الجمعة، 2 سبتمبر 2011

نرفض تكريم من لم يقدموا سوى الذل وبيع الوطن ونهب ثرواته



هل يحق لمصر من الناحية القانونية 
سحب الأوسمة والقلادات ممن تدور حولهم الشبهات
 أم يجب إثبات الاتهامات الموجهة إليهم؟ 
الأوسمة والنياشين المصرية مازالت تزين صدور رجال مبارك
 المخلوع منح وسام الجمهورية لإبراهيم سليمان عنادًا فى الشعب
وعاطف عبيد وعائشة عبدالهادى وحسين مجاور 
أشهر المتهمين المكرمين من النظام البائد

جرت العادة أن يرتبط ذكر القلادات والأوسمة المصرية بشخصيات أثْرَت الوطن وأثَّرَت فى تاريخه، وأضافت إليه، ولهذا نظم القانون حصول الأفراد عليها بناء على ما يقدمونه من خدمات يستحقون عليها التكريم، ويخلدها تاريخ الأمة، ومن البديهى ألا يعترف القانون بمعيار «المصالح» و«الفساد» فى اختيار المقربين من النظام أو ذوى المصالح معه، ولم يمنح رئيس الجمهورية الحق فى الاختيار بمزاجه الخاص، وهو الأسلوب الذى انتهى إلى اختيار رجاله المقربين ممن عاثوا فى البلد فسادًا.
عدد كبير من الأوسمة والقلادات مازال يحملها رجال النظام السابق ممن دمروا الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر، وأفسدوها، بداية من الرئيس المخلوع حسنى مبارك ووزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان، حتى عدد من المحافظين الذين ساهموا فى اكتمال حلقة الفساد بكل أشكاله، وقيادات عمالية وسياسية موالية للنظام السابق، بعضهم محبوسون الآن احتياطيّا، أو محالون للمحاكمة بتهم فساد، منهم عائشة عبدالهادى، وزيرة القوى العاملة، وحسين مجاور، رئيس اتحاد العمال السابق، وعاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق.
 اللافت، ما أشار إليه الناشط الحقوقى حافظ أبو سعدة فى مقاله باليوم السابع من قيام الرئيس المخلوع مبارك بمنح وسام الجمهورية لوزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، وكان الرأى العام فى مصر آنذاك ثائرًا ضد وزير الإسكان وسياساته بتخصيصه ومنحه الأراضى لرموز الفساد فى النظام ورجال الأعمال فى الحكومة من خلال عمليات تخصيص يشوبها الفساد والمحسوبية، وأرجع أبو سعدة ذلك لفردية مبارك وعناده الذى كان دائمًا ما يتفاخر به. وسط كل ما يثار حول هؤلاء من اتهامات بجرائم جنائية وفساد مالى وأخلاقى وشبهات متلاحقة، بدأت تنكشف واحدة تلو الأخرى على الساحة، يبرز تساؤل حول مصير هذه الأوسمة، وهو تساؤل مرجعه حق كل مصرى فى رفض أن يقوم وطنه بتكريم شخص لم يقدم له سوى الذل وبيع الوطن ونهب ثرواته، ويتطور التساؤل إلى: هل يحق لمصر من الناحية القانونية سحب الأوسمة والقلادات ممن تدور حولهم الشبهات، أم يجب إثبات الاتهامات الموجهة إليهم؟
 يجيب الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولى وسفير مصر السابق باليونسكو، بأن منح أوسمة وجوائز لشخصيات لها ولاء للنظام لم يبتكره نظام مبارك، بل يعود إلى حكم الراحلين عبدالناصر والسادات، موضحًا أن الرؤساء السابقين اتخذوا من أهوائهم الشخصية سبيلاً لتكريم المقربين منهم بما يخالف القانون رقم 12 لسنة 1972 المنظم للأوسمة والذى حدد سبل منحها لمن قدم خدمات جليلة للوطن والمتميزين والنابغين. وأوضح رفعت أن التلاعب الذى حدث فى توزيع الأوسمة بعصر مبارك اقتصر على الجوائز البسيطة، مثل جائزة النيل، والتقديرية، والتشجيعية، أما الأوسمة الرفيعة التى تتمثل فى نجمة سيناء وقلادة النيل فلم يحدث بها أى صورة من صور التلاعب، حيث كان يتدخل فى اختيارها لجان للتصويت على اختيار الشخصيات المستحقة فى الحصول على الجائزة.
 ورغم وجود مبارك على رأس قائمة الشخصيات المتهمة فى جرائم قتل وفساد سياسى ومالى داخل السجون، أكد الدكتور رفعت عدم القدرة على سحب أوسمته العسكرية إلا من خلال إثبات ارتكاب جرائم الخيانة العظمى ضد مصلحة الوطن، أما الأوسمة التقديرية الأخرى فمن الصعب سحبها إلا إذا ثبت ارتكاب أفعال عكس قيمة كل وسام والتى يصل عددها إلى ما يقرب من 16 وسامًا تجمع تقريبًا مختلف الأوسمة التى تمنحها الدولة. ولا يختلف موقف إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق، الذى يواجه عقوبة بالحبس فى قضايا فساد مالى، عن موقف مبارك، حيث اعتبر رفعت أنه من الصعب سحبها منه لأن الجرائم التى يعاقب عليها ثبتت بعد حصوله على الوسام المرفق به وثيقة بها مبررات منحه، وبالتالى من الصعب نفيها جميعًا. القانون المصرى يوضح شروط منح كل من القلادات والأوسمة المصرية التى انقسمت إلى قلادات «النيل العظمى - الجمهورية - وشاح النيل» بينما تتعدد الأوسمة إلى «الجمهورية - الاستحقاق - الرياضة - الكمال - العمل - العلوم والفنون»، أما الأوسمة العسكرية فهى «نجمة سيناء - نجمة الشرف - النجمة العسكرية».
يوضح الدكتور إبراهيم العنانى، أستاذ القانون الدولى العام بجامعة عين شمس، أن الإشكالية فى منح الأوسمة والقلادات فى ظل النظام السابق كانت فى خضوعها مباشرة لسلطة رئيس الجمهورية الذى كان يحدد مستحقيها من عدمه، وعلى هذا يتم الاختيار. وقال العنانى إن الفساد العام فى فترة مبارك هو الذى تحكم فى منح الأوسمة لغير مستحقيها، سواء على مستوى اختيارات مبارك الشخصية أو اللجان التى كانت تتشكل من أجل تحديد الأفراد المستحقين للتكريم، مشيرًا إلى أن أغلب المسؤولين توقفوا عن تنفيذ الضوابط الحقيقية، واكتفوا بإصدار قرارات خاضعة لحسابات شخصية.
 ويؤكد العنانى أن المؤسسة العسكرية كانت الأكثر انضباطًا فى منحها الأوسمة الخاصة بها، بما يقلل من إمكانية سحب الأوسمة العسكرية التى حصل عليها مبارك، إلا فى حالة إثبات قيامه بعمل غير عادى من الناحية العسكرية والحربية يجعله لا يستحق الحصول عليها، وطالب بوضع عدد من الضوابط الحاكمة لمنح الأوسمة من خلال تشكيل لجنة موضوعية تتخذ قرارات حيادية تتجرد من جميع الاعتبارات الشخصية. وتعد نجمة سيناء التى حصل عليها مبارك عام 1983 هى الوسام الأكثر جدلاً فى ظل حصوله عليها فى نفس عام سحبها من الفريق سعد الشاذلى الذى ردتها إليه المؤسسة العسكرية منذ عدة أشهر، بالإضافة إلى مخالفة طريقة حصوله عليها للأعراف العسكرية، حيث منحها له المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة فور أن قام مبارك بتعيينه أمينًا عامّا للقوات المسلحة، رغم أن أبو غزالة الأقل رتبة، ولا يجوز منح وسام عسكرى لمبارك الذى كان الرئيس الأعلى للقوات المسلحة. وتنص المادة 22 من القانون المنظم لمنح الأوسمة على أن تجريد الفرد من الأوسمة أو القلادات أو الوشاح أو الأنواط الحاصل عليها يكون عن طريق قرار من رئيس الجمهورية الذى يقوم بتشكيل لجنة تتكون من 4 من حاملى الوسام أو القلادة بالإضافة إلى أحد مستشارى مجلس الدولة، الأمر الذى أكد من خلاله الفقيه الدستورى الدكتور عاطف البنا أن المجلس العسكرى لا يستطيع القيام بذلك، حيث إنه يحكم البلاد وفقًا للمادة رقم 56 من الإعلان الدستورى الذى يحدد حكمه للبلاد، وبذلك حتى إن تمت إدانة مبارك ورجاله فلا يحق له القيام بذلك.
 وأوضح البنا أن الرئيس السابق استغل سلطاته الواسعة فى منح الأوسمة للشخصيات المقربة منه وغير المستحقين لها، مؤكدًا أنه للحد من الفساد فى المرحلة القادمة لابد من المشاورة بين الجهات المختلفة لمنح الأوسمة، ولا يقتصر الأمر على رئيس الجمهورية فقط. تساؤلات أيضًا تدور حول شخصيات ارتبطت بالنظام السابق وبسياساته حصلت على أوسمة وأنواط، منهم سمير سلام محافظ الدقهلية السابق الحاصل على وسام الجمهورية من الدرجة الثانية، رغم ما يكشفه تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات حول إهداره الملايين من صناديق الخدمات والتنمية التى كان يجمع أموالها من أبناء المحافظة ومخالفته القوانين مقابل تقديم خدمات لغيره من الوزراء ورجال الحزب داخل المحافظة، وسعد خليل محافظ مطروح الأسبق، والحاصل على نوط الامتياز من الدرجة الثانية، والذى يدور حوله جدل لتخصيصه أكثر من 5 ملايين متر من أراضى المحافظة لوالد زوجة جمال مبارك، بناء على أمر تخصيص من مبارك نفسه، ويواجه كل من مصطفى عبداللطيف، محافظ بورسعيد الأسبق، والحاصل على نوط الامتياز، الاتهامات نفسها.


ليست هناك تعليقات: