الخميس، 13 أكتوبر 2011

ألغام فى طريق حرمان فلول الوطنى من الانتخابات


بيننـــا وبين الانتخـــابات أقـــل من شهرين 
ولا يزال مصير الغدر مجهولا


من رحم ثورة كبرى خرج قانون الغدر، من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو صدر قانون الغدر عام 53 ليحاكم نحو 286 رمزا من رموز العصر الملكى البائد بتهمة الغدر بمصالح البلد وإفساد الحياة السياسية.. جمعت قائمة المتهمين بين وزراء ورؤساء حكومات وعاملين بديوان الملك وباشاوات وموظفين حكوميين ونواب بمجلسى النواب والشيوخ. 
بعد أكثر من نصف قرن أخرجت ثورة 25 يناير قانون الغدر من دفاتر التاريخ.. خمسة أشهر فى مناقشات ومطالبات انتهى الأمر إلى تراجع مخيف وتباطؤ منذر بالخطر.. ملف الغدر لم يحسم ونحن على أعتاب الانتخابات البرلمانية.. بيننا وبين الانتخابات أقل من شهرين ولا يزال مصير الغدر مجهولا.
1 - نعزل مين؟
منذ اللحظة الأولى لطرح عودة قانون الغدر بدت الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة رافضين لفكرة الغدر.. فى الكواليس جرت مناقشات متعاطفة مع بعض رموز عهد مبارك.. كانت هناك تعبيرات من نوع (مش كل عضو بالوطنى كان فاسد) (ومحدش كان يقدر يقول لمبارك أو حتى ابنه جمال كلمة اعتراض).
وتحولت هذه الفكرة إلى رفض تلقائى لإطلاق كلمة الغدر على القانون.. ممكن نحرم البعض من الانتخابات لكن بدون لفظ الغدر.. ومن هنا ظهر تعبير العزل بدلاً من الغدر.. لم يكن التغيير مجرد كلمة، لكنه تصرف يكشف مدى التعاطف مع بعض رموز فى الحزب الوطنى المنحل وحكومته.. الآن تحول الأمر إلى مجرد وعد بدراسة حرمان بعض قيادات الحزب الوطنى من خوض الانتخابات القادمة.. حرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدة عامين فقط.. والأخطر هو قصر نطاق الحرمان على دائرة الحزب الوطنى فقط.. لا حديث الآن عن وزراء شاركوا فى إفساد الحياة السياسية أو مسئولين اخرين فى وزارة الداخلية شاركوا بالتزوير أو قضاة أسهموا فى عملية تزوير الانتخابات لصالح اسماء بعينها فى الحزب الوطني.. وهذا التطور يخرج فكرة العزل عن سياقها التاريخى ويفرغ الفكرة من مضمونها القانوني.. والأهم لا يحقق الضمانات لعدم تكرار افساد الحياة السياسية مرة أخري.. فالوعد الذى أطلقه الفريق سامى عنان يتحدث عن حرمان من تم تزوير الانتخابات لهم.. لكنه يتجاهل من قاموا بالتزوير والمشاركة فيه من أجهزة أمنية أو بعض القضاة الذين أشرفوا على الانتخابات الأخيرة لكل من مجلسى الشعب والشورى المنحلين.. وبالمثل لا يُخرج وعد عنان وزراء من حكومة شرف الحالية من اللعبة السياسية.. فإذا كنا نعاقب من زورت له الانتخابات ومن شارك فى مجلس مزور فكيف نتجاهل الوزراء الذين قبلوا الاستمرار فى حكومة زورت الانتخابات؟



من المثير أن معظم القوى السياسية لم تنتبه لهذه المشكلة.. وأصبح الخلاف الآن حول مستويات القيادة الحزبية فى الحزب الوطنى التى سيطبق عليها الحرمان.. هناك من تطرف فى مطالبه ويصر على حرمان كل أعضاء الحزب الوطني.. وآخرون قصروا الحرمان على المناصب القيادية وهى هيئة مكتب الحزب والمجلس الأعلى للسياسات (مجلس جمال مبارك) والأمانة العامة للحزب وامانات المحافظات.. وفريق ثالث يطالب بحرمان امانات المراكز فى المحافظات.. ولكن معظم هؤلاء لا يتحدثون أو يتوقفون خارج أبواب الحزب من وزراء ومسئولين أسهموا بشكل مباشر فى تزوير الارادة الشعبية.. وأفسدوا الحياة السياسية. وهذه القضية تفرغ العزل من مضمونه.. وتجهض أهدافه.. فالنائب الذى سيتعرض للحرمان لديه فرصة لترشيح ابنه أو أحد أفراد أسرته، بينما لا يوجد أمام قوى الثورة فرصة لضمان عدم التلاعب فى الانتخابات لأن بقية عناصر التزوير ستظل قائمة.. 
2 - متى يبدأ العزل؟ 
فى إطار الفوضى السياسية هناك اهتمام واسع بمدة العزل السياسي، فى المقابل هناك تجاهل لتحديد المدة الزمنية لتحقيق العزل السياسي.. فى ثورة يوليو تم تحديد بداية الإفساد السياسي.. والغدر بالشعب.. فالقول إن كل فترة حكم الملك فاروق هى فساد لم يكن مقبولاً لدى ثوار يوليو.. ولذلك تم تحديد بداية الفساد السياسى بالفترة اللاحقة على توقيع معاهدة عام 36 وحتى قيام ثورة يوليو. وهذه الفترة شهدت اضطرابات سياسية وحزبية وخضوعًا لرغبات القصر والاحتلال البريطاني.. وباعت معظم الأحزاب السياسية الشعب مقابل رضا الملك.. وتعددت مظاهر تزوير الانتخابات البرلمانية.. وجاءت حادثة 4 فبراير لتلقى بظلالها حول موقف الوفد. فقد حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين وأجبرت الملك على دعوة حزب الوفد لتشكيل الحكومة. واعتبر قبول النحاس لهذه الحكومة بداية نهاية حزب الوفد.. ومشاركة فى تكريس عرش فاروق على حساب سيادة مصر.. .. ولكن فى ثورة 25 يناير هناك اختلاف حول بداية فترة العزل.. أو بالأحرى بداية الإفساد السياسي.. وتحديد هذه اللحظة التاريخية والسياسية هو معيار مهم وحاسم فى تطبيق الغدر.. بعض المحاولات لتحديد بداية الإفساد تنطلق من انتهازية سياسية.. ومحاولة إلى استبعاد منافسين معنيين فى الانتخابات القادمة.. وهناك من ينادى بتطبيق قانون الغدر أو الحرمان على برلمان 2005.. ومن المثير أن هذا البرلمان تحديدا شهد تواجدًا لكل أطياف القوى السياسية.. وشهد أكبر تواجد للإخوان المسلمين ووصل عدد المعارضة فيه لأكثر من ربع عدد مجلس الشعب.. وترجع مطالبة بعض القوى السياسية بحرمان برلمان 2005 لسبب سياسي.. فمجلس الشعب فى 2010 خلا من عدد نواب الوطنى الأقوياء فى دوائرهم لتدخل عز ضدهم فى الانتخابات الأخيرة وإسقاطهم.. بينما يؤمن البعض بضرورة قصر الحرمان على مجلسى الشعب والشورى فى مجلس 2010.. 
3 - كيف يطبق العزل؟ 
وبعيدا عن بدء تطبيق العزل فإن من أهم القضايا الآن هى قضية تطبيق العزل أو الحرمان.. لدى الحكومة والمجلس العسكرى ثلاثة سيناريوهات لتطبيق الحرمان. 
السيناريو الأول موجود بالفعل فى مشروع قانون اعدته حكومة شرف.. وفى هذا المشروع يبدأ الحرمان ببلاغات للنائب العام.. ويضمن البلاغ اسم السياسى المراد عزله.. ويبدأ النائب العام فى التحقيق فى مبررات العزل.. فإذا وجد أدلة كافية على دوره فى إفساد الحياة السياسية.. تحيل النيابة العامة البلاغ لمحكمة الجنايات.. وبعد جلسات المحاكمة يصدر الحكم بالعزل أو بالبراءة.. ويصبح الحكم نهائيًا وينفذ.. ولا يوقف اللجوء للنقض تنفيذ الحكم.. وتنفيذ الحرمان بهذه الطريقة سيتطلب وقتًا وإجراءات قد تصل لسنوات.. وعلى الرغم من أن قانون الغدر الأصلى قد سار بهذا المنهج القانوني.. ولكنه وضع قواعد وقيوداً على بعض إجراءات التقاضي.. وكان الغرض من هذه القواعد الإجرائية هو ضمان عدم إطالة مدة التقاضي.. ففى كل من محاكم الغدر والثورة كانت هناك قواعد خاصة مثل عدم الاستعانة بأكثر من محامٍ واحد.. وألا تزيد مدة التأجيل على أسبوع واحد، وعدم جواز طلب التأجيل فى جلستين متتاليتين.. وكانت مدة اعلان المتهمين اقل من المواعيد العادية.. ولكن الاختلاف الحاسم بين محكمة الغدر الأصلية ومحكمة الجنايات بمواعيد انعقادها.. فمحاكم الثورة والغدر كانت تعمل بشكل مستمر.. وبينما تعمل محاكم الجنايات أسبوعًا واحدًا فى الشهر.. ولذلك يمكن تفهم خوف القوى السياسية من تمرير الحرمان بهذا القانون.. فالتحقيقات والمحاكمات قد تستغرق شهورًا طويلة وربما سنوات.. ومن هذا المنطلق ظهرت الطريقة الثانية للحرمان وهى سريعة وحاسمة.. مجرد إصدار مرسوم بقانون بحرمان (التالية أسماؤهم) من مباشرة الحقوق السياسية.. وتضم قائمة الأسماء نواب الحزب الوطنى فى مجلسى الشعب والشورى الأخيرين وقيادات الحزب الوطني.. وذلك دون الرجوع لا لنيابة ولا لمحكمة.. ويعطى المحرمون الحق فى الطعن فى القانون امام القضاء.. ويستند أصحاب هذه الفكرة إلى أن الحكم النهائى للمحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطنى قد أكد فساد الحزب وإفساده الحياة السياسية.. ورغم أن هذا الحل سريع وفعال إلا أنه لا يبدو منطقيا حتى فى خلال الثورات.. أو بالشرعية الثورية لثورة 25 يناير.. فكل متهم له حق فى الدفاع عن نفسه.. وإجراءات التقاضى بما فيها العزل لا يجب أن تصل لهذه الدرجة من السوء القانوني.. فبعد أكثر من 50 عامًا من قانون الغدر الأصلى نرجع بالاجراءات القانونية إلى مزيد من التدهور.. ومن باب المزيد من التدهور ظهرت اقتراحات أخرى من نوع تطبيق قانون الغدر مع وقف ترشيح كل من يقدم ضده بلاغ بحجة سوء السمعة.. وذلك فى اشارة إلى شرط حسن السمعة فى قانون الانتخابات.. فليس كل من يقدم ضده بلاغ فى النيابة العامة يصبح سيئ السمعة، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. الحل الأسرع والطريق الأفضل هو إصدار قانون العزل سريعًا وبنفس اجراءات محكمة الغدر فى 53.. وتخصيص نصف الدوائر فى مصر لهذه القضايا وان يتحمس اهل القضاء للعمل طوال الشهر حتى ننتهى من هذه القضايا فى اقرب وقت.. وإذا كان الثمن هو تأجيل الانتخابات شهرًا أو شهرين فهو ثمن بخس فى مقابل ضمان حد أدنى من استقرار المجلس الجديد.. فحتى إصدار قانون بأسماء المحرومين لم يمنعهم من الطعن قبل انتخابات المجلس.. اذا كان العزل قضية محورية لضمان مجلس شعب حقيقي، فلا يجب أن تقف موعد انتخابات المجلس عقبة فى طريق تحقيق المجلس الذى نريده.. نريد عزلا عادلا ومحترما ومنضبطا ولا حاسما، ولا يترك ذيولاً للقضية تعطل أعمال المجلس الجديد


ليست هناك تعليقات: