فنزويـلا.. ثلاجــات خــاوية وبطـــون جـــائعة
فوضى في مدنها وسرقات في وضح النهار
تعيش فنزويلا الدولة الرابعة عالميًا في مجال تصدير البترول والثالثة في تزويد الولايات المتحدة بالنفط، أزمة مالية طاحنة نشرت الفوضى منذ أكثر من عام، على الرغم من أنّها تملك احتياطات ضخمة من النقد الأجنبي واستثمارات كبيرة في الخارج.
تقع فنزويلا في شمال أميركا اللاتينية، تحولت أخيرًا إلى دولة فقيرة معدمة اقتصاديًا بسبب انتشار الفساد السياسي وانهيار إيراداتها النفطية، عقب تهاوي سعر النفط من 115 دولارًا في يونيو (حزيران) 2014، إلى نحو 48 دولارًا حاليًا، الأمر الذي شل قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الضرورية والمعيشية للمواطنين واستيراد مستلزمات الأدوية والغذاء.
تقول مايرا دو راموس - مواطنة فنزويلية - بينما تشير إلى رفوف ثلّاجتها: «ثلاجتي فارغة». وتابعت قائلة: «مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد بات الوضع مأساويًا»، وتعاني يوميًا أعداد متزايدة من الفنزويليين من الجوع، حسبما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية. وتضيف المرأة المتقاعدة البالغة 64 سنة، وتعيش في حي كاتيا الشعبي في كراكاس مع ثلاثة من أبنائها وثلاثة من أحفادها، أنّها تكابد من أجل تأمين الطعام لعائلتها.
وتنتظر مايرا كل يوم في الطابور لمجرد شراء كيسين صغيرين من دقيق الذرة والمعجنات، وفي ذلك تقول: «لا نأكل ثلاث مرات في اليوم، نأكل في الصباح وفي وقت متأخر بعد الظهر، هذا كل شيء، نعد طبقًا من دقيق الذرة للأطفال حتى لا يناموا جوعى».
واختفت الكثير من السلع الأساسية في هذا البلد الذي أفقره الفساد وتراجع أسعار النفط، المصدر الرئيسي للعائدات.
وأدى ذلك إلى تقنين المواد الغذائية، وبات يمكن لكل شخص الحصول على بعض الطعام في يوم محدد من الأسبوع، تبعًا للرقم الأخير في بطاقة هويته، وهذا يتطلب الانتظار ساعات في الطابور من دون أن يعني ذلك أنه سيجد ما يحتاج إليه، فيما تقول مايرا: «غالبًا ما أخرج وأعود خالية اليدين».
تصطفّ الطوابير منذ ساعات الفجر الأولى أمام المتاجر التي بات يحرسها جنود مع ارتفاع أعمال النهب في ظل شعور باليأس.
وحسب تقارير اقتصادية، تعود أسباب تدهور الاقتصاد الفنزويلي الذي سجل انكماشًا بنسبة 7.1 في المائة في الربع الثالث من عام 2015 - وفقًا لبيانات حكومية - وسجل تراجعًا للربع السنوي السابع على التوالي، أي منذ بداية عام 2014، إلى هبوط أسعار النفط، وانخفاض قيمة العملة، إلى جانب الصراعات السياسية، والتعثر في سداد الديون.
فمعدل التضخم في البلاد، قفز إلى 141 في المائة على مدار العام المنتهي في سبتمبر (أيلول) 2015، فيما يرى بعض الخبراء أن هذه البيانات قلِّصت أيضًا، وتكهن صندوق النقد الدولي بأن يصل التضخم في فنزويلا إلى 204 في المائة هذا العام.
ويعتمد اقتصاد فنزويلا في الأغلب على النفط، وكانت الإيرادات كبيرة عندما كان سعر البرميل نحو 100 دولار في عام 2013 و2014، ولكنّ أسعار الخام تراجعت أخيرًا قرب 28 دولارًا مسجلة أدنى مستوى في 12 عامًا.
كما يرى مراقبون أنّه طالما بقيت أسعار النفط عند أدنى مستويات تاريخية، فإن الاقتصاد الفنزويلي سوف يعاني أكثر مع الوقت، في حين وصف خبراء لدى بنك «باركليز كاراكاس» بأن فنزويلا تعتبر الخاسر الأكبر من الهبوط الحاد لأسعار النفط.
كما انخفضت العملة الفنزويلية «بوليفار» بشكل حاد، فمنذ عام، بلغت قيمة الدولار 175 بوليفارا، بينما تصل قيمة العملة الأميركية حاليًا 865 بوليفارًا، أي ما يعادل 0.0011 من الدولار، وأقل من سنت واحد.
فيما يستبدل أغلب مواطني فنزويلا البوليفار بالدولار الأميركي بشكل غير رسمي، وأطلق حكم نيكولاس مادورو موروس نظامًا مربكًا يشمل ثلاثة أسعار للصرف، اثنان لأنواع مختلفة من الواردات وواحد للمواطنين العاديين.
وكانت كاراكاس على شفا التعثر في سداد الديون على مدار الشهرين الماضيين، وبالكاد استطاعت الحكومة توفير بعض الأموال من صادرات النفط الكافية للوفاء بالالتزامات الخارجية.
الجدير ذكره أن الديون المستحقة على فنزويلا بلغت هذا العام أكثر من 10 مليارات دولار، نصف هذه المبالغ يستحق سداده في أكتوبر (تشرين الأول)، ونوفمبر (تشرين الثاني)، فيما أفاد خبراء بأن تعثر فنزويلا في سداد ديونها هذا العام آت لا محالة، ويمكن فقط تجنب هذه المعضلة عن طريق ارتفاع أسعار النفط أو الحصول على مساعدات مالية من دول حليفة، مثل الصين وروسيا وإيران.
وعلى ما يبدو فإن هذين الأمرين غير محتملين حاليًا.
شهدت العاصمة كراكاس، مظاهرات عارمة خرجت احتجاجًا خلال الأسبوع الماضي، هتف خلالها الناس: «نحن جائعون»، قبل أن تفرقهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع.
وفي الوقت نفسه، أعربت المعارضة عن غضبها إثر إلغاء الهيئة الانتخابية اجتماعًا مهمًا كانت تأمل أن يعطى خلالها الضوء لتنظيم استفتاء لعزل الرئيس الاشتراكي مادورو، الذي تحمله المعارضة مسؤولية انهيار الوضع.
ويصب الفنزويليون غضبهم على الرئيس المنتخب في 2013، لمدة 6 سنوات، وبات 7 من أصل 10 من مواطنيه يرغبون برحيله. لكن عددًا قليل من الناس يخرجون للتظاهر، وذلك لأنهم منشغلون بأمور أخرى.
تقول ليليانا روخاس البالغة 44 سنة: «أقضي يومي في الوقوف في الطابور أملا في الحصول على شيء».
تستورد فنزويلا تقريبا كل ما تستهلكه، لكن حتى قدرتها على الاستيراد تراجعت إلى حد كبير، ممّا أدى إلى فقدان بعض المواد من الأسواق.
ولا تستطيع الحكومة شراء واردات السلع الغذائية الأساسية مثل الحليب والدقيق والبيض، وهو ما جعل كثيرًا من المتاجر والمحال الكبرى خاوية منها. فيما لم تتمكن مطاعم مثل «ماكدونالدز» في البلاد من توفير البطاطا، بشكل مؤقت، خلال العام الماضي.
ويمثل نقص الغذاء بالتزامن مع الطقس الحار في أوقات مختلفة من العام مصدرًا للاضطرابات الاجتماعية في فنزويلا، فيما ذكر أحد السياح الذين سافروا إلى كاراكاس مرات عدة، أنه لا يوجد بيض ولا حليب، والأمور تزداد سوءًا.
ويتهم مادورو أصحاب الشركات اليمينيين بأنهم السبب وراء ذلك، وبأن المعارضة تدعمهم من أجل «شن حرب اقتصادية» عبر افتعال حالة النقص في الأغذية والسلع لقلب نظام حكمه.
كما ازدهرت السوق السوداء في البلاد، فأصبح المهربون يبيعون السلع التي اختفت من المتاجر بأسعار خيالية، إذ يبلغ سعر كيس الدقيق الصغير ألفي بوليفار في السوق السوداء مقابل 190 بوليفارًا بالسعر الرسمي.
وسعيًا لحل المشكلة، أعدت الحكومة خطة لتوزيع أكياس تحتوي على الأرز والسكر والدقيق من خلال لجان توزيع السلع، لكن السكان يشتكون من أن الكميات التي تحتوي عليها قليلة جدًا وأنّها غالبًا ما توزع على أساس المحسوبيات السياسية.
بدأت الشرارة في فنزويلا قبل أيام، عندما عمّت الفوضى كثيرًا من مدنها، وتفشّت الجريمة وأعمال النهب والسلب في الشوارع، وباتت سرقات الأفراد والشركات والمحال جهارًا في وضح النهار.
ثمّ بلغت الشرارة ذروتها عندما هاجم آلاف المتظاهرين المحلات التجارية في العاصمة كراكاس، بحجة أن أسرهم يموتون من الجوع والمرض لعدم توافر الأغذية والأدوية، وأن الكهرباء والمياه انقطعت عن منازلهم، كما أنّهم لا يملكون الأموال المطلوبة لشراء ضرورات الحياة، وبالتالي فإنه لم يتبق أمامهم إلا نهب محال الأغذية للحصول على احتياجاتهم.
وسارعت حكومة الرئيس مادورو بالبحث عن عدو خارجي تلقي عليه مسؤولية الأزمة، وغالبًا ما يكون هذا العدو أميركا وحلفاءها في المعسكر الرأسمالي، ومرة أخرى تلقي باللوم على الدول الرافضة للاقتراحات المتعلقة بأزمة النفط، لكنّ هذه الحجج لم توقف عمليات نهب صناديق الأغذية والمشروبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق