن مثل هذه الممارسات ويقولون إن السلطات المتزايدة هذه ليست سوي استجابة للمرحلة التي نمر بها.
وعليه، كان بوسع عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري ليندسي جراهام، أن يؤكد في مقابلة له في الربيع الماضي، دون أي اعتراض، بأن «حرية التعبير عن الرأي فكرة عظيمة، لكننا في حرب». بطبيعة الحال، لن «يستسلم الإرهاب» أبدا ولن يضع حدا لهذه «الحرب» الفريدة. من جانب آخر، يسعي سياسيون آخرون إلي تقديم تفسير عقلاني، قائلين أنه في الوقت الذي تتوافر فيه مثل هذه السلطات، فإن الأمر يتعلق بسبل استخدامها. إن ما تقدم يمثل جوابا معتادا من جانب الليبراليين الذين لا يقدرون علي إدانة أوباما كما فعلوا مع بوش. وعلي سبيل المثال، يصر عضو الكونجرس الديمقراطي كارل ليفن علي أن الكونجرس لا يتخذ أي قرار بشأن الاحتجاز لأجل غير مسمي قائلا: «هذا قرار نتركه لمن ترجع الأمور إليه للسلطة التنفيذية». وفي توقيعه علي البيان الخاص بتشريع قانون تفويض الدفاع، قال أوباما إنه لا ينوي استخدام سلطاته الأخيرة باحتجاز المواطنين لأجل غير مسمي. ومع ذلك، لايرضي الرئيس بالسلطات الممنوحة له، شأنه شأن بعض أنواع المستبدين الذين يشعرون بالندم.
ولا تعرف الدولة السلطوية استنادا إلي استخدام السلطات الاستبدادية فقط، بل بقدرتها علي استخدامها. وإذا ما كان بوسع رئيس الدولة أن يسلبك حريتك أو حياتك من خلال صلاحياته، تصبح حينها كل الحقوق ليست أكثر من هبة تقديرية مرهونة بإرادة السلطة التنفيذية. لقد فهم الفلاحون الذين عاشوا في ظل نظم استبدادية في أمريكا هذا الخطر بشكل أفضل منا. وكان جيمس مادسون قد أصدر تحذيره الشهير عندما قال إننا بحاجة إلي نظام لا يعتمد علي النوايا أو الدوافع الطيبة لحكامنا: «إذا كان الرجال ملائكة، لن تكون هناك حاجة لأية حكومة». أما بنيامين فرانكلين فقد كان رده أكثر مباشرة. ففي سنة 1787 التقت السيدة باول بالرئيس فرانكلين بعد إقرار الدستور وسألته: «حسنا يا دكتور، ما الذي حصلنا عليه الآن؟ جمهورية أم ملكية؟» كان جوابه يتضمن معاني يقشعر لها البدن إذ قال: «جمهورية، يا سيدتي، هذا إن كان بوسعك الحفاظ عليها». ومنذ الحادي عشر من سبتمبر صنعت نفس الحكومة التي كان الفلاحون يخشون منها: حكومة بصلاحيات واسعة وغير محددة إلي حد كبير ومتشبثة بأمل أن يتم استخدامها بحكمة. وتبدو الأحكام المتعلقة بالاحتجاز لأجل غير محدد الواردة في قانون تفويض الدفاع للكثير من المدافعين عن الحريات بمثابة خيانة من جانب أوباما. وبينما كان الرئيس قد وعد بنقض القانون بسبب تلك المادة الواردة فيه، كشف ليفن، وهو أحد رعاة مشروع القانون، في قاعة الكونجرس أن البيت الأبيض كان بالحقيقة من صادق علي إزالة أي استثناء للمواطنين من الاحتجاز ذي الأجل غير المحدد. إن انعدام الأمانة من جانب السياسيين ليس أمرا جديدا بالنسبة للأمريكيين، لكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كنا نكذب علي أنفسنا عندما نطلق علي هذه البلاد - أمريكا - اسم أرض الحريات.


ليست هناك تعليقات: