الأحد، 29 مايو 2011

القرية التي تشبست بصدر الوطن فألقاها من فوق أكتافه وركلها بأقدامه


الدموع في عيوني 
والمستقبل في عيون فرح وعلي




هجعت قرية برج مغيزل بعد جهادها الطويل من أجل البقاء علي قيد الحياة،‮ ‬هذا الجهاد الذي‮ ‬يبدأ بطلوع الفجر فيسعي رب الأسرة للحصول علي حصته من الخبز ليطعم أولاده،‮ ‬ثم‮ ‬يتفرغ‮ ‬بعد ذلك لحرب الأنابيب التي وصل سعرها الي‮ ‬25‮ ‬جنيها،‮ ‬ثم‮ ‬يجلس علي المقهي ليشكك كوبا من الشاي وينتظر الفرج من الله بيومية صيد بعدما أغلقت ليبيا أبوابها أمام الصيادين بسبب الحرب وبعد أن توقفت مراكب الصيد في القرية بسبب أزمة السولار،‮ ‬ناهيك عن افتقار السواحل المصرية للأسماك بسبب تعدي الصيادين أنفسهم بغزول‮ ‬غير مناسبة للصيد الي جانب جهل النظام السابق بنظم الصيد وتخليه تماما عن الصيادين مما دفعهم للمخاطرة بأرواحهم والصيد قريبا من سواحل الدول المجاورة وخاصة ليبيا،‮ ‬لم‮ ‬يوقظ هذه القرية الا صرخة خرجت من منزل محمد الصباغ‮ ‬وهو صياد شاب ذهب في رحلة صيد طويلة رغم مرضه بالكبد واحتياجه للراحة،‮ ‬ولكن هيهات فقد رزقه الله بفرح بعد خمس عشرة سنة حرم فيها من الأبوة ثم اكتشف اصابة فرح بورم في الركبة‮ ‬يحتاج لجراحة،‮ ‬فسافر ليوفر لها مصاريف العلاج،‮ ‬فحياة ابنته أغلي من حياته،‮ ‬ومات محمد علي ظهر السفينة في رحلة العودة التي طالت الي ثمانية عشر‮ ‬يوما،‮ ‬خرجت روحه بين‮ ‬يدي زملائه بعد نزيف مفاجئ لم‮ ‬يكن بوسع أحدهم أن‮ ‬يوقفه،‮ ‬كانت زوجته في انتظاره بلهفة شديدة،‮ ‬كانت تزين له فرح وتقوم بتسريحها ووضع أجمل التوك في شعرها ليراها أبوها عندما‮ ‬يعود في أجمل صورة،‮ ‬جاء خبر موت محمد لترتدي قريته ملابس الحداد التي لا تكاد تخلعها،‮ ‬هذه القرية التي تشبست طويلا بصدر الوطن فألقاها من فوق أكتافه وركلها بأقدامه لها في كل‮ ‬يوم فقيد،‮ ‬من لم‮ ‬يمت بالكبد أو بالفشل الكلوي مات‮ ‬غرقان،‮ ‬لقد استولي البحر علي معظم أراضيها ومعظم شبابها،‮ ‬ولقد كان المشهد مهيبا وأهل القرية‮ ‬ينتظرون محمد الذي ودعوه قبل أيام شابا ملء السمع والبصر‮ ‬يشاركهم أفراحهم وأتراحهم و‮ ‬ينتظرونه اليوم جثمانا‮ ‬،همدت الأصوات فلا تسمع الا البكاء والنحيب وهدير الأمواج وكأنها تشاطر أهل القرية الأحزان،‮ ‬واندفع الشباب نحو السفينة التي وصلت الي المرسي ليحملوا جثمان محمد الي مثواه الأخير،‮ ‬كانت فرح التي لم تتجاوز الشهر من العمر علي‮ ‬يد أمها تنظر ببراءة في وجوه الناس كأنها تحاول أن تفهم ما‮ ‬يدور حولها،‮ ‬وفي الزحام لمحت طفلا من أطفال القرية‮ ‬يسمي علي‮ ‬وهو تلميذ بالابتدائي‮ ‬يبيع الجرجير أمام مسجد القرية كل جمعة ليساعد والده المريض أيضا ويوفر نفقات مدرسته‮ ‬،ترك علي الجرجير وجاء ليودع محمد،‮ ‬وقفت أمسح دموعي التي انهمرت وقد امتلأ قلبي‮ ‬يقينا بأن الفجر الذي ننتظره سوف‮ ‬يشرق من عيون علي وفرح‮.‬





ليست هناك تعليقات: