الأربعاء، 25 يناير 2012

الثورة بريئة من دم الانهيار الاقتصادى المصرى


التباكى طوال الوقت على الاستثمارات الأجنبية التى تتراجع أو تجف منابعها، 
ما يعرقل تدفقها أساسا هو غياب الأمن


الثورة متهمة بأنها تسببت فى تراجع الاقتصاد المصرى.. والبعض يقول إنه بعد قيامها توقفت الاستثمارات الأجنبية وتعطلت المصانع.. وانخفضت الصادرات.. وتم السحب من الاحتياطى النقدى حتى كاد أن ينفد والركود أصاب الأسواق وزادت الديون..
ولكن تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2011 والذى يرأس تحريره الباحث الاقتصادى المعروف «أحمد سيد النجار» حمل لنا مفاجأة وهى براءة الثورة من كل هذه الاتهامات.. وكشف لنا أن وراءه نظام الرئيس السابق مبارك والذى أغرق البلاد فى الديون والفساد.. وننشر هنا جزءاً من هذا التقرير المهم
كثير من الجدل أثير حول الآثار الاقتصادية للثورة المصرية فى يناير 2011 وضمنها ما ذكر من أنها أدت إلى استنزاف ثمانية مليارات دولار من احتياطى مصر من العملات الحرة حتى نهاية العام المالى
2011/2010 ذلك الاستنزاف الذى تم لتغطية عجز ميزان الحساب الجارى ولتوفير النقد الأجنبى وضخه فى السوق للحفاظ على سعر الجنيه المصرى مقابل الدولار والعملات الحرة الأخرى والسببان اللذان تم استنزاف الاحتياطى من خلالهما يرتبطان بأوضاع سابقة على الثورة أصلا، حيث إن العجز الهائل فى الميزان التجارى لمصر، بلغ 5,26 مليار دولار فى عام 2011 وبلغ عجز تجارة السلع والخدمات معا نحو 9,16 مليار دولار فى ذلك العام نظرا لأن تجارة الخدمات التى تضم السياحة وقناة السويس حققت فائضا بلغ 6,9 مليار دولار فى العام نفسه وعوضت بالتالى جزءا من عجز التجارة السلعية وإذا أضفنا تحويلات العاملين بالخارج التى بلغت 5,12 مليار دولار عام 2010 وبعض التحويلات الأخرى المحدودة فإن ميزان الحساب الجارى أسفر فى العام المذكور عن عجز بلغ 4,4 مليار دولار وشكل العجز فى ميزان الحساب الجارى نحو 3,2٪، 2٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عامى 2008/2009 و2009/2010 على الترتيب بعد ثمانية أعوام من الفائض الذى كان يتحقق بفضل السياحة وتحويلات العاملين فى الخارج وإيرادات قناة السويس وارتفاع أسعار النفط وليس بفضل فعالية أى سياسة اقتصادية لحكومة نظيف التى كانت تتسم بضعف الكفاءة وبأعلى مستوى من تعارض المصالح والفساد فى التصرفات فى المال والأصول العامة بكل أنواعها.
وتجدر الإشارة إلى أن إيرادات قناة السويس لن تتأثر بأحداث الثورة وبعنف النظام ضدها، بل ستتزايد على الأرجح فى ضوء التزايد الكبير فى حجم وقيمة التجارة الدولية،وتشير بيانات صندوق النقد الدولى، إلى أن حجم التجارة الدولية سيزيد بنسبة 3,7٪ عام 2011 مقارنة بالعام السابق عليه، كما ستزيد قيمتها من نحو 15 تريليون دولار «التريليون يساوى ألف مليار» عام 2010 إلى نحو 7,17 تريليون دولار عام 2011 بنسبة زيادة قدرها 2,18٪ وبما أن قناة السويس هى معبر رئيسى للتجارة الدولية ويتزايد عدد السفن العابرة لها وحجم وقيمة البضائع المنقولة عبرها بصورة طردية موازية لزيادة حجم وقيمة التجارة الدولية، فإنه من المرجح أن تتزايد إيرادات قناة السويس فى عام 2011 لتعوض ولو جزءا محدودا من التراجع فى إيرادات السياحة.
وتجدر الإشارة إلى أن إجمالى الديون الخارجية لمصر بلغ 7,30 مليار دولار فى نهاية مارس عام 2009 وارتفع إلى 35 مليار دولار فى بداية يناير 2011 وهذا يعنى أن الحفاظ على الاحتياطيات فى العام الأخير من عهد مبارك تم من خلال الاستدانة من الخارج بصورة أساسية ولو لم تكن تلك الاستدانة قد تمت لكانت الاحتياطيات قد تآكلت بشكل واضح من قبل الثورة، وهذه الديون إجمالا تستحق الإسقاط لأنها ديون نظام ديكتاتورى فاسد، ضاع قسم مهم منها فى مسارب الفساد، كما أن الدول الدائنة استفادت هى وشركاتها من فساد عصر مبارك من خلال الحصول على شركات وأراض وأصول عامة مصرية بأقل من عشر قيمتها من خلال برنامج الخصخصة الفاسد الذى تم من خلاله إهدار أموال عامة يبلغ حجمها أضعاف ما حصلت عليه مصر من قروض من الخارج.

كما كان الجنيه المصرى يتعرض لضغوط قوية من قبل انفجار الثورة المصرية الكبرى فى يناير 2011 بسبب هذا العجز فى ميزان الحساب الجارى، مما أدى إلى انخفاض سعر صرفه مقابل الدولار خلال عام 2010 من 45,5 جنيه لكل دولار، إلى نحو 8,5 جنيه لكل دولار أى بأكثر من 6٪ فى عام واحد قبل الثورة أى أن العجز فى المعاملات الخارجية واستنزاف الاحتياطى ثم دعمه من خلال القروض الجديدة كانت وقائع موجودة من قبل الثورة وكان الإعلام الرسمى وحتى بعض الصحف الخاصة والحزبية تتجاهل ذلك وتروج البيانات الحكومية المزيفة فى هذا الصدد والتى تتعارض حتى مع بيانات رسمية أخرى.

وقد حاول البنك المركزى المصرى مواجهة آثار عجز ميزان الحساب الجارى والضغوط على الجنيه المصرى من خلال استنزاف الاحتياطى الرسمى من العملات الحرة فى مواجهة ذلك العجز، وفى الدفاع عن العملة المحلية،وهذه الطريقة تعكس تفكيرا قديما وجامدا، فقد سبق أن استخدمتها بريطانيا عام 1992 فى محاولتها للدفاع عن الجنيه الإسترلينى الذى كان يواجه ضغوطا عنيفة فى مواجهة المارك الألمانى وباقى العملات الحرة الرئيسية وفقدت الجزء الأكبر من احتياطياتها من العملات الحرة ثم توقف بنك إنجلترا «البنك المركزى البريطانى» عن التدخل فى السوق تاركا الإسترلينى لمصيره بعد أن ثبت فشل سياسة التدخل الواسع النطاق التى تثير مخاوف السوق بشأن العملة المحلية أكثر مما تبث الثقة فى تلك العملة كما سبق أن استخدمتها تايلاند عام 1997 واستنزفت احتياطياتها من العملات الحرة فى الدفاع عن «آلبات» «العملة التايلاندية» ولم تنجح وانهار سعرها وانتهى الأمر بإعلان إفلاس تايلاند ولجوئها لصندوق النقد الدولى لتحصل على قروض كبيرة مشروطة بتطبيق برنامج الصندوق، بينما تعرضت ماليزيا للأمر نفسه عام 1997 ولجأت للتسعير التحكمى المرن للعملة وترشيد الواردات لإعادة التوازن للموازين الخارجية، وترشيد الإنفاق الداخلى وتنمية الإيرادات لاستعادة توزان الموازنة العامة للدولة، بدلا من استنزاف احتياطى العملات الحرة فى الدفاع عن العملة المحلية التى تعانى الضغوط السوقية أو الاقتراض لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة.

وباختصار فإن تجربة استنزاف الاحتياطى فى الدفاع عن العملة، هى تجربة فاشلة، والأهم منها هو إنهاء أسباب ضعف العملة وهو العجز فى الموازين الخارجية والداخلية من خلال ترشيد الواردات وتطوير الصادرات بقرارات حكومية بشأن الواردات الخاصة بالدولة وبالتوافق مع اتحاد الغرف التجارية لتقليص الواردات الكمالية، وتنمية الإيرادات العامة وترشيد وإعادة هيكلة الإنفاق العام وتبنى سياسة واقعية فى سعر الصرف يمكن أن تسمح بارتفاع أو انخفاض العملة فى حدود 5٪ على أقصى تقدير فى الوقت الراهن دون استخدام للاحتياطى، حتى لو اقتضى الأمر تطبيق نظام سعر الصرف التحكمى المتغير كل ثلاثة شهور بناء على التغيرات فى المؤشرات الاقتصادية فى مصر وفى الدول صاحبة العملات الحرة الرئيسية على أن يترافق مع ذلك عملية ضبط للأسعار وحماية حقيقية للمستهلكين من استغلال مثل هذا التغير فى رفع الأسعار بلا مبرر.

كما أثير الكثير من الجدل من قبل المعنيين بالبورصة ووسائل الإعلام الرسمية والمملوكة لبعض الرأسماليين حول الكوارث التى تسببت فيها الثورة للبورصة وهو جدل استغل عدم معرفة أو خبرة المواطنين بالبورصة وما يجرى فيها والحقيقة أن الخسائر فى البورصة بسبب توقفها لفترة وانخفاضات أسعار الأسهم فيها بعد بدء التعاملات بسبب ضعف الأمن كما أشرنا آنفا، وبسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد والسياسات التى سيدار على أساسها.. هذه الانخفاضات التى نسجت حولها الأساطير هى خسائر حسابية وليست حقيقية، ما دام الأصل الذى يتم تداول أسهمه يعمل بشكل عادى ويحقق نتائج إيجابية وفى مثل هذه الحالات تكون الخسائر فى العمليات التجارية المتعلقة ببيع وشراد أسهم شركات قائمة وقد تأثر بالتوقفات والاضطرابات أو الخسائر فى العمليات التجارية فى البورصة بعض شركات السمسرة والمضاربين بالأساس وبعض المتعاملين وبالذات صغارهم والمضطريون لتسييل أسهمهم وكلهم يعملون فى نشاط يتسم بطبيعة طفيلية،وللعلم فإن النشاط المهم للبورصة بالنسبة لأى اقتصاد هو الاكتتابات العامة لبناء مشروعات جديدة تضيف طاقة إنتاجية للاقتصاد وتخلق وظائف جديدة وهذا النشاط لا يزيد على 01,0٪ من التعاملات فى البورصة المصرية التى تعد بورصة مضاربة بصورة أساسية أو هى جنة للمضاربين فى ظل عدم وجود ضرائب على التعاملات أو الأرباح أو تحويل أرباح المضاربين العرب والأجانب من مصر إلى الخارج.

أما التباكى طوال الوقت على الاستثمارات الأجنبية التى تتراجع أو تجف منابعها، فإن ما يعرقل تدفقها أساسا هو غياب الأمن بسبب تقصير الجهاز الأمنى فى حفظه وتقصير الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى اتخاذ إجراءات فعالة لحفظ الأمن مثل قبول استقالات ضباط الشرطة الراغبين فى الاستقالة وإذا كان جهاز الشرطة هو آلة النظام الديكتاتورى البوليسى التى يقمع بها الشعب بشكل دنىء وعنيف وعدوانى، فمن غير المتصور أن تكون هذه الآلة بنفس قياداتها وعقيدتها هى التى ستحفظ أمن الشعب والممتلكات الخاصة والعامة بعد الثورة ولابد من إحالة المستويات العليا من جهاز الشرطة للتقاعد وإصدار لائحة تعليمات صارمة للجهاز الشرطى تنص على احترام القانون وكرامة الإنسان والاعتماد على الكفاءة المهنية فى تقصى الجرائم بدلا من استسهال التعذيب كما يمكن تعيين خمسين ألفا أو العدد الكافى من خريجى كليات الحقوق من التعليم النظامى كضباط شرطة يحترمون القانون وحقوق وحريات وكرامة الإنسان ولديهم الإرادة للحفاظ الصارم والعادل على أمن بلادهم على أن يتم إجراء تدريب تحويلى لهم لمدة شهرين.

كما أن بقاء جهاز أمن الدولة تحت مسمى الأمن الوطنى الذى بدأ بالفعل فى إعادة نفس ممارسات الجهاز القديم بالقبض على بعض الناشطين سياسيا واستخدام العنف فى مواجهتهم هو أمر غير مقبول وليس هناك أى مبرر لوجود هذا الجهاز أصلا فى دولة ديمقراطية والمهام التى قيل أنه سيقوم بها هى نفس مهام جهازى المخابرات والأمن القومى لذا فإنه لا مبرر لوجوده الذى يثير المخاوف المشروعة من أنه سيعيد نفس الممارسات الدنيئة لجهاز أمن الدولة القديم. كما أن جزءا مهما من تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة ناتج عن الموقف المخزى لبعض إمارات وممالك الخليج المعادية لإرادة مصر وشعبها فى بناء نظام وطنى ديمقراطى، حيث تتصور تلك الإمارات والممالك التابعة للرأسمالية العالمية وللقوى الاستعمارية التقليدية فى الغرب مثل المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى والغربى عموما وشركات النفط والمؤسسات المالية العملاقة التى تم نزح فوائض الثروات النفطية العربية إليها.. تتصور تلك الإمارات والممالك أنها يمكن أن تضغط على مصر اقتصاديا لإجهاض تجربتها الوطنية الديمقراطية الوليدة المتناقضة مع نظمهم الاستبدادية التابعة للغرب والمتخلفة والمعادية لأبسط حقوق وحريات الإنسان والتى تستولى العائلات الحاكمة فيها على ثروات ومقدرات شعوبها بصورة فاسدة كليا وتلتقى تلك الممالك والإمارات مع الموقف الصهيونى المعادى لثورة مصر التى تحمل كل القوى المشاركة فيها مواقف وطنية من هذا الكيان فضلا عن قيام حكومة د. عصام شرف ووزير خارجيته السابق د. نبيل العربى، بتحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركتى فتح وحماس مما أثار استياء صهيونيا يتجسد بالتأكيد فى محاولات إثارة الفتن فى مصر لعرقلة أى نهوض اقتصادى لها، وفى الإساءة لصورة مصر واقتصادها فى الخارج وربما يكون ذلك الموقف الصهيونى الذى يلتقى مع مواقف أمريكية مشابهة وأيضا مع موقف العائلة السعودية المالكة فى المملكة العربية قد ساهم فى إبعاد د. نبيل العربى عن وزارة الخارجية المصرية ووضع وزير جديد للخارجية من أصدقاء الولايات المتحدة وممالك الخليج وسبق له العمل باختياره وطلبه فى إسرائيل هو محمد العرابى.

وترتيبا على ذلك فإن عدم ضخ بعض الدول الخليجية الغنية للاستثمارات إلى مصر مرتبط بموقفها المعادى لمسعى شعب مصر الثائر نحو الحرية والديمقراطية والتقدم والتنوير والعدالة والشفافية والنزاهة وستكون خيانة حقيقية لمستقبل مصر أن ترضخ أى حكومة لضغوط بعض إمارات وممالك الخليج التابعة خاصة أن غالبية استثمارات تلك الدول وعائلاتها الحاكمة تضمنت السطو على أراضى مصر بأقل من 5,0٪ مما أنفق على بنيتها الأساسية من المال العام كما فى حالة الأرض التى حصل عليها وليد بن طلال الذى ينتمى لعائلة سعود الحاكمة فى المملكة العربية كما تضمنت السطو على أصول القطاع العام بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية كما حدث فى شرائهم للفنادق وشركات الزجاج المسطح والمياه الغازية والكتان والزيوت وعمر أفندى وغيرها من الشركات العامة.

والحقيقة أن مصر فى غنى عن مثل هذه الاستثمارات المقترنة بالفساد ونهب الأصول العامة لمصر وأراضيها التى ينبغى عدم بيعها مطلقا لأى شخص غير مصرى أسوة بالقانون الذى تم سنه عام 1951 والذى منع تملك الأجانب للأراضى فى مصر والحقيقة أن مصر تحتاج فقط لاستثمارات عربية وأجنبية مباشرة حقيقية وفعالة فى الصناعة والزراعة والخدمات الحقيقية وليس فى شراء أراضى مصر أو مشروعات القطاع العام القائمة بأقل من 5٪ من أسعار أراضيها فى بعض الحالات فى صفقات فساد مروعة، علما بأن أى اقتصاد تبنيه سواعد وعقول ومنظمو الأمة من القطاعين الخاص والعام وليس المستثمرون الأجانب الذين يلتحقون بأى اقتصاد نام فعلا للحصول على بعسض ثمار نموه وازدهاره ونهوضه الفعلى وهو ما يدعونا للتخلص من أسطورة أو وهم انتظار تحقيق القفزة الاقتصادية من خلال الاستثمار الأجنبى لأن هذا ببساطة لم ولن يحدث فى مصر وهو لم يحدث فى أى مكان آخر.

ولتأكيد طبيعة دور الاستثمارات الأجنبية فى الاقتصادات المستقبلة لها، يكفى أن نشير إلى الصين وهي أكبر دولة ناهضة تستقبل استثمارات أجنبية، مباشرة وهى ضمن المراكز الأولى عالميا فى هذا الصدد، قد بلغ معدل الاستثمار فيها نحو 48٪ من الناتج المحلى الإجمالى عام 2009 وبلغ ناتجها المحلى الإجمالى فى ذلك العام نحو 4986 مليار دولار بما يعنى أن قيمة الاستثمارات المباشرة بلغت نحو 3,2393 مليار دولار فى ذلك العام منها 95 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة وهى لا تشكل سوى 4٪ من إجمالى الاستثمارات المباشرة فى الصين عام 2009 وهذا يعنى بوضوح أن الاقتصادات تبنى باستثمارات أبنائها بالأساس.

ليست هناك تعليقات: