الخميس، 22 سبتمبر 2011

من يسمع ناقوسًا واحدًا لا يعرف إلا معنى واحد - نظام لم يحسن الاستماع



نظــام لم يحسن الاستماع إلى مثقفيــــه


◄ الجمهور المصرى غير مدرب على الانتخابات ويمكن خطفه لجهة سياسية غير معلومة
◄ ستتفجر قضايا ويختل أمن وتأتى سلطات شبه ديكتاتورية ثم يسوى الأمر على أساس من الحرية والمصلحة العامة والالتفات إلى أننا لا نعيش وحدنا ...
◄ أحزابنا الجديدة هى أحزاب نوايا حسنة وقياداتها لها فكر تقريبى فهى تعرف ما لا تريده ولا تعرف ما تريده!
◄ الخلفاء أنفسهم عطلوا الحدود فى عام المجاعة وأتحدى السلفيين جهاراً نهاراً أن يدخلوا معى فى حوار فقهى حول تلك القضية!
◄ فهمنا للعلمانية والدولة المدنية لا يقول به إلا عبيط.. يولد عبيطاً ويعيش عبيطًا ويبعث يوم القيامة فى زمرة العبطاء.. يا للهول!
◄ برامج الائتلافات متقاربة ورموزهم ليس لهم تاريخ «بتوع أول إمبارح»!!..
 والأحزاب الإسلامية الناشئة ليس لها تأثير ولا مضمون! أحمد أبوالمجد ل عمرو عبدالسميع وسط عشرات الموضوعات التى تضمنها هذا الحوار مع المفكر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، توقفت كثيراً أمام نصوص رسائله إلى الرئيس السابق وزوجته التى أطلعنى عليها- للمرة الأولى- وقد بلورت أمامى آلية أظنها أساسية فى سقوط نظام حسنى مبارك، وأعنى بها عدم إصاخة السمع، أو الإنصات إلى نصائح العقلاء من المثقفين، أو عدم التجاوب مع ما يطرحونه من حلول، أو ما يشيرون إليه من مخارج، إذ كما تحتكر السلطة- أحياناً- عناصر «الفعل» فإنها ربما تحتكر كذلك عناصر «الفكر»، فتعتبر أنها فقط المنوط بها التفكير للبلد، وصوغ الزمن على النحو الذى تراه أو ترتاح إليه. وما كنت لأصل مع الدكتور أبوالمجد إلى حافة أو عتبة تلك الخطابات إلا عبر طريق مفروش بالأسئلة والإجابات تتناول تجليات اللحظة الراهنة فى مصر، وتستشرف المستقبل، ويقدم الرجل عبرها إسهامه فى «حالة حوار» يعيشها الوطن، أكيداً من أن كلماته لنا لن تذهب أدراج الرياح، أو تعبث بها أمواج البحر، وتتقاذفها كما رسائله إلى نظام لم يحسن الاستماع إلى مثقفيه.

فى حواره تكلم الدكتور أبوالمجد عن المبادئ الحاكمة للدستور والانتخابات المقبلة، ومدى مساندة الولايات المتحدة لأحد مرشحى الرئاسة فى مصر، وصدامه مع الداخلية وقت عمله فى المجلس المصرى لحقوق الإنسان، وأسباب اعتذاره عن منصب الوزير فى حكومة الثورة، ومسلك الرئيس السابق بعد فقدانه سلطة إصدار القرار منذ 2005، والعلاقة بين المجلس العسكرى ومجلس الوزراء، وتأثير الإخوان فى ظل وجود فصائل إسلامية أخرى على الساحة.. فكان كلم الدكتور أبوالمجد- كعادته- ضفيرة من البلاغة اللفظية والبلاغة السياسية، وهنا نص الحوار:
نحن أمام مشهد مصرى بالغ التعقيد والالتباس فى اللحظة الراهنة وسأذكر لك بعضا من تجلياته عله يكون مدخلاً لوصف مصر من وجهة نظرك.. نحن بإزاء ما يسمى بوثيقة المبادئ الحاكمة الدستور المزمع ظهورها، وما رشح عنها يؤكد تغليب الالتزامات مصر فى المعاهدات الدولية وفى الارتباطات الدولية على القانون المحلى، كمثال قضايا حقوق الإنسان.. هل ذلك أمر طبيعى؟
ثم نحن بإزاء عملية تشكيل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، وفيها بعض ما أثار انتباهى ودهشتى، من ضمنه اشتراط خلوها من أى عضو منتخب فى البرلمان.. إذ كيف ستتشكل من أناس ليسوا -جميعاً- منتخبين، ولا يوجد إقرار بتمثيلهم المجتمع؟ 
ثم هناك إشارات إلى وجود فلاحين وعمال فى هذه اللجنة.. من أين ستأتى بهم إذا لم تكن هناك هياكل- من الأصل والأساس- للفلاحين والعمال، أو تجمعات منظمة متنوعة الدرجة والمستوى، ستأتى منها بأولئك العمال والفلاحين؟
هناك- أيضاً- ما يثار حول بعض الملفات التى سيكون لها تداعيات على الأمن القومى المصرى، مثل إلغاء معاهدة السلام أو تعديلها ومسألة تقسيم الدوائر ونظام الانتخاب والتى رآها بعض الناس مؤدية إلى استشراء حضور ما يسمى فى الفلكور السياسى المصرى المعاصر «بالفلول» فى البرلمان المصرى القادم.. فانظر ماذا ترى يا دكتور كمال؟!
- نحن الآن فى مصر ننتقل من عهد إلى عهد، والتحرك نحو المستقبل يتم بسرعة، ولابد أن تكون أمامنا خريطة جديدة للمشهد السياسى والمجتمعى نسير على هديها. وحين نتكلم عن بلدنا لا يقتصر حديثنا عن مصر، إذ ليس من المعقول أن تنشب ثورة فى ليبيا، وأخرى فى سوريا، وثالثة فى البحرين، ورابعة فى اليمن، فى حين تظل رؤيتنا «جوانية» ومحلية، فالخريطة يجب أن تشمل ذلك كله، والمقصود أننا لا يجب فى الخريطة أن نرى جانباً واحداً وإلا فسدت الرؤية، كما ينبغى أن نضاهى العناصر الرئيسية لتلك الخريطة الجديدة بالخريطة القديمة، وأن نسجل مظاهرها الديمقراطية، لأن تلك الثورة أمرها غريب، إذ قامت بغير قيادة مركزية، فأين قيادتها؟
وأين أولويات برامجها؟
وكيف ستستطيع قواها الحية- فى فترة زمنية محدودة- أن تقيم كيانات حزبية، ومؤسسات تبنى المرحلة المقبلة؟ الأسئلة- كلها- تكشف عن أن الأمر معقد، يزيده تعقيداً الانفجار الائتلافى الذى تشهده البلاد، حيث يطلع علينا ائتلاف جديدة كل صباح، وهناك تعجل فى تشكيل تلك الهياكل والأوعية الجديدة، بدليل الانقسامات الكبيرة جداً فيها. 
وحين يسألنى سائل عمن أميل له؟ أقول إن تلك مشكلة، وإننا سنضطر- فى نهاية المطاف- إلى الاختيار على أساس الانطباع الشخصى، لأن البرامج كلها قريبة من بعضها، وأيهم ليس له تاريخ «بتاع أول إمبارح». كيف سأفاضل بينهم؟ أنا شخصياً أفاضل على أسس محددة جداً،
أولاً: أن يكون من أختاره سواء للرئاسة أو المجلس التشريعى له قبول عام وظله ليس ثقيلاً.. وأذكر مرة فى حديث مع البابا شنودة أنى قلت له إننى أريد إرسال بعض أبحاثى إليه مع شخص ظله خفيف، إذ عندى فتوى تمشى على الأقباط والمسلمين وهى أن ثقلاء الظل لا يدخلون الجنة، إذ لو دخلوها سيسممون أبداننا ونكره الجنة، أما البابا فقد رد على فتواى، بأن مشكلة المصريين ليست خفة أو ثقل الظل وإنما هى PHD.. فلما سألته عن معنى هذا الكلام أجابنى: هى اختصار Pull - him - dawn يعنى هاته أرضاً، فكل واحد يريد أن يوقع الثانى أخذاً بالأحوط لفسح المجال أمامه! - أما الاعتبار الثانى فى المفاضلة بين المرشحين فهو أن يكون له برنامج متميز ووعى بحركة التاريخ والزمن بين الحاضر والمستقبل، وأن يمتنع عن الدخول فى القضايا الفرعية ابتداء من الخصخصة أو الامتناع عنها، إلى النقاب حرام أو حلال.. هذا ليس وقت القضايا الفرعية!
- أمن المعقول أن نعيش زمناً تهددنا فيه إسرائيل ثم يخرج علينا من يتكلم عن قطع يد السارق، تعطيل الحدود وارد منذ الدولة الإسلامية الأولى، والخلفاء عطلوها فى عام المجاعة، لقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الانشغال بسفاسف الأمور، وأتحدى السلفيين -جهاراً نهاراً- أن يدخلوا معى فى حوار فقهى حول تلك القضية. ولقد ذهبت مرة إلى جامعة الإسكندرية لمناقشة رسالة دكتوراه، وكلمنى العميد فى موضوع النقاب، فقلت له إن الذى يتكلم فى ذلك الموضوع طالباً النقاب أو رافضاً النقاب أو محايداً إزاءه، جزاؤه عندى الضرب، لأنه يفرض علينا ما يخاصم المعقولية. التفكير الطبيعى وماذا عن تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور خلواً من أعضاء ممثلين للجمهور فى البرلمان وإصرارها على تضمين فئات مثل «العمال والفلاحين» رغم عدم وجود تمثيل شرعى فئوى يمثلهم فى المجتمع الآن؟ - كان رأيى ولا يزال أن الدستور ينبغى أن يكون أولاً، وسأضرب لك مثالاً بقضيتين تجعلان ذلك هو التفكير الطبيعى، أولاهما حكاية العمال والفلاحين وثانيتهما مسألة مجلس الشورى. إذ إننا اليوم نسعى إلى انتخابات، ونخوض صراعات، ويتهدد الأمن القومى، ويضرب الناس بعضهم بعضاً صباحاً ومساء، ولا يعرف بيننا العدو من الصديق، ثم بعد ذلك تجىء الفكرة، ونتساءل وما الذى يجبرنا على الاحتفاظ بنسبة 50 ٪ للعمال والفلاحين؟
وما الذى يلزمنا بوجود مجلس للشورى؟!
كان التفكير الطبيعى هو الالتجاء لدستور، ومن ثم أذهب إلى تشكيل جمعية تأسيسية فى البداية، ثم نعرض عملها على الاستفتاء، ومن هنا ننطلق إلى الانتخابات المتعلقة بهيكل السلطة. أما والحال هو الحال؟ - مضطر أن أقبله ولو مؤقتاً، إنما القضية الآن تصبح الشفافية وعدم التدخل، لأن الديمقراطية تقوم على أركان متعددة أولها هو المشاركة السياسية الحقيقية فى أمرين، هما: اختيار الحاكم من رئيس الجمهورية إلى أعضاء مجلس الشعب إلى الهيئات المحلية، والثانى أن تكون تلك المشاركة طوعية لا يداخلها تزوير مبنى على الترهيب أو الترغيب. المواطن يرصد الاتجاهات- عادة- ويميل إلى الغالب مستجيباً إلى نزوعه الإنسانى الطبيعى، وسأذكر لك واقعة إذ قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس الماضى حضرت زفاف ابنة أحد مشاهير الأطباء، فقام 12 طبيبا تباعاً من مجلسهم فى الفرح، ليسألونى: «أقول نعم أم لا يا دكتور» وكانت إجابتى: أهو صوتى أم صوتك؟ إننى لا أحضر انتخابات إلا فى نادى الجزيرة أو نادى الشمس.

الجمهور المصرى غير مدرب على الانتخابات ويمكن خطفه إلى وجهة سياسية غير معلومة، خصوصاً أنه بإزاء عدد من الأحزاب ليس فيها من له القدرة التنظيمية السابقة إلا ثلاثة، وبدرجات متفاوتة.. والأحزاب الجديدة كلها أحزاب نوايا حسنة، وقياداتها تقريبية فهى تعرف ما لا تريده، ولكنها لا تعرف ما تريد، إضافة إلى قدرة كوادرها المحدودة فعلاً على الاستماع والإنصات، وإذا كررت عليهم سؤالاً أو رأياً اعتبروا أنك تمارس وصاية على الإرادة الشبابية، يعنى أولئك الشباب كمن وضعوا أصابعهم فى آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا، واستكبروا استكباراً.
طيب.. قبلنا الوضع الحالى باعتباره أمراً واقعاً.. كيف سنعالج إذن عدم تضمين الهيئة التأسيسية لوضع الدستور أعضاء برلمان منتخبين أو تضمينها عمالاً وفلاحين لا نعرف من أين جاءوا؟!
- لن يكون ذلك إلا باختيار من المجلس العسكرى، ومجلس الوزراء، إذ ليس لديك آلية أخرى، لكن دعونا نبدأ العملية الديمقراطية، بهذه التجربة، وسيكون التدخل فى الانتخابات محدوداً، ويجب أن نضع فى اعتبارنا أن «الساقط لن يعود» ولذلك أندهش كثيراً حين أجد فى سوريا من يتصور أنه سيعيد تماسك النظام، هذا وهم لأنك حتى إن أعدته فسوف يسقط من جديد.
لا أحد يحبه مثل تلك المقاومة من بعض العناصر البعثية فى سوريا يمكن أن نفهمها لأن حزب البعث هو فى النهاية حزب تسلطى قوى نشأ حول عقيدة سياسية متبلورة، أما الحزب الوطنى فهو مجرد جماعة مصالح كان لها غطاء أمنى، وبالتالى تصور تماسكها أو محاولتها العودة لا أظنه واقعياً.. فما هو سبب حضور فكرة الرجوع تلك فى الذهن العام عندنا؟
- لا أظن أننا يجب أن نتكلم عن حكم حسنى مبارك بوصفه فترة واحدة، وبيقين فإن سبب مخاوف المصريين من رجوع بقايا نظام سقط يأتى من استرجاعهم السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق. حدث تغير نوعى فى ذلك النظام، وأذكر فى أوائل حكم حسنى مبارك أن طلبت السلطات عودتى من الكويت لأقابل رئيس الوزراء «فؤاد محيى الدين» ووزير الداخلية «حسن أبوباشا» فى يوم واحد، ثم أقابل الرئيس فى اليوم التالى، ولم يكن حول الرئيس سوى عدد بسيط من الأشخاص، ولم يكن هناك حضور لما يمكن تسميته الشلة، أو الزمرة السياسية، ولكن الحزب الوطنى ظل يتطور كما ذكرت أنت، ليصبح جماعة مصالح عاتية ذات غطاء أمنى، وقد أحسست ذلك بإلحاح حين طلب منى الدكتور على الدين هلال أن يرتب لى مقابلة مع جمال مبارك، وهو شاب مهذب ويحسن الاستماع، ولكن طريقته غير ديمقراطية، على عكس ما كان يظن، وقد ذهبت إلى المقابلة «كانت منذ أربع سنوات» لألمح التغيير الكبير الذى حدث فى الرئاسة، فالأب كانت فيه تلقائية، وحوله قدر معقول من الأمن، وتشعر أنك مستريح فى جلستك لا يعتريك قلق أو توتر، أما عندما أصبح جمال فى بؤرة الصورة، فقد وجدت الإجراءات أشد مما كان متبعاً فى مقابلات الأب، ودخلت إلى الغرفة وجلست على مقعد، فوجدت رجلاً من مندوبى المراسم قال لى: «يا دكتور لو سمحت اجلس على كرسى آخر لأن هذا مخصص للأستاذ جمال»، فدهشت من الجليطة أولاً، ثم أشرت للرجل قائلاً: «تعال لأقول لك كلمتين.. 
أنا لن أقوم من جلستى، ولن أستمع إلى مثل تلك الملاحظة مرة أخرى.. ثم لو أردتم اكتبوا عليه: محجوز للأستاذ جمال». نتكلم الآن عن ذلك التغيير فى المزاج الذى حدث فى شكل الحكم فى مصر ليصبح ديكتاتورياً فى المطلق، وبالتالى فإن مخاوف الناس من عودة النظام الذى سقط تصبح مشروعة؟
- الحقيقة ليس عندى من المعلومات العلمية الدقيقة ما يعيننى على الإجابة عن هذا السؤال، إذ تسود الآن فكرة غريبة وهى الإقصاء الفورى المطلق لكل من له أى علاقة بالرئيس السابق، أو بجماعته أو بحزبه، وهذا عمل غير واقعى، لأننا لا نعرف هؤلاء أو حجمهم، وأماكنهم أو مواقعهم، وهل هم باقون فيها أم لا. 
وأظننا يا دكتور كمال تعاملنا مع أقطاب النظام السابق بطريقة انتقائية فالدكتور عصام شرف كان من الأعضاء البارزين فى المجلس الأعلى للسياسات، ومع ذلك فهو يطرح نفسه على الرأى العام بوصفه رجل الثورة؟ - بالضبط.. وتعقب هؤلاء أياً كانوا يؤدى إلى إبعاد بضعة آلاف من عقول مصر ومهنييها إلى أبعد بعيد عن ساحة المشاركة والإسهام الوطنى، ثم يا أخى لا يوجد شىء فى المنطق أو العدل اسمه «مذنب بالانتماء»، لابد أن يكون المذنب مذنباً بما ارتكبه شخصياً من أعمال. نحن فى موقف صعب، لأننى تابعت بعض أعضاء ذلك الحزب فى عملهم «لفترة معقولة» وبالتدقيق فى مواقفهم وجدتهم معارضين من الداخل، لأن المعارضة لها أشكال وليس ضرورياً سباب المسؤول وإنما يمكن نصحه من قلب نظامه. 
ما صنع الصورة المرفوضة لذلك الحزب هو التغير الديكتاتورى الذى صاحب صعود جمال مبارك، وقد جاءنى شخصان قبل الثورة يشكيان جمال مبارك ويشير كل منهما إلى أنه محتار فى أمر ذلك الشاب، فهو يقابله بأريحية، وظرف ويخرج معه لتناول العشاء، ثم يقابله بعدها بأسابيع فيتجاهله، ويعامله ببرود شديد.. يعنى خلاصة كلام كل من الرجلين «وقد جاءا واحداً تلو الآخر» أنه لم يستطع أبداً أن يحب جمال مبارك.

وفى أحد الأفراح جلست على منضدة معه ووالدته ووالد العروس وقرينته، وزوجتى «وهى سيدة تلقائية جداً» وفجأة سألت جمال «إنت ما بتتجوزش ليه يا جمال؟» فطلب من والدته أن ترد وكأن السؤال غير موجه إليه؟ ثم قالت له أم العروس: «لماذا تجلس مع العواجيز قم واجلس مع الشبان» فقام ليغيب ربع ساعة ثم يعود.. يعنى أحسست أن درجة قبوله تصل إلى الصفر سواء عند الكبار أو عند الشباب، لا بل ساد فى الفترة الأخيرة قبل الثورة شعور عام بأنه لو جاء للحكم فسوف تكون مصيبة، وأنه قاس، ولا يود الناس أو يحبهم. ومثل تلك الملامح الشخصية ضاعفت من إحساس الناس بأنه مفروض عليهم، ودعمت رفضهم للكيان الذى يتكئ عليه فى صعوده السياسى سواء كان شلة خلصائه أو كان حزبه وأمانة سياساته. ثلاثة قوانين نتكلم عن الدستور والانتقال إلى ما بعد مرحلة السيولة التى نعيشها حالياً إلى عصر أكثر تحديداً فى التاريخ المصرى، والحقيقة أن المبادئ الحاكمة للدستور كما رشحت إلينا مكتوبة بطريقة مقدسة Very-HOListic وحتى إذا احتاج المجتمع إلى تغييرها بعد ذلك فسيجد صعوبة بالغة فى ذلك، ولكن من جهة أخرى فإنها لن تكون فعالة، لأننا إذا افترضنا مثلاً أن تياراً دينياً قد جاء إلى الحكم فلن يحتاج إلى تغيير الدستور كله، وإنما ربما يدفع إلى تغيير ثلاثة قوانين فقط لا غير، هى: قانون البنوك لتصبح غير ربوية.. وقانون العقوبات لتضمينه الحدود.. وقانون السلطة القضائية ليسمح بالمحاكم الشرعية؟
- «مقاطعاً» أنا أستبعد مثل تلك الاحتمالات الثلاثة، نحن نعيش فى سياق دولى، وفى سياق دولى مهنى لا يسمح بحدوث مثل ذلك. الدنيا تغيرت، لا بل هى فى حال تغير دائم، ولن تصادف القبول أو الاستقرار فى سلطتك لو سيرت أمورك بمثل الطرق التى أشرت إليها فى سؤالك. ومن ثم نضطر إلى concession أو تنازلات، ونعدل شيئاً من هنا، ونغير شيئاً من هناك لنتناغم مع المزاج العالمى، و«كان الإنسان أكثر شىء جدلاً».. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت فى دار ابن جدعان حلفاً ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو دعيت به فى الإسلام لأجبت» كان ذلك الحلف فى الجاهلية، ومع ذلك الرسول يقول إنه سيلتزم بذلك الحلف بعد الإسلام لأنه- فى النهاية- يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. 
يعنى ما تراضى عليه المجتمع الدولى ليس -بالضرورة- ضد ديننا، وأنا أريد ممن يتحدثون عن الدين أن يقرأوا القرآن والسنة النبوية، ولكن حكمة الخالق أن الفرد فى المجتمع العربى أو المجتمع المسلم يقرأ لربع ساعة فى اليوم هذا إن قرأ.. وأعطيك مثلاً بقانون الطوارئ الذى نتحدث عنه آناء الليل وأطراف النهار، أتحداك لو كان هناك أربعمائة شخص من الثمانين مليونا قرأوه. ما ذكرت يا دكتور كمال، هو تعبير عن فهمك للقضايا التى أثرتها، ولكن أنا أتكلم عما سوف يحدث واقعياً؟ - لست متفائلاً جداً فى المدى القريب، فسوف تتفجر قضايا ويختل أمن، وتأتى فرص لممارسة شبه ديكتاتورية، ثم يسوى الأمر على أساس من الحرية والمصلحة العامة، والالتفات إلى أننا لا نعيش وحدنا. أما ما طرحته عن قيام أى تيار دينى لو وصل إلى الحكم بتغيير قوانين البنوك والعقوبات والسلطة القضائية، فأفيدك -مرة أخرى- بأن واحدا من تلك التغييرات لن يحدث.
 لماذا؟
- لأن تطبيق مثل تلك الأفكار ليس بمزاجك أو مزاجى، فهو مشروط بالفاعلية، وبتحقيقه الاستقرار الاجتماعى والمصلحة العامة. هل تعتقد أن التيار الدينى يحتاج إلى تقديم وثائق تطمينية أكثر للمجتمع الآن؟ - نعم. ولكننى أرى أن خطاب بعضهم صار معتدلاً؟ - صحيح أن بعضهم يقدم الآن خطاباً معتدلاً، ولكن لابد أن نتأكد من توافق خطابهم مع سلوكهم فى المستقبل، أو بالعربى نتأكد من أن التغيير كان استراتيجيا ولم يكن تكتيكياً.
ولماذا لا نفعل ذلك إلا مع التيار الدينى؟
- لأن هناك فى تاريخه ما يخيف. وألا يخيف تاريخ الشيوعيين؟
- ليس كمثل التيار الدينى.. لسبب بسيط جداً، هو أن المجتمع يقبل حين ذكر الدين، ويبتعد أو يجفل حين ذكر الشيوعية، لمخاوف استقرت فى وجداننا بأن الشيوعية إلحاد، وأنها ظلم اجتماعى، وقسوة وأنها ضد الدين- قولاً واحداً- وهناك كلمتان تستخدمان بوفرة فى الخطاب الشيوعى تؤديان إلى تكاثر مخاوف الناس هما «العلمانية» و«الدولة المدنية» وربما تعنيان أفكاراً جيدة، ولكن استعمالاتهما كما ترد على ألسنة اليساريين لا يقول بها إلا عبيط، يولد عبيطاً، ويعيش عبيطاً، ويبعث يوم القيامة فى زمرة العبطاء.. يا للهول. وقد انتشر لدى العامة عن هذين المصطلحين «الدولة المدنية والعلمانية» أنهما قناعان لاستبعاد الدين تماما من الحياة، ولتمكين الملحدين الذى يكفرون بالأديان، والغريب أن سلوكهم يوحى بذلك، فأنت تجد حماساً شديداً هذه الأيام للكتابة عن الدولة المدنية.. ما الذى تعنيه الدولة المدنية؟!
نحن نرد عليهم ونقول إن مثل ذلك المفهوم يتعلق بمن عدانا.. يا إخواننا الدولة الإسلامية ليست دولة دينية، كما فى حالة الكنيسة الأوروبية فى العصور الوسطى، ما الذى يعنونه إذن بأنه يكون لدينا دولة مدنية، إلا أن يكون هدفهم هو إقصاء الدين تماماً.
هناك نقطة مهمة على دفتر أحوال هذا الحوار وهى تتعلق بالنظام السابق.. فى تقديرك متى سقط ذلك النظام بالضبط؟ وهل لك أن تطلعنى على ما غمط من اتصالاتك بالرئيس السابق وزوجته فى غمار أزمة السقوط؟ -«الفارق بين انتهاء السادات وسقوط مبارك كبير، لأن انهيار نظام مبارك لم يأت نتيجة فعل واحد «كما حدث من السادات ضد كل القوى الوطنية فى سبتمبر 1981»، وإنما حدث بسبب تراكمات، وقد ظلت الناس لسنوات تتساءل حول مبارك، وما إذا كان ما تراه هو نتيجة فساد، أو أخطاء فى اتخاذ القرارات، وهل تمثل توجهات الرئيس إرادته أم أن السياسات تصدر غصباً عنه.

وظلت علامات الاستفهام تحلق حول مبارك، إلى أن جاءت لحظة حكم فيها الناس بأن الشعب يريد إسقاط النظام.. وقد كنت جالساً منذ أيام مع أحد أعضاء المجلس العسكرى، وأثرت سؤالا عن الوقت الذى فى تقدير الجيش فقد فيه الرئيس سلطته على إصدار القرار، من خلال متابعات قيادات القوات المسلحة ذلك الأمر، فوجدت أن أعضاء المجلس العسكرى يرجعون ذلك إلى أبعد مما توقعت، ويبدو أن غيبوبة الرئيس السياسية عملية أخذت أكثر مما نظن من الوقت. ورسالة وسط الحريق ما هو تحديدك لذلك التاريخ، وكيف كان تحديد القيادات العسكرية؟
- كنت أرى أن ذلك بدأ فى العامين الأخيرين، فيما رأوا أن ذلك يرجع إلى فترة مرضه، وحلول أوان حسم قضية التوريث، وهناك شواهد تؤكد ذلك.. أما عن خطاباتى إليهم فأعرض لك منها الآن خطابا أرسلته إلى سوزان مبارك يوم أول فبراير 2011، فى عز الأزمة من أهم ما جاء فيه: «تحية طيبة.. ودعاء إلى الله أن يكون معك ومع جميع المصريين فى هذه الساعات الصعبة والدقيقة التى تمر بها مصر والمصريون شعباً وحكومة ونظاماً ورئيساً.
وبلا مقدمات أرجو أن يتسع صدرك لمصارحة كاملة قد تكون صادمة ولكنها والله ضرورية..وبعد.. ليس هذا وقت اللوم أو تبادل الاتهام، ولكنه - بالتأكيد - وقت الدقة فى قراءة المشهد السياسى بعناصره كلها، والإشارة إلى أخطاء ساهمت فى وقوع ما وقع. سيدتى الفاضلة.. فى تقديرى أن أهم هذه الأخطاء من الوزن الثقيل ما يلى.
أولاً: خلل هيكلى تمثل فى رئاسة الرئيس مبارك للحزب الوطنى، وكان ضرورياً أن يعرف الناصحون والمشيرون ذلك وألا يلقوا العبء على الرئيس، فالرئيس تحمل وحده كل تغير يطرأ على الموقف السياسى والشعور الوجدانى للناس تجاه الحزب ورموزه، ومنها بالتأكيد رموز جادة ومخلصة، ولكن منها - بالتأكيد كذلك
- رموز مستفزة يكرهها أكثر الناس، ولا يلقى خطابها الموجه إليهم ذرة ثقة واطمئنان واحدة. وهنا قاطعته: من تقصد بالرموز المستفزة؟
- «صفوت الشريف، كمال الشاذلى، كل من يحيط بجمال مبارك مثل أنس الفقى وأحمد عز».
ثم أكمل د. أبوالمجد تلاوة الخطاب: وصرت وصار كل المصريين حائرين بين صفة الرئيس كأب ورئيس لكل المصريين وصفته كرئيس لحزب قدر له ألا يتوافق الناس معه أو يثقوا فيه أو يحبوه، وهذا واقع لا عذر لأحد فى تجاهله. ثانياً: ما وقع فى الانتخابات الأخيرة - سعياً بكل طريق مشروع أو غير مشروع - إلى استبعاد المعارضين وتحقيق أغلبية ساحقة للحزب الوطنى، وذلك عن طريق تدخل سافر.. للتوصل - ولا أقول النجاح - إلى تكوين مجلس تشريعى خال من المعارضة، وفى هذا النتيجة التى تصورها البعض انتصاراً ما يثير قضيتين:
1 - وعد الرئيس بإجراء انتخابات نزيهة.. وصار الناس -والكثير منهم مخلصون- يقولون إما أن يكون الرئيس قد خدعنا جميعاً، ونفذ ما يريده من انتخابات يسودها تزوير كبير، أو تكون هناك دوائر ومصالح وزعامات تتآمر على مصر ورئيسها.
2 - كثرت إلى درجة غير مسبوقة الطعون الانتخابية، وصدرت أحكام قضائية عديدة ببطلان الانتخاب فى عدد كبير من الدوائر، وتم تجاهل تلك الأحكام القضائية حتى كان ما صرح به الدكتور فتحى سرور أمس ألاول من اتجاه النية لاحترام ما يجىء من القضاء.. وهذا تصريح سياسى حكيم تماماً، يفتح بابًا ذكيًا أمام استرضاء الناس، واستعادة ثقتهم، وأتمنى أن يوضع موضع التنفيذ.
3 - أدت إليه المشاركة الواسعة لرجال الأعمال فى المراكز الرئيسية لإصدار القرار من خلال المشاركة الواسعة فى عضوية الوزارة، فامتلأت الساحة بالإشاعات الكاذبة والأخبار الحقيقية عن مدى استفادة غالبية هؤلاء أو بعضهم من مراكزهم فى الدولة لتعظيم أرباحهم أو مصالحهم، فى غياب معايير وضوابط حقيقية لقواعد تعارض المصالح أو تناقضها Of - Conflict - Interests.. فى هذا لابد أن تأتى الوزارة الجديدة مراعية لهذا الأمر، ودون إقصاء منهجى وشامل لكل رجال الأعمال، لأن منهم شرفاء قادرين على العمل العام ولا يجوز أن ننتقل من النقيض إلى النقيض مضحين باعتبارات الموضوعية.
4 - ما أثارته قضية توريث الرئاسة من ارتباك هائل للنظام كله وفى الرأى العام، فقد عولجت بتردد كبير وغموض أكبر، وتناقض فى التصريحات مما جعلها مثار غضب وحيرة، وجعل منها أحد عناصر الغضب الشعبى، والناس لا تعرف شيئاً - أى شىء - عن مستقبل حياتها ونظامها السياسى، وتتساءل: كيف يتركنا النظام نواجه مستقبلاً مصيرياً وليس بين أيدينا أى تصور لذلك المستقبل؟
5 - تعاملت الدولة مع الشرارة الأولى للغضب الشعبى، وقد سبقها خلال عام أو عامين نذر ومقدمات -تعاملاً أمنياً خالصاً اتسم بالعسكرية أحياناً، وبتجاهل حريات الناس وحقوقهم أحياناً أخرى. 
إن هناك آلافاً من الأسر لا يزال عائلها أو مصدر دخلها فى السجن أو المعتقل. سيدتى.. هذه لحظة فارقة فى عمر مصر وشعبها ونظامها. وفى ظل هذه الملاحظات التى أودعت فيها رغبتى فى المعاونة، وحرص على المساندة فإننى أجد أهمية قصوى لعدد من القرارات والإجراءت لابد من اتخاذها وذلك على النحو التالى:
أولاً: ملاحظة عنصر الوقت، فالتغيير الذى طرأ على بنية المجتمع المصرى هائل وكبير.. إن سرعة اتخاذ القرارات، والاستجابة للمطالبات، هو أمر أساسى لتجنب تداعيات متصاعدة من المحتم وقوعها، إذا استمر إيقاع الاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة على هذا النحو.
ثانياً: أهمية أن يحمل التشكيل الوزارى معنى ورسالة موجهة للناس تحمل مؤشرات واضحة للاستجابة إلى مطالبهم، وتجنب أسباب غضبهم، الناس تحتاج إلى رموز يعرفونها، ويثقون بها، ويطمئنون إلى وجودها، وإلى إخلاصها وكفاءاتها، كما يحتاجون إلى ألا تعرض عليهم وجوه لا يثقون بها، أو لها فى نفوسهم صورة سلبية مقلقة.
ثالثاً: أن يتخذ موقف واضح بشأن الطعون الانتخابية. رابعاً: فتح الباب لتعديل عدد من النصوص الدستورية التى عدلت فى السنوات الأخيرة، تعديلاً يراه معى الكثيرون تعديلاً انغلاقياً يجهض شعارات التعددية وتداول السلطة. خامساً: أن يتعرض خطاب تكليف الوزارة لقضيتين تشغلان الرأى العام:
أ - ملاحقه مظاهر الفساد.
ب - التوجه إلى تحقيق ارتفاع حقيقى فى مستوى معيشة المحرومين والمهمشين. سيدتى.. قد يكون فى بعض ما أشرت إليه ما يغضب أو يصدم، ولكن صدمة مخلص أجدر بالتأمل فيها من مشورة غير مخلص، أو غير مبصر فى لحظات لا تحتمل الخطأ الذى يتعذر تداركه. والله تعالى هو الموفق للخير والمعين على أعبائه.. وقى الله مصر وشعبها من شر يراد، ويسر لها خيراً. د. أحمد كمال أبوالمجد. ماذا كان رد فعل سوزان مبارك على رسالتك؟
- «حولتها إلى الرئيس» ورسالة للتحذير من الحريق. وماذا عن رسائلك إلى حسنى مبارك؟!
- »هناك عشرات الرسائل منها ما تعلق بالسلطة القضائية فى 2006، ومنها ما تعلق بقانون الصحافة فى 5/ 6/ 1995، ومنها ما يتعلق بالمحكمة الدستورية العليا والأحكام الصادرة عنها بخصوص عدم دستورية قانون الانتخابات، ومنها رسالة فى 7 سبتمبر 2010 سأورد لك بعضها:
«فى إطار ما تواجهه مصر من أزمة.. وبما طرح فى الأفق عدداً من السيناريوهات:
السيناريو الأول: مؤداه متابعة السير على الإصلاحات الدستورية التى تمثلت فى تعديل 34 مادة من الدستور.. والنصح باتباع ذلك السيناريو يعنى أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية وسائر ضمانات الشفافية والنزاهة سوف تتم فى إطار النصوص الدستورية التى تم تعديلها.
السيناريو البديل:
ولكن فلتأذن لى ياسيادة الرئيس أن أعرض عليكم رأياً مخالفاً مؤداه أن بعض الظروف والملابسات الجديدة تستدعى توجهاً جديداً.. يناسب الملابسات الجديدة، وهو ما دأبت خلال الشهور الماضية على أن أسميه: «ثورة سياسية واجتماعية بيضاء» تتضمن الاستجابة بقدر معقول لعدد من المطالب الشعبية، استجابة من شأنها أن تحقق المكاسب السياسية التالية:
1 - تفريغ أزمة الغضب ومعها أزمة المزايدة من مبرر وجودها.
2 - فض حالة الاشتباك الدائر بصورة غير مسبوقة داخل الحكومة، وبين الحكومة والرأى العام، أو جانب منهم كبير على الأقل.
3 - إيجاد توافق وطنى حول عدد أكبر من السياسات وأساليب العمل.
4 - وما تقدم جميعه يساعد لفترة زمنية محدودة على تحقيق الاستقرار والهدوء، وفتح مبررات الصبر على المعاناة. وقد ترون سيادتكم بعد التشاور مع أهل المشورة، اتخاذ الخطوات الثورية التالية أو بعضها: 1 - دعوة جمعية تأسيسية تقرر - استثناء - أن تولى سيادتكم للرئاسة سوف يكون لنفس المدة المقررة.......... وهنا يقول الدكتور أبوالمجد: اقترحت على الهاتف مع الرجل أن تكون المدة سنة. ثم يكمل

تلاوة الخطاب: وخلالها يعاد النظر فى مواد الدستور التى جرى تعديلها، والتى أثارت بحق تحفظات عديدة، أرى من جانبى أنها مبررة تماماً، وأشير إلى المواد «76، 77، 88، 179».
2 - ضرورة أن يصاحب ذلك حرص مطلق على نزاهة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. هذا السيناريو - فى تقديرى - هو الأوفق والأكثر تعبيراً عن معنى الاستجابة للرأى العام، والأقدر على إحداث تهدئة كبيرة للموقف السياسى الغاضب عند كثير من قطاعات الشعب المصرى المنشغل بالسياسة. ولا أملك فى نهاية هذا الخطاب سوى أن أدعو لكم ولمصر كلها، أن ييسر لكم ولها الخروج من عنق الزجاجة الذى تمر به إلى رحاب أوسع. وأكرر دعائى لكم بأن يتم عليكم نعمة الصحة والرضا، وتيسير الأمور كلها. د. أحمد كمال أبوالمجد وهل واصلت إرسال مثل تلك الرسائل إلى السلطة الحاكمة بعد الثورة؟ - «نعم.. وآخرها كان إلى الفريق سامى عنان فى 4 يوليو الفائت».
وعن ماذا دارت؟
- «كانت رسالة طويلة، وهذا هو كل ما أستطيع إخبارك عنه»!!
ورسالة عن الطوارئ اعتذار عن الاستوزار لماذا اعتذرت عن قبول منصب الوزير فى حكومة الثورة؟ - لسببين،
الأول صحى، والثانى رغبتى فى التفرغ لقضيتين، هما ترشيد الخطاب السياسى، وترشيد الخطاب الدينى، فالاثنان يفسدان الأمة إذا فسدا ويصلحانها إذا صلحا.
احكِ لنا عن عدد من الوقائع التى رصدتها من موقعك فى المجلس القومى لحقوق الإنسان لما تعرضت له المعارضة السياسية فى السجون المصرية.
- كل بلاغ يصل إلينا حول انتهاك لحق بسبب استعمال الحقوق السياسية كنا نحوله إلى النائب العام، ووزير الداخلية، طالبين الرد، فإذا لم يجئ الرد مقنعًا، نسجله فى شكاوى العام «التقرير السنوى»، ونقول بأننا أرسلنا الشكوى إلى فلان ولم يرد علينا، أو رد على نحو غير مرض، إذ تستحيل علينا حماية حقوق الإنسان فى ظل قانون الطوارئ، ونزيد ونطيل ونضع الأسماء، وهذا أثار غضبًا شديدًا عند وزارة الداخلية. مثل أى حالات سببت ذلك الغضب؟
- مدى الانتهاك للحقوق السياسية واسع جدًا.. يشمل القبض على الناس فى المظاهرات وضمنهم حالات مجهولة. وما عرضه الناس علىَّ من حالات فيه لم أنسه أبدًا، مثل رجل يبلغ من العمر 74 عامًا، اختفى ابنه «23 عامًا» مع سيارته وسط البلد، وذهب يسأل عنه فى مقر أمن الدولة بلاظوغلى، فاعتدى عليه نقيبان بالضرب.
والحالة الثانية التى لا أنساها حالة وفاة رجل عمره 72 عامًا فى سجن طرة، وكتبت عن تلك الواقعة فى التقرير السنوى، وسافرت إلى الكويت، وصدر التقرير، وتم توزيعه على مؤسسات الدولة، ولما عدت جاءنى لواء من أمن الدولة ليقول إن وزير الداخلية زعلان، لأنك تنشر أخبار منظمات المجتمع المدنى عن الوزارة، وليست كلها صحيحة، ونتيجة هذا أنك كما لو كنت تضع يدك فى أيادى خصوم النظام، وتعطيهم أسلحة يحاربوننا بها! وطلبت من الرجل أن يرسلوا لنا ملاحظاتهم وسوف ننشرها فى التقرير، وقلت له: لو أرسلتم لنا ردًا فسوف أجمع كل نسخ التقرير وأضمنها الرد وأعيد توزيعه.. ثم أننى سأجىء لمقابلة وزيرك غدًا. 
وفى اليوم التالى ذهبت إلى مكتب حبيب العادلى ففاجأنى: «أنتم تتحاملون علينا» فقلت دهشًا: «وما هى مصادر التحامل؟» فقال: «لقد أشرتم للإخوان سبع مرات ولكنكم لم تقولوا عن الجماعة إنها محظورة إلا مرات ثلاث».. 
وهنا لم أتمالك نفسى فقلت: «يعنى ولدت تلك الجماعة من بطن أمها محظورة، بحيث يجب أن نذكر تلك الصفة كلما ذكرنا اسمها»، وفى نفس تلك المقابلة قدمت للعادلى بيانًا باثنتين وعشرين حالة اختطاف واحتجاز داخل السجون، وحالات وفاة بأسباب انتهاكات، وكان مخلص قطب، أمين عام المجلس، أعدها بعناية، وأثار ذلك مزيدًا من تحفظ العادلى وخصومته، وأظن أن الداخلية دفعت فى اتجاه إنهاء خدمتى كنائب للمجلس المصرى لحقوق الإنسان، وكان عتقًا لى من عذاب شديد.

وصف مصر ليس لدى أحد من كرة بلور، ولكن قراءة القادم فى ضوء الخبرة يقول إن للانطباعات حضورا ووزنا ربما أكبر كثيرًا من القراءة الواقعية. فى ضوء تلك المقدمة الصاخبة التى استغرقت سطور هذا الحوار، أرجو أن تخبرنى وصفك لمصر فى مستقبلها القريب؟ - وصف مصر تقديرًا لا تقريرًا، هو حدوث مرحلة ارتباك لا تخلو من مصادمات. مصادمات Physical «عضوية»؟
- نعم.. لأننا استعجلنا، أو دفعتنا الظروف إلى استعجال التسابق الحزبى على التوافق الجمعى، فقطعنا الطريق على التوافق الجمعى، لأن الانتخابات صارت على الأبواب. ولدينا أحزاب فى دور التكوين، وأخرى خارجة من المعتقل، وثالثة لديها مشاكل داخلية مثل التجمع والوفد، والأحزاب الجديدة مازالت تبنى نفسها وتحاول تحقيق الوضوح الفكرى والحبكة التنظيمية، وخبرة العمل اليومى. هذا كله يشى بأننا مقدمون على فترة صعبة، سوف تستغرق عدة شهور، ثم تتمخض عن استردادنا مكانتنا، وسيسترد الثوار صفاء تصورات التغيير للأفضل، ولأن هذه التغيرات ليست داخلية فقط، وإنما عالمية كذلك، إذن فإن الضاغط على كل القوى السياسية هو نقطة الالتقاء بين المطالب الداخلية، وبين الشوق
- دوليًا - إلى أن تسترد مصر دورها. هذه الصياغة بلاغية تشارف نظم الأشعار.. ولكننى
- مع كثير من الناس
- لا نفهم المؤثر الخارجى إلا بوصفه الضغط الأمريكى.. فإلى أى اتجاه يذهب ذلك الضغط؟ - الضغط الأمريكى يسعى إلى تحقيق التوافق بين عدة اعتبارات:
أن تكون المنطقة على المجمل آمنة من تقلبات يصعب التنبؤ بها، مما يهدد الرؤية الأمريكية، وبالتالى المصالح الأمريكية.. والأمر الثانى أن أمريكا بما لها من ثقل دولى ومعها الاتحاد الأوروبى الذى يسير خلفها، ومعها دول أخرى فى العالم تستجيب لضغوطها، ستعمل على فرض ما يتناغم مع مصالحها فى منطقتنا، أو غيرها سواء بمنع المعونات، أو التهديد بقوى مضادة لنظم الحكم، أو استخدام إسرائيل كفزاعة تهدد الأمن العربى، وتهدد مصالح كل دولة عربية على حدة، كمثل تهديد دور مصر كدولة رائدة، ومؤثرة تأثيرًا يتضح فى موضوع المياه، أو الأمن عند جوارنا.
هل تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تساعد الفلول أو تؤيد أحد مرشحى الرئاسة بالذات؟
- الثانى أقرب، لأن الفلول معروفون لدى الشارع، وهناك رقابة شعبية عليهم، ولو تسرب خبر تأييد أو مساندة لهم سيثير غضبا شعبيا كبيرا عليهم. قدم لنا تعريفًا للفلول؟
- «حزبيون تابعون للنظام القديم»، والذين تحولوا إلى خصوم للثورة، ما جدّ بالنسبة لنا يمثل المستقبل. وما هو توصيفك لشباب الائتلافات؟
- هو توصيف إجمالى، فى داخله الكثير من الفروقات، إنهم مجموعات نبيلة وشجاعة، قرأوا عيوب المرحلة السابقة بطريقة ذكية، وأتقنوا فنون تكنولوجيا الاتصال والمعرفة أكثر من الكبار، واستخدموها فى التجمع، والتعبير عن ذلك التجمع، وطرح رؤاهم لمداخل الإصلاح، ولكن بالقطع تنقصهم الخبرة المتراكمة. ما هو تقييمك لأداء كل من المجلس العسكرى ومجلس الوزراء والعلاقة بينهما؟ - المجلس العسكرى كفء جدا، ولكن عنده حساسية من كل صائح يصيح، وفى تقديرى أصدق أنه لا يريد البقاء فى السلطة فعلاً، وهو ما أخبرتنى به هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية. ولكن الرسائل السياسية الصادرة عن المجلس العسكرى ليست دائمًا واضحة، أما عن العلاقة بينه وبين مجلس الوزراء فأعتقد أنها فى كثير من الحالات تفتقر إلى التنسيق. ومجلس الوزراء يضم كفاءات وطنية، ولكن التكليف الصادر إليه يحد من صلاحياته، بحيث لا يصبح ندًا، وهنا نفتقر إلى وجود إرادتين منفصلتين بالكامل، وهو ما قامت عليه الثورة الفرنسية «السلطة تحد السلطة.. Le - pouvoir - arrete - pouvoire» أو هو ما يعبر عنه مثل فرنسى آخر: «إن من يسمع ناقوسًا واحدًا لا يعرف إلا معنى واحداً» 




؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: