الجمعة، 20 مايو 2011

تهميش الفتاة اليمنية واعتبارها عار على أصحاب الدار. فيديو



المرأة اليمنية من قهر الثورة إلى ثورة القهر


منذ عقود خلت كان اسم المرأة اليمنية يرتبط فقط بالريف بكل أعماله وتقاليده وتعصبه وشظف العيش فيه، تُولد الأنثى في ذاك الريف في أغلب العائلات - ولا نبالغ إن قلنا في جلها – مكروهة، وهو ما تؤكده مجموعة من الأمثال المتوارثة حيث أن الأمثال هي المرآة العاكسة لزمن أو جيل أو واقعه والتي تعكس لنا قدر الأنثى آنذاك في تلكم الأرياف مثل ( دفن البنات من المكرمات)، (البنات بضاعة كرث) في دلالة مؤلمة على سرعة عطب الأنثى إن لم يتم التخلص منها بالزواج المبكر.
ثم بعد ولادتها يتم ختانها في كثير من القرى بذريعة أن الختان عادة إسلامية - والإسلام منها براء- تقوم على كبح الرغبة الجنسية لدى الفتاة خوفا عليها من الانجراف خلف رغباتها الفطرية في سن مبكر، مما يقضي على حياة تلك الفتاة الجسمية والنفسية بعد الزواج، هذا إن حالفها الحظ ونجت من مضاعفات الختان والمفضية في أغلب الأحيان إلى الوفاة. "البنت.. عار"
وتعيش الفتاة بعد ذلك بين مطرقة العيب وسندان الأعمال الشاقة حتى توافيها المنية، فهي بنت والبنت عار لذا يجب إخفاء كامل جسدها بالثياب والرقع مهما صغر سنها، ومع الوقت يختفي حتى صوتها المطالب بأبسط الحقوق الإنسانية فهي باعتبارها بنت لا يحق لها التعليم، وحتى بعد أن طرأ بعض التغير الطفيف بفعل الزمن كان التعليم يتم في أضيق الحدود فيما يسمى بالكتاب أو المعلامة وبعيد عن الاختلاط بالصبية، وحتى هذه المكرمة اليتيمة لم تشمل كل العائلات بل اقتصرت فقط على بنات العائلات الكبيرة في تلك القرى ولفترة وجيزة.
وفي أثناء الطفولة، والتي من المفترض أن تكون لها خصوصيتها من حيث اللعب والمرح والتدليل، تجد البنت في ذاك الزمان والمكان قليل ما تعيش سنها وخصوصيته، حيث يشتغل الأهل بإعدادها لبيت الزوجية، لذا يزج بها للقيام بالأعمال الشاقة والتي لا تتناسب وسنها من كنس وطبخ ونقل للحطب والمياه من أماكن بعيدة ورعي للماشية وحلب للأبقار، وفوق كل ذاك لا يحق لها الشكوى لأنها بنت وصوت البنت أيا كان ما ينطق به عورة.. فما بالك لو طالبت بحقوقها أو حتى اشتكت!.
وينتهي المطاف بابنة السابعة في بيت الزوجية بعد أن تكون قد استوعبت كل أعمال البيت.. إلا أن جسدها الغض لم يستوعب بعد ما سيقع عليه.. وبعدها تعيش خادمة صغيرة للزوج وأهله تذوق الأمرين في سكوت خانق قاتل بالنسبة لها حتى تضمن عدم تطليقها، فالطلاق لابنه القرية قد يعني الطلاق من الدنيا كلها عند بعض القرى، وعندما يشأ المولى أن تحمل تلك الأنثى الضعيفة؛ فهي حقيقة تبقى حاملة للأطفال في أحشائها ما شاء الله أن تبقى تلك الأنثى أرضا خصبه للأجنة، وحاملة للهم والجهل والتهميش باقي حياتها حتى لا تعاب هي وعائلتها وقريتها.
قليــل من التعــــليم



سارت عجلة الزمن قليلا نحو التطور؛ إلا أن تلك العجلة الخاصة بالفتاة اليمنية كانت دائما ما تعلق بالكثير من المطبات كتلك المأخوذة مثلا من نص محرف الفهم من الدين إلى مطب العادات والتقاليد الفض العتيد والصلف، حتى سُمح لها خلال تلك الفترة بالالتحاق بالمدرسة ولكن لأعوام محدودة، مع بقاء تكاليف الأعمال المنزلية حتى في المدينة على عاتقها، وبقاء صوتها مكبوتا داخل حنجرتها، وحاجتها لإثبات نفسها ولتعبير عن نفسها معتقلا داخل صدرها، فالأهل يختارون المدرسة والصديقات، وحتى ملابس العيد، والأهل يختارون ماذا ستأكل، وماذا ستعلب وكيف، وحتى المصروف إن وجد كم سيكون وكيف سيٌنفق.
فهي أولا وأخيرا كفتاة لا يحق لها أن تلعب مع الصبية مهما صغر سنها وسنهم وحتى مع وجود الرقابة، وهي كفتاة لا تستطيع أن تمتطي حمار أو أن تلعب بالدراجة ولا تستطيع القفز خوفا على عذريتها، وهي كفتاة لا تستطيع أن تآكل مأكولات معينة ومشروبات كذلك لنفس السبب، وهي كفتاة لا يحق لها الاستمرار في التعليم إذا ما جاء النصيب مهما صغر سنها، فالزوج بالنسبة للأهل في ذاك الزمان والمكان هو الأساس وكل ما عداه فان وغير ضروري لها، ومن ثم يأتي الزوج بالطبع فلا يؤخذ رأيها إلا شكليا، ويزج بها في أتون الحياة الزوجية دون وعي ولا قدرة نفسية ولا جسدية.
ثم دارت العجـــلة
وتطورت الحياة بعد ذلك؛ وبدأت تلك المطبات والعوائق تتلاشى بشكل ملحوظ حتى وإن كان بطيئا إلا أنه ملموسا، فقد أضحت الفتاة قادرة على الالتحاق بالمدرسة الإعدادية والثانوية بل وحتى الجامعة، وأصبح رأيها يؤخذ بعين الاعتبار في كثير مما يتعلق بشؤون حياتها، وأصبح دور الأسرة موجها ومراقبا حانيا أكثر منه سلطويا ديكتاتوريا.
وأصبح بمقدور الفتاة أن تقف لتبتاع ما تشاء من المحال وتحادث الباعة دون حرج طالما ذلك في حدود ما تٌعرف به الفتاة اليمنية المسلمة من حشمة، وأصبحت تختلط بالرجل في مجالات كثيرة بل وتنافسه وتضاهيه في كثير من المجالات ضمن نفس الحدود، وأصبحت قادرة أيضا على اختيار شريك حياتها بتوجيه من الأهل.
بل وأصبح لها دورا سياسيا إذ بات لها حق الاقتراع والتصويت وحتى الترشح لأكثر من منصب سياسي، ولا ننس ترشح الأستاذة رشديه القيلي لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس على عبد الله صالح آنذاك، مما يدل على تقدم كبير في دور المرأة وتبدله نحو الأفضل وعدم اقتصاره فقط على إنجاب وتربية الأطفال والاهتمام بشؤون الزوج والبيت، بل إن المرأة اليمنية أثبتت مقدرتها الجبارة على التنسيق والجمع بين عملها داخل بيتها وخارجه، وبذلك قدمت المرأة اليمنية خدمات مؤثرة وأصبحنا قادرين بالفعل أن نقول أنها الآن أصبحت نصف المجتمع الفاعل والذي كان معطلا ومغيبا لعقود.
في عصر الثورات
ومن أجمل وأقوى الصور الدالة على مدى فاعليه إشراك واشتراك المرأه اليمنية في الحياة العامة؛ هو دورها في الأحداث الاخيرة والتي تشهدها الساحة اليمنية، فنجد على سبيل المثال لا الحصر أن عدد المعتصمين قد تزايد بشكل كبير وملحوظ بعد أن فهمت المرأة اليمنية سواء الأخت أو الأم أو الزوجة المغزى من الاعتصام والهدف من التغيير.
فقامت بتشجيع أبنائها وزوجها وإخوانها وأهلها وذويها ومن تعرف على الانخراط الفعال في الثورة، بل إنها ذهبت بنفسها واشتركت في تلكم الاعتصامات معرضة نفسها لخطر الإصابه أو الاعتقال أو حتى الموت، وقامت بجمع التبرعات وتسيير القوافل الداعمة لساحات الاعتصام في جميع المحافظات، وعملت كناشطة وصحفية وممرضة في المستشفيات الميدانية دون تردد أو خوف.
هذا الدور الذي لعبته المرأه اليمنية لم يأت من فراغ؛ فهي إن كرست نفسها في هذه الأحداث كإعلامية وناشطة وممرضة وحتى كمعتصمة فما كان بمقدورها فعل ذلك لولا حصولها على قدر كاف من التعليم والتثقيف والتدريب في مجالها، وحتى تلك المرأة البسيطة الأمية أنى لها أن تقوم بما قامت به حسب مقدرتها من تقديم لدعم المادي والمعنوي وتحفيز ذويها ما لم يتم توعيتها بشكل الذي يتلاءم وعقليتها.
من أجل نصف المجتمع
ومن هنا تظهر مدى أهمية استثمار هذه الطاقة الجبارة لدى اليمنية وعدم تهميشها ونسيانها مستقبلا حتى لا يخمد بركان الطاقة والعطاء لديها، وحتى لا يقتصر أدائها على مناسبات وأحداث بعينها فتفقد مستقبلا الحماسة في مواصلة المشاركة في أحداث جديدة أو خطط تنموية مستقبلية تعود بالنفع عليها وعلى أسرتها ومجتمعها، وتفقد الثقة في نفسها وفي المجتمع الذي لم يؤمن بها ولم يقدر ما قامت به.
وإحدى أوجه الدعم واستثمار هذه الطاقة الجبارة لديها والتي فجرتها الثورة يكون بالتدريب المستمر والمتجدد والذي يحاكي التطور العربي والدولي ويتماشى مع طبيعة واحتياجات البلد والأسرة اليمنية في الفترة الانتقالية القادمة، عن طريق قياس قدرات تلك النسوة وإمكانياتهن وتعزيزها، وفرز احتياجاتهن المعرفية والمهنية وتدريبهن على ما يفتقرن إليه، وإعداد برامج تتناسب وقدرة كل منهن واحتياجاتها من جهة ومع ظروفهن العامة من جهة أخرى.
إن مجرد مشاركة أولئك النسوة الباسلات في الأحداث الأخيرة بهذا الزخم والقوة لهو أقوى مثال على الثروة التي اختزنتها اليمن دون استثمار ودون التفات لها، وبالفعل فاجأت المرأة اليمنية نفسها أولا ومجتمعها اليمني بل والدولي بأن تكون من أوائل من أشعل الثورة المباركة.
ولا ننس أبدا دور النضالية توكل كرمان في إشعال الثورة، ودور الإعلاميات أروى عثمان وساميه الأغبري وداد البدوي وبشرى المقطري وهدى العطاس، والكثير غيرهن ممن عملن في الظل وتعرضن للأذى الشديد دون أن يهز ذلك ثقتهن، أو ينال من عزيمتهن ومن أدائهن الثوري المنقطع النظير، ومن توثيقهن للأحداث، فمن أين كان الوطن سيحظى بثوريات بهذا الكم من الوعي والتضحية ووضوح الرؤيا في العمل دون تدريب وتعليم في مجالاتهن، زائد الإحساس والعزيمة الفطرية عندهن بقيمة الوطن؟.
إن المرأة التي ساهمت كجزء رئيس في هذه الثورة تستحق كل الاحترام والتقدير والتكريم من خلال جعلها تكمل مشوار الثورة الذي بدأته من خلال إشراكها في بناء اليمن الجديد البناء المؤثر والصحيح، حتى نتلافى بتعليمها وتدريبها الأخطاء التي وقع بها من كانوا قبلنا سواء في طرق تربيتهم لنشئ أو حتى من خلال قمعهم لدورها أو حتى إدارتهم للبلاد، فهي القادرة بالفعل على تغيير الجزء الأكبر من الموروث القديم الخاص بتهميش الفتاة واعتبارها عار على أصحاب الدار.


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛


ليست هناك تعليقات: