السبت، 14 يناير 2012

المعصية نقض للاستخلاف والسكوت عن المنكر منكر . فيديو


«الأمـــــــــــانة» 
هي أمانة الاستخلاف مع حريّة الاختيار
 ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(الروم:41).


إنّ الفتنة أيًا كان نوعها حينما تشيع وتنتشر في مجتمع ولا توأد في مهدها قبل أن تتحول إلى ظاهرة تؤثّر في ضعاف الإيمان وضعاف النفوس وتستفحل وتطرد المعروف والخير والقيم من ساحة ذلك المجتمع لتحل محلها، فلا يقتصر ضررها على مرتكبيها الذين ظلموا أنفسهم وظلموا أمَّتهم، والشعب الذي ينتمون إليه، بل يعم شرها وضررها الظالمين وأولئك الذين سمحوا للظالمين أن يظلموا وأن يستمروا في الظلم حتى كأنّ الظلم يصير أصلًا ويصير العدل هو الغريب أو المستغرب.
 فذنوب الشعوب أو الأمم ليست ذنوبًا تتشاور الأمّة كلها وتتواطأ على ارتكابها لكنّها تظهر على أيدي فرد أو أفراد أو مجموعة أو نخبة ويضعف الباقون أو يترددون في مقاومتها، والإنكار على أصحابها والحيلولة دون انتشارها فتستفحل وتعلو حتى تصبح ممارسة عاديّة لتلك الشعوب أو الأمم. حين يحدث ذلك وينعدم المنكرون للمنكر رغم أنّهم لم يشاركوا فيه، ولم يرتكبوا ما ارتكبه الآخرون، فيعمهم –آنذاك- الوصف بأنّهم مذنبون وإن اختلفت المستويات ومستحقون للعقاب ولا ينجو من العقاب في هذا الحالة إلا أولئك الذين كانوا ينهون عن السوء، فإذا توقفت الأمّة –كلّها- فلم يوجد فيها من ينهى عن السوء، بل انزوى هؤلاء وانكمشوا وتشبَّـثوا بعزلتهم وخافوا أن يقولوا للظالم: أنت ظالم وللمنحرف أنت منحرف ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(الروم:41).
 آنذاك- نجد أنّ الله –سبحانه وتعالى- الذي خلق السموات والأرض والقوانين الحاكمة لهذا الكون، وهو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض ويحفظ –جل شأنه- المسافات بين المخلوقات ويحفظ المقادير والنسب فإنّه قد يخلي –جل شأنه- بين تلك السنن والقوانين التي قامت على الحق وتعرفه وبين أولئك الذين مردوا على الظلم والكفر والجور والتمرد على الإله الخالق –جل شأنه- يخلي بين تلك القوانين وبينهم. فيحدث لهم اضطراب في حياتهم بما كسبت أيديهم. ذلك الاضطراب قائم على تصادم بين الباطل الذي سلكته تلك الأمم والشعوب وبين الحق الذي خلق الله به السموات والأرض وسخر الشمس والقمر، فتضطرب حياتهم وتختل شئونهم وتضطرب النسب والمسافات بين خلق وخلق، فتحدث كثير من الاضطرابات التي نستطيع عند التحقيق أن نقول: إنّها من كسب أولئك المنحرفين. نعم هم لم يقصدوا إفساد حياتهم، لكنّهم توهموا أنّهم بانغماسهم في تلك الذنوب والمعاصي يمتعون أنفسهم ويحققون لها رغباتها وينغمسون في شهواتهم ويرضون أنفسهم، وهم لا يرون في ذلك ما يصادم نظم الكون. المعصية إخلال بأمانة الاستخلاف إنّ المعصية إخلال بالاتفاق المبرم بينه الإنسان وبين خالقه –جل شأنه- على أن يطيع الله –جل شأنه- ويتقبل ما يجري فيسخر الله له الكون ويعينه على كشف قوانينه والسنن الحاكمة له فيتعايشان باعتبارهما معًا قافلة من قوافل التسبيح لله –جل شأنه- فتسبيح يقوم به الإنسان المستخلف، وتسبيح يقوم به الكون بقيامه على تلك السنن والقوانين التي أودعها الله فيه، وحصول التصادم –آنذاك- يكون بين «قواعد الاستخلاف وسنن التسخير» لعدم بناء العلاقة السليمة بينهما، فذلك يؤدي إلى ذلك الخلل الواضح. فحين تظهر الفاحشة ويفشو المنكر ويسود الاستبداد وتنهار الشورى وتستحل الفروج ويصبح الربا مغنمًا والمغنم دولًا، والزكاة مغرمًا والأمانة مغنمًا، ويشرد الآلاف أو الملايين فلا يجدون وليًا ولا نصيرًا ويستبد بالسلطان من يستبد من الأراذل، ويستبد السفهاء بالأموال، ويستبد المنافقون والمنحرفون والعصاة والمفسدون والذين يريدون علوًا في الأرض وفسادًا بمصائر الشعوب. آنذاك: تختل الموازين وتضطرب المقاييس ولا يمكن لمن يملك شيئًا من الاحترام لنفسه أن يستمرئ تلك الحالة، هنا يبدأ الخلل والاضطراب في تصادم «قوانين الاستخلاف مع قوانين التسخير». لذلك فإنّ بعض الصالحين كان يقول: «إنّي لأعرف معصيتي بدابّتي، فإذا لم أرتكب معصية ولو كانت من قبيل التفريط بوردي في ذلك اليوم فإنّ دابَّتي تكون سلسة القياد لا تتعبني، وحين تَحرِنُ دابَّتي أعرف أنّني قد فرطت بواجب أو قارفت ذنبًا»، فالطبيعة إنّما سخرت لنا لأنّنا أبرمنا مع الله عهدًا أن نحمل الأمانة وأن نفي بالعهد... ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾..(الأعراف:172: 173) ...
وقال – جل شأنه: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾(الأحزاب:72). «والأمانة» هنا هي أمانة الاستخلاف مع حريّة الاختيار، فإذا كانت السموات والأرض والجبال قد أبين أن يحملن أمانة الاستخلاف وحريّة الاختيار وآثرن التسخير على ذلك فليس من الممكن أن تكون قوانين الكون المبثوثة في السموات والأرض والجبال والبحار والوديان وما إليها طائعة لإنسان قد خان العهد وخان الأمانة فتصادمت في حياته «قوانين الاستخلاف مع قوانين التسخير»، فلا تصبح عنده قدرة على أن يقيم الحياة الطيبة؛ لأنّ الحياة الطيبة بكل ما فيها من معاني الطيبة مرتبطة بشبكة من السنن والقوانين المبثوثة في الأنفس والآفاق التي مؤداها أن يكون الإنسان طائعًا لله -تبارك وتعالى- متبعًا لأوامره مجتنبًا لنواهيه. فهبوط الإنسان إلى الأرض كان بعد أن تلقى كلمات تاب بها إلى الله -جل شأنه- وصحح علاقته بالله بعد أن أزله الشيطان وزوجه؛ ولذلك فإنَّ سلوكه وسيرته المستقيمة في هذا الوجود ينبغي أن تكون مرتبطة بذلك العهد مع الله وبالحِكَم التي اقتضت وجوده ونزوله على الأرض وهبوطه إليها ليؤدي مهام الاستخلاف بإعمارها وإقامة الحق والعدل فيها. وهنا تتحق لهذا الإنسان الحياة الطيّبة التي ذكرها تعالى في قوله:
 ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(النحل:97).
 فالحياة الطيبة في الحياة الدنيا ترتبط بالعمل الصالح إضافة إلى ما على الإنسان أن يقوم به من جهد في استثمار ما أودع الله في هذا الكون واستعماره وإعماره، ومن أعرض عن ذكر الله فإنّه لا يتوقع منه أن يحسن الخلافة أو القيام بمهام الاستخلاف بالشكل الذي يرضي الله ورسوله ويدل له قوله –جل شأنه:﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾(طه:124: 127).
 فهنا يجمع الله بين الإسراف وبين الكفر، ومعروف أنّ الإسراف إنّما يكون في ما نسميه اليوم بتبديد الموارد والتبذير فيها وتدمير الطبيعة والقضاء على عناصرها والدخول في صراع معها بدلًا من الانتماء إليها، وقيادتها في قافلة التسبيح ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (الإسراء:44).

أمانـــــة الاستخــــلاف



ليست هناك تعليقات: