السبت، 11 يونيو 2011

من تاريخ الحب..حياة العشق عند قيس وليلى



فتــاة مديدة القــامة بهيـة الطلعــة عذبة الكــلام


كان قيس بن ذريح من سكان احدى ضواحي المدينة المنورة. وفي احد الايام وهو مار بحي قبيلته لقضاء حاجاته، وقد احتدم به الحر فأستسقى من احدى الخيام، فبرزت اليه فتاة مديدة القامة بهية الطلعة عذبة الكلام، فناولته قربة ماء، فلما ارتوى وهم بالذهاب قالت له: الاّ تريد ان تبرد و ترتاح عندنا ؟ فأستجاب الى دعوتها.
فمهدت له المكان المريح وقدمت اليه ما يحتاج، وجاء ابوها، فلما وجده رحب به ونحر له جزورا. 
فأقام عندهم بياض النهار ثم انصرف وهو اشغف الناس بها... فجعل يكتم مشاعره الى ان طما به الحب فعاد الى زيارتها وشكا اليها ما يجد من حبها فوجد عندها اضعاف ذلك، فانصرف وهو في اشد الغبطة. 
ومضى الى ابيه وبث اليه حاله فقال له دع هذه وتزوج احدى بنات عمك.
فلجأ الى امه فكان رأيها رأي ابيه، ولكن عندما اخبر والديه بقصته مستنجدا بهم انصاعا الى طلبه وتزوج قيس من ليلى وعاش العاشقان نحو عشر سنوات، تبين منها ان ليلى عاقر، وكان والدا قيس يرغبان في نسله، فعرضا عليه تطليقها والتزوج من اخرى تأتيه بما يطمعان فيه من ولد. 
فأمتنع امتناعا يؤذن بأستحالة ذلك واصر على معارضته الى ان اقسم ابوه ان يطرده من الدار ان لم يطلق ليلى. ومثلما كان قيس شديد الحب لليلى كان شديد الحب لأبيه كذلك.
فأذعن اخيرا وطلق زوجته ليلى. فجاء اهلها وحملوها الى ديارهم. فلم يبقى لقيس سوى الحسرة والندم والتفجع، فكان يؤلف القصائد ويتذكر حبه في ايامه الماضية:




يقولون ليلى فتنة كنتَ قبلها بخير فلا تندم عليها وطلق
 فطاوعت اعدائي وعاصيت ناصحي واقررت عين الشامت المتملق
 كأني ارى الناس الحبين بعدها عصارة ماء الحنظل المتفلق
 فتنكر عيني بعدها كل منظر ويكره سمعي بعدها كل منطق


وسعى ابوه حتى زوجه من امراة فزارية ولكنه لما ادخلت عليه زوجته لم ينظر اليها ولم يدنو منها، واقام منها اياما كثيرة ثم خرج الى قومه في المدينة، وهناك اعلمه صديق بان خبر زواجه قد ازعج ليلى كثيرا حتى قالت: ان قيس لغدار. وعندما شكى ابو ليلى قيسا الى معاوية ابو سفيان وكيف ان قيس يتعرض لها بعد الطلاق، كتب الى واليه مروان ان يهدر دمه ان عاود. وقد قام والد ليلى وزوجها بخالد حلزه. فلما سمع قيس الخبر جزع جزعا شديدا وجعل ينشج احر نشيج، ثم ركب فرسه حتى اتى محلة قوم ليلى فنزل وجعل يمرغ خده على ترابها وهو ينشد:
ان تك ليلى قد اتى دون قربها حجاب منيع ما اليه سبيل
 فإن نسيم الجو يجمع بيننا ونبصر قرص الشمس حين تزول
 وارواحنا بالليل في الحي تلتقي ونعلم أيا بالنهار نقبّل
وتجمعنا الارض القرار وتوقنا سماء نرى فيها النجوم تجول

يقول الاغاني ان قصائد قيس شاعت واشتهرت، فلم يبق شريف او وضيع الا وسمع بها. وجاء زوج ليلى وانبها على سلوكها وعاتبها، لكن ليلى غضبت وقالت يا هذا اني والله ما تزوجتك الا من اجل الحفاظ على حياة قيس لانه كان مهددا بالقتل، وامرك الان لك أرجو ان تفارقني فلا حاجة بي اليك --- فكانت كلما سمعت احدا يردد شعر قيس تبكي بينما كان قيس يعاتب نفسه قائلا:

اتبكي على ليلى وانت تركتها وكنت كآتي حتفه وهو طائع
 فيا قلب خبرني اذا شطت النوى بليلى وبانت عنك ما انت صانع
 كأن بلاد الله ما لم تكن بها وان كان فيها الناس وحش بلاقع
 نهاري نهار الناس حتى اذا بدا لي الليل هزتني اليك المضاجع
 لقد رسخت في القلب منك مودة كما رسخت في الراحتين الاصابع


قال ابو عمرو المدني: عندما ماتت ليلى، خرج قيس ومعه جماعة من اهله
 فوقف على قبرها وقال:

ماتت ليلى، فموتها موتي هل تنفعن حسرتي على الفوت
 وسوف ابكي بكاء مكتئب قضى حياة وجدا على موت


ثم اكب على القبر ينوح ويبكي حتى اغمي عليه فرفعه اهله الى منزله فلم يزل لا يفيق حتى مات فدفن الى جوارها، وهكذا قضى قيس مضحيا بحبه لزوجته برا لوالديه، مفضلا معايير وتقاليد الماضي القديم على سعادة الحاضر و المستقبل، دافعا فاتورة حسابه بحياته.





ليست هناك تعليقات: