الجمعة، 18 نوفمبر 2011

تنظيم مبارك السرى.. «ولسه.. هم شافوا حاجة»!


خيرنا مبارك قبل تنحيه 
بين إستمراره فى الحكم أو الفوضى


لم يتضح لنا أن حسنى مبارك لم يكن يمزح أو (يهرج) عندما خيرنا قبل تنحيه بين استمراره فى الحكم أو الفوضى. تهديد مبارك الجدى لم يكن بسبب أنه رجل دولة يستطيع قراءة المستقبل أو لديه رؤية استراتيجية نادرة، وأغلب الظن أن تهديده كان حقيقيا لأنه يملك فعلا تنظيما قادرا على إشاعة الفوضى الشاملة فى كل ربوع البلاد وربما المنطقة. لا أملك معلومات موثقة لكن أكاد أجزم بأن هناك تنظيما على الأرض له مهام محددة وأفراد منتشرون فى مناطق كثيرة يديرون عملية إسقاط الثورة والدولة. على من لا يصدق ذلك عليه أن يتأمل المشهد الراهن من أسوان إلى بلطيم ومن دمياط إلى سيناء، وسوف يكتشف بسهولة أن المخطط قطع أشواطا متقدمة، ويظن أصحابه أنهم قاب قوسين أو أدنى من عملية قطف الثمار. وحتى لا يتهمنا البعض بالسذاجة أو الإمعان والاستغراق فى نظرية المؤامرة، أسارع فأقول إننى لا أعتقد أن أصحاب المخطط وقادته مسئولون عن كل انفلات حادث ويحدث فى الشارع المصرى. قد لا يكونون مسئولين مثلا عن إشعال الصراع بين أهالى بلطيم وسوق الثلاثاء أو حصار ميناء دمياط لكن لا يمكن استبعاد أنهم يحاولون تأجيج هذه الحوادث.
أصحاب هذا التنظيم أذكياء ومدربون، ولذلك فهم لا يريدون أكثر من التربة المهيأة للانفلات والفوضى، وبعدها تتكفل الأحداث العفوية وتطوراتها بإكمال باقى المخطط. كلمة السر فى هذا التنظيم السرى ونجاحه هو تراخى أجهزة الأمن وغياب سلطة وهيبة الدولة وعدم تطبيق القانون بسرعة وحزم على الخارجين عليه. لا أتهم كل الشرطة، فهناك شرفاء كثيرون داخلها وبعضهم ــ خصوصا بعض الرتب الصغيرة ــ يدفع حياته ثمنا لمقاومة الانفلات والبلطجة. لكن المشكلة بوضوح صارت محصورة بين تراخى بعض قيادات مؤثرة داخل جهاز الشرطة وغياب كامل للحكومة وضعف وغموض فى موقف المجلس العسكرى. وما بين هذا الضعف والغياب وذلك التراخى والغموض صار الملعب مفتوحا لكل أنواع إضعاف هيبة الدولة وإسقاطها من مظاهرات فئوية فى غير وقتها إلى إضرابات واعتصامات مشروعة أو غير مشروعة تم استغلالها لإنجاح المخطط.
 قد يخرج مسئول غدا لينفى وجود هذا التنظيم ولمثل هذا المسئول نقول إن الصمت والتراخى عن مخطط إضعاف الدولة منذ البداية يساوى بالضبط وجود التنظيم أو المشاركة فيه. لو أن المجلس العسكرى والحكومة والشرطة كانوا جادين منذ البداية وحاربوا الخروج على القانون وضربوا بعنف على البلطجية الصغار والكبار ما وصلنا إلى هذه الحالة البائسة. نعم مبارك فى السجن لكن رجاله لا يزالون قابعين فى مفاصل حيوية وأماكن مؤثرة كثيرة يستطيعون من خلالها تجميد ومحاربة أى محاولة للقضاء على النظام القديم وإعادة الوضع إلى ما قبل ظهر 25 يناير. يكفى أن تشتعل معركة بين قرية ومدينة أو يتم بث شائعة عن قرار ما ثم يندلع الحريق ويمتد شرره وحتى إذا تحركت الحكومة بخجل، كما تفعل عادة تكون النار قد استعرت تحت الرماد فى انتظار إعادة إشعالها فى وقت معلوم حينما يحين وقت الانقلاب الرسمى على الثورة. - عماد الدين حسين - مبارك : «ولسه.. هم شافوا حاجة»!
طبيب مقرب من المخلوع سأله عن تعليقه عن أحداث الفوضي التي تمر بها مصر فوجده شامتاً
- لقد عادت من جديد نغمة الانفلات الإعلامي لتكون الشماعة الجاهزة لتغطية فشل الحكومة فدفعوا أصحاب المطالب الفئوية لإعلان الإضراب الشامل
- أخطأ أسامة هيكل عندما جعل الشرطة تهاجم مقر قناة الجزيرة وكأنه وكر مخدرات وكأن من فيه بلطجية وليسوا إعلاميين فجأة.. قطع اللواء إسماعيل عتمان سير الاجتماع المشترك بين المجلس العسكري ومجلس الوزراء قائلا :"إن التليفزيون يذيع خبر استقالة رئيس الحكومة".. وبهت الجميع.. فالدكتور عصام شرف كان يجلس أمامهم.. ولم يعرض تخليه عن منصبه.. فقام وزير الإعلام أسامة هيكل ليتصل بمساعديه في ماسبيرو.. ليعرف حقيقة ما حدث.. وعاد ليقول: "إن التليفزيون «المصري» نقل الخبر عن قناة العربية".. السعودية.
لم يكن الخبر صحيحا وإن أثيرت شكوك حول تسريبه من ناحية عصام شرف.. كنوع من الدفاع المسبق عن نفسه.. تعود عليه كلما فشل في إدارة موقف صعب تفرضه الظروف عليه.. وهو ما يزيد من مرض الأذن الوسطي الذي يشكو منه.. ويضاعف من شعوره بعدم التوازن الجسماني والسياسي.
لكن.. المؤكد أن الذي دخل الاجتماع متحفزا للاستقالة ــ هو ومديرو الأمن ــ فكان اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية.. فقد استفزه أن يصل أكثر من ألف محرض وبلطجي إلي بيته.. يهددونه.. واضطر للقول :"سأواجههم بطبنجتي وهي معمرة وجاهزة".
في تلك اللحظة تقرر تشجيع رجال الشرطة علي ممارسة حق الدفاع الشرعي عن أنفسهم وعن منشآتهم.. وهو حق قانوني أقره المجلس العسكري من قبل.. لكن.. تحويل عدد من الجنود والضباط الذين استخدموه إلي النيابة أصابه بالشلل.. فكان لابد من إعادته للحياة من جديد. في تلك اللحظة أيضا كان المجتمعون قد وصلوا إلي شعور مقبض بأن "البلد بتضيع".. وأن "المؤامرة التي حذروا منها لتكسير أعمدة الدولة تنفذ بخطوات ثابتة".. دون أن يحددوا بالضبط من ينفذها.
كان الإجراء العاجل للمواجهة هو العودة إلي حالة الطوارئ.. وترك لوزير العدل المستشار محمد الجندي إعلان الترتيبات والتحذيرات.. ووضعت البلطجة في المقدمة.. دون أن ينسوا تهديد حرية الرأي بعقاب من ينشر أخبارا يكون من شأنها تكدير سلامة البلاد بالسجن. لقد عادت من جديد نغمة "الانفلات" الإعلامي لتكون الشماعة الجاهزة لتغطية فشل الحكومة في تهدئة أصحاب المطالب الفئوية المختلفة مما جعلهم يدعون لإضراب شامل يزيد الطين بلة.. بجانب ضعف الحكومة المهين في التعامل مع جرائم قتل جنودنا علي الحدود التي ارتكبتها إسرائيل دون كلمة قاسية من مسئول واحد..

ودون ضغط يصعب تجاوزه لطرد سفير العدو.. وحرمانه من الاستمتاع بنيل الجيزة.. بجانب وضع في أذن طين وفي أخري عجين لعدم سماع مطالب القوي الوطنية المختلفة لتعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية.. والدوائر الانتخابية.. ونسبة القائمة.. وكل هذه الاعتبارات فرضت نفسها علي مشهد اليوم السابق.. يوم الجمعة. لكن.. لا أحد توقف عند الأسباب.. وأمسك الجميع بتلابيب الإعلام.. علي طريقة جمال مبارك الذي كان يؤمن بأن المصريين غارقون في نعيم إنجازات الحزب الوطني إلا الإعلام.. وهو ما وضع عشرات الصحفيين أمام النيابات والجنايات بتهمة تكدير السلم العام.
المثير للدهشة أن وزير العدل وهو رجل محترف في مهنته يعرف أن ما في قانون العقوبات من مواد يكفي لحبس كل أصحاب الرأي دون حاجة للطوارئ.. وكنا نتوقع أن نلغي هذه المواد بعد الثورة لا أن تحصن بالأحكام العرفية. والأهم أن وزير العدل الذي أصدر قانون البلطجة لم يجد من ينفذه.. فالقضية ليست في النصوص وإنما في توافر إرادة تنفيذها.. وهو يعلم قبل غيره أن حكومته ليست منزوعة الإرادة فقط.. وإنما ليس في نيتها التعامل معها.
لقد تركت الحكومة السايب في السايب لكل من خرج علي القانون.. فتجرأ الجميع عليها.. ولم يعد هناك أحد يخشاها.. فالمسدسات التي تمسك بها لا تطلق رصاصات وإنما شيكولاتة ومياها وعصير قصب. ووجهت قوي معارضة نقدا قاسيا للمجلس العسكري.. فهو لم يتحمس للطوارئ إلا بعد أن وصلت نيران الغضب إلي السفارة الإسرائيلية.. وكان التفسير الأكثر قبولا أن المجلس العسكري وجد في الهجوم علي السفارة الإسرائيلية فرصة لإعادة الطوارئ دون اعتراض من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.. فما دام الأمر يتعلق بإسرائيل فكل شيء مباح. وكان واضحا أن النية تتجه إلي خنق الإعلام عندما طلبت الحكومة من هيئة الاستثمار إيقاف تراخيص قنوات جديدة.. وكان في الطريق 13 قناة.. منها سبع قنوات دينية.. والملاحظة المثيرة للاستغراب هنا أن تكون هيئة الاستثمار هي المسئولة عن القنوات الخاصة.. فكل ما عليها إصدار السجل التجاري للشركات التي تبث هذه القنوات.. علي أن يكون هناك تنظيم ما يتعامل معها.. كما هو الحال بالنسبة للصحف.. حيث يوجد مجلس أعلي للصحافة يراجع تصرفاتها.. وإن كان تشكيله قد أصبح قاصرا.. فهو لا يتضمن أعضاء يمثلون الصحف الخاصة التي لا يمكن تجاهل تأثيرها الآن.. ويكتفي بتمثيل الصحف القومية والحزبية. وحسب معلوماتي فإن مناقشات طويلة جرت بين أعضاء في المجلس العسكري وإعلاميين وسياسيين مرموقين انتهت إلي اقتراح بتشكيل مجلس وطني للإعلام يتولي شئونه ويراقب أداءه ويعقاب علي تجاوزاته.. وحسب معلوماتي أيضا فإنه جرت في الاجتماع الأخير المشترك بين المجلس العسكري ومجلس الوزراء الموافقة علي تنفيذ الاقتراح.. لكن.. بعد ساعات قليلة كانت هناك مفاجأة مذهلة من العيار الثقيل فرضت نفسها بطريقة غاشمة علي المشهد الإعلامي. حسب ما سمعت من وزير الإعلام فإن تصريح"الجزيرة مباشر"هو تصريح بمكتب خدمات انتهت مدته.. وفي الوقت نفسه لم تستخرج تصاريح للعاملين فيه بمزاولة عملهم.. وعندما كان الوزير يراجع موقف القنوات المختلفة يوم الخميس الماضي اكتشف ذلك فأشر بتطبيق القانون.. فداهمت شرطة المصنفات الفنية مقر الجزيرة.. وكان ما كان. ومهما كانت وجاهة السند القانوني الذي استند إليه أسامة هيكل فإن أسلوب تنفيذه لا يتسم بالكياسة.. فالشرطة التي تولت المهمة تعاملت وكأنها تهاجم وكرا للمخدرات.. وكان الأجدر أن يجري إبلاغ مسئولي القناة بالقرار.. بأسلوب يناسبهم.. فهم إعلاميون وليسوا بلطجية. وفي نفس الاجتماع المشترك بين المجلس العسكري ومجلس الوزراء قدم وزير العدل لكل مجلس من المجلسين نسخة من تقرير لجنة تقصي الحقائق حول التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية.. وحسب ما سمعت من الوزير فإن هناك وقائع سيضعها أمام نيابة الأموال العام للتحقيق فيها.. ولم يشأ الوزير أن يكشف شيئا من التقرير الذي سينشر خلال ساعات، وإن عرفت من مصادر أخري أنه تضمن أسماء نشطاء من 6 أبريل حصلوا علي أموال من الولايات المتحدة.. وجمعيات سلفية حصلت علي أموال من قطر.. منها جمعية حصلت علي أكثر 181 مليون دولار في فترة وجيزة.. واعتقدت أن هذا الملف الساخن سيكون حديث الناس خلال الأسبوع القادم.. وإن كنت أري أنها فرصة للتطهر بالذات قبل التطهر بالقانون. وفي نفس الاجتماع أيضا تقرر تأجيل انتخابات الشوري وهو خبر انفردت بإذاعته علي قناة «سي بي سي » ليلة السبت الماضي مع خبر آخر هو إعادة النظر في قانون مباشرة الحقوق السياسية.. حيث سيعاد النظر في الدوائر الانتخابية.. وستزيد نسبة القائمة النسبية.
والحقيقة أن المجلس العسكري لم يستمع لمثل هذه المطالب التي تبنتها غالبية القوي السياسية واكتفي ــ كما سمعت من عصام سلطان قيادي حزب الوسط ــ بأخذ نصيحة اثنين من رموز الإخوان هما سعد الكتاتني ومحمد مرسي لإقرار القانون دون سماع الآخرين.. وهو ما اعتبره دليلا إضافيا علي التحالف غير المقدس بين الإخوان والمجلس العسكري.. وهو تحالف ينكره الطرفان.. ونحن ايضا. والمؤكد أن المجلس العسكري لم يستجب لتلك المطالب إلا بعد جمعة تصحيح المسار التي حققت أهدافها بقوة وجرأة.. رفعت من قدرة التيارات غير الإسلامية في التأثير علي الشارع.. وإن كانت الأحداث غير المفهومة التي تلت دعوتها قد شوشرت علي نجاحها وأخذت من بريقها. ولا نعرف من الذي قام بأحداث ما بعد العشاء يوم الجمعة الماضي.. إن الكل يتنكر لها.. فمن هم أبطالها؟.. هل هم شباب ارتوي بنشوة الثورة فراح يستمتع بمزيد منها.. دون سبب.. أو هدف.. وهو أمر معروف في علم نفس الثورات؟.. أم أن هذه القوي الغاضبة يئست من خلافات النخبة السياسية مع السلطة الحاكمة فقامت بثورة علي الثورة لتسقط من عجزوا عن إدارة شئون البلاد طوال الفترة الماضية ولا يزالوا قائمين مسيطرين؟.. أم أن هناك مؤامرة تستهدف فوضي شاملة تنهار فيها أعمدة الدولة وتصبح ركاما؟. لقد نجح طبيب شاب في أن يتقرب من مبارك وهو في سجنه الطبي الفاخر.. ويوم وقعت أحداث مباراة الأهلي وكيما أسوان الدامية سأله عن رأيه فيما يحدث فقال الرئيس السابق في ثقة وتشف :"ولسه.. هم شافوا حاجة؟".. فما الذي يقصده بعبارته المثيرة للخوف قبل الدهشة؟.
إن القوي المؤيدة للنظام القديم لايزال الكثير منها في مواقعه المؤثرة.. ولا تزال هناك أموال جاهزة للثورة المضادة تسعي لإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه.. وما لم ينتبه الجميع فإن مخزن الوقود الساخن.. سينفجر.. سينفجر.


ليست هناك تعليقات: