الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

قصة حب الجميلة والقبيح. كامل الشناوي.. شاعر الرومانسية..فيديو


.. كامل الشناوي ونجاة الصغيرة ..
 قصــة حـــب الجـميلة والقبيــح
 ... مات كـامل الشــناوي .. 
في الوقـت الذي كان يستعد فيه للسهر كـل ليـلة 
 .. شـاعر الرومانسية وصـاحب القصـائد العـذبة ..


كامل الشناوي: هو واحدٌ من كبارِ شعراءِ مصرَ في القرنِ العشرين، عاشَ حياةً مليئةً بالإبداع. 
عاشَ حياته حُبًّا لكلِّ ما في الحياةِ من جمالٍ وخير، وأسفًا على كل ما في الحياةِ من قُبحٍ وشرّ ... زرعَ العُمر محبَّةً تمشي على قدمين، وإنسانيةً لم تتوفر لغيرِ القليلِ من البشر ... احتلَّ مكانًا بارزًا في تاريخِ الشعرِ والأدب؛ فترك بصمةً رقيقةً.. ولكن مُستثناة. 
حملَ معه ألمه وعذابه في سكونٍ كأنَّه لم يكُن، ولكن تركَ لنا أشعاره خالدةً في القلوبِ والألبابِ.. إنه كامل الشنَّاوي.َ. 
وُلدَ كامل الشناوي في قريةِ نوسا البحر بمركز أجا محافظة الدقهلية عامَ ١٩٠٨م، شقيقُه هو المؤلفُ مأمون الشناوي، وكانَ والدُه سيد الشناوي رئيسًا للمحكمةِ العليا الشرعية، وهو أعلى منصبٍ قضائيٍّ في ذلك الوقت، كما كانَ عمُّه الشيخُ محمد مأمون الشناوي شيخَ الأزهرِ الشريف. 
التحقَ كامل الشناوي بالأزهر، ولكن لم يبْقَ فيه سوى خمسِ سنوات، بعدَها تفرَّغَ للاطِّلاعِ والمعرفةِ وحضورِ مجالسِ الأدباء، وانكبَّ على دراسةِ الآدابِ العربيةِ والأجنبيةِ في شتَّى عصورِها. 
اشتغلَ كامل الشناوي بالصحافةِ مع عميدِ الأدبِ العربيِّ طه حسين في جريدةِ الوادي عامَ ١٩٣٠م. 
من مؤلَّفاتِه: «اعترافاتُ أبي نواس»، و«أوبريت جميلة»، و«الليلُ والحبُّ والموت» ... عُرِفَ بجمالِ شِعرِه الغنائيِّ ورقَّتِه، وقد غنَّى له كبارُ روَّادِ الفنِّ والغناءِ في الوطنِ العربي، مثل: محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ونجاة الصغيرة، وغيرهم. من أبرزِ وأجملِ قصائدِه: حَبِيبها، لا تَكذِبي، لست قلبي، يومٌ بلا غَد، حَياتي عَذاب، الليلُ والحبُّ والموت، وكانَ آخِرَ أعمالِه الفنيةِ أوبريت «أبو نواس». 
تُوفِّيَ في القاهرةِ عامَ ١٩٦٥م . وقع الشاعر الكبير كامل الشناوي في حب المطربة نجاة الصغيرة التي تعد من أبرز قصص الحب في السينما المصرية، بالرغم من أنه كان حبا من طرف واحد مليء بالخيال وهو الحب الذي انتج واخرج القصيدة العظيمة التي غنتها نجاة "لا تكذبي".
 كتب الشاعر كثيرا عن حبه الكبير والجم لنجاة والذي وصفه بالجنون ولم تبادله نجاة وفاءه، وكان يعلم ذلك لكنه لا يستطيع أن يتوقف عن حبها، بل كان عذابه يستوحش أثناء الخصام فلا يتحمل بعدها أو فراقها، كما ذكر احد المواقف بينهم التي جعلته يشعر بالصدمة والألم عام 1962 في عيد ميلادها عندما اشترى هدايا الحفل، وحضر برفقة أصدقائه في شقتها بالزمالك، وعند إطفاء الشموع اختارت يوسف إدريس ليقطع التورتة معها ممسكا بيدها، فانسحب الشناوي حزينا باكيا، ثم تضاعفت أحزانه، فكتب كلماته "لا تكذبي إني رأيتكما معا".. نجاة الصغيرة لاتكذبي الكويت ١٩٦٣...



  ونتج عن الألم والحب في قلبه عن قصيدة رائعة
 غناها عبد الحليم حافظ "حبيبها لست وحدك حبيبها 
أنا قبلك وربما جئت بعدك وربما كنت مثلك".



كان الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لم يستطع الشاعر كامل الشناوي أن يلغيها أو يتجاهلها.. كانت الحرية هي الهم الوحيد الذي لا يستطيع أن يعيشه بالتمني، لأنه لا حرية لإنسان يحب الناس إلى حد الالتزام، يحمل نصف أعباءهم وحده، وبين هذين القطبين -الموت والحري- كانت الأرض التي اصطدم بها خيال كامل الشناوي بحقائق الوجود، وكان المرض وتقدم السن يجعلان هذه الأرض أكثر وعورة كل يوم، وعلى الرغم من ذلك ظل كامل الشناوي يناضل بإصرار، ظل يخدع الأطباء في شيخوخته، كما كان يخدعهم في طفولته، وظل يأكل كل ما هو محرم عليه أكله، ويسهر كأنه ينصح بالاعتدال، فالاعتدال قيد وهو لا يعترف بالقيود، والاعتدال موت وهو لا يريد الموت، حتى يوم ميلاده الذي كان يحتفل به في بيت محمد حسنين هيكل بدعوة من هيكل كتب فيه:
عدت يا يوم مولدي
عدت يا أيها الشقي
الصباع ضاع من يدي
وغزا الشيب مفرقي
ليت – يا يوم مولدي – كنت يومًا بلا غـد !.
هكذا عاش كامل الشناوي حياته، ضاحكًا في جلساته، حزينًا في كتاباته.. ممتلئًا بالألم كما جسده البدين، ورغم الحزن الذي في كلماته فقد ترنم بها أشهر المطربين مثل عبدالوهاب الذي غنى له «زعموا حبي يا قلبي خطايا»، كما غنت له أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة وفريد الأطرش.
أضرب عن الزواج، بعد عدة محاولات فاشلة فيه، لكنه حزن كثيرًا لفقدانه صحته وشبابه، وأن الحياة مرت به دون أن تترك له ابنًا يسأل عنه أو امرأة تسأل عن تأخره آخر الليل، وفي اليوم ذاته وفي المساء الذي مات فيه صديق عمره الكاتب الساخر أحمد الألفي عطية، مات كامل الشناوي، وخرجت جنازتهما من مسجد عمر مكرم وصُلي عليهما في وقت واحد في المسجد ذاته الساعة الثانية عشرة ظهرًا.. !.
ذكّرني ذلك بموت رجاء النقاش ومجدي مهنا والصلاة عليهما في صلاة واحدة في مسجد عمر مكرم أيضًا لكن بعد ذلك بعشرات السنوات.
مات وظلت جملته «أنا سوف أسبق ال 24 ساعة الأخيرة من حياتي وأموت فهول الموقف يكفي ليوقف دقات قلبي!. وليس عندي التزامات أهتم بتصفيتها في لحظاتي الأخيرة.. فأنا أعيش يومًا بيوم مثل البقال «ما يفتح دفتر اليومية الصبح، ويقفل حساباته آخر الليل»، والأمر الحقيقي أن يتحقق سؤالك في آخر الشهر، وأنا لا أملك رصيدًا في أي بنك ولا بوليصة تأمين، والرجل الوحيد الذي سيشرب المقلب هو صاحب البيت». مات كامل الشناوي في الواحدة صباحًا يوم 30-11-1965 وهو الوقت الذي كان يستعد فيه للسهر كل ليلة!.
رحل عن عمر يناهز الخامسة والخمسين عامًا.. وقبل موته بعام مات جان كوكتو أديب فرنسا الشهير. 
قبل أن يدخل محمود السعدني في محارة صمته قال لي عن أستاذه كامل الشناوي: علّمني وأدّبني وقدّمني إلى الكبار.. هو الذي عرّفني بعبدالوهاب، فقد كان يتركني في جريدة الجمهورية، ويعطيني رقم هاتف المكان المتواجد فيه، ويقول لي إذا جد جديد أبلغني، ومع صدور العدد كنت آخذه وأذهب له في المكان الموجود فيه، والذي قد يكون بيت رئيس وزراء أو وزير أو فنان أو شخصية لها وضعها في المجتمع. 
كامل بك «حاجة تانية خالص» كانت لديه ميزة وهي أنه لم يتزوج وله الفضل على أشهر أبناء جيلي، الذي يعمه بفضله والذي يعيّنه في صحيفة والذي يسكنه والذي يدفع له ثمن الأكل والإيجار، أول مرة دخلت بيتًا لمحمد عبد الوهاب، كنت مع كامل الشناوي، وكان يقدّمني على أنني الكاتب الكبير، وكان معنا فتحي غانم ويوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وحسن فؤاد وجمال كامل.
يضحك السعدني قبل أن يكمل لي الحكاية: كنت أعرف أن كامل الشناوي يتعامل مع مطاعم معينة في أكل الكباب مثل أبو شقره والخميس والدهان وعبدالقوي والمحلات التي في شارع الألفي في وسط القاهرة، وكان يطلب الأكل جاهزًا بالتليفون، وكان عنده باشوات ووزراء ونجوم يعزمهم على العشاء كل يوم. 
ضربت تليفونًا لهذه المحلات، قلّدت صوت كامل الشناوي وقلت بلهجته:»هات الكباب وكمان كتر الحمام وكتر المِوز…» بعد ساعة جاءت المحلات التي طلبتها بهذه الطلبات، فقال في ضيق وسرعة ولهفة في الكلام: « إيه ده.. أنا مطلبتش حاجة من دي».. ثم وزع الأكل على المطبعة وعلى المحررين. بعد بضعة أيام عرف أنني الذي قمت بهذا المقلب فيه، غضب جدًا، قلت له:»أنت بتضرب الناس مقالب كثيرة يا عم كامل، وهذا مقلب واحد فقط، ثم أنا بتعلم منك.. هل هذا جزائي»؟!.
فقال «قلد السعدني طريقة كامل الشناوي في الكلام»: ده مش مقلب يبني.. ده خراب بيوت.
رحمهما الله.
.

ليست هناك تعليقات: