الاثنين، 13 فبراير 2012

نحن مخيرون بين الأمن والأمان والحريات وحقوق الإنسان



بعض قيادات الشرطة بتاريخها فى قمع الحريات وسحل المواطنين وتعذيبهم 
تجد سعادة فى مشهد الرعب والهلع والغضب الذي ينتاب المصريين هذه الأيام 
 صار لدينا برلمان منتخب لأول مرة 
 واجب هذا البرلمان أن يواجه حالة الانفلات بحزمة عاجلة من قوانين وقواعد تقنن التعامل الامنى مع الاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات


ما تسير إليه الأحداث فى مصر الآن لا يبشر على الإطلاق بغير الفوضى والعنف ، وإذا جاز لنا أن نظن فى بعض القوى والتيارات الظنون، وان نحذر من المروجين للفوضى الغير خلاقة ، فان هذا الغبار الهائج لا ينبغي أن يلفتنا عن تقعيد وتنظيم ما يحدث وفق نموذج يستجيب للتحليل. فما يحدث الآن في مظهره الأولي ، هو فشل وانفلات امني، متصاعد ومنذر بالفوضى الشاملة بكل معانيها ، ومخاطرها ، وهو واقع له خلفيات سياسية ، وصراعات عميقة الجذور، بين قوي ما قبل الثورة ، وقوي ما بعد الثورة ، وما بين المستفيدين والمنتهزين ، وبين المهزومين والمحرومين ، وبين إعلام جاء من زمن ما قبل الثورة إلى زمن ما بعد الثورة ، تتشابك خيوط الأزمة الأمنية على نحو معقد الداخلية ومن ورائها القوات المسلحة، لا تريد في مناخ إعلامي وشعبي متحفز أن تتخذ أي إجراءات أو خطوات من شانها أن تورطها فى فضائح وانتهاكات على نمط أحداث محمد محمود أو فتاة ميدان التحرير وهي فضائح تنتهي بأي منهما فى سجل المطاردين والملاحقين وليس لدى أى منهم الحافز الكافي ليخوض مغامرة من هذا القبيل وفى حال افتراض حسن النوايا فان السيطرة على جميع الأفراد وهم بالآلاف من رجال الشرطة مدنية أو عسكرية في ظل ميدان ملتهب ومتحفز تبدو مستحيلة بما لا يغري أى قائد عسكري أو شرطي بالتورط أو تحمل مسئولية حفظ الأمن بأي ثمن سواء للمنشات (المجمع العلمي) او للأفراد (مباراة بورسعيد) ولعل بعض قيادات الشرطة بتاريخها فى قمع الحريات وسحل المواطنين وتعذيبهم تجد سعادة فى مشهد الرعب والهلع والغضب الذي ينتاب المصريين هذه الأيام ولسان حالهم يقول بان هذا الانفلات هو ثمن الحرية وحقوق الإنسان التي نادت بها الثورة والتي سرقها نظام مبارك بنظامه الشرطي القمعي الذي سرق الحقوق والحريات وينتظرون يوما يظنونه قريب ياتى المصريون إلى جهاز القمع السابق يقبلون أيديهم وأرجلهم ويتوسلون إليهم أن يسرقوا الحقوق الإنسانية والحريات من جديد مقابل الأمن المفقود مقابل أن يعيشوا ويتحركوا فى أمان إذن نحن مخيرون بين الأمن والأمان فى كفة والحريات وحقوق الإنسان فى كفة والتذرع لدى الجهات الأمنية هو انه ليس لديه مبرر كاف للتورط فى سحق مدنيين محتجين مهما وصل شطط احتجاجهم ولو كانت غايتهم تهديد امن محتجين أو مدنيين أخريين ولا مخرج من خيارات الدوامة الجهنمية إلا بالتطلع إلى نماذج وتجارب العالم الحر والدول المتقدمة التي تنعم بالأمن وبالحرية وحقوق الإنسان مجتمعة.
 والثغرة عندنا بل الهوة السحيقة بيننا وبين الدول الديمقراطية هي فى أدوات ممارسة الاحتجاج والتظاهر والاعتصام السلمي التي هي حقوق ثابتة للشعوب الحرة لا يمكن منعها بأي حال من الأحوال ولكن هذه الحقوق لم تكن مكفولة أبدا للشعب المصري وبالتالي لم تكن لدينا تشريعات مناسبة للتعامل معها امنيا وقانونيا أما وقد صار لدينا برلمان منتخب لأول مرة منذ ثورة يوليو 1952 فان واجب هذا البرلمان أن يواجه حالة الانفلات بحزمة عاجلة من قوانين وقواعد تقنن التعامل الامنى مع الاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات وفق نظم العالم الحر ولا أبالغ هنا إذا طالبتهم بنقل ولو حرفي لقواعد التعامل مع المتظاهرين والمحتجين والمعتصمين والمضربين السلميين فى القانون الفرنسي أو الأمريكي أو البريطاني وإقرارها فى جلسة واحدة ونحن بذلك لا نترك للشرطي المصري حرية التعامل مع المتظاهرين الذين لم يتدرب ولم يعرف من أساليب التعامل معهم إلا الضرب والسحل بل نأخذه إلى قواعد متحضرة تضعه فى خانة مع الشرطي الانجليزي أو الامريكى أو الفرنسي ثم نحن نحفظ الأمن للجمهور من تسلط الأقلية وفق قواعد التعامل الشرطي فى بلاد الديمقراطية هذا هو المخرج الذي يفلت بنا من خيارات أعداء الثورة الذين يخيرون الشعب والسلطة بين القسوة أو الحريات الخيار الثالث والمخرج الحضاري هو المخرج القانوني الذي يستكمل أدوات الممارسة الديمقراطية ويوفر الأمن والحريات ..

ليست هناك تعليقات: