الاثنين، 18 يوليو 2011

مبارك يعيش فى سجن العزلة والوحدة والمهانة حتى ولو سكن فى قصر


محاكمة حسنى مبارك:
 الحقيقة قبل العقاب 
 مبارك هو المرآة التى من خلالها ننظر إلى قبحنا 
وإلى خطايانا كشعب


كمواطن مصرى مشكلتى مع الرئيس مبارك لم تكن فقط ديكتاتوريته وضيق أفقه، ولكن امتناعه عن الكلام الجدى. تخيلوا.. رئيس حكم شعبا لمدة ثلاثين عاما دون أن يكلمه إلا من خلال نص ممل وتافه صاغه مجموعة من الكتبة مطلوب منهم معجزة تحويل الفسيخ إلى شربات، أو يكلمه من خلال حوارات صحفية أو تليفزيونية كان يتكرم على الشعب بها مع إعلاميين منتقين مطلوب منهم ألا يسألوا إلا الأسئلة العامة أو التافهة. لم يرد مبارك على أى من الأسئلة التى كانت توجه إليه من أفراد الشعب طوال ثلاثين عاما. كان يحيط نفسه بجيش عرمرم من الأمن المادى والمعنوى يقيه شر السؤال. لم يستطع المصريون إجراء حوار جدى مع مبارك إلا من خلال الحيلة والمباغتة. فى عام 2005 مثلاُ نجح الراحل الدكتور محمد السيد سعيد فى مباغتة الرئيس وعاجله بأسئلة واقتراحات فى لقاء الرئيس السنوى بالمثقفين فى معرض الكتاب. النتيجة كانت تعالى الرئيس على السائل ورفضه الإجابة عن الأسئلة واتهامه لسعيد بالتطرف! والنتيجة كانت تأكد الناس كلهم أن الرئيس ليس له فى الحوار الذى هو أحد أهم ملكات السياسى الحقيقى.
لست قاضيا لكى أحكم على حسنى مبارك بالسجن أو بالبراءة. وفى الحقيقة لا يعنينى كثيرا أن يُلقى بمبارك فى زنزانة باردة بقية حياته. مبارك يعيش فى سجن العزلة والوحدة والمهانة حتى ولو سكن فى قصر جدرانه مطلية بالذهب. ما يعنينى كأحد المواطنين فى هذا البلد هو أن يتكلم حسنى مبارك، هو أن تجبره سلطة على الحديث للشعب الذى حكمه طوال ثلاثين عاما دون أن يتحاور معه ولو مرة واحدة. وما يقلقنى هو أن هناك قوات مازالت تحيط بمبارك لكى تحميه من شر السؤال وأن محاكمته التى أعلن عن أنها ستكون فى الثالث من أغسطس لم يتأكد بعد أنها ستكون علنية ومتاحة للشعب.
إسقاط نظام مبارك لا يكتمل إلا عندما يقف مبارك على رجليه أمام سلطة اتهام لكى توجه له أسئلة واتهامات محددة يجب أن يجيب عنها. ما يسرى على مبارك يسرى على غيره من المسئولين فى النظام السابق. السلطة الانتقالية لا تعطينا حتى الآن إلا صورا لهؤلاء المسئولين وهم بملابس السجن، عل مشاعر التشفى تطفئ ظمأنا للمعرفة وتكبت شوقنا لأن نستنطق كل هؤلاء فى محاكمات علنية لكى يشرحوا للشعب لماذا فعلوا ما فعلوه وكيف فعلوه. والأهم هنا هو كيف فعلوا ما فعلوه. لأن سؤال الكيف هو عن الآليات، عن التفاصيل، وهو المدخل لإبطال هذه الآليات. الأهم من الخلاص من الطاغية هو الخلاص من الطغيان. نفى أو إعدام طاغية لا يحمى من ظهور غيره. لقد نُفى الطاغية فاروق الأول ملك مصر. لكن نفيه لم يمنع من ظهور طغاة جدد. أليس كذلك؟ لو كنت قاضيا وعلى أن أحكم على مبارك وأعوانه، لحكمت على مبارك بأن يتم اقتياده للتليفزيون لكى يجلس أمام مجموعة من المحاورين فيكيلون له الأسئلة والاتهامات وليحققوا ما شاءوا من انجازات مهنية بإجراء حوارات مع رئيس مخلوع.
تصفية الحساب مع نظام مبارك لا تعنى فقط عزله أو إعدامه وسجن القائمين على نظامه، وإنما الأهم هو معرفة دقيقة ومتاحة لآليات عمل هذا النظام وكيف أثر على الدولة على المجتمع. يخطئ من يظن أن الخلاص من نظام مبارك يعنى فقط الإجهاز على مبارك نفسه وأعوانه. الخلاص من تراث نظام مبارك لا يقل أهمية عن الخلاص من النظام نفسه. نظام مبارك أدار الدولة لمدة ثلاثين عاما وفرض سلطته على المجتمع لنفس المدة. هذه الدولة وهذا المجتمع تعرضا لزلزال عنيف بسبب الثورة. لكن الملامح العامة للمجتمع والدولة لم تتغير كثيرا. استنطاق المسئولين السابقين يساهم فى تسليط الضوء على الآفات التى أمسكت بخناق الدولة والمجتمع فى السنوات الماضية. مبارك هو المرآة التى من خلالها ننظر إلى قبحنا وإلى خطايانا كشعب. هو التجسيد السياسى الأعلى لكل ما فينا من جهل وقبح وتعصب وأنانية وظلم وتعالٍ على الضعيف. يجب أن يواجه الشعب نفسه فى محاكمة مبارك وأن يرى خطاياه متجسدة فيه. المجد لمن نزلوا فى الشوارع لكى يدافعوا عن حق الشعب فى الاستماع لمحاكمات أركان النظام السابق، الحق الذى يريد البعض من شعبنا التخلى عنه.

ليست هناك تعليقات: