السبت، 12 سبتمبر 2020

من حسب اللة وترتر إلى إبراهيم نفخو..السنِّيدة العظام..فيديو

 


ملـح الفـن..السنِّيدة العظــام.. 
من حسب الله السادس عشر وترتر إلى إبراهيم نفخـو
    

قبل اثنين وستين عاما كتب عبد السلام النابلسي قصة فيلم «حبيب حياتي» الذي أخرجه نيازي مصطفى وشارك فيه النابلسي بالتمثيل أمام أحمد رمزي وصباح، وفيه قام النابلسي بدور ممدوح الشاب الثرى الذي يترك له والده ثروة ضخمة يبددها ويضطر للعمل كسائق تاكسي، يتعامل مع الركاب بتعال شديد، باعتباره ثريا أناخ عليه الزمن، غير أن ما يلفت الأنظار بشدة هذه الأيام إلى النابلسى ومشاهده بالفيلم هو تلك المشاهد التي ظهر فيها وهو يمسك ببخاخة ضخمة و يقوم برش سيارته بالمطهرات وبتعقيم زبائنه من الركاب، وكذلك وهو يأخذ أجرته من الزبائن على طبق يضع فيه الراكب النقود ثم يقوم النابلسى برش النقود أيضا بالمطهرات خوفا من العدوى، وربما كان مقصد النابلسى من هذه المشاهد هو إظهار تكبر وعنجهية الشاب الذي كان غنيا ثم أصبح فقيرا، لكن مسألة تطهير وتعقيم السيارة والنقود والزبائن تستدعي لنا فورا ما نعانيه ونعايشه هذه الأيام مع فيروس كورونا، وكيف أن مشاهد النابلسى هى نفس ما تنادي به منظمة الصحة العالمية والجهات الصحية في العالم كله من اجراءات احترازية للنظافة والتطهير لمواجهة الفيروس، وهو ما يؤكد على أن الفنان الحقيقي يسبق عصره دائما حتى ولو على الطريقة النابلسية الساخرة الهزلية .



الكلام عن النابلسي بالتأكيد يصلح مدخلا للحديث عن أصحاب الأدوار الثانية في تاريخ السينما المصرية الذين يعتبر النابلسي عنوانا لهم، السنيدة العظام الذين يحملون عبء نجاح الأعمال الفنية على أكتافهم، ويتكفلون بهذا النجاح، ولا يستطيع الأبطال الجانات تحقيق النجاح بدونهم، إنهم أشبه بالملح، الذي لا يمكن تذوق الطعام بدونه، ولا عمل الطبخة دون إضافته، إنهم ملح الفن ومذاقه الجميل، وهم فنانون حقيقيون اعتمدوا فقط على مواهبهم الفطرية في التمثيل ولم يعتمدوا على وجوه جميلة أوأجسام ممشوقة أو أصوات يطرب لها الجمهور، فنجحوا وأنجحوا الأ فلام التي شاركوا فيها، تطول قائمتهم من النابلسي إلى ماجد الكدواني مرورا بعشرات الأسماء العظيمة في تاريخ السينما المصرية.
 النابلسي.. صك النجاح للعندليب يمثل عبد السلام النابلسي النموذج الساطع، لظاهرة الممثل السنيد الموهوب، الذي يشارك بالدور الوافر في نجاح العمل الفني، من دون أن يحصل على لقب البطل المطلق، تميز طوال تاريخه الفني بخفة الظل وبالكاريزما الخاصة التى حققت له قبولا هائلا لدي جمهور السينما، وكانت مشاركته لعبد الحليم حافظ في خمسة من أفلامه صك نجاح مؤكد لهذه الأفلام -مع اعتراف نجوم الفن مثل أحمد رمزي، نادية لطفي، عماد حمدي،… بأن عبد الحليم حافظ كان أحسن المطربين موهبة في التمثيل-، كما كانت مشاركته في أفلام نجوم آخرين تؤدي نفس المهمة، وتقوم بذات الدور، إنجاح العمل السينمائي وضمان قبوله لدى الجمهور. 
 شاعت في فترة الأربعينات والخمسينات على وجه التحديد ظاهرة استغلال نجومية مشاهير الغناء في البطولات السينمائية من أجل شباك التذاكر، ولأن بعض هؤلاء النجوم لم يكونوا ممثلين محترفين، ولا يستطيعون بمفردهم تحمل بطولة الفيلم السينمائي وملء مساحته الإبداعية والزمنية بما يجذب الجمهور، لجأ المخرجون والمنتجون إلى فنانين من نوعية خاصة وطراز خاص ليحملوا –في حقيقة الأمر- عبء العمل بشكل كبير وليساهموا في نجاح تلك النوعية من الأفلام التي كانت تزخر بعدد من الأغاني التي يغنيها البطل أو البطلة، وكان عبد السلام النابلسي، أبرز من جسدوا الظاهرة خاصة مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ. 
 في أربعة من الأفلام الخمسة التي شارك فيها عبد السلام النابلسي حليم كان النابلسي يقوم بدور صديق البطل «حليم» الذي يقف خلفه يسانده ويؤازره ويدفعه دفعا للنجاح، ففي فيلم شارع الحب الذي أخرجه عز الدين ذو الفقار، يقوم النابلسي بدور حسب الله أو حسب الله السادس عشر صاحب الفرقة الموسيقية وسليل عائلة موسيقية فنية من شارع محمد علي، يكتشف «البطل» المطرب المغمور عبد المنعم صبري «عبد الحليم حافظ» ويؤمن بموهبته، ومن أجله يضحي ويتنازل ويتزوج الثرية سليطة اللسان طيبة القلب «سنية ترتر» «زينات صدقي» حنى تقوم بالإنفاق على الفرقة وعلى المطرب، لتتحقق النهاية السعيدة، ان يحقق المطرب المغمور النجاح ويظهر للناس، وقد طغت بشكل خاص وتألقت خفة دم النابلسي ومواقفه مع زينات صدقى، مثل قيامها بـ«دلق حلة الملوخية على رأسه» وايفيهاته مثل قوله ماتبسطهاش بالشكل ده، وشاركته زينات صدقي فى تلك المشاهد الكوميدية الرائعة، التى ستبقى خالدة في تاريخ السينما المصرية.



وفي فيلم ليالي الحب يقوم النابلسي بدور شمس الموظف بأرشيف شركة البلاستيك صديق البطل «أحمد ممتاز» «عبد الحليم» خريج العلوم، والموظف بنفس الشركة ويسكنان سويا فوق السطوح ويخترع البطل قماشا من البلاستيك ضد الحرق ويقدمه لرئيسه الذي يقدمه بدوره لرئيسه و تكاد براءة الاختراع وحق البطل النابه يضيعان لولا تدخل صديق البطل شمس أو النابلسي الذي يحث صديقه على الذهاب مباشرة إلى منزل رئيس مجلس الإدارة وبعد عدة مواقف كوميدية كان النابلسي قاسمها المشترك وبهجتها الجميلة يعود الحق لصاحبه متوجا بزواج البطل من البطلة آمال فريد ابنة رئيس مجلس الإدارة.



وفي فيلم حكاية حب يقوم النابلسي بدور رفعت السناكحلي صديق البطل أحمد مدرس الموسيقى المغمور الباحث عن فرصة لإبراز موهبته والذي يعول والدته الكفيفة «فردوس محمد» وشقيقه الأصغر الطفل «أحمد يحيى» المخرج المعروف بعد ذلك ويؤمن السناكحلي بموهبة أحمد ويقف معه حتى يحقق أحلامه، وفي آخر أفلام النابلسي مع حليم «يوم من عمري» فإن النابلسي هو يونس المصور الصحفي الفاشل الذي يتعرض للسخرية من رئيس التحرير «محمود المليجي» ويرافق بطل الفيلم المحرر الصحفي صلاح شوقي إلى أن يحققا أهم خبطة صحفية، حين يكلفهما رئيس التحرير بالذهاب إلى مطار القاهرة لتغطية عودة نادية ابنة المليونير المعروف أبو عجيلة، ومن المطار تهرب نادية بعد أن عرفت أن زوجة أبيها المتسلطة ستزوجها عنوة من شقيقها طمعا في ثروة والدها وتركب الأوتوبيس الذي يستقله صلاح ويونس، وتقع نادية في حب صلاح وتذهب نادية وصلاح للمبيت عند يونس ويقومان بقضاء وقت جميل مع يونس وخطيبته، ويكتشف المليونير الحقيقة ويقرر أن يعود بابنته من حيث أتى لكن صلاح الذي كتب خبطة صحفية ويونس الذي نجح أخيرا في مهمته كمصور صحفي يقرران أن يتخليا عن مجدهما المهني من أجل الحب ويسرق صلاح الموضوع والصور قيل النشر ويذهب بهما للمليونير أبو عجيلة الذي يرضخ لأمر الحب ويوافق على زواج ابنته من صلاح.



اما الفيلم الوحيد الذي لم يقم فيه النابلسي بدور صديق عبد الحليم بل قام بدور غريمه، فهو أول أفلامهما معا «فتى أحلامي»، ثالث أفلام حليم بعد فيلميه لحن الوفاء وأيامنا الحلوة، وفي هذا الفيلم الذي أنتج عام 1955 قام النابلسي بدور نوفل السرياقوسي وكيل دائرة رضوان بك الذي يسرق أموال الدائرة وينافس عادل «حليم» على حب البطلة منى بدر، وربما لهذا السبب «أن النابلسي لم يكون صديق البطل خفيف الدم طيب القلب» مع أسباب أخرى منها تهافت القصة وضعف الحوار كان فيلم فتى أحلامى أضعف خماسية أفلام حليم مع النابلسي، وربما اكتشف حلمى حليم منتج أغلب أفلام عبد الحليم في تلك الفترة هذا الأمر فكان حرصه الشديد على أن يظهر النابلسي في دور الصديق الصدوق المحب والمخلص للبطل عبد الحليم في الافلام التي تلت هذا الفيلم.

 

 وقد كان النابلسي مرشحا لمشاركة حليم في فيلم معبودة الجماهير مع النجمة شادية لكن سفر النابلسي إلى لبنان هربا من مطاردة الضرائب له واستقراره في بيروت حال دون مشاركته للفيلم السادس على التوالي مع حليم ليذهب دوره كصديق مخلص للبطل أيضا إلى الفنان القدير فؤاد المهندس. 
 وقد شارك النابلسي في أفلام نجوم غناء آخرين غير حليم مثل فريد الأطرش الذي شارك معه في أحد عشر فيلما منها شهر العسل وآخر كدبة ولحن حبي، كما شارك مع محمد فوزي في بعض أفلامه مثل معجزة السماء غير أن التجلي الابرز للنابلسي كان بالطبع في أفلام عبد الحليم، الذي حكمت الصدفة أن تكون سنة ميلاده «1929» هى ذات السنة التى شهدت بداية المشوار الفني للنابلسي في فيلم غادة الصحراء الذي أتبعه بفيلم وخز الضمير عام 1931 ثم فيلم العزيمة عام 1939 ثم فيلم ليلي بنت الريف، وفي كل هذه الأفلام في بداياته الفنية كان النابلسي يظهر في دور الفتي المستهتر او ابن الذوات، ولم يترك النابلسي أي بصمة في تلك الأفلام وتلك البدايات، ولم ينجح نجاحا مبهرا إلا حين تحول إلى الصديق الصدوق للبطل وإلى ذلك الفقير الباحث عن فرصة للخروج من دائرة فقره وهو ما أتاح له مساحة دور أكبر وقماشة فنية أوسع تتحرك فيها موهبته العريضة.

 

فشل البطولة المطلقة والغريب أنه حين قرر النابلسي أن يكون بطلا مطلقا أخفق وفشل فشلا ذريعا في تجربتين اثنتين متعاقبتين لم يكررهما بعد ذلك هما حلاق السيدات الذي أنتجه وقام ببطولته عام 1960 وقد قام اسماعيل ياسين بالدور الثاني كصديق للبطل وسنيد للنابلسي دعما له في تجربة بطولته المطلقة الأولى في وقت كان فيه ياسين هو نجم الكوميديا الأول الذي تصنع له أفلام باسمه والغريب أن اسم اسماعيل ياسين تصدر أفيش الفيلم في بعض طبعاته كبطل ربما حيلة من النابلسي الذي يبدو أنه كان يشك في مسألة قبوله كبطل مطلق لدى الجمهور وفيه يقوم النابلسي بدور زيزو الذي ورث صالونا للحلاقة عن والده ويعمل معه صديقاه ويقرر أن يطور الصالون بتقسيمه إلى قسم للرجال وآخر للنساء وثالث للحيوانات ولكن الفيلم فشل في أن يقدم النابلسي كبطل أول، وهو ما تكرر مع فيلم عاشور قلب الأسد عام 1961 الذي قدم رشدي أباظة فكرته وقبل -وهو الجان الشهير – أن يعمل سنيدا للنابلسي الذي قام بالبطولة المطلقة من خلال شخصية عاشور الذي يعمل مدربا للتربية البدنية ويحاول أن يلفت نظر نادية لكنها لا تهتم به لضآلة جسمه وضعف بنيانه إلى أن يصادف عالما يخترع حقنة تعطي قوة بدنية جبارة ليتحول إلى شخص آخر وهي نفس قصة فيلم أونكل زيزو حبيبي لمحمد صبحى الذي أنتج بعد عاشور قلب الأسد بسنوات وفشل عاشور قلب الاسد قبل أن يترك النابلسي الفلسطيني الأصل الذي كان جده يعمل قاضيا لمدينة نابلس مصر عائدا إلى لبنان بعد أن طاردته الضرائب وحجزت على شقته بالزمالك ليكمل بقية عمره في بيروت ويرحل إثر أزمة قلبية عام في 5 يوليو عام 1968 عن عمر ناهز التاسعة والستين عاما.



زينات صدقي.. أشهر عانس يسمونها «أشهر عانس في السينما المصرية».. هي دائما تلك العانس التي تبحث عن عريس.. وتطارد من أجل ذلك من يقع قلبها في هواه.. وهي سليطة اللسان غير أنها طيبة القلب.. جميلة الروح.. هذه هي الصورة النمطية التي حصر فيها صناع السينما المصرية زينات صدقي.. ساعدهم على استمرائهم لهذا التنميط نجاحها المبهر في تأدية هذه النوعية من الأدوار باقتدار وتمكن.. وبخفة ظل هائلة وبشكل خاص في طريقة نطق الكلام واختيار الالفاظ والجمل والإيفيهات، وكذلك اختيار الملابس والاكسسوارات، التىي كانت تميز زينات صدقي وتدشن لتفردها في أداء أدوارها الكوميدية التي حفظها جمهور السينما المصرية عن ظهر قلب. 
 شكلت زينات صدقي دويتو فنيا رائعا مع إسماعيل ياسين في كثير من الأفلام.. وأشاعا جوا كوميديا مبهجا.. في مباريات كوميدية يشعر مشاهدوها أن الحب والألفة هما ما كان يحكم علاقات أبطالها في الحقيقة.
 شاركت زينات صدقي مع إسماعيل ياسين فى عدد كبير من الأفلام منها بن حميدو الذي قامت فيه بدور حميدة الفتاة العانس ابنة الريس حنفي التي تفعل هي وأمها المستحيل للزواج من ابن حميدو «إسماعيل ياسين» كما شاركت مع يس في فيلم عريس مراتي الذي قامت فيه بدور هويدا صاحبة بيت الأزياء العانس التي تبحث عمن يعمل في بيت أزيائها بشرط أن يكون أعزبا.. 
ومع إسماعيل ياسين والنابلسي أيضا شاركت زينات في فيلم حلاق السيدات في دور أشجان السيدة الثرية التي يتزوج عليها زوجها ستيفان روستي وتتصدي لهذا الزواج في مواقف كوميدية رائعة.



وتطل زينات صدقي على جمهورها في واحد من أخلد أدوارها بل أدوار الكوميديا في تاريخ السينما المصرية بدور سنية ترتر بنت البلد الطيبة الثرية سليطة اللسان خفيفة الدم والروح التي تطارد حسب الله أو النابلسي للزواج منه مشكلة معه ثنائيا كوميديا مدهشا.. وتظل مشاهد سنية ترتر وهي تلقي بالمياه أو بالملوخية الفاسدة على رأس حسب الله أو وهي تتغزل في جماله وعبقريته تستدعي ضحكات الجمهور في كل عصر رغم مرور أكثر من ستين عاما على فيلم شارع الحب الذي ضم هذه المشاهد بين زينات والنابلسي وتبقى أيضا ايفيهاتها الرائعة مثل انسان الغاب طويل الناب أو يا سارق قلوب العذارى خالدة على مر الزمن.



؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛




ليست هناك تعليقات: